زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي المنامة في 21 أكتوبر الحالي، والتقى بالملك حمد بن عيسى آل خليفة، ما مثّل نقطة تحوّل مهمّة في العلاقات الإيرانية البحرينية التي انقطعت منذ العام 2016. جاءت هذه الزيارة – وهي الأولى لوزير خارجية إيراني إلى البحرين منذ العام 2010 – وسط تصعيدٍ في المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل. وفي حين لم تستعد البحرين وإيران علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية كاملة، تشكّل زيارة عراقجي خطوة إلى الأمام في جهود اكتسبت وتيرة متسارعة على مدى الأشهر الخمسة الماضية. ومع ذلك، لا يزال الطريق إلى التطبيع محفوفاً بعوائق بنيوية عميقة مُتجذّرة في مظالم تاريخية وتعقيدات جيوسياسية وشكوك مُتبادلة راسخة.
سَبق المبادرات الدبلوماسية الأخيرة التي قدّمتها البحرين تجاه إيران تحوّلٌ في نهج المملكة تجاه المعارضة الداخلية، وخصوصاً في العلاقة مع غالبية سكّانها الشيعة. في أبريل الماضي، أطلقت البحرين سراح آلاف السجناء السياسيين من الطائفة الشيعة لتخفيف التوتّرات الداخلية. وقد أعقبت هذه الخطوة، على الرغم من عدم ارتباطتها ظاهرياً، سلسلةٌ من التلميحات الدبلوماسية اللافتة تجاه إيران، بدءاً من إرسال الملك حمد رسالة تعزية إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 20 مايو، ومن ثمّ حضور وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني جنازة رئيسي في طهران بعدها بأيام.
وفي يونيو الماضي، أرسلت البحرين رسالة عبر روسيا أعربت فيها عن رغبتها في إعادة العلاقات مع إيران، ما أكّده الملك حمد في اجتماعه مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ في بكين. وبحلول 23 يونيو، كانت البحرين وإيران قد اتّفقتا على بدء محادثات ثنائية، بحيث سافر الزياني إلى طهران لجسّ إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة. كمّا هنّأ الملك حمد الرئيس الإيراني المُنتخب حديثاً مسعود بزشكيان في يوليو الماضي، وبعدها حضر الزياني حفل تنصيبه. وشهدت أشهر الصيف الماضي اتّصالات رفيعة المستوى، من ضمنها مكالمات هاتفية واجتماعات في المنتديات الدولية مثل الجمعية العامّة للأمم المتحدة وقمة حوار التعاون الآسيوي في الدوحة. صحيح أنّ هذه التطوّرات الدبلوماسية في غاية الأهميّة، لكنها ليست سوى بداية رحلة طويلة وصعبة نحو التطبيع.
خطوط الصدع
تكمن العقبات الأساسية أمام إعادة العلاقات في التاريخ المُعقّد والمضطرب بين البلدين. ، فقد خلقت مطالبة إيران بأراضٍ في البحرين منذ ستينيات القرن الماضي شعوراً مستمرّاً بعدم الثقة. وبينما اعترفت إيران في النهاية باستقلال البحرين، وقبلت نتائج مسح الأمم المتّحدة في العام 1971، ووقّع البلدان اتفاقية الجرف القاري، ظلّت التوتّرات قائمة. وتفاقم الوضع بعد الثورة العام 1979 في إيران، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في العام 1981 في البحرين، والتي أُلقي اللوم فيها على جهات مُرتبطة بطهران. وقد عزّزت هذه الأحداث وجهة نظر البحرين تجاه إيران باعتبارها قوّة مضعضِعة للاستقرار في المنطقة وتهديداً وجودياً للعائلة الحاكمة البحرينية.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سُجِّل هدوء لفترة قصيرة، لا سيما في أثناء زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى المنامة في العام 2003 وانطلاق المحادثات حول إنشاء خطّ أنابيب الغاز الطبيعي مُحتمل يمتدّ من إيران إلى البحرين. إلّا أنّ هذه الجهود طغى عليها تعمّق التحالف بين البحرين والولايات المتّحدة، وخصوصاً بعد توسّع الوجود العسكري الأمريكي في البحرين بعد العام 2001. والواقع أصبح وجود الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في البحرين نقطة خلاف مهمّة بالنسبة إلى إيران.
وبحلول العام 2007، تدهورت العلاقات أكثر عندما أشار رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية، وهو مستشار للمرشد الأعلى، بشكل استفزازي إلى البحرين باعتبارها «مقاطعة» إيرانية. وزعمت الافتتاحية أنّ «المطلب الرئيس للشعب البحريني اليوم هو إعادة هذه المقاطعة، التي انفصلت عن وطنها الأم إيران الإسلامية» – وهو ادّعاء يفتقد لأي دليل تسبّب بأزمة دبلوماسية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إيران حينها لطمأنة البحرين وتأكيدها احترام سيادتها – بما في ذلك زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى المنامة ومشاركة وزير خارجيته في قمتي حوار المنامة في العامين 2009 و 2010 – عزّزت هذه الأحداث تصوّر البحرين عن إيران باعتبارها تهديداً.
فاقمت الثورات العربية في العام 2011 التوتّر القائم في العلاقات. فقد قادت الغالبية الشيعية في البحرين احتجاجات واسعة ضدّ النظام الملكي الحاكم، وسارعت الحكومة إلى اتّهام إيران بدعم الاضطرابات. وعلى الرغم من أنّ لجنة التحقيق المستقلّة في البحرين لم تجد أي دليل مباشر على تورّط إيران، عزّز الدعم الإيراني المفتوح لشخصيّات معارِضة بحرينية شكوك المنامة. ومنذ ذلك الحين، يعتبر قادة البحرين إيران تهديداً داخلياً مستمرّاً، على الرغم من أنّ المعارضة السياسية الشيعية في البحرين نأت بنفسها عن طهران، ولا يلتزم معظم الشيعة في البحرين بولاية الفقيه، وهي الأيديولوجيا السياسية الدينية التي تقوم عليها الدولة الإيرانية، ولا يتبعون علي خامنئي كمرجع ديني.
تطرح تحالفات البحرين الجيوسياسية أيضاً عوائق كبيرة أمام أي تقارب هادف مع إيران. فالشراكات الوثيقة التي تربط البحرين بالولايات المتّحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة تملي إلى حدّ كبير معالم سياستها الخارجية تجاه طهران. وتُعتبر مشاركة البحرين في اتفاقيات أبراهام في العام 2020، التي أدّت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشكلة بشكل خاص من منظور إيران. تظهر أولويات البحرين الإستراتيجية من خلال قرارها بالتحالف مع المحور الأمريكي الإسرائيلي، ومشاركتها في تحالف عسكري تقوده الولايات المتّحدة ضدّ قوّات الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، والتوقيع على اتفاقية التعاون الأمني لعام 2022 مع إسرائيل.
لقد عزّزت هذه التطوّرات دورَ البحرين في التحالفات الأمنية الإقليمية المُصمّمة للتصدّي لإيران. وبدورها، تنظر طهران إلى العلاقات الأمنية الوثيقة بين البحرين وإسرائيل على أنّها تهديد مباشر لها. وقد ارتبطت المحادثات في المنامة في 21 أكتوبر الحالي بجهود إيران لإدارة تداعيات هجماتها الصاروخية على إسرائيل في وقت سابق من الشهر الحالي، التي استرعت ردّاً انتقامياً من تل أبيب. وعلى الرغم من أنّ البحرين باتت شريكاً عسكرياً مهمّاً لإسرائيل، من غير المرجّح أن تسمح المنامة للقوّات الأمريكية أو الإسرائيلية باستخدام أراضيها لشنّ هجمات ضدّ إيران.
صلة الوصل بين الدول الخليجية
على الرغم من هذه التحدّيات الكبيرة، تبرز مجالات لتعاون مُثمر بين إيران والبحرين. وأحد القطاعات الواعدة هو قطاع الطاقة. إنّ الحاجة المُتزايدة للبحرين إلى الغاز الطبيعي، إلى جانب الاحتياطيات الوفيرة التي تمتلكها إيران، توفّر أساساً مُحتملاً لتعاون اقتصادي. وتصبّ في مصلحة البلدين المناقشاتُ بشأن صادرات الغاز من إيران إلى البحرين التي بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن تتوقّف بسبب المخاوف السياسية والأمنية. ومن المرجّح أن تملي البيئة الجيوسياسية المحيطة، وخصوصاً العقوبات الأمريكية على إيران، وتيرة التقدّم في هذا المجال.
تقدّم العلاقات التجارية، على الرغم من محدوديتها، فرصة أخرى للتعاون. صبّ الكثير من التركيز الحالي على تسهيل الرحلات الدينية والزيارات العائلية، وخصوصاً بالنسبة إلى المجتمع الشيعي في البحرين الذي تربطه علاقات مباشرة بإيران. وفي حين ستكون استعادة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين تطوّراً إيجابياً، لكنّها لا تشكّل أساساً كافياً لتعميق العلاقات بين الدولتين.
سيكون الطريق إلى التطبيع الدبلوماسي الكامل بين إيران والبحرين طويلاً وصعباً. ولا تزال العوائق التاريخية والجيوسياسية والبنيوية التي شكّلت علاقاتهما لعقود راسخة بعمق. ويشكّل التحالف الوثيق بين البحرين ومحور الولايات المتّحدة وإسرائيل عقبة هائلة أمام أي تقارب شامل مع طهران.
ومن المرجّح أن يتأثّر مستقبل العلاقات بين إيران والبحرين بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزعم إجراؤها في نوفمبر المقبل، وبالمرحلة التالية من الصراع بين إيران وإسرائيل. مع ذلك، يشكّل انخراط البلدين دبلوماسياً بعد سنوات من القطيعة بصيص أمل على طريق الانفراج. وفي حين تظلّ التحدّيات كبيرة، يشير استعداد البلدين للانخراط في حوار، وسط توجّه إقليمي أوسع نحو الدبلوماسية، إلى وجود مجال للتفاؤل الحذر في الأشهر والسنوات المقبلة.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّفة حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.