تكييف أجندة المرأة والسلام والأمن مع سياق العالم العربي

بمناسبة الذكرى السنويّة الرابعة والعشرين أجندة المرأة والسلام والأمن في أكتوبر الحالي، من الضروري إجراء إعادة تقييم شاملة للإطار بحيث يأخذ بعين الاعتبار تجارب وآراء النساء اللواتي يعشن في الدول العربيّة.

30 أكتوبر، 2024
ساره شهاب

جسّد اعتمادُ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن في 31 أكتوبر 2000، التزامَ المجتمع الدولي غير المسبوق باعتبار المرأة شريكةً كاملةً في عمليّات السلام. تشمل أجندة المرأة والسلام والأمن، عشر قرارات لمجلس الأمن الدولي تعترف بتداعيات الحروب المدمّرة على النساء والفتيات على الصعيد العالمي وتُطالب بإشراكهن بشكلٍ كامل في عمليات حلّ الصراعات وجهود بناء السلام التي لطالما هُمّشت فيها على مرّ التاريخ.  

فعلى الرغم من الإنجازات المتعدّدة التي تحقّقت في العالم العربي مع اقتراب حلول الذكرى السنويّة الخامسة والعشرين للقرار 1325، تُواجه أجندة المرأة والسلام والأمن أزمة شرعيّة في المنطقة. أولاً، هناك إغفال  واضح لمعاناة النساء الفلسطينيات، وهو ما تفاقم بشكل صارخ خلال العام الماضي حيث تعرّضت النساء إلى معاناة لا توصف في غزة والضفة الغربية. كما أن أجندة المرأة والسلام والأمن تتعرض للتقويض بسبب عدم قدرتها على تكييف مفاهيمها ومصطلحاتها مع الثقافات المحلية، ما يعزّز التصوّر السائد بأنّها من صنع الخارج.  

في ظلّ تصاعد الصراعات في المنطقة، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة تقييم أجندة المرأة والسلام والأمن وتحسينها وتكييفها بحيث تعكس الواقع الذي تواجهه المرأة في الدول العربيّة. لا بدّ من أن يبني صنّاع القرار والناشطين والخبراء في العالم العربي على المبادرات والإنجازات القائمة والدفع قدماً نحو مقاربة أكثر تركيزاً تجاه المرأة والسلام والأمنبحيث تُلبّي احتياجات المنطقة المحدّدة ويكون لها تأثير على أهداف أجندة المرأة والسلام الأمن الأوسع لدى الأمم المتّحدة.  

دور المرأة والسلام والأمن 

يعود الفضل إلى أجندة المرأة والسلام والأمن في تعزيز تمثيل المرأة ومشاركتها في صناعة السلام بشكلٍ رسمي؛ وتسليط الضوء على آليات الحماية وتوفيرها من أجل محاربة العنف الجنسي والجندري في زمن الحرب؛ ودفع الدول إلى الالتزام مالياً بالمبادرات المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن من خلال خطط عمل وطنيّة ملموسة. على مدى العام الماضي، أُحرز تقدّم على بعض الجبهات العالميّة مع اعتماد 108 دولة خطط عمل وطنية في العام 2024– ما سجّل ارتفاعاً مقارنةً بالعام 2023.   

لكنّ المشاكل لا تزال قائمة في المجالات كافة ويبدو أنّ الزخم في تطبيق أجندة المرأة والسلام والأمن شهد تباطؤاً في الأعوام الأخيرة. وقد تراجعت مشاركة المرأة في عمليّات السلام التي تقودها الأمم المتحدة أو تشارك في قيادتها -من 23 في المئة في العام 2020 إلى 16 في المئة في العام 2023- وباستثناء كولومبيا، غابت النساء عن طاولات المفاوضات إلى حدّ بعيد. واحتوت قلّة من اتفاقيات السلام التي اُبرمت في العام 2022 على أحكام متعلقّة بالجنسَين (6 من أصل 18 اتفاقية).  

تجلّت هذه الإخفاقات في العالم العربي بشكلٍ أكبر، حيث تبنّت 8 دول إقليمية فقط خطط عمل وطنية. علاوة على ذلك، تُعتبر الحرب على غزة ولبنان، التي أودت بحياة آلاف النساء الأبرياء وشردّت المزيد منهن بالآلاف، مؤشّراً واضحاً إلى الفجوة بين أجندة المرأة والسلام والأمن والوقائع على الأرض. وعلى الرغم من أنّ كلاً من فلسطين ولبنان وضع خطة عمل وطنيّة في العامين 2017 و2019 على التوالي، إلّا أنّ الوثيقتين تبدوان فارغتين اليوم نظراً للصراع المستمر الذي يعصف بالبلدين.  

التقدّم والإنجازات في العالم العربي 

اضطلعت النساء في الدول المتأثّرة بالصراعات في المنطقة العربيّة منذ العام 2011 بأدوار وساطة مهمة داخل مجتمعاتهن. وقد شملت هذه الأدوار التفاوض على إطلاق سراح السجناء والتوصّل إلى اتفاقات هدنة محليّة في سوريا، بالإضافة إلى وضع قضايا جوهريّة، مثل النزوح، على طاولة مفاوضات السلام الرسميّة في ليبيا والتفاوض على اتفاقات لوقف إطلاق النار على المستوى المحلّي في اليمن.  

وأضفى مجلسُ النساء السوريّات الاستشاري الذي أُنشئ في العام 2016 الطابعَ الرسمي على إشراك المرأة السوريّة في عمليّات السلام الرئيسيّة. واستحوذت النساء في العام 2019 على ما يقارب 30 في المئة من المقاعد في اللجنة الدستوريّة السوريّةوهي الهيئة الرئيسيّة المكلّفة إعادة كتابة الدستور السوري. أما في ليبيا فضمنت المرأة في العام 2020 أدوار تفاوضيّة محوريّة في منتدى الحوار السياسي الليبي ومثّلت 23 في المئة من مفاوضيه.  في اليمن، رغم أنّ نسبة المندوبات في محادثات الكويت للعام 2016 بلغت 12 في المئة و4 في المئة فقط في اتفاقيّة ستوكهولم للعام 2018، ورغم فرض قيود صارمة عليهن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أدّت النساء دوراً جوهرياً. ودعمت النساء، من خلال ميثاق المرأة اليمنية من أجل السلام والأمن ومجموعات أخرى من المجتمع المدني، الجهود المحليّة الرامية إلى تقديم المساعدات الإنسانيّة وإطلاق سراح السجناء وإعادة إدماج الجنود الأطفال في المجتمع والمناداة بإشراك المرأة في المفاوضات الرسميّة

 

تُبذل جهود الوساطة المحليّة في الدول العربيّة المعرّضة للصراعات في موازاة مبادرات مهمة لبناء القدرات. ففي لبنان قدّم برنامج الشابات صانعات السلام لنساء من 12 دولة عربية تدريباً معمّقاً في العام 2023 في مجال منع الصراعات وحلّها والوساطة بهدف تعزيز مهارات النساء في صناعة السلام. وقد درّبت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 400 امرأة من صانعات السلام من مختلف أنحاء العالم منذ العام 2019، ما أدى إلى زيادة فعاليّة المتدرّبات التشغيليّة وتعزيز قدراتهن العسكرية والمتعلّقة بصناعة السلام.   

يشكّل إنشاء  مجموعة العمل حول أجندة المرأة والسلام والأمن في الدول العربيّة في يونيو 2024 -وهو منصّة مشتركة بين المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية والمركز الإقليمي للمرأة والسلام والأمن في بيروت وكيانات أخرى متمركزة في المنطقة- أحدث مبادرة تجمع بين النساء من مختلف القطاعات والدول العربيّة. وتهدف مجموعة العمل إلى رسم الخطوط العريضة لكيفية تطبيق أجندة المرأة والسلام والأمن في المنطقة -من خلال عمل المناصرة والبحوث والاجتماعات المنتظمة- ومطالبة المجتمع الدولي بإيلاء اهتمام إلى واقع النساء اللواتي يعشن في الدول العربيّة وتجاربهن.

   

التحدّيات والفجوات  

تُعاني أجندة المرأة والسلام والأمن، على الرغم من الإنجازات التي تحقّقت، من أزمة شرعية ستُعرقل، في حال لم تُعالج، قبولها وتطبيقها في السنوات القادمة. على مشارف الذكرى السنويّة الخامسة والعشرين لهذه الأجندة، من الضروري الاعتراف بالتحدّيات التي أعاقت المبادرات المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن والعمل على إزالتها.   

ما يفاقم أزمة شرعيّة أجندة المرأة والسلام والأمن في العالم العربي هو الفشل في معالجة معاناة النساء الفلسطينيّات اللواتي يعشن تحت الاحتلال. صحيحٌ أنّ إغفال هذه المسألة في النصوص والقرارات والاجتماعات الرسميّة المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن يعود إلى ما قبل الحرب على غزة، إلّا أنّه بات صارخاً منذ أكتوبر 2023 بشكلٍ خاص. فالتحدّيات الفريدة التي تُواجهها النساء الفلسطينيات الناشطات سياسياً، على غرار التحرّش والعنف والإساءة على يد الدولة الإسرائيليّة، تتجاهلها بشكلٍ تام أجندة كانت قد وُضعت بهدف تقديم آليات الحماية للنساء كافة.    

لقد واصلت المنظّمات التي تقودها نساء فلسطينيّات العمل في غزة والضفة الغربيّة على الرغم من النقص في السلامة ومن الأضرار الجسيمة التي ألحقت ببناها التحتيّة على مدى العام الفائت، ناهيك عن التخفيضات الكبيرة في التمويل. وفي الوقت الذي تُقدِّر فيه الأمم المتحدة بأنّ 80 في المئة من النساء الغزاويات أصبحن يعتمدن الآن على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، تقف هذه المنظمات والنساء اللواتي يدرنها في الخطوط الأماميّة لتوزيع الأغذية والأموال ولتأمين الخدمات النفسيّة للمحتاجين.  

ويتمثّل تحدّ آخر بالتصوّر السائد لدى بعض الجماهير الإقليميّة بأنّ مفاهيم المرأة والسلام والأمن المتعلّقة بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين هي من صنع الغرب وتتعارض بطبيعتها مع الثقافات المحلية. وتُفاقم المصطلحاتُ التقنيّة المستخدَمة في بعض الأوساط والنصوص المتعلّقة بالمرأة والسلام والأمن هذه المشكلة في المجتمعات حيث لا تحظى مشاركة المرأة في قضايا السلام والأمن بقبولٍ واسع النطاق. على سبيل المثال، وجدت مجموعة العمل حول أجندة المرأة والسلام والأمن في الدول العربية أنّ المفاهيم الغربيّة مثل “تعميم مراعاة المنظور الجنسانيموجّهة بشكلٍ أساسي نحو النخب النسائية. لذا من الضروري وضع الأجندة والأفكار والمصطلحات في سياق الجماهير الإقليمية وأبعد من النخب من أجل تعزيز قبولها وشرعيّتها لدى الرأي العام الأوسع.   

وتواجه أجندة المرأة والسلام والأمن تحدّيين رئيسيين أخيرين، ألا وهما النقص في التمويل والموارد، وتراجع الإرادة السياسية لمتابعة تنفيذ الالتزامات المرتبطة بالمرأة والسلام والأمن. ويُعدّ الدعم المالي والسياسي حيوياً لتطبيق مبادرات المرأة والسلام والأمن بشكلٍ فعّال- لا سيّما في العالم العربي حيث قلّة من الدول فقط، ولا أي دولة منذ العام 2021، اعتمدت خطط عمل وطنيّة بشأن المرأة والسلام والأمن بشكلٍ رسمي.     

في الوقت الذي لا تزال فيه الحرب على غزة ولبنان مستعرة، تُعتبر استدامة أجندة المرأة والسلام والأمن على المحك. تمنح الذكرى السنويّة الخامسة والعشرون المقبلة لقرار مجلس الأمن رقم 1325 فرصةً حاسمة لدفع جدول الأعمال قدماً. لذا لا بدّ من سدّ الفجوات وتمثيل النساء اللواتي يعشن في العالم العربي في المساحات والمحادثات الرسميّة، ما سينعكس إيجاباً على أجندة المرأة والسلام والأمن وعلى المنطقة العربيّة وملايين النساء اللواتي يعشن في الدول العربيّة.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية:
البلد: إيران، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الجزائر، السودان، العراق، الكويت، المغرب، المملكة العربية السعودية، اليمن، تركيا، تونس، سوريا، عُمان، فلسطين، قطر، لبنان، ليبيا، مصر، موريتانيا

المؤلف

زميلة بحوث أولى في أكاديميّة أنور قرقاش الدبلوماسيّة في أبو ظبي
ساره شهاب هي زميلة بحوث أولى في أكاديميّة أنور قرقاش الدبلوماسيّة في أبو ظبي. تُدير شهاب برنامج البحوث “المرأة والدبلوماسيّة” في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية. وتدرّب الدبلوماسيّين على جدول أعمال المرأة والسلام والأمن، والشؤون العالميّة والاقتصاديّة المعاصرة. هي الباحثة الرئيسيّة ومؤلّفة “مؤشّر المرأة في الدبلوماسيّة“، وهو إصدار سنوي فريد يقيس النسبة المئويّة للسفيرات في شتّى… Continue reading تكييف أجندة المرأة والسلام والأمن مع سياق العالم العربي