الصفحات الأولى من الصحف تنشر خبر مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية في العاصمة اللبنانية يوم الجمعة، في أحد المتاجر في طهران بإيران في 29 سبتمبر 2024. (وكالة الصخافة الفرنسية)

مقابلة: إستراتيجيّة الدفاع الأمامي الإيرانية تعود خطوة إلى الوراء

تشكّل الخسائر التي تكبّدها حزب الله مؤخّراً، بما فيها اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، ضربة قويّة للمنظّمة و«محور المقاومة»، وتقوِّض إستراتيجية إيران الإقليمية التي تبنّتها على مدى عقود.

29 سبتمبر، 2024
حميد رضا عزيزي

في الأسابيع الأخيرة، صعّدت إسرائيل عدوانها على لبنان، ووجّهت ضربة قاضية لكثير من كبار القادة العسكريين لحزب الله، ومن ضمنهم أمينه العام الراحل حسن نصر الله. في هذه المقابلة مع «أفكار»، يستعرض الخبير في الشؤون الإيرانية والمحلّل الأمني، حميد رضا عزيزي، رؤيته لحسابات طهران الإستراتيجية في هذه اللحظة المفصلية، بما فيها الملف النووي وسياستها الإقليمية. 

 

1.  لقد ذكرت مؤخّراً أنّ حزب الله يشكّل العنصر المحوري في إستراتيجيّة الدفاع الأمامي الإيرانية. كيف أثّر إضعاف حزب الله على مدى الأسابيع القليلة الماضية على مكانة إيران الإستراتيجية التي بنتها طهران على مدى عقود؟

 

تنبع أهمّية حزب الله في إستراتيجية إيران الإقليمية من عوامل متعدّدة. أولاً وقبل كلّ شيء، يُعتبر حزب الله الحليف الأكثر ولاءً لطهران بين جميع شركائها غير الحكوميين في المنطقة. على مرّ سنين، عملت الروابط الطائفية والإيديولوجية المشتركة، إلى جانب إيمان حزب الله العميق – وخصوصاً إيمان حسن نصر الله – بولاية الفقيه وقيادة المرشد الأعلى الإيراني آية الله السيد علي خامنئي، على ترسيخ حزب الله كحليف إيران الإقليمي التي يمكنها الاعتماد عليه. وعلى الرغم من حفاظه على استقلالية إستراتيجية داخل لبنان وقدرات تكتيكية في المنطقة، ضمنت هذه العوامل عمل حزب الله في تنسيق إستراتيجي دائم وكامل مع إيران. لا يتشارك أي من الأعضاء الآخرين في «محور المقاومة» هذه الخصائص. ونتيجة لهذا، يشكّل إضعاف حزب الله، وخصوصاً خسارة نصر الله، ضربة موجعة لطهران. 

 

من منظور عسكري، اضطلع حزب الله بدور فريد في عقيدة إيران العسكرية المعروفة بـ «الدفاع الأمامي» أو «الدفاع الهجومي». تنظر إيران إلى سيطرة حزب الله على جنوب لبنان المُتاخم للحدود مع فلسطين المحتلّة كأداة لتوسيع عمقها الإستراتيجي والوصول إلى إسرائيل مباشرة. كان يُراد من حزب الله التعويض عن نقصين إستراتيجيين لإيران في مواجهة إسرائيل وهما: المسافة الجغرافية والقصور العسكري التكنولوجي. واستُخدِمت الصواريخ التي وضعتها إيران في أيدي حزب الله كرادع يمنع إسرائيل من القيام بعمل عسكري مباشر ضدّ إيران. لذلك، يزيد إضعاف القدرات العسكرية لحزب الله من ضعف إيران أمام إسرائيل. 

 

فضلاً عن ذلك، منذ اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني في العام 2020، أدّى حزب الله دوراً مركزياً في التنسيق بين «محور المقاومة» وقيادته. ولذلك، لا يخلق تفكيك بنية الحزب القيادية ارتباكاً إستراتيجياً داخل المجموعة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى فراغ مؤقّت في قيادة الشبكة المدعومة من إيران في المنطقة والسيطرة عليها. وبطبيعة الحال، ستكون معالجة هذه النواقص مُستنزفة في الوقت ومُكلفة بالنسبة إلى إيران. 

 

 

2. يبدو أنّ مصداقية إيران على المحك. لماذا لم تتدخّل الجمهورية الإيرانية للدفاع عن حليفها الأهم على الإطلاق؟

 

يعود تردّد إيران في التدخّل المباشر للدفاع عن حزب الله إلى عاملين رئيسيين هما: قدرتها المحدودة، والمزايا التي تتمتّع بها إسرائيل. 

 

أولاً، تبدو خيارات إيران لمواجهة إسرائيل مقيّدة أكثر من أي وقت مضى. تعتمد إستراتيجية الدفاع الأمامي في المقام الأول على القدرات العسكرية غير المُتكافئة، ومن ضمنها الصواريخ الباليستية والمسيّرات وشبكة من الحلفاء والوكلاء من غير الدول. وفي حين يمكن للصواريخ الباليستية والمسيّرات أن تُلحِق أضراراً كبيرة وتؤثّر في حسابات الخصوم الإستراتيجية، إلّا أنّها غير مناسبة للانخراط في حرب واسعة النطاق أو طويلة الأمد. لا يمكن للكثير من صواريخ إيران أن تصل إلى إسرائيل، عدا عن أنّ مخزونها من الصواريخ طويلة المدى الفعّالة محدود. وللتعويض عن هذا النقص، تعاونت إيران مع المجموعات المُسلّحة غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة لتوسيع نطاقها الجغرافي والوصول إلى أعدائها بالمباشر. وكما ذكرت سابقاً، يتصدّر حزب الله الطليعة في هذه الشبكة، ويؤدّي دوراً محورياً في حسابات طهران العسكرية ضدّ إسرائيل. لطالما رسمت الأهداف ليكون حزب الله جزءاً من ردّ إيران وليس المُحفّز له. والآن، بعد إضعاف حزب الله وتأثّر أعضاء آخرين في «محور المقاومة» بالفراغ القيادي، لا تعتبر إيران نفسها قادرة على الدخول في حرب مع إسرائيل. 

 

ثانياً، تشكّل قدرات إسرائيل مصدر قلق كبير لطهران. إنّ التحرّكات الإسرائيلية الأخيرة، ومن ضمنها اغتيال القادة الإيرانيين في سوريا، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والضربات المستمرّة في لبنان، والقضاء على جميع كبار قادة حزب الله، تثبت اختراق الإستخبارات الإسرائيلية العميق لـ «محور المقاومة». وقد يؤدّي الانخراط في صراع من دون معالجة هذه الثغرات الأمنية إلى عواقب وخيمة، وقد يعرّض إيران لمخاطر كبيرة على أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل دور الولايات المتّحدة بدعمها الكامل لإسرائيل. والواقع، لن يؤدّي تورّط واشنطن المُحتمل في صراع إيراني إسرائيلي سوى إلى تعقيد التحدّيات التي تواجه إيران. 

 

 

3. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة، أشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أنّ طهران «مستعدّة للتعامل» مع الدول الغربية في الملف النووي. ما هي الدوافع وراء هذا الموقف، وهل تعتقد أنّ الأحداث الأخيرة ستغيّر استعداد إدارة بزشكيان للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟

 

لم يكن خطاب مسعود بزشكيان في الأمم المتّحدة جديداً من حيث المحتوى، على الرغم من لهجته الأكثر استرضائية مقارنة بالماضي. على مدى السنوات القليلة الماضية، أعربت إيران باستمرار عن استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي. والدافع الأساسي وراء هذا الموقف هو الوضع الاقتصادي المتردّي الذي ترك الحكومة غارقة في أزمة داخلية مُزمنة. ومن الواضح أنّ سياسة «التوجّه شرقاً»، وما يُسمّى «اقتصاد المقاومة»، فشلت في حلّ هذه الأزمة. وبالتالي، يتجاوز قرار مواصلة المفاوضات والدبلوماسية إدارة بزشكيان، ويحظى من دون شك بموافقة المرشد الأعلى. 

 

قد تشكّل الأزمة الإقليمية الحالية، التي تهدّد مكانة إيران، النهج الدبلوماسي الذي تنتهجه طهران تجاه الغرب بطريقتين مختلفتين. في سيناريو أول، قد تعمّق هذه التطوّرات عدم ثقة في الغرب وتخلق عقبات جديدة أمام الجهود الدبلوماسية. بالفعل بدأت بعض الأصوات في إيران تدعو إلى إنهاء المفاوضات وتطوير الأسلحة النووية باعتبارها «الرادع النهائي» ضدّ إسرائيل. وإذا اكتسبت هذه الأصوات زخماً  كافياً داخل النظام، فقد تدخل إيران في أزمة غير مسبوقة منذ عقود تتعلّق ببرنامجها النووي وعلاقاتها مع الغرب.  

 

وفي سيناريو آخر، قد تدرك إيران حدود قدراتها وتتبنّى نهجاً أكثر واقعية يتماشى مع مفهوم «الانسحاب التكتيكي» الذي أشار إليه خامنئي مؤخّراً بعد وفاة هنية. وفي هذه الحالة، قد تُسارع إيران إلى التوصّل إلى اتفاق جديد مع الغرب يتجاوز الملف النووي ليشمل القضايا الإقليمية، من أجل تجنّب خطر الحرب، وضمان استقرار اقتصادها المحلّي واستعادة قوّتها. ومع ذلك، ونظراً للتوتّرات العميقة الجذور بين إيران والغرب، من المرجّح أن تكون أي مصالحة مؤقّتة، وغير قادرة على تحقيق حلّ دائم للتحدّيات التي تواجه الطرفين. 

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: العلاقات الإقليمية، خطة العمل الشاملة المشتركة
البلد: إيران، فلسطين، لبنان

المؤلف

زميل غير مقيم
حميد رضا عزيزي هو زميل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وزميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو أيضاً باحث مشارك في معهد كليندال الهولندي للعلاقات الدولية.   وكان عزيزي قبل ذلك زميلاً مشاركاً في مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية في العام 2022. وقد حاضر في عددٍ من الجامعات الإيرانية، مثل جامعة… Continue reading مقابلة: إستراتيجيّة الدفاع الأمامي الإيرانية تعود خطوة إلى الوراء