وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يلقي كلمة خلال مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية، في 10 سبتمبر 2024، في القاهرة، مصر. (وكالة الصحافة الفرنسية) 

مقابلة: تركيا حاضرة في اجتماع جامعة الدول العربية 

بعد غياب دام 13 عاماً، يشير حضور تركيا في قمة الجامعة العربية إلى تحسّن العلاقات مع بعض الدول العربية، في حين لا تزال التوتّرات مع سوريا قائمة. 

26 سبتمبر، 2024
غالب دالاي

كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان حاضراً في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في القاهرة، وهي المرة الأولى التي تُمثَّل فيها تركيا في القمة منذ 13 عاماً. وتطرّق فيدان في خطابه إلى الحرب على غزة وضرورة الوحدة بين أعضاء جامعة الدول العربية وتركيا. وتصدّر وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، عناوين الأخبار بانسحابه من قاعة القمة في خلال خطاب فيدان. في هذه المقابلة، يتعمّق غالب دالاي، الزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط، في حضور تركيا قمة جامعة الدول العربية وخطاب وزير الخارجية التركي. 

 

ما أهمية مشاركة تركيا في اجتماع جامعة الدول العربية بعد غياب دام 12 عاماً؟ 

 

يؤكّد حضور فيدان الاجتماع على عمليّة التطبيع بين تركيا والدول الخليجيّة، والتي بدأت منذ سنوات متعدّدة. وقد ساهمت الدول الأعضاء الرئيسية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، بشكلٍ أساسيّ في حضور تركيا للاجتماع، ما يظهر مدى التقارب في العلاقات بعد أن كانت متوتّرة إلى حدّ كبير قبل فترة وجيزة. وتؤكّد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة مؤخّراً هذه النقطة. وكلّ ذلك يثبت أنّ حقبة الربيع العربي في علاقات تركيا مع الدول الخليجيّة، والتي كانت متوتّرة بسبب دعم أنقرة القوي للربيع العربي والعلاقات الوثيقة مع الأحزاب التابعة للإخوان المسلمين في أنحاء المنطقة كافة، قد انتهت. وتشبه سياسة أنقرة الحالية سياستها ما قبل الربيع العربي، عندما أعطت الأولوية للحفاظ على علاقات جيّدة مع النخب والأنظمة الحاكمة الإقليمية، وتجنّب خطوط الصدع الإقليمية. وفي الوقت الحالي، تسعى أنقرة أولاً إلى توطيد العلاقات الاقتصادية، من بين أمور أخرى. وأشار فيدان في كلمته، إلى أنّ المنتدى الاقتصادي التركي العربي سيعقد دورته الخامسة عشرة في إسطنبول في أكتوبر، معرباً عن رغبته في إحياء الآليات التي أُنشئت قبل الربيع العربي والتي كانت تهدف إلى تعميق العلاقات. وتشمل هذه الآليات منتدى التعاون التركي العربي والحوار البرلماني العربي التركي. 

 

ماذا يعني حضور فيدان اجتماع جامعة الدول العربية بالنسبة إلى غزة/فلسطين؟ 

 

منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تبنّت تركيا لهجة حادّة لوصف ما تفعله إسرائيل في غزة، فقالت إنّها ارتكب إبادة جماعية، كما شاركت رسمياً بمقاطعة التجارة مع تل أبيب ودعمت القضية في محكمة العدل الدولية ضدّها، وشاركت كعضو في الوفد المشترك لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية المكلّف بالدبلوماسية الدولية بشأن هذه القضية، وحاولت تأدية دور في الحوار الفلسطيني الداخلي، بالإضافة إلى أنّها قدّمت مساعدات إنسانية كبيرة لأهل غزة. كما زار وزير الخارجية فيدان معبر رفح الحدودي الشهر الماضي لزيادة الوعي الدولي حول ما يحدث هناك. ومع ذلك، تميل أنقرة، على المستوى السياسي الإقليمي، إلى دعم الدول العربية ومبادراتها الدبلوماسية. وبدلاً من التنافس مع دور الدول العربية أو حجبه، تبنّت أنقرة موقفاً داعماً لموقف الدول العربية ــ وتحديداً مصر وقطر ــ ومن المقدّر أن تستمرّ هذه السياسة. ولهذا السبب، عزّزت الحرب على غزة جهود التطبيع مع الدول العربية بدلاً من تقويض علاقات أنقرة بها. وفي اجتماع جامعة الدول العربية، دعا فيدان الدول العربية والإسلامية إلى توحيد الصفوف حول القضية الفلسطينية. كما وجّه دعوة مماثلة للأمم المتحدة. ومن الواضح أنّ تركيا منزعجة من الدعم الغربي القوي لإسرائيل، وتعمل على حشد الدول الإقليمية والإسلامية ودول الجنوب العالمي لموازنة الدعم الغربي. وهذا ما يشكّل أساس السياسة التركية. 

 

ماذا نفهم من الإشارات المتضاربة التي ترسلها سوريا، فبعد أن وافقت على حضور فيدان الاجتماع انسحبت منه في وقت خطابه؟ 

 

سوريا ليست في موقع يخوّلها أن تؤثّر في علاقات تركيا مع جامعة الدول العربية. فقد عادت بنفسها للتوّ إلى الجامعة بعد أكثر من عقد من النفي ــ بفضل الرياض. ولذلك فإنّ قرار وزير الخارجية السوري بالانسحاب بينما يتحدّث نظيره التركي قد اتّسم بالرمزية ويعكس السياسة الداخلية السورية. في الواقع، تدعم أنقرة عودة سوريا إلى الحظيرة العربية، وذلك للحدّ من النفوذ الإيراني على البلاد. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن ينعكس سلوك فيصل المقداد على العملية التدريجية للتقارب التركي السوري، والتي ترعاها روسيا بنفسها. وتستند هذه العمليّة إلى دينامياتها الخاصة وهي صعبة بطبيعتها نظراً للاختلافات الشاسعة بين أولويات كل طرف وتوقّعاته في ما يتعلّق بهذه العمليّة. فعلى سبيل المثال، تريد تركيا منع الجيب الذي يقوده الأكراد في شمال شرق سوريا من اكتساب وضع دستوري وقبول دولي؛ كما تريد العودة الجزئية للاجئين السوريين المقيمين حالياً في تركيا؛ فضلاً عن الحصول على بعض من التسهيلات الرمزية لمجموعات المعارضة السورية المتحالفة معها. ولم يبدِ نظام الأسد أيّ اهتمام باستيعاب النقطتين الأخيرتين على وجه الخصوص. وتصرّ دمشق على إخراج القوات التركية من سوريا، رغم أنّها أبدت بعضاً من المرونة بشأن هذه النقطة. 

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: العلاقات الإقليمية
البلد: تركيا، سوريا، مصر

المؤلف

زميل أوّل غير مقيم
غالب دالاي هو زميل أوّل غير مقيم في مركز الشرق الأوسط للشؤون الدولية وهو أيضاً زميل مشارك في تشاتام هاوس وباحث دكتوراه في جامعة أكسفورد. وكان زميل المركز التركي للسياسات-ميركاتور ستيفتونغ في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية وزميلاً غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة وباحثاً زائراً في جامعة أوكسفورد وباحثاً سياسياً في مؤسّسة البحوث السياسية… Continue reading مقابلة: تركيا حاضرة في اجتماع جامعة الدول العربية