أنصار نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، مرشّحة الحزب الديمقراطي، وحاكم ولاية مينيسوتا تيم فالز، المرشّح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، يحملون لافتات في خلال تجمع انتخابي في مركز توماس آند ماك بجامعة لاس فيغاس في 10 أغسطس 2024 في لاس فيغاس، نيفادا. (وكالة الصحافة الفرنسية)

سياسة بايدن وهاريس إزاء الشرق الأوسط: الرقصة نفسها إنّما بخطوات مختلفة

يختلف موقف هاريس بشأن غزّة وغيرها من قضايا الشرق الأوسط مع سياسات بايدن من حيث النبرة، ولكنه يتماشى معها في الجوهر بالكامل.

12 أغسطس، 2024
عادل عبدالغفار، آيلين صلاهيفار

يمكن القول إنّ عام الانتخابات الأمريكية 2024 واحداً من أكثر الأعوام اضطراباً على الإطلاق. لقد شهد الشهران الماضيان أداءً صادماً دون المستوى للرئيس جو بايدن في المناظرات الرئاسية قبل إعلان انسحابه، ومحاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشّح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، فضلاً عن ترقية نائبة الرئيس كامالا هاريس وترشيحها من الحزب الديمقراطي لخوض معركة الرئاسة. والآن لدى حملة هاريس ثلاثة أشهر لإقناع الشعب الأمريكي برؤيتها.

 

في حين من المُرجّح أن تشكّل الضغوط الاقتصادية المحلّية محور الاهتمام الرئيس للناخبين الأمريكيين في الانتخابات، سيكون للسياسة الخارجية التي سيتّبعها الرئيس الأمريكي السابع والأربعون دوراً حاسماً أيضاً، سواء بالنسبة إلى الأمريكيين أو جميع شعوب العالم الذين سيتأثّرون بشكل مباشر أو غير مباشر بسياسات الإدارة الجديدة. والواقع أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون مشغولة على الساحة العالمية مع استمرار الحروب في أوكرانيا وقطاع غزّة والمنافسة المتزايدة بين الولايات المتّحدة والصين.

 

وبالنظر إلى الشرق الأوسط، يكمّل اختيار هاريس لتيم والز نائباً لها الصورة في معركتها إلى البيت الأبيض ويقدّم صورة عن إدارتها المُحتملة في المنطقة. صحيح أنّ سجلّ هاريس ووالز القصير في السياسة الخارجية يصعّب إمكانية التحقّق من مواقفهما بشأن مختلف القضايا الحرجة، لكن الأدلّة الموجودة كافية لرسم صورة عن سياستهما المستقبلية في الشرق الأوسط التي تشبه إلى حدّ بعيد سياسة الرئيس بايدن، على الرغم من بعض الفروقات البسيطة.

 

اختلافات بسيطة حول غزّة

لقد خلق نهج هاريس المنحوت بدهاء بشأن حرب إسرائيل على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر القائم على الاعتراف بحق إسرائيل أن تدافع عن نفسها والتركيز على أهمّية كيفية قيامها بذلك، وإعلانها الأخير بأنّها لن تصمت (عن المعاناة في قطاع غزّة) في أعقاب زيارة نتنياهو لواشنطن، مسافةً بين آرائها بشأن الصراع وآراء بايدن في نظر الناخبين الأمريكيين. وتبيّن هذا الاختلاف أكثر عندما أشارت تقارير إلى أنّ مجلس الأمن القومي اضطر إلى “تخفيف” حدّة لغتها في خلال خطاب ألقته في مارس الماضي، وصفت فيه الظروف في قطاع غزّة بـ«غير الإنسانية»، وأوعزت إسرائيل بزيادة تدفّق المساعدات.

 

وعلى الرغم من أنّ هاريس رسمت خطَ تباين مع بايدن بخطابها الأكثر صرامة بقليل تجاه إسرائيل بسبب ارتفاع عدد القتلى في قطاع غزّة، ولم تترأس حتى جلسة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في 24 يوليو الماضي، لا تشير هذه الخيارات إلى ابتعاد عن السياسة الديمقراطية السائدة. ففي نهاية المطاف، وعلى الرغم من الامتناع عن حضور خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكونغرس، عقدت هاريس اجتماعاً فردياً معه في اليوم التالي، وأكّدت علناً دعمها المستمرّ لإسرائيل. وفي تجمّع انتخابي هذا الأسبوع، قاطعها محتجّون على الحرب في قطاع غزّة، فالتفتت هاريس إليهم وقالت: «إذا كنتم تريدون فوز دونالد ترامب فواصلوا الأمر. وإلّا دعوني أكمل كلامي». لقد كان ردّها واضحاً، وقد يشير إلى عدم رغبتها بأن تكون حرب غزّة واحدة من القضايا الأساسية في الحملة.

 

إيران والمملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع

ويلفّ الغموض موقف هاريس الرئاسي إذا فازت بشأن بالمصالح الأمريكية الأخرى والتوتّرات المستمرّة في الشرق الأوسط. ولطالما صوّتت هاريس في خلال فترة ولايتها في مجلس الشيوخ ضدّ صفقات الأسلحة مع المملكة العربية السعودية ودعم الولايات المتّحدة للتحالفات التي تقودها السعودية في الحرب الأهلية اليمنية. في العام 2020، صرّحت هاريس بأنّ السعوديين كانوا شركاء أقوياء في جهود مكافحة الإرهاب، لكن على الولايات المتّحدة أن تعيد تقييم علاقتها معهم «للدفاع عن القيم والمصالح الأمريكية».

 

وبعد أن كانت هاريس نائبة الرئيس في خلال محاولات بايدن تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، تغيّر موقفها جزئياً ردّاً على النفوذ الصيني والروسي المتزايد في جميع أنحاء المنطقة. ومن المرجّح أن تشمل أهدافها الرئاسية تعزيز العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والتعاون مع المملكة في مبادرات التكنولوجية وتحوّل الطاقة.

 

في سياق التصعيد المستمرّ بين إيران وإسرائيل في أعقاب اغتيال الأخيرة لكبار قادة حزب الله وحماس مؤخراً، من المرجّح أن تتبنّى هاريس سياسة متوازنة تجاه إيران. في خلال حملتها الانتخابية الرئاسية لعام 2020، صرّحت هاريس أنّ الولايات المتّحدة بحاجة إلى إعادة التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً بخطّة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ونظراً لمحاولة بايدن الفاشلة لإحياء الاتفاق بعد انسحاب إدارة ترامب المثير للجدل في العام 2018، واغتيال الجنرال قاسم سليماني في العام 2020 – وكلاهما اعتبرتهما هاريس «عملاً متهوراً» – فقد تضاءلت احتمالاتها في الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.

 

دخول نائب الرئيس تيم والز

ويعزّز إعلان هاريس عن اختيارها حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز لمنصب نائب الرئيس، وهو دور يُعتبر شكلياً بالأساس، التصوّرَ بأنّها تخطّط للاستمرار في السياسات الديمقراطية السائدة حيال الشرق الأوسط إذا انتُخِبت رئيسة.

 

ولطالما أيّد والز عندما كان عضواً في الكونغرس مواقف الحزب الديمقراطي السائدة تجاه الشرق الأوسط، ومن ضمنها دعم خطّة العمل الشاملة المشتركة، والانسحاب الأمريكي من العراق، والمساعدات الأمريكية لإسرائيل. ولكنّه عارض الضربات الجوّية التي شنّها الرئيس باراك أوباما على سوريا، وأسوة بزميلته المرشّحة الرئاسية، عارض الدعم الأمريكي للعمليات التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن.

 

وقد دعا والز منذ مارس الماضي إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة وظل مؤيِّداً لحلّ الدولتين. كما أكّد على الحاجة إلى زيادة المساعدات الإنسانية الأمريكية للفلسطينيين، وشدّد على ضرورة التمييز بين المدنيين الفلسطينيين وحماس. ومن المرجّح أن يتبع والز خطى هاريس في تبنّي سياسة في الشرق الأوسط متطابقة في جوهرها مع سياسة بايدن، ولكن بلهجة أكثر مهادنة منها.

 

تأثير الأموال

مع وصول الحملة إلى مراحلها الأشدّ، يتعيّن على هاريس أن تتنقّل بحذر بين ألغام الحزب الديمقراطي المنقسم حالياً بشأن الحرب على غزّة، بين اليسار التقدّمي الذي «تمرّد» على الموقف الثابت لبايدن بشأن إسرائيل، والتيّار السائد المؤيّد لإسرائيل. وهي تدرك جيّداً قوّة منظّمات الضغط المؤيّدة لإسرائيل، وخصوصاً لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، التي أنفقت 15 مليون دولار بشكل غير مسبوق لهزيمة ممثّل مدينة نيويورك جمال بومان في الانتخابات التمهيدية. كما هُزِمت ممثّلة ولاية ميسوري كوري بوش، التي دعت مراراً إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، في الانتخابات التمهيدية هذا الأسبوع. وقد حظيت منافستها بدعم من مشروع الديمقراطية المتّحدة، الجناح الأقوى في لجنة العمل السياسي في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية.

 

وفي ظلّ استمرار هذه الديناميّات داخل الحزب الديمقراطي، فإنّ الاختلاف في النبرة بين إدارة بايدن وإدارة هاريس المُحتملة بشأن الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة لا يعني أنّ السياسة الأمريكية تجاه الصراع ستتغيّر. وعلى الرغم من خطاب هاريس الأكثر حذاقة، لا شيء يدلّ على أنّ جوهر سياستها الخارجية سيكون مختلفاً عن الموقف الأمريكي الراسخ.

 

بالفعل، يشنّ ترامب هجوماً ضدّ هاريس بحجّة أنّها ليست مؤيّدة لإسرائيل بشكل كافٍ. مع ذلك، كمرشّحة ورئيسة مُحتملة، من غير المرجّح أن تنحرف هاريس بشكل كبير عن سياسة بايدن المُعلَنة، فهي وإن كان خطابها أكثر صرامة تجاه نتنياهو استمرّت في دعم إسرائيل.

 

سيشكّل انتخاب هاريس سلسلة من «الأحداث الأولى» في منصب الرئاسة الأمريكية، فهي ستكون أول امرأة في البيت الأبيض، وأول رئيسة أمريكية من أصول جنوب آسيوية، وأول رئيسة أمريكية لزوج يهودي. ووسط “المرات الأولى” هذه، يبقى أن نرى ما إذا كانت إدارة هاريس تبشّر ببداية فصل جديد في سياسة الولايات المتّحدة تجاه الشرق الأوسط، وإن كان ذلك غير مضمون.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: السياسة الأمريكية الخارجية
البلد: فلسطين

المؤلّفون

زميل ومدير برنامج
عادل عبد الغفار هو زميل ومدير برنامج السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. كان سابقاً زميلاً غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز وزميلاً في مركز بروكنجز الدوحة حيث كان مديراً للبحوث بالإنابة. وهو أيضاً أستاذ غير متفرّغ في كلية الشؤون الدوليّة بجامعة جورجتاون في قطر. عبد الغفار متخصّص في الاقتصاد… Continue reading سياسة بايدن وهاريس إزاء الشرق الأوسط: الرقصة نفسها إنّما بخطوات مختلفة
آيلين صلاهيفار هي طالبة في جامعة ستانفورد في العلاقات الدولية وعلوم البيانات في جامعة ستانفورد وهي أيضاً متدّربة  في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية ضمن برنامج “Stanford in Government”.