الاغتيالات والتهديد بحرب إقليمية – آراء من المجلس

يقيّم خبراء من مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة بعد مرور 300 يوم على اندلاعها، والاغتيالات الأخيرة لكبار قادة حماس وحزب الله.

1 أغسطس، 2024

في 31 يوليو المنصرم، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان. وقبل هذه الحادثة بساعات قليلة، استهدفت غارة إسرائيلية بمسيّرة أحد مؤسّسي حزب الله، فؤاد شكر، في ضاحية بيروت الجنوبية. وقعت عمليّتا الاغتيال المزدوجتان في وقت يتصاعد فيه القتال بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية، ما أثار مخاوف جدّية من إشعال حرب إقليمية، وبعد مرور نحو 300 يوم من العدوان الكارثي على غزة الذي أسفر عن مقتل 40 ألف شخص في الأقل ونزوح مئات الآلاف. يتناول الخبراء في هذا العدد من «آراء من المجلس» هذه الأحداث الأخيرة ويحلّلون الآثار المترتبة على المنطقة.

 

إيران ستردّ، ولكن كيف؟

حميد رضا عزيزي

 

تترتّب على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران تداعيات كبيرة. أولاً، حصل الاعتداء بعد ساعات قليلة من تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. ويرى الكثير من المراقبين أنّه محاولة متعمّدة من إسرائيل لتحدّي إيران في لحظة سياسية حسّاسة، وتقويض خطط بزشكيان لتحسين علاقات إيران مع الغرب.

 

كان هنية مقيماً في مجمّع تابع للحرس الثوري الإيراني من المفترض أن يكون تحت حراسة أمنية مُشدّدة. وتسلّط عملية الاغتيال، التي تبدو أنّها نفّذت بصاروخ أُطلق من داخل إيران، الضوء على فشل استخباراتي خطير وتكشف عن نقاط ضعف أجهزة الأمن. لا تضرّ هذه العملية بالأمن الداخلي لإيران فحسب، بل تنعكس أيضاً على هيبتها وقدراتها على الردع، وتبيّن حتى عن عجزها عن حماية حلفاء رفيعي المستوى داخل حدودها.

 

بالتالي، لا يوجد أدنى شكّ في أنّ إيران ستردّ. ويشير تعهُّد المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي بالعقاب الشديد والتصريحات المماثلة من مسؤولين إيرانيين آخرين، إلى أن قرار الردّ اتُّخذ، إنّما السؤال فهو كيف سيكون الرد.

 

يفترض السيناريو الأكثر ترجيحاً ردّاً منسّقاً من إيران وحزب الله، قد يشمل أعضاء آخرين في «محور المقاومة» مثل الميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن. تهدف إيران وحلفاؤها من خلال هذا السيناريو إلى إظهار التنسيق المستمرّ داخل المحور على الرغم من مقتل شخصيات بارزة في لبنان (قائد حزب الله فؤاد شكر) وطهران. الخطر الرئيس هو تصعيد إسرائيل الصراع ربطاً بحجم الردّ الإيراني، ما قد يشعل فتيل الحرب الإقليمية الكبرى التي حاول الكثيرون تجنّبها.

 

خطورة رئاسة بايدن الضعيفة

طارق م. يوسف

 

بعيد اتهام إيران لإسرائيل باغتيال إسماعيل هنية في طهران وتعهّدها بردّ موجع، صدر الردّ الرسمي الأولي عن الحكومة الأمريكية بواسطة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وقضى بإنكار أي علم مُسبق أو تورّط في العملية. وبالنظر إلى الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي غير المسبوق لإسرائيل في حربها المستمرّة على غزة والالتزام بالدفاع عن أمنها، لن تؤخذ هذه المزاعم على محمل الجد في المنطقة ولا في أي مكان آخر، وستستنفد مصداقية الولايات المتحدة أكثر فأكثر.

 

لكن إذا صحّت تلك المزاعم، فيجب على الشرق الأوسط أن يبدأ في الاستعداد لمرحلة خطيرة في رئاسة جو بايدن التي اقتربت من نهايتها. تقليدياً، يبدأ رؤساء الولايات المتحدة في فقدان نفوذهم والحدّ من المبادرات السياسية في الأشهر الأخيرة الفاصلة بين الانتخابات الرئاسية وتعيين إدارة جديدة. في حالة بايدن، تمتدّ فترة الضعف لنحو نصف عام وتتزامن مع أدلة متزايدة على تدهور قدراته الذهنية. بعبارة أخرى، ستُقاد السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في خلال مرحلة خطيرة من الصراع بواسطة رئيس ضعيف يرأس إدارة مقيّدة.

 

ومن هذا المنظور، يبدو نفي بلينكن وكأنه تأكيد على فقدان النفوذ الأمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه المتطرّفين، بينما يواصلون الحرب على غزة، ويهدفون إلى جرّ إيران وحزب الله إلى صراع إقليمي لطالما زعمت الولايات المتّحدة أنّها تريد تجنّبه. وبعد أسبوع واحد من الضغط على نتنياهو في البيت الأبيض للقبول باتفاق وقف إطلاق النار، ردّ الأخير بإصدار أمر بقتل رئيس المكتب السياسي لحماس والمفاوض الرئيس، وقضى معه على احتمالات الوصول لأي اتفاق، في الأقل لفترة من الوقت. في فترة ضعف رئاسة بايدن، لن يكون نتنياهو متوازناً، وستشتدّ الخطورة في الشرق الأوسط حتى يناير 2025.

 

300 يوم من الأعمال العدائية والاستفزازات تخلق مزيجاً خطيراً

عمر حسن عبد الرحمن

 

على مدى الأشهر العشرة الماضية من الحرب الكارثية التي تشنّها إسرائيل على غزة، كان خطر اندلاع حرب إقليمية حاضراً على الدوام. ومع استمرار الأعمال العدائية، يبقى احتمال أن يؤدّي هجوم أو هجوم مضاد إلى إثارة تصعيد كبير على إحدى جبهات القتال المتعدّدة الممتدّة من جنوب لبنان إلى جنوب اليمن، أو كلّها. والواقع أنّ القرار الأخير الذي اتّخذته إسرائيل باستهداف أحد الأعضاء المؤسّسين لحزب الله في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، في غضون ساعات قليلة فاصلة عن بعضهما، قد يكون الشرارة لتصعيد مماثل.

 

من غير المعروف ما إذا كان بنيامين نتنياهو يحاول إشعال حرب إقليمية، فهو لديه أسبابه، ولعلّه يراهن على أنّ إيران ستظلّ حذرة في ردّها لعدم استثارة تصعيد دراماتيكي. وبهذه الطريقة، يكون قد حقّق شيئاً في نظر جمهوره – القضاء على شخصيتين بارزتين في عمق أراضي العدو مهما كان الأمر رمزياً وعابراً – في وقت أصبحت فيه الانتصارات قليلة ومتباعدة، وإسرائيل في أضعف مراحلها.

 

وفي حين يحمل اغتيال هنية داخل إيران رسالة قوية للنظام الإيراني عن قدرة إسرائيل على فعل ما تريد وحيثما تريد، يعدّ أيضاً تجسيداً صريحاً لسياسة حافة الهاوية التي لا يمكن التكهّن بنتائجها. ووسط تصعيد الهجمات بين إسرائيل وحزب الله، يزداد خطر اندلاع حرب شاملة. وفي ظل غياب نهاية في الأفق للقتل في غزة، تبدو التهدئة الكاملة مستحيلة والحرب الإقليمية شبه حتمية.

 

هنية ينضمّ إلى قائمة طويلة لقادة حماس الذين استشهدوا من أجل قضيتهم

بيفرلي ميلتون-إدواردز، مؤلّفة مشاركة لكتاب بعنوان: “Hamas, the Quest for Power” بوليتي برس، 2024

 

في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، تبرز مخاوف كبيرة من اشتعال نار حرب إقليمية تضمّ إسرائيل وإيران. هذا سيناريو كابوسي لجميع الجهات المعنية. ومن غير المستغرب استخدام الثقل الدبلوماسي لمحاولة وقف هذا التصعيد.

 

بالنسبة إلى حماس، تعرّضت المنظّمة لضربة قاسية. فقد اغتيل أحد قادتها في مكان كان يُفترض أن يحظى فيه بالحماية، وهو مسكن آمن قدّمته له الحكومة الإيرانية في طهران. وقد رثاه مناصروه وسط الأنقاض في غزة ومخيّم الشاطئ للاجئين الذي ينحدر منه، وأُعلِن شهيداً للقضية الفلسطينية لينضم إلى قائمة طويلة من قادة حماس الذين لقوا المصير نفسه على أيدي إسرائيل الانتقامية.

 

وقد نفّذت إسرائيل على مدى عقود سياسة قطع رؤوس ضدّ قيادات حماس من خلال هجمات واسعة بالقنابل والصواريخ. ومن بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، مؤسّس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ونائبه عبد العزيز الرنتيسي، وصالح شحادة، وصالح العاروري. كما قُتِل أفراد أسرة هنية، ومن ضمنهم أبناؤه وأحفاده وشقيقته، في الغارات الجوية الإسرائيلية والهجمات الصاروخية في خلال الحرب الحالية على غزة.

 

ستردّ قيادة حماس وأنصارهاـ لا يوجد شكّ في ذلك. وسيكون المخطّطون الإستراتيجيون والعسكريون في إسرائيل قد جهّزوا دفاعاتهم وأعدوا أنفسهم. ولكن بالنسبة إلى أسر الرهائن، وسكان قطاع غزة المحاصرين الذين يتضوّرون جوعاً يومياً بسبب نقص الوصول إلى الإمدادات الإنسانية التي تعيقها إسرائيل، فإنّ الأملَ بالسلام والحرية في المستقبل القريب ضئيلٌ.

 

الاغتيالات تمنح نتنياهو «فوزاً» يحتاج إليه بشدّة، ولكنها قد لا تنقذ رئاسته

عادل عبد الغفار

 

تظهر استطلاعات للرأي أجريت في إسرائيل قبل الاغتيال أنّ نحو ثلاثة أرباع الإسرائيليين يريدون استقالة نتنياهو على خلفية الحرب في غزة، كما يفضّل نصفهم إجراء انتخابات مبكرة للبرلمان (الكنيست). لكن، الآن وقد دخل الكنيست عطلته الصيفية، تنفّس نتنياهو الصعداء، وكسب ائتلافه الحكومي الحالي أقلّه بضعة أشهر إضافية. في الأمد القريب، يرجّح أن تؤدّي عمليات الاغتيال إلى زيادة شعبية نتنياهو، وأن تمنحه مساحة أكبر للمناورة.

 

لقد زادت الضغوط المحلية على نتنياهو لإنهاء الحرب، ووجد استطلاع رأي حديث أنّ 60 في المئة من الإسرائيليين يؤيّدون صفقة الرهائن المقترَحة لوقف إطلاق النار. والسؤال هو: هل أمر نتنياهو باغتيال هنية لنسف مفاوضات وقف إطلاق النار أم لقبولها من موقع قوة؟ وعلى قول رئيس الوزراء القطري: «كيف يمكن للوساطة أن تنجح عندما يغتال أحد الطرفين المفاوض من الجانب الآخر؟»

 

وعلى الرغم من مقاومة الصفقة حتى الآن، يضع اغتيال هنية نتنياهو في وضع أفضل داخلياً لقبول الصفقة – مُتسلّحاً بحجة القضاء على قيادة حماس ودخول إسرائيل وقف إطلاق النار من موقع قوة. ومع تكشّف هذه الديناميات في الأيام القليلة المقبلة، ثمة أمر واحد واضح: لا يمانع نتنياهو أن يضع المنطقة بأكملها على شفا حرب إقليمية لضمان بقائه السياسي.

 

اغتيال هنية سيصبّ الزيت على النار

جين ليانغ زيانغ

 

صحيح أنّ لم تتبنّى أي منظّمة أو دولة عمليّة اغتيال إسماعيل هنية، لكن كانت إسرائيل موضع شكوك واسعة ومنطقية. وإذا افترضنا صحّة هذه الشكوك، قد تتعدّد الأسباب، ومن ضمنها سببان يستحقّان الذكر.

 

السبب الأول هو هدف تعطيل مفاوضات وقف إطلاق النار. إنّ سبب عدم التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في خلال الأشهر التسعة الماضية هو ببساطة أنّ الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تنوي الحفاظ على حرية استخدام القوة العسكرية في قطاع غزة والضفة الغربية، في حين تطالب حماس بوقف دائم لإطلاق نار. وباغتيال هنية، ستضطر حماس إلى مغادرة طاولة المفاوضات ما يؤدّي إلى تعليق المحادثات، بحيث ستبرّر إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

 

أمّا السبب الثاني، فهو تعطيل أي مصالحة مُحتملة بين إيران والولايات المتحدة. ويشهد التاريخ على الاستعداد الدائم لإسرائيل لتقويض أي تقارب بين إيران والولايات المتحدة متى ظهرت احتمالاته في الأفق. وحدثت حالات مماثلة في منتصف التسعينيات، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبين عامي 2015 و2018.

 

لقد أعرب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بوضوح شديد عن أنّ إيران ستسعى إلى التعامل مع العالم، الذي يمكن تفسيره على أنّه الولايات المتحدة والغرب. ولكن يبدو أنّ إسرائيل بقيادة نتنياهو لا تتهاون مطلقاً مع أي مصالحة محتملة بين إيران والولايات المتحدة. ومن خلال اغتيال هنية في إيران، لعلّ إسرائيل تقصد القضاء على هذا الاحتمال منذ البداية.

 

في المجمل، يرجّح أن يكون الاغتيال خطوة محسوبة بعناية من إسرائيل، مع توقّع أن يصبّ الوضع الناتج في صالحها. ولكن التطوّر الحقيقي للأحداث قد يكون خطيراً للغاية على المنطقة. وفي حين قد يمرّ أهل غزة بوقت عصيب أكثر، قد تشهد المنطقة زخماً جديداً للاتحاد حول القضية الفلسطينية.

 

لماذا لم تعد الاغتيالات مجدية؟

محمد أبو هواش

 

يعود تكتيك إسرائيل القائم على قتل قيادات فصائل المقاومة إلى القرن العشرين، ولكنه لم يعد فعّالاً في الواقع لهزيمة أعداء إسرائيل أو إضعافهم أو حتى زعزعة استقرارهم.

 

نجح هذا التكتيك في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، عندما أطلق الموساد الإسرائيلي «عملية غضب الرب» وحملات اغتيال موسّعة أخرى للقضاء على قادة مقاتلين رئيسيين داخل منظمة التحرير الفلسطينية. وقد هزّت هذه الحملات بنية الحكم الفلسطيني في صميمه، لأنّها استهدفت شخصيات كاريزمية مثل أبو إياد وأبو جهاد وعلي حسن سلامة – قتلتهم إسرائيل جميعاً – وقوّضت عمليات التجنيد والمشاركة الدبلوماسية.

 

ولكن مع حماس أو حزب الله، عادة ما يتبع اغتيال قادتهما ارتفاع حاد في عمليات التجنيد والمشاركة الدبلوماسية. وانعكس هذا في أحدث الاغتيالات في بيروت وطهران، إذ أصدرت تركيا وقطر والأردن ومصر وغيرها من الجهات الإقليمية الرئيسية إدانات شديدة اللهجة واتهمت إسرائيل بزرع الفوضى.

 

لطالما فشلت التكتيكات الإسرائيلية ضدّ المنظمات المتماسكة مثل حماس أو حزب الله. بالنسبة إليهما، تتفوّق «المؤسّسة» على الشخصية. لقد تعلّمت المنظمتان من تجربة أسلافهما الذين عانوا بعد القضاء على قادتهم. وقد اتخذتا التدابير اللازمة للتخفيف من هذا الخطر من خلال إنشاء بنى شديدة اللامركزية، لكلّ فرد ضمنها نفوذاً متناسباً.

 

وقد قال هذا إسماعيل هنية بنفسه قبل نحو سبعة أشهر – في أعقاب اغتيال إسرائيل لنائب رئيس حركة حماس صالح العاروري واثنين من قادة كتائب القسام – مؤكّداً أنّ «هذه الاستهدافات تزيدنا قوة وصلابة وعزيمة لا تلين. هذا هو تاريخ المقاومة والحركة بعد اغتيال قادتها».

 

هذه المقالة هي ضمن سلسلة مقالات “آراء من المجلس” يعبّر من خلالها الزملاء والخبراء في المجلس عن آرائهم ورؤياهم حول القضايا الرئيسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفيها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: آراء من المجلس، العلاقات الإقليمية
البلد: إيران، فلسطين، لبنان