رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يرفع علامة النصر عند وصوله إلى مقر حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) للاحتفال بفوز الحزب في الانتخابات العامة في نيودلهي في 4 يونيو 2024. (وكالة الصحافة الفرنسية)

الهند تحت ولاية مودي الثالثة: تغييرات في الداخل واستمرارية في الخارج

بعد تراجعه في الانتخابات الأخيرة، من المرجّح أن يضطر رئيس الوزراء الهندي مودي إلى إجراء تغييرات في السياسات الداخلية، لكن يجب أن يتمتّع بحريةٍ مطلقة لمواصلة مسار سياسة الهند الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط.

9 يوليو، 2024
نارايانابا جاناردهان

شكّلت انتخابات الهند الأخيرة “مهرجاناً ديمقراطياً” دام 44 يوماً وشمل 900 مليون ناخب مؤهّل في أكبر ممارسةٍ ديمقراطية في العالم حتى اليوم. قُدِّمت أكثر من 640 مليون بطاقة اقتراع، حوالي نصفها من قبل النساء، فبلغت نسبة المشاركة 66 في المئة من خلال 1,1 مليون مكتب اقتراع و5,5 مليون آلة تصويت إلكترونية. من باب المقارنة، يشكّل هذا أكثر من ضعف عدد ناخبي البرلمان الأوروبي.

 

بعد إعلان النتائج في 4 يونيو، انتشر ميم إنترنت لخّص نتائج الانتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي، ساخراً من أنّ الناخبين أعطوا التحالف الحاكم “انتصاراً يبدو كأنه هزيمة” وتحالف المعارضة “هزيمة تبدو كأنها انتصار!”

 

خلافاً لنتائج استطلاعات الرأي قبل الانتخابات وبعدها، والتي توقّعت فوزاً ساحقاً للحزب الحاكم وتحالفه بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أسفرت النتائج النهائية عن مفاجأة. في الواقع، نال الائتلاف الحاكم 293 مقعد فقط، مقابل 360 مقعد في العام 2019. من جهتها، حقّقت كتلة المعارضة مكاسب كبيرة، حيث فازت بـ232 مقعد مقابل 119 في الانتخابات السابقة. بما أنّ مودي لم يحصل على الغالبية المطلقة، يبدأ ولايته الثالثة على التوالي – وهو ثاني رئيس وزراء يحقّق ذلك بعد جواهر لال نهرو- على رأس حكومة ائتلافية، وهي سابقة في خلال 23 سنة من حياته العامة. بينما هزّت النتائجُ السياسةَ الهندية بشكلٍ كبير، من غير المرجّح أن تؤثّر في سياسة الهند الخارجية، ولا سيما علاقاتها المزدهرة في الشرق الأوسط، بأي شكلٍ من الأشكال.

 

وقد زار مودي في خلال ولايَتَيه كرئيسٍ للوزراء الدول الخليجية كافة باستثناء الكويت، مرة واحدة على الأقل، وسبع مرات الإمارات العربية المتحدة، كانت آخرها في فبراير 2024، بعد ثلاثة عقود على آخر زيارة قام بها رئيس وزراء هندي. وأجرى مودي جولة على فلسطين وإسرائيل، كانت الأولى لرئيس وزراءٍ هندي، مشيراً إلى أنّ الهند علاقة الهند بإسرائيل مستقلّة ومنفصلة عن علاقتها الهند بفلسطين. وما دام مودي على رأس القيادة، سيبقى توسيع الروابط في المنطقة أولويةً في السياسة الخارجية الهندية.

 

بيد أنّ قدرة مودي البالغ من العمر 73 عاماً على مراعاة مصالح الشركاء في التحالف ستخضع للاختبار، كونه مرغماً على المساومة على نمط قيادته المركزية ومصالح حزبه الجوهرية، حزب بهاراتيا جاناتا. قد تتمثّل النتيجة الأكثر ترجيحاً للحكومة الائتلافية بأجندة متّزنة مؤيّدة للهندوس أو معادية للمسلمين، والتي من المرجّح أن يفضّلها بعض الشركاء، إمّا بسبب قاعدة دعمهم المسلمة أو بغية التعبير عن مزاج الأغلبية في البلاد.

 

يبدو أنّ شريحةً واسعة من الناخبين لم تعد تتأثّر بسياسات حزب بهاراتيا جاناتا المشجّعة على الانقسامات الطائفية التي تبنّاها على مدى العقد الماضي، بما فيها التوتّرات الطائفية المتصاعدة والتغيير الدستوري الذي أنهى الوضع الخاص لإقليم كشمير وقانون تعديل المواطنة الذي أُقرّ مؤخّراً والذي يمنع المهاجرين المسلمين من الحصول على الجنسية. تجلّى ذلك بشكل خاص في الدائرة الانتخابية البرلمانية التي تضمّ أيوديا، حيث خسر حزب بهاراتيا جاناتا على الرغم من افتتاح معبد رام المثير للجدل في وقت سابق من هذا العام والذي شُيّد في موقع مسجد مهدَّم – وكانت هذه القضية العاطفية قد حشدت دعم الهندوس لعقود.

 

على الرغم من ذلك، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بـ240 مقعد بفضل مصداقية مودي وعدم وجود أي زعيم بديل صالح، مقابل فوز حزب المؤتمر بـ99 مقعد فقط في ظل قيادة راهول غاندي. قد تُعزى الأسباب الأخرى وراء تقلّص هامش انتصار حزب مودي إلى مسائل متعلّقة بسبل العيش واستياء الناخبين من هيمنة الحزب الواحد وإستراتيجية أكثر توحيداً للمعارضة. أخيراً، وقعت الحكومة ضحيةً لسردية المعارضة التي أثارت القلق حين زعمت أنّ تفويضاً قوياً لحزب بهاراتيا جاناتا قد يؤدّي إلى تعديلات دستورية، ما يضرّ بالسياسات الإيجابية المكرّسة لصالح شرائح المجتمع المهمّشة.

 

في المستقبل، من المرجّح أن تحظى الإصلاحات الاقتصادية وأجندة التنمية باهتمامٍ أكبر. لقد شكّلت مجالات السياسات تلك الركيزة الأساسية لسياسة الرفاهية الاجتماعية الشعبوية التي وُضعت بعناية والتي سهّلت جزئياً عودة حزبه إلى السلطة. قد تحرص الحكومة على التأكّد من أنّ الهند ستبقى الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم وستصبح ثالث أكبر اقتصاد – بعد الولايات المتحدة والصين – عاجلاً وليس آجلاً، ومن المستحسن أن يتمّ ذلك قبل انتخابات 2029 لكي تنعكس أرباح النمو إيجاباً على المكاسب السياسية المستقبلية لحزب بهاراتيا جاناتا.

 

كل ذلك يعزّز أولويات سياسة الهند الخارجية في الحكومة الجديدة والأهمية التي توليها لعلاقاتها مع الشرق الأوسط في ظلّ عهد مودي. بالفعل، في خلال ولايته، برز مجلس التعاون الخليجي كأكبر شريك تجاري إقليمي للهند حيث شكّل 15,8 بالمئة من إجمالي البلاد، مقابل 11,6 في المئة فقط للاتحاد الأوروبي برمّته. في الوقت نفسه، تستورد الهند موارد الطاقة من المنطقة بكمية متزايدة باستمرار، وتستثمر الدول الخليجية بكثافة في قطاع النفط والغاز في الهند.

 

وفي حين افترض بعض المحلّلين أنّ القومية الهندوسية المتطرّفة التي ينتهجها حزب بهاراتيا جاناتا وسياساته المعادية للمسلمين في الداخل ستنعكس سلباً على علاقات الهند الإقليمية، لم يتحقّق ذلك البتة. في العموم، بقيت هذه العلاقة غير أيديولوجية وشكّل توسّعها أعظم نجاحٍ لمودي في مجال السياسة الخارجية.

 

في الواقع، يترافق سعي الهند المزمن إلى سياسة خارجية “مستقلّة” وإلى استقلالية إستراتيجية – بما يحقّق توازناً بين مختلف القوى المتنافسة على غرار الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وفلسطين وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي – بشكلٍ جيّد مع إستراتيجية الدول الخليجية الجديدة المتعدّدة الشبكات.

 

نتيجةً لذلك، تحقّق عددٌ من المبادرات الدبلوماسية “المصغّرة” مثل مجموعة “I2U2” (التي تضمّ الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة)، والشراكة الثلاثية بين الهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا التي تركّز على الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا والأمن البحري، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بالإضافة إلى اتفاق نيودلهي الأخير مع طهران لمدّة 10 سنوات لتشغيل ميناء تشابهار على الرغم من اعتراضات واشنطن. من المرجّح أن تواصل هذه السياسات مسارها نظراً لمصالح الهند الاقتصادية، فتوفّر فرصاً للدول الخليجية لإيجاد طرق مبتكرة ترمي إلى تعزيز ميلها الجديد إلى التهدئة والدبلوماسية الاقتصادية.

 

ولكن هذ لا يعني أنّ الاستقلالية الإستراتيجية تأتي من دون تحدّيات. فمنذ السابع من أكتوبر وبدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، برزت مخاوف بشأن جدوى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. غير أنّ الهند أصرّت على أنّ مشروع الترابط هذا طويل الأمد. وصرّحت وزيرة المالية نيرمالا سيترامان في منتصف أكتوبر أنّه “صحيح أنّ الثغرات القصيرة الأمد قد تُثير بعض المخاوف، إلّا أننا سنستمر في التعامل مع أصحاب المصلحة كافة، وليس ذلك في المستقبل القريب فحسب”. وقد تجلّى ذلك في المحادثات التي أجراها الوفد الهندي في الإمارات العربية المتحدة في مايو بهدف تمكين المشروع الإستراتيجي.

 

ومن المفترض أن يبقى التعاون العسكري مع دول الشرق الأوسط، مثل التدريبات البحرية والجوية المشتركة بين الهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا مؤخّراً، بمنأى عن هذه التأثيرات ما دام شركاء مودي في الائتلاف يركّزون على القضايا الداخلية ولا يتدخّلون في الشؤون الخارجية، وهي النتيجة الأكثر احتمالاً. ويتمثّل أحد المؤشّرات الإيجابية على الاستمرارية ببقاء سوبرامانيام جايشانكار وزيراً للشؤون الخارجية الهندية.

 

وفي حين أنّه من غير المرجّح أن تشهد سياسات الهند الخارجية والأمنية أي تغييرات جذرية، قد يستغل مودي ولايته الثالثة – وربما الأخيرة – لمعاودة الانخراط مع باكستان ومع الصين بشكلٍ خاص، تاركاً وراءه إرثاً أكثر شمولاً في مجال السياسة الخارجية قبل أن يسلّم الحكم إلى زعيم آخر.

 

بشكلٍ عام، يمكن اعتبار نتائج الانتخابات وولاية مودي الثالثة الملطّفة بمثابة انتصار للديمقراطية والعلمانية والفيدرالية والنمو في الهند، ما ينعكس إيجاباً على ليس على الدول الخليجية فحسب، وإنّما أيضاً على العالم ككل.

 

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الإنتخابات
البلد:

المؤلف

مدير إدارة البحوث والتحليل في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية
نارايانابا جاناردهان هو مدير إدارة البحوث والتحليل في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبو ظبي؛ وزميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن؛ وأستاذ مساعد في معهد العلوم السياسية في باريس، ومؤلّف لأربعة كتب، منها “ The Arab Gulf’s Pivot to Asia: From Transactional to Strategic Partnerships” حول توجّه الدول الخليجية نحو آسيا… Continue reading الهند تحت ولاية مودي الثالثة: تغييرات في الداخل واستمرارية في الخارج