المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يدلي بصوته خلال الانتخابات البرلمانية في مركز اقتراع في طهران، إيران في 1 مارس 2024 (وكالة الصحافة الفرنسية)

مقابلة: إيران بعد الانتخابات

في هذه المقابلة ضمن سلسلة "مقابلات أفكار"، يناقش الباحث المتخصّص في الشؤون الإيرانية شهرام أكبر زاده التوقّعات بشأن سياسة إيران المحلية والإقليمية في أعقاب الانتخابات النيابية التي جرت في 1 مارس 2024.

17 مارس، 2024
شهرام أكبر زاده

   1. سجّلت الانتخابات النيابية الإيرانية التي جرت في 1 مارس 2024 أدنى نسبة إقبال في تاريخ الجمهورية الإسلامية إذ بلغت 41 في المئة، ما يُشير إلى أزمة في شرعية حكم فصيل متشدّد يسيطر على السلطة منذ ما يقارب عقدين. ما أهميّة هذه الانتخابات بالنسبة إلى المشهد السياسي المحلي؟

أظهرت نسبةُ الإقبال الضعيفة عمقِ الهوّة بين الشعب الإيراني والنظام الحاكم. لطالما اعتبرت السلطات الإيرانية نسبة المشاركة مقياساً للشرعية. وقد اشتهر المرشد الأعلى علي خامنئي بمطالبته المنشقين والمعارضين له شخصياً بالمشاركة وبالتصويت. بالتالي، لا شكّ في أنّ تسجيل أدنى نسبة إقبال في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية يُثير قلق القيادة وخوفها. لذا، من الصعب عدم الاستنتاج أنّ الشرعية السياسية للنظام الحاكم في حالة انهيار تام. ويأتي ذلك في أعقاب احتجاجات شعبية ضخمة ومستمرّة انطلقت في سبتمبر 2022 تحت راية “المرأة، الحياة، الحرية” وزعزعت أُسس النظام.

 

في المقابل، سمحت الانتخابات للمتشدّدين بترسيخ سلطتهم وبتهميش البراغماتيين بشكلٍ خطير وبإبعاد الإصلاحيين عن مناصب السلطة. في الواقع، يقع كل من البرلمان ورئاسة الجمهورية والنظام القضائي في قضبة المتشدّدين الحديدية، ويخضعون جميعهم للمرشد الأعلى. ومن المرجّح أن يشكّل هذا التوافق في أعلى هرم السلطة غرفة الصدى ويعزّز ببساطةٍ الآراء المتشدّدة حول سياسات إيران الداخلية والخارجية. ومن الممكن أن يعتبروا أنّ نسبة المشاركة التي بلغت 41 في المئة تُثبت أنّ معتقداتهم المتشدّدة ما زالت تحظى بتأييد شريحةٍ واسعة من السكان.

   2. ما هي انعكاسات هذه الانتخابات على سياسة إيران الإقليميّة في خضم الحرب على غزة والتوترات الإقليمية ذات الصلة التي تنغمس فيها الجهات المسلّحة غير الحكومية المدعومة من إيران؟

ترى السلطاتُ الإيرانية الحربَ على غزة وقتل إسرائيل العشوائي للفلسطينيين والدعم الأمريكي لإسرائيل في وجه إدانتها على نطاقٍ عالمي واسع، كتبريرٍ لموقفها المتشدّد من إسرائيل. لقد عارضت إيران بشدّة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية تحت مظلّة اتفاقات أبراهام. وفيما تتراجع دول عربية على غرار الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن التزامها باتفاقات أبراهام في وجه الفظائع الإسرائيلية، تُعيد السلطات الإيرانية التأكيد على اعتقادها بأنّها تقف في الجانب الصحيح من التاريخ.

 

بالتالي، من المرجّح أن تُعزّز القيادة الإيرانية موقفها غير المساوِم في ما يتعلّق بالولايات المتحدة، والذي يُشكّل إحدى ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية منذ أكثر من أربعة عقود.

 

سيُثير عداء إيران تجاه الولايات المتحدة تحديات كبيرة للمنطقة. لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على علاقات جيدة مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إلا أن أي تصعيد للتوترات بين إيران والولايات المتحدة سيشكل خطراً أمنياً وسياسياً يمكنه أن يمتدّ إلى المنطقة. ومن بين أبرز المخاطر إقفال مضيق هرمز بهدف عرقلة الملاحة البحرية والإضرار بالمصالح الأمريكية والاقتصاد العالمي وتفعيل مجموعات شبه عسكرية متحالفة مع إيران بغية استهداف أصول أمريكية في دول الخليج. هذه ليست خيارات فورية بالنسبة إلى إيران، ولكن كلّما تتصاعد التوترات، كلّما تزداد المخاطر.

 3. في ضوء نتائج الانتخابات ومستقبل إيران السياسي على نطاق أوسع، أي توصيات تقترحونها على صانعي السياسات والجهات الفاعلة الدولية التي تتعامل مع إيران، لا سيما في ما يتعلّق بالمفاوضات حول الملف النووي وتطلّعات طهران الإقليمية؟

 

في قلب سلوك إيران العالمي والإقليمي يكمن قلقٌ عميق من تعرّضها للتهميش وعدم أخذها على محمل الجد. في الواقع، ما زالت ذكرى الحرب بين إيران والعراق (بين العامين 1980 و1988) محفورة في أذهان صانعي السياسات الإيرانيين، حينما بدت الولايات المتحدة والدول الخليجية مصمّمة على تدمير إيران من خلال دعم صدام حسين. ويرسم قلق إيران إطاراً لفكرها المتعلّق بالسياسة الخارجية. وتغطّي هذا القلق التصريحات الكبرى حول السعي وراء العدالة و”نظام عالمي عادل” حيث لا تعود الولايات المتحدة قادرة على فرض شروطها على الدول الأضعف. وسيُصحَّح هذا النظام العالمي الجديد ظلمٌ تاريخي كبير وستأخذ إيران موقعها الصحيح في المجتمع الدولي كلاعبٍ متساو.

 

بالتالي، أي جهدٍ للانخراط مع إيران يحتاج إلى تهدئة هذا الخوف المتجذّر ومعالجة القلق -الحقيقي في بعض الأحيان- من أن يكون الانخراط الدبلوماسي مع إيران غطاءً لأجندة خفيّة، ألا وهي تغيير النظام. يحدّ ذلك جدّياً خيارات المجتمع الدولي على خلفيّة إدانة دعم طهران لحماس وحزب الله والحوثيين، بالإضافة إلى التعاطف العالمي مع الاحتجاجات المناهضة للنظام في خلال العامين 2022 و2023. ولكن يمكن إحراز تقدّم من خلال أخذ مخاوف إيران بشأن برنامجها النووي وأمنها على محمل الجد، والتأكّد من أنّ السلطات الإيرانية تدرك أنّ محاوريها الدبلوماسيين كلّهم آذان صاغية. قد لا يكون من الممكن إحراز تقدّم في الملف النووي في ظلّ ارتفاع التوتّر وانعدام الثقة. غير أنّ الانخراط مع إيران بشأن مخاوفها الأمنية، وبشكلٍ أكثر إلحاحاً الأنشطة الإرهابية المرتبطة بالمجموعات المتمركزة في باكستان وأفغانستان، من شأنه أن يساعد في بناء الثقة والحدّ من التوتر.

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

القضية: الإنتخابات
البلد: إيران

المؤلف

زميل أول غير مقيم
شهرام أكبر زاده هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. وهو أستاذ باحث في سياسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والمدير بالإنابة للوحدة الدولية في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة في جامعة ديكين في أستراليا.   وتشتمل مواضيع بحثه على العلاقات العابرة للحدود الوطنية والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط. وتولّى مؤخراً قيادة… Continue reading مقابلة: إيران بعد الانتخابات