دُعِي ممثلون عن 14 فصيلاً سياسياً فلسطينياً، من ضمنهم فتح وحماس، إلى مدينة العلمين الساحلية المصرية في 30 يوليو الماضي، من أجل إجراء محادثات المصالحة، التي استضافها الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي. وفي مواجهة التحدّيات الناتجة عن الهجمات المتكرّرة والعنيفة بشكل متزايد من المستوطنين اليهود وقوّات الاحتلال الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفّة الغربية منذ بداية العام، والتداعيات السياسية الناتجة عن الاضطرابات السياسية غير المسبوقة التي تتكشّف في إسرائيل بسبب الإصلاح القضائي الذي أطلقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يشعر القادة الفلسطينيون من مختلف الانتماءات الحزبية بالقلق إزاء تآكل شعبيّتهم في الداخل وتهميشهم المتزايد في الخارج.
من ناحية، تواجه القيادة في رام الله، مقرّ السلطة الفلسطينية، انتقادات شديدة من الفلسطينيين بسبب الشلل السياسي وعدم قدرتها على خدمة ناخبيها القلقين. ويركّز الكثير من النقّاد على فشل السلطة الفلسطينية في حماية مخيّمات اللاجئين والبلدات والقرى الفلسطينية التي استهدفتها القوّات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، ومن ضمنها تلك الموجودة في المنطقة أ، التي مُنحت إدارة الشؤون المدنية والأمنية فيها إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو. ومن ناحية أخرى، يُلقى اللوم على السلطة الفلسطينية بسبب فشلها في الاستجابة الفعّالة والاستفادة من التطوّرات السياسية الأخيرة والاضطرابات في إسرائيل. في الواقع، وكما يتّضح من استطلاعات الرأي العام المُتتالية، فإنّ غالبية الفلسطينيين تلوم المؤسّسات غير الفعّالة والمنقسمة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الأخرى على تقاعسها وفشلها في الارتقاء إلى مستوى الدفاع عن المصالح الوطنية الفلسطينية. والأهم من ذلك، تتّهمها بالفشل في حماية حياة الفلسطينيين في هذا المنعطف الحرج من المواجهات المتزايدة مع إسرائيل.
أثار الاجتماع في مصر – إلى جانب الاجتماع الذي سبقه بأيام في تركيا – آمالاً متحفّظة في المنطقة، لا سيّما بين الفلسطينيين وغيرهم من العرب الذين استثمروا في تغلّب الفصائل الفلسطينية على خلافاتها السياسية هذه المرّة، وتحقيق بعض الإجراءات المطلوبة في مسار المصالحة الوطنية التي طال انتظارها. لكن بالنظر إلى السجل اليائس للقاءات مماثلة عجزت عن وضع حدّ للانقسامات الحزبية والتوصل إلى تسوية مؤقّتة تفضي إلى التعاون والتعايش السلمي، فإن الشكوك العامّة بين الفلسطينيين عموماً والمحلّلين الثاقبين لا تزال مرتفعة، على الرغم من الاستئناف الأخير لمحادثات المصالحة.
الوحدة الوطنية: هدف بعيد المنال
شكّلت الوحدة الفلسطينية هدفاً وطنياً شائعاً، وإنّما بعيد المنال، منذ نشأة الحركة الوطنية الفلسطينية بين منتصف وأواخر ستينيات القرن الماضي، بهدف تقرير المصير وإقامة دولة مستقلّة في كلّ فلسطين التاريخية أو في أجزاء منها. وفي الواقع، مع انقسام الحركة بمرور الوقت إلى عدد من الفصائل والمنظّمات السياسية والعسكرية ذات أيديولوجيات ومهمّات وأهداف وإستراتيجيات مختلفة متنافسة، أصبح توق الشعب الفلسطيني إلى ما يشبه الوحدة الوظيفية عنصراً حازماً وسائداً ضمن الرأي العام الفلسطيني في الأراضي المحتلّة، وكذلك في الشتات، على الرغم من عدم إحراز تقدّم في المحاولات الدبلوماسية المتعددة من أجل تحقيق هذا القدر من التعاون أو الشراكة.
مع الهزيمة المذلّة لفتح على يد حماس وسيطرتها على قطاع غزة في يونيو 2007، أصبحت الخلافات الفلسطينية أكثر حدّة ومأسسة، ممّا سمح لإسرائيل وباقي المجتمع الدولي بالتعامل مع تنظيم حكم فلسطيني منقسم، وجعل حلّ الصراع الفلسطيني مع إسرائيل، وهو احتمال صعب بالأساس، أكثر بعداً، إذ حرم السلطة الفلسطينية في رام الله من ادعاء تمثيل كامل الشعب الفلسطيني، على عكس ما نجحت فيه منظّمة التحرير الفلسطينية في السابق. أصبح الرأي العام في فلسطين أكثر تركيزاً على المطالبة بالمصالحة، ومن الواضح أنه هدف أقل طموحاً من الوحدة كأولوية وطنية.
بالنتيجة، أجريت عشرات المحاولات من أجل التوصل إلى المصالحة بين الفصيلين برعاية دول مثل الجزائر ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وتركيا وروسيا وغيرها. تم التوصّل إلى عدد من الاتفاقيات التي وصفت على نطاق واسع كانتصارات، بما فيها اتفاق مكّة (2007)، وإعلان صنعاء (2008)، واتفاقية القاهرة (2011)، واعلان الدوحة (2012)، واتفاقيتي القاهرة في 2012 و2014، واتفاقية فتح-حماس في 2020، واتفاقية الجزائر في العام 2022. لم تكن النتائج إيجابية أو دائمة وفق أي من المعايير. ولا عجب في أنّ عدداً من الحكومات العربية وشعوبها أصبح غير مهتم وغير مبال بالانخراط في ما تعتبره ممارسة غير مجدية.
لم يكن الجمهور الفلسطيني المُدرك سياسياً بمنأى عن استخلاص النتيجة نفسها. ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت بانتظام في خلال العقد الماضي من مبادرات محلّية مختلفة، من ضمنها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، تعتبر غالبية الفلسطينيين (74 في المئة) أنّ جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، بما فيها فتح وحماس، غير جادّة أو غير كافية. وأعرب 81 في المئة عن تشاؤمهم بنجاحها في ظل حكومة رئيس الوزراء الحالي للسلطة الفلسطينية محمد اشتية. وتوقّع 16 في المئة فقط نجاحاً محتملاً في العام 2023.
هل المصالحة الفلسطينية ممكنة؟
المصالحة الفلسطينية ليست مستحيلة. مع ذلك، وكما يتّضح من لائحة الإخفاقات المذكورة أعلاه، تتطلّب هذه العملية إعادة تحديد الهدف بشكل مدروس، والتزاماً أكثر جدّية من الأطراف من أجل تحقيقه. وهما مطلبان لا يزالان غائبين عن المجال السياسي الحالي في فلسطين. فضلاً عن ذلك، من الواضح أن غياب الديمقراطية وممارساتها عن السياسة الفلسطينية – بما فيها الانتخابات البرلمانية والرئاسية – شكّل عقبة رئيسية أمام هذا المسعى. وبالنتيجة، فشلت فتح بشكل ذريع في جهودها لتثبيت حكم ديمقراطي، بينما فشلت حماس والفصائل الأخرى من معتقدات أيديولوجية مختلفة – سواء علمانية أو طائفية، تقدّمية أو محافظة – في العمل كمعارضة فعّالة لإبقاء الميول الاستبدادية لقيادة فتح تحت السيطرة.
بطبيعة الحال، هذه ليست التحدّيات الوحيدة التي يواجهها سكّان فلسطين التي تقبع تحت احتلال باطش وطويل الأمد. مع ذلك، إن فشل القيادة الفلسطينية – منظّمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية، وكذلك حماس في قطاع غزّة – في الالتفاف على القيود القاسية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على مدى 56 عاماً، من خلال إنشاء المؤسّسات الأساسية لدولة مستقلّة، هو غير مقبول وغير مبرّر بأي معيار. ولذلك، لا يمكن لوم 50 في المئة من سكّان الضفّة الغربية وقطاع غزّة، الذين استنتجوا أن مصلحتهم كفلسطينيين تكمن في حلّ السلطة الفلسطينية أو انهيارها.
مخرجات لقاء العلمين
قد يكون من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي على قمّة العلمين التي انتهت قبل أيام، إلّا أنّ جميع المؤشّرات حتّى الآن تشير إلى انتهاء هذه المحادثات من دون إحراز أي تقدّم ملحوظ، أسوة بالجولات العديدة التي سبقتها منذ العام 2007. ذكرت وسائل إعلام عربية ودولية غطّت الحدث أنّ المشاركين في هذه الجولة من محادثات المصالحة لم ينجحوا إلّا في تشكيل «لجنة مصالحة داخلية فلسطينية» لمتابعة النقاشات من أجل تخطي الانقسامات القائمة.
يواصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التمسّك بالعودة إلى «دولة واحدة، ونظام واحد، وقانون واحد، وجيش شرعي واحد». وبصراحة، إنّ تشكيل لجنة أخرى من أجل متابعة مسألة المصالحة البعيدة المنال ليس سوى كارثة أخلاقية وسياسية أخرى. اصطدمت محاولات تحقيق المصالحة الوطنية بشكل مأساوي بانقسامات فئوية في العلمين، وخسرت المعركة مجدّداً. في حين تشير التقارير الواردة من الضفّة الغربية المحتلّة إلى أنّ عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي القوّات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين منذ بداية العام وصل إلى 207، من بينهم 35 طفلاً.
نُشِرت النسخة الأصلية من هذه المقالة باللغة الإنجليزيّة من قبل المركز العربي – واشنطن.
إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ المؤلّف حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.