سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، وسعادة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووفود أمريكية وقطرية في الحوار الاستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة وقطر في الدوحة، قطر. 22 نوفمبر 2022. وزارة الخارجية القطرية.

بطولة كأس العالم قطر 2022: الإنجازات والتوصيات 

أرست بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 أرضية جديدة لما يعنيه تنظيم بطولة شاملة وآمنة. كيف يمكن التعلّم من الإنجازات المحقّقة وتطبيق المعايير والمقاربات المعتمدة في البطولات القادمة؟

26 يناير، 2023
نهى أبو الدهب، تانر مانلي

استمتع محبّو الرياضة وجماهير كرة القدم على مشارف نهاية العام 2022 ببطولة سجّلت الكثير من السوابق التاريخية والتي يمكن لصانعي السياسات الاعتبار منها والتفكير في الدروس المُستقاة من تنظيم قطر لهذا الحدث الذي أقيم للمرّة الأولى في منطقة الشرق الأوسط. وفي حين تستعدّ الولايات المتّحدة والمكسيك وكندا للتشارك في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2026، وقّعت الحكومتان القطرية والأمريكية خطاب نوايا بشأن إرث كأس العالم لتبادل المعرفة والاستنتاجات المستخلصة

 

وقد ترافقت استضافة قطر لهذه البطولة مع وابل من الانتقادات طالت سجلّها الحقوقي. صحيح أنّه لا يزال يتعيّن على قطر تحسين عملية تطبيق إصلاحات قانون العمل وزيادة الحماية للمجتمعات المُهمّشة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّها قد سجّلت عدداً من الإنجازات في مجالات أخرى مهمّة. وقد ساهمت سياساتها المتعلّقة بتنظيم تناول المشروبات الكحولية وسهولة وصول الأشخاص ذوي الإعاقة في جعل هذه البطولة أكثر أماناً وشمولية. بالتالي، لا بدّ من الدول المنظّمة للنسخة المقبلة من البطولة التوقّف عند هذه الانجازات وربّما التفكير في تطبيق سياسات مماثلة.

 

القيود المفروضة على تناول المشروبات الكحولية تجعل كأس العالم أكثر شموليّة 

 

أثار قرار قطر في اللحظة الأخيرة بمنع بيع المشروبات الكحولية وتداولها في استادات بطولة كأس العالم ومحيطها والاكتفاء بالمشروبات الخالية من الكحول غضب الكثيرين في الأوساط الغربية. لكن في النهاية انعكس هذا القرار إيجابياً على غالبية المشجّعين وساهم في تعزيز تجربتهم في كأس العالم. لقد تمكّن المشجّعون من الاستمتاع بالمباريات من دون خوف من التعرّض لسلوك عدواني من الجماهير المخمورين.

 

والأهم، أفادت تقارير بأنّ العائلات والنساء تمكّنّ من الاستمتاع بالمباريات في قطر من دون الخوف على سلامتهم، خصوصاً بعد نهاية كلّ مباراة عند مغادرة عشرات آلاف المشجّعين الملاعب في الوقت نفسه بطريقة سلسة وسلمية. ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه السياسات قد ساعدت المشجّعين على الشعور بالأمان، إلّا أنّه ما من مؤشر حتّى الآن بأنّ البلدان المضيفة لكأس العالم 2026 في أمريكا الشمالية تنظر في اعتماد سياسات مماثلة.

 

وبالنظر إلى الهوس الإعلامي بقرار بمنع بيع المشروبات الكحولية وتداولها في استادات بطولة كأس العالم ومحيطها، يُخيّل إليك أنّ حالة من فقدان الذاكرة – أو الرياء – قد حلّت على الناس الذين نسوا أنّ بطولات سابقة قد حظرت أيضاً المشروبات الكحولية في الملاعب. ففي العام 2003، منعت البرازيل المشروبات الكحولية في الملاعب في محاولة للحدّ من العنف في خلال المباريات. وقد أظهرت بعض الأدلّة صوابية هذه التدابير، حيث وجدت إحدى الدراسات أنّ “استهلاك الكحول يمكن أن يكون مُحفّزاً مهمّاً للعنف في كرة القدم”.  

 

ولاحقاً، خُفِّفت هذه القيود بضغوط من الفيفا التي تضمّ بين رعاتها الرئيسيين شركة بدويايزر للجعة. وقد وضعت دولٌ أخرى أيضاً قيوداً على بيع المشروبات الكحولية في الملاعب ومن ضمنها إنكلترا لنحو 40 عاماً وفرنسا. لم تكن قطر الدولة الأولى التي تعتمد تدابير لمنع الشغب والفوضى في المباريات، لكنّها نجحت أكثر من البرازيل في مقاومة ضغوط الفيفا والجهات الراعية. وبينما يجري التشكيك بالأدلة المقدّمة حول دور تناول المشروبات الكحولية في زيادة الفوضى في المباريات، تبقى تجارب المشجّعين وشعورهم بالأمان جزءاً أساسياً في تقديم بطولة أكثر شمولية للجميع. 

 

مع ذلك، لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ بعض العوامل الخاصة بالسياق القطري والتي أدّت إلى إنجاح تطبيق قرار منع المشروبات الكحولية في الملاعب لا تتوفّر في البلدان الثلاثة المضيفة للبطولة القادمة. ويخضع استهلاك المشروبات الكحولية في قطر أصلاً للرقابة ولقوانين محدّدة، حيث يُسمَح لحانات ومطاعم محدّدة تابعة للفنادق بتقديمها، وأُضيفت إليها المناطق المخصّصة للمشجّعين والشخصيّات المهمّة في خلال كأس العالم. 

 

ومن المحتمل أن يكون نظام النقل العام الفعّال والحديث قد ساهم في تخفيف بعض العواقب غير المقصودة لمنع المشروبات الكحولية في قطر. وقد وجدت دراسة حول منع المشروبات الكحولية في خلال مباريات كرة القدم الأمريكية في الجامعات في الولايات المتحدة أنّ معدّلات القيادة تحت تأثير الكحول تزيد غالباً من دون إيجاد حلّ لمشكلات سكر المشجّعين، نظراً لأنّهم يستهلكون كميات أكبر من المشروبات الكحولية قبل المباريات وبعدها. بالتالي، قد لا يكون المنع التام هو السياسة الأكثر فعّالية، لكن يمكن النظر في بدائل فعّالة مثل إنشاء مناطق خالية من استهلاك المشروبات الكحولية في الملاعب وتحسين البنية التحتية للنقل العام في المدن المضيفة. 

 

من المهم أيضاً مراعاة الآثار غير المباشرة لزيادة استهلاك المشروبات الكحولية في أثناء الفعاليات الرياضية. وجدت دراسة أُجريَت في إنكلترا أنّ معدّلات العنف المنزلي تزداد في خلال كأس العالم. ووجد المؤلّفون ربطاً بين مباريات المنتخب الإنكليزي في كأس العالم وارتفاع معدّلات العنف المنزلي بسبب الكحول في بعض أنحاء البلاد، وذلك بمعزل عن نتائج المبارايات نفسها. تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ بطولة كأس العالم في قطر كانت الأولى التي لم يتم فيها اعتقال أي من مشجّعي المنتخب الإنكليزي.

 

لذلك، يمكننا أن نرى تأثير القيود المفروضة على تناول المشروبات الكحولية يتردّد داخل الملاعب وخارجها، وفي أجزاء أخرى من المدن المضيفة. ومن شأن هذه القيود أن تحمي الفئات الضعيفة من العنف والمضايقات وأن تسمح لمن لا يشربون الخمر بالاستمتاع بالبطولة من دون الخوف من التعامل مع الأفراد السكارى.

 

الدروس المستخلصة للبطولة القادمة

 

قدّمت بطولة كأس العالم في قطر مثالاً للشمولية يُحتذى به في مجالات أخرى؛ على سبيل المثال، من خلال إشراك مجموعات المجتمع المدني لتعزيز إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم. فمن خلال منتدى التمكين الذي نظّمته قطر، استعانت بعدد من مجموعات المجتمع المدني والأشخاص ذوي الإعاقة في عملية التخطيط لكأس العالم. واعتُمدَت سياسات أكثر شمولاً سمحت للمشجعّين من المكفوفين وضعاف البصر بمتابعة التعليق والوصف الصوتي السمعي عبر تطبيق على هواتفهم، كما استُحدِثت قاعات للمساعدة الحسية تلائم احتياجات المشجّعين من ذوي التوحّد وصعوبات الإدراك الحسّي. وبالتالي، يجب على مضيفي البطولة المُقبلة في أمريكا الشمالية التفكير في اعتماد سياسات مشابهة في العام 2026، وهناك أسباب تدعو للتفاؤل بأنهم سيقدمون على ذلك.

 

وقّع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني خطاب نوايا المذكور أعلاه على هامش فعاليات الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي بين قطر والولايات المتّحدة في خلال كأس العالم. ويُحدّد هذا الخطاب خطط التعاون تحضيراً لكأس العالم لكرة القدم 2026، كما فعل البَلدان في فترة الاستعداد لبطولة 2022. 

 

وستلتقي مجموعة عمل الحوار الاستراتيجي في العام 2023 لتطبيق الإنجازات التي حققتها قطر في الحدث المنتظر في أمريكا الشمالية. كذلك حضرت لجان منظّمة تمثّل المدن المضيفة لمونديال العام 2026 عدداً من المبارايات والعروض التقديمية وقامت بجولات على الإستادات والمرافق الأخرى في قطر.

  

وقدّم منتدى التمكين للجهات المعنيّة في هذا الحدث فرصةً للانخراط المبكر بهذه العملية مما ساهم بشكل كبير في صياغة وتطبيق سياسات تعزّز سهولة الوصول في مونديال 2022. وسيكون من الجيّد أن تأخذ الولايات المتحدة والمكسيك وكندا العبر من هذه المقاربة، ويُعدُّ الحوار الاستراتيجي بين قطر والولايات المتحدة الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

 

بيد أنّ الخطاب الموقّع لم يتطرّق إلى أشكال أخرى من الشمولية، ولم يُعلن المنظّمون في أمريكا الشمالية بعد عن أي خطط لفرض قيود على استهلاك المشروبات الكحولية. وفي حال لم تُفرَض أي قيود على بيع المشروبات الكحولية داخل الملاعب ومن حولها، قد يجازف منظّمو بطولة كأس العالم 2026 بإقصاء من لا يتناولون هذه المشروبات، وكذلك القاصرين والعائلات والنساء والأطفال الذين قد لا يشعرون بالأمان في خلال المباريات بوجودهم مع مشجّعين سكارى.

 

ينبغي على منظّمي بطولة كأس العالم FIFA 2026 إنشاء مناطق خالية من المشروبات الكحولية لتسهيل مشاركة كافة الجماهير والمشجّعين من مختلف الثقافات، وكذلك للأشخاص الذين لا يشربونها والقاصرين والعائلات والنساء الذين قد يتعرّضون لخطر التحرّش والعنف والمضايقات من قبل المشجّعين السكارى.

 

وفي حين ينظر العديد من النقّاد في الغرب إلى منع المشروبات الكحولية في إستادات كأس العالم FIFA قطر 2022 كاستثناء يفضّلون عدم تكراره في البطولات المستقبلية، من الأصحّ حصول العكس. يجب أن تصبح المناطق الخالية من المشروبات الكحولية هي القاعدة وليس الاستثناء إذا أردنا أن تتّسم بطولات كأس العالم بالشمولية كالتي نظّمتها قطر. ممّا لا شكّ فيه أنّ المنع التام ليس أفضل مقاربة لسياق أمريكا الشمالية لما قد تنطوي عليه من عواقب غير مقصودة، لكن إنشاء مناطق خالية من المشروبات الكحولية يقدّم حلاً وسطاً واقعياً.

 

كرة القدم هي رياضة عالمية تتخطّى حدود استهلاك المشروبات الكحولية وثقافة الشرب. يجب على المضيفين المستقبليين البناء على إنجازات السياسات التي حقّقتها بطولة كأس العالم 2022 في قطر للاستمرار في تنظيم بطولات قادمة تتميّز بالشمولية قدر الإمكان.

 

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالة تخصّ مؤلّفها حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

 

القضية: الاقتصاد السياسي، السياسة الأمريكية الخارجية، العلاقات الإقليمية، بطولة كأس العالم لكرة القدم
البلد: قطر

المؤلّفون

زميلة أولى غير مقيمة
نهى أبوالدهب هي زميلة أولى غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية وأستاذة مساعدة في القانون الدولي بجامعة جورجتاون في قطر. وتشارك أبوالدهب في رئاسة مجموعة العدالة الانتقالية وسيادة القانون في الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، وهي عضو في مجلس إدارة عدد من المنظمات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني.   وهي أيضاً خبيرة متخصّصة في العدالة… Continue reading بطولة كأس العالم قطر 2022: الإنجازات والتوصيات 
باحث مساعد
تانر مانلي هو باحث مساعد في برنامج الصراعات والتحولات التابع لمجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. حصل مانلي على بكالوريوس العلوم من كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون في قطر. وقد نال تقدير امتياز عن أطروحته عن الحركات الناشطية في الولايات المتحدة في القرن العشرين. تركّز اهتماماته البحثيّة على السياسات العمالية والهجرة والوساطة في الصراعات في منطقة الشرق الأوسط… Continue reading بطولة كأس العالم قطر 2022: الإنجازات والتوصيات