عودة تركيا إلى الأسواق الماليّة الدوليّة ضرورية للتعافي من الزلازل

مذكرة سياسات، يونيو 2023
زميل أول غير مقيم

8 يونيو، 2023

لقد أظهرت الزلازل التي ضربت إزميت في العام 1999 والأناضول مؤخّراً ضعف تركيا في مواجهة الزلازل، ما يسلّط الضوء على ضرورة تعزيز قدرة البلاد على مقاومة مثل هذه الكوارث الطبيعيّة. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحديث المساكن، إلّا أنّ قدراً لا يستهان به من المباني في أنحاء البلاد لا تزال عرضةً للخطر. تتناول مذكّرة السياسات هذه حاجة تركيا لتطبيق إصلاحات من الجيل الأوّل تساعد على استقطاب الاستثمار الدولي في أهدافها التنمويّة طويلة الأجل. في هذا الإطار، تقترح المذكّرة إنشاء “صندوق تنمويّ دوليّ لمواجهة الزلازل” يهدف إلى تمويل مشاريع سكنيّة مقاوِمة للزلازل. ويتميّز هذا الصندوق ببُنية حوكمة تعزّز معايير الشفافيّة والمحاسبة والاستقلاليّة التشغيليّة، فيما يعتمد تقنية سلسلة الكتل أو “البلوك تشين” (blockchain technology) من أجل تعزيز ثقة المستثمرين. إلى ذلك، يمكن للصندوق أن يصدر سندات وصكوك مستدامة وطويلة الأجل من أجل تمويل مشاريع عقاريّة تعزّز الجاهزيّة لمواجهة الزلازل ونيل ثقة المستثمرين والإسهام في استدامة الاقتصاد التركي.

 

المقدّمة

تقع تركيا في منطقة عرضة للزلازل، إذ سبق أن ضربها عددٌ من هذه الكوارث المدمّرة على مرّ العقود الماضية، ولعلّ أعنفها في الذاكرة الحديثة كان زلزال إزميت عام 1999 الذي خلّف آلاف القتلى، وتسبب في تراجع النشاط الاقتصادي.1 عقب تلك الكارثة، ازداد الوعي تجاه الحاجة للاستعداد لمواجهة الزلازل المستقبليّة المحتملة.2 وقد تعرّضت تركيا في بداية العام الحالي إلى زلزال ضخم آخر ضرب مركزها الصناعي الناشئ في الأناضول، ليكشف مرّة أخرى عن ضعف البلاد في مواجهة الزلازل.

 

بحسب البنك الدولي، فإن غالبيّة المساكن المبنيّة في المدن التركيّة قبل عام 2000 عرضة بشكل كبير لخطر الزلازل والكوارث المناخيّة وتحتاج إلى تدعيم عاجل.3 مع ذلك، خضعت نسبة 4 في المئة فقط من أصل 6,7 مليون مبنى سكنيّ على امتداد البلاد لعمليات تحديث، فيما تُقدّر تكلفة تحديث كافة المساكن لتصبح على المستوى المطلوب بحوالي 465 مليار دولار.4

 

وفي حين لا مفرّ من إعادة تأهيل المباني في تركيا، فإنّ تسريع هذه العمليّة يمكن أن يسهم في إنقاذ آلاف الأرواح. إلّا أنّ إنجاز عمليّة إعادة التأهيل لمقاومة الزلازل في خلال وقت قصير يتطلّب تمويلاً دوليّاً. وفيما يتوقّع الخبراء تعرّض إسطنبول إلى زلزال في أيّ لحظة،5 يتعيّن على صنّاع السياسات العمل على إعادة تأهيل كافة المباني في أسرع وقت ممكن، أقلّه في خلال السنوات العشرة المقبلة. وعلى الرغم من مسارعة المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانيّة العاجلة لتركيا عقب الزلزال الأخير،6 تبقى الحاجة ماسّة للتوصّل إلى حلّ نهائي لمواجهة هذه المخاطر، وذلك من خلال تحسين المساكن الحاليّة.

 

يمكن اعتماد حلول السوق المتوافقة مع الحوافز بقيادة الحكومة التركيّة والمؤسسات الدوليّة مثل البنك الدولي من أجل تمويل الطلب المتنامي على المساكن الجديدة عقب الزلزال. إلّا أنّ المشكلة لا تُختصر في إخضاع المباني المشيّدة حديثاً لقواعد ناظمة، إذ على الرغم من أهميّة تعزيز دور الهيئات النظامية والرقابيّة، قد يضطر صنّاع السياسات والمواطنون، حتى مع هذه التحسينات، للقبول بمعايير سكنيّة دون المستوى المطلوب بسبب الافتقار إلى ما يكفي من التمويل طويل الأجل. بشكل عام، تنجم الممارسات غير الأخلاقية في قطاع الأعمال بشكلٍ أساسي عن الفساد والسعي لتحقيق الأرباح عبر تقليل التكاليف. بالتالي، من شأن اعتماد تمويل مؤسساتي ملائم أن يقلّل من هذه الدوافع من خلال توفير بنية تساعد على الحدّ من المخاطر المتأصّلة في إجراءات التمويل الرسمية.

 

لا شكّ في أنّ توفير المزيد من فرص التمويل لا يكفي وحده من أجل التوصّل إلى معالجة كاملة لمسألة الفساد، إلّا أنّ الحصول على تمويل دوليّ رسمي يعتمد بُنية حوكمة ملائمة قد يساعد على الالتزام بمعايير البناء المناسبة، حيث يفرض التمويل المسؤول تطبيق معايير عالية في عمليّات البناء. إلى ذلك، فإنّ استقطاب استثمارات مستدامة ذات أهداف اجتماعية يحتاج إلى تقديم ضمانات بالالتزام بمعايير البناء المناسبة، ويتضمّن ذلك القيام بإصلاحات أوليّة وتحسين الإشراف على عمليّات البناء وإنشاء “صندوق تنموي دولي لمواجهة الزلازل”.

 

تنتمي تركيا إلى الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، وفي حين تملك البلاد القدرة على التخفيف من وطأة الكوارث الإقليمية، إلّا أنّ الاستثمار في مشاريع التطوير العقاري الجديدة تحسّباً للزلازل المحتملة قد يثير التساؤلات حول مدى استدامة العجز الحالي في ميزان المدفوعات. إذ تحتاج تركيا إلى تمويل أطول أجلاً للمشاريع من أجل الحفاظ على استقرارها الاقتصادي الكلّي والمالي. وكانت البلاد قد نأت بنفسها على مدى السنوات الماضية عن الأسواق الماليّة الدوليّة في إطار نموذج اقتصادي جديد محيّر تعتمده. مع ذلك، فإنّ الأزمات غالباً ما تستدعي إصلاحات جديدة، بالتالي يتعيّن على تركيا أن تطبّق مجدّداً إصلاحات من الجيل الأوّل فيما تنشئ “صندوق تنموي دولي لمواجهة الزلازل” بهدف تسريع التعافي من الزلزال الأخير والاستثمار في جاهزيّة البلاد المستقبليّة.

 

تهدف مذكّرة السياسات هذه إلى الإسهام في الاستعدادات ضدّ الزلازل المحتملة التي قد تضرب تركيا وفي تعزيز جاهزيّتها للتعامل مع الكوارث في المستقبل. فهي تؤكّد بالدرجة الأولى على ضرورة تعزيز مقاومة الزلازل في تركيا لكون البلاد عرضةً لمثل هذه الكوارث، حسب ما أظهره زلزال إزميت عام 1999 والزلازل الأخيرة التي ضربت الأناضول. ثانياً، تشدّد المذكّرة على حاجة تركيا للقيام بإصلاحات من الجيل الأوّل من أجل جذب استثمارات دوليّة في أهدافها التنمويّة طويلة الأجل، ومن بينها تعزيز الجاهزيّة للتعامل مع الزلازل. وتقترح ثالثاً إنشاء “صندوق تنمويّ دوليّ لمواجهة الزلازل” من أجل تمويل بناء مدن جديدة ومشاريع سكنيّة مقاوِمة للزلازل في تركيا. وتقترح المذكّرة تبنّي الصندوق بنية حوكمة تلتزم معايير الشفافيّة والمحاسبة والاستقلاليّة التشغيليّة. رابعاً، تدعو المذكّرة لإصدار الصندوق سندات وصكوك7 مستدامة من أجل تمويل المشاريع العقاريّة التي تُسهم في تعزيز الجاهزيّة في مواجهة الزلازل والدفع قدماً بالنموّ الاقتصادي التركي. وأخيراً تؤكّد المذكّرة على أهميّة استغلال تركيا الفرصة من أجل الانخراط مجدّداً في الأسواق الماليّة ووضع خطّة تهدف لمعالجة نقاط الضعف في قطاعها الإسكاني وتعزيز المقاومة ضدّ الزلازل.

 

ما هي الخطوات الأوليّة التي يتعيّن اتّخاذها لجعل مقاومة الزلازل واقعاً على الأرض؟

ببساطة، يجب إعادة إدراج الإصلاحات من الجيل الأوّل على جدول الأعمال، إذ إنّ تحسين القدرة على التنبّؤ بالاقتصاد التركي وتعزيز الثقة به ضروريان من أجل استقطاب الاستثمارات الطويلة الأجل. وقد باتت معالجة هذه القضية ملحّة جداً بعد أن بلغ معدّل التضخم 40 في المئة في أبريل وكان قد تجاوز الـ50 في المئة في وقت سابق هذا العام،8 في ظلّ تقلّبات أسعار الصرف.9 وفيما تسعى تركيا لتبنّي نموذج اقتصادي جديد يعتمد على مبادرات تنمويّة مدعومة بالتصدير، يبدو أنّها تنازلت عن إصلاحات من الجيل الأوّل، من بينها الإجراءات المتعلّقة باستقرار الأسعار والاستقرار المالي.

 

الإصلاحات من الجيل الأوّل والثاني

تشير الإصلاحات من الجيل الأوّل إلى مجموعة من الإجراءات على صعيد السياسات تهدف إلى معالجة اختلال التوازنات على مستوى الاقتصاد الكلّي وإلى إنشاء بيئة اقتصاديّة مستقرّة. وعادةً ما تُطبّق مثل هذه الإصلاحات في الدول التي تمرّ بأزمات اقتصاديّة أو تواجه مشاكل هيكليّة متأصّلة. أمّا الإصلاحات من الجيل الثاني، فتشير إلى مجموعة من الإجراءات على صعيد السياسات تُبنى على الأسس التي وضعتها الإصلاحات من الجيل الأوّل. وبينما تركّز الإصلاحات من الجيل الأوّل على تحسين الجوانب المؤسساتيّة والبنيويّة للاقتصاد بهدف تعزيز النموّ والتنمية والرفاه الاجتماعي، تهدف الإصلاحات من الجيل الثاني لمعالجة مشاكل أعمق وأكثر تعقيداً تتطلّب مقاربة أكثر شمولية لصناعة السياسات الاقتصاديّة.10

 

يتيح الزلزال الأخير الفرصة لبدء التخطيط على المدى الطويل، بما أنّ العمل على تحقيق أهداف تنمويّة دائمة أصبح أكثر أهميّةً من أيّ وقت مضى. إلّا أنّ تحقيق هذه الأهداف يتطلّب في البداية معالجة بعض المشكلات الأساسيّة، منها خفض التضخّم مع الحفاظ على الاستقرار المالي. ينبغي على تركيا أوّلاً أن تبني أسساً متينةً من خلال تنفيذ الإصلاحات من الجيل الأوّل من أجل تمهيد الطريق أمام الاستثمارات الدوليّة الأساسيّة لتمويل مشاريع سكنيّة مقاوِمة للزلازل. وكانت تركيا قد طبّقت مثل هذه الإصلاحات في الماضي، فبين عاميّ 2000 و2015، حافظت البلاد على ثبات عملتها واستقرارها المالي، حاصدةً ثمار ذلك على شكل بيئة استثمارية سليمة ونموّ اقتصاديّ قوّي.11 بالتالي، هذه الإصلاحات قابلة للتطبيق بالفعل، وتاريخ تركيا الحديث شاهد على ذلك.

 

إلى ذلك، فإنّ الإصلاحات من الجيل الثاني مهمّة أيضاً من أجل ضمان استدامة السرديّة التنمويّة للبلاد وصمودها، بالأخصّ في أعقاب الزلازل الأخيرة. وفي حين لم تتناول هذه المذكّرة الإصلاحات المحدّدة التي تحتاجها تركيا، فإنّ إنشاء صندوق يهدف إلى استقطاب الاستثمارات الدوليّة يقدّم مثالاً ملموساً حول كيفية السير قدماً في هذا المجال. كما يمكن أن يشكّل هذا الصندوق نموذجاً تحتذي به الدول الأخرى التي واجهت كوارث مماثلة مؤخّراً.

 

مقترح لإنشاء صندوق تنموي دولي لمواجهة الزلازل

ينبغي على تركيا دراسة إنشاء “صندوق تنمويّ دوليّ لمواجهة الزلازل” يركّز على بناء مساكن مقاوِمة للزلازل، في إطار أهدافها التنمويّة على المدى الطويل. من شأن هذا الصندوق أن يقدّم التمويل اللازم لإعادة تأهيل المباني القديمة لتصبح على المستوى المطلوب ولبناء منازل جديدة أيضاً. ونظراً للنموّ السكّاني في البلاد والتوسّع الحضري السريع، فإنّ الصندوق سيسهم أيضاً في إنشاء المشاريع السكنيّة الجديدة. ومن شأن الصندوق أيضاً أن يمنح قروض الرهن العقاري مباشرة إلى الأفراد بدون أن يتدخّل في سوق الإسكان مباشرةً. إلى ذلك، يمكن للتمويل أن يتوسّع ليشمل أيضاً المطوّرين العقاريين في القطاع الخاص أو الهيئات الحكوميّة مثل إدارة الإسكان في تركيا (توكي) أو أكبر صندوق استثماري عقاري في تركيا “إملاك كونوت”12 ما يزيد من كميّة العقارات المعروضة.

 

سيتولّى إدارة الصندوق أشخاصٌ تكنوقراط أصحاب كفاءات عالية، وسيشمل تمثيل مستثمرين دوليّين ومؤسسات دوليّة، كلّ بحسب إسهاماته في الصندوق. ونظراً لما اختبرته تركيا مؤخراً، فمن المهمّ جداً تجنّب تكرار أخطاء الماضي. بالتالي، سيحظى الصندوق بإدارة مستقلّة تكون مكلّفة بوضوح بجمع الأموال وإدارتها حصراً من أجل بناء جاهزيّة البلاد المستقبليّة. ويمكن إنشاء الصندوق لفترة محددّة وتوضع له أهداف واضحة وقابلة للتحقيق. فمن شأن هذه المسؤولية المستهدفة والمحدّدة أن تضمن المحاسبة وتظهر مدى استثنائيّة الصندوق وتؤكّد على صلاحياته، ما يساعد على كسب ثقة المستثمرين الدوليّين، مثله مثل مناطق التجارة الحرّة أو المناطق الماليّة الحرّة.

 

من شأن “الصندوق التنمويّ الدوليّ لمواجهة الزلازل” أن يعمل كصندوق ثروة سياديّة، ولكن هدفه الوحيد بناء منازل جديدة وتعزيز الجاهزيّة للتعامل مع الزلازل المتوقّعة في المستقبل. بالفعل، لبعض صناديق الثروة السياديّة أهداف تنمويّة خاصة، كما لكلّ صندوق أهدافه وتكتيكاته التي يتميّز بها. إذ يركّز الكثير منها على دعم التوسّع الاقتصادي والتقدّم ضمن الدول أو المناطق التي تنشط فيها. وقد تتضمّن أهدافها التنمويّة، على سبيل المثال لا الحصر، الاستثمار في البنية التحتيّة وتعزيز الصناعة المحليّة ودعم الابتكار وتحسين التنميّة المناطقيّة وتنويع الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الأجنبيّة. وفيما لا تملك جميع صناديق الثروة السياديّة أهدافاً تنمويّةً صريحةً، فإنّ تلك التي تملك مثل هذه الأهداف تكون قادرة على الإسهام بقوّة في النموّ الاقتصادي والتنميّة بطرق محدّدة أكثر. بالتالي، يمكن تشبيه “الصندوق التنموي الدولي لمواجهة الزلازل” بصندوق ثروة سياديّة متخصّص ولكن يتمتّع بشفافيّة أكبر ويتيح مجالاً أوسع للمحاسبة.

 

وفي حين قد تُطرح تساؤلات حول السبب الذي قد يدفع المستثمرين الدولييّن للاستثمار في الصندوق المقترَح، نظراً للوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا، إضافةً إلى هشاشتها في وجه الزلازل، لا بدّ من التذكير أنّ المستثمرين سيحصلون على عوائد من السندات والصكوك، فيما يقومون في الوقت نفسه باستثمارات إستراتيجية في مستقبل البلاد.

 

تتمثّل الخطوة الأساسيّة التالية بتصميم بنية حوكمة ترسّخ ثقة المستثمرين الدوليين. ولهذه الغاية، لا بدّ من أن تكون هذه البنية أشبه ببنية المصارف المركزية، على أن تتمتّع بدرجة عالية من الاستقلاليّة من أجل تحقيق الأهداف المحدّدة لها بدقّة. يمكن أن يشمل المؤسّسون أيضاً الحكومة التركية ومنظمات دوليّة، مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنميّة ومستثمرين دوليين، من بينهم حكومات أجنبيّة. ومثل الحال مع المصارف المركزيّة، يمكن أن يفضي التفويض المسبق للصلاحيات إلى نتائج أكثر استدامةً وفي الوقت نفسه إلى تعزيز ثقة المستثمرين بالصندوق. وهنا لا بدّ من الحرص على أن تكون بنية الحوكمة المعتمدة في الصندوق تفسح المجال أمام المحاسبة والشفافية، فيما تحافظ على الاستقلاليّة التشغيليّة من أجل إنجاز مهمّتها الأساسيّة المتمثّلة بتهيئة البلاد لمواجهة الكوارث المستقبليّة.13

 

من شأن “الصندوق التنموي الدولي لمواجهة الزلازل” أن يموّل المشاريع العقاريّة ومشاريع التطوير الحضريّة الجديدة من خلال إصدار سندات وصكوك مستدامة طويلة الأمد، وهي نوع من الأدوات الماليّة المصمّمة من أجل تمويل مشاريع أو مبادرات ذات تأثير بيئي أو اجتماعي إيجابي. عادةً ما تنضوي هذه السندات أو الصكوك تحت مظلّة أوسع من السندات الخضراء أو السندات الاجتماعية أو السندات المستدامة. أمّا الفارق الأساسي بين السندات المستدامة والسندات التقليدية، فيكمن في سبب جمع الأموال وأنواع المشاريع المموّلة. في الإطار المقترح، ستكون فترات استحقاق هذه السندات أو الصكوك مديدةً، وتتضمّن دفعات قسائم. يستخدم بعدها الصندوق الإيرادات التي يجنيها من السندات والصكوك من أجل تمويل مشاريع عقاريّة جديدة تُباع عن طريق خطط تقسيط طويل الأجل. ونظراً للامتيازات الفريدة من نوعها التي يمنحها الصندوق، تُعتبر هذه المشاريع العقاريّة ضمانات دوليّة.

 

لن تخضع أصول “الصندوق التنموي الدولي لمواجهة الزلازل” والتزاماته الماليّة لإشراف السلطات النظامية والرقابيّة المحليّة، بل سيعتمد إجراءات نظامية ورقابية دوليّة، مثل حوافز التخفيض الضريبي والتحكيم الدولي في ما خصّ إدارة الضمانات من أجل كسب ثقة المستثمرين الدوليّين. وهنا يجوز أيضاً الإشارة إلى أهمية التشديد على جسامة الوضع المرتبط بالزلزال والتأخر في تطبيق إصلاحات حوكمة مؤسساتيّة. بالتالي، قد يكون من الضروري إنشاء “الصندوق التنموي الدولي لمواجهة الزلازل” لفترة محدّدة من أجل معالجة الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات فوريّة، والقيام في الوقت عينه بالإصلاحات اللازمة الإضافيّة.

 

يمنح “الصندوق التنمويّ الدوليّ لمواجهة الزلازل” الأولويّة للشفافيّة والمحاسبة في أنشطته الاستثماريّة وجمع الأموال، بحيث يمكن إتمام كافة الصفقات عبر منصّة البلوك تشين14 من أجل كسب ثقة المستثمرين الأجانب والمحليّين.15 بعبارة أخرى، يمكن لاستخدام التكنولوجيا الحديثة أن يسهم في تعزيز الثقة بالصندوق. وعلى عكس الكثير من صناديق الثروة السياديّة التي لا تتمتّع بما يكفي من الشفافيّة، فإنّ عمليّات “الصندوق التنموي الدولي لمواجهة الزلازل” ستكون واضحة جداً للمستثمرين. وفي ظلّ ارتفاع الطلب على الخيارات الاستثماريّة المستدامة، من المتوقّع أن يستقطب “الصندوق التنمويّ الدوليّ لمواجهة الزلازل” اهتماماً كبيراً من المستثمرين الدوليين. ويمكن لتركيا أن تستفيد من موارد الصندوق من أجل تحقيق نموّ سريع، مشابه للنموّ الذي حقّقته أوروبا عقب الحرب العالميّة الثانية حين أسهمت عمليات إعادة البناء الشاسعة في تحقيق معدّلات نموّ مستدامة.

 

الخاتمة

قد تضطر تركيا للعودة إلى الأسواق الماليّة الدوليّة عقب الزلزال الأخير وبسبب حاجتها للتمويل الطويلة الأمد. إلّا أنّ التكلفة المرتفعة جداً للزلزال تتطلّب أيضاً تحوّلاً في سياسات البلاد الاقتصادية. وهنا تبرز أهميّة تقديم الحكومة فرص تمويل مقنعة ودائمة ومستهدفة للأسواق الدوليّة من أجل إنجاح أيّ عملية تحوّل حقيقيّة وفوريّة في سوق الإسكان. في هذا الإطار، يمكن إنشاء “صندوق تنمويّ دوليّ لمواجهة الزلازل” يتمتّع ببنية حوكمة صلبة يسهم في التحوّل المستدام في قطاع الإسكان وتقديم فرص استثماريّة للمستثمرين والمانحين الدوليّين والأسواق المالية الدوليّة تصبّ في مصلحة جميع الأطراف. واليوم، التوقيت مثالي كي يعمل المسؤولون الأتراك على مثل هذه الخطّة وليبدؤوا جولاتهم الاستثماريّة حول العالم.

 

 


الهوامش
1 United Nations Office for Disaster Risk Reduction, “Türkiye: Izmit earthquake 1999,” Prevention Web, accessed April 3, 2023, https://www.preventionweb.net/collections/turkiye-izmit-earthquake-1999.
2 See more views on “Lessons Learned from the Türkiye and Syria Earthquake – Council Views,”, Middle East Council on Global Affairs, Afkar (blog), February 23, 2023, https://mecouncil.org/blog_posts/council-views-lessons-learned-from-the-turkiye-and-syria-earthquake/.
3 Eugene Gurenko, Rodney Lester, Olivier Mahul, and Serap Oguz Gonulal, Earthquake Insurance in Turkey: History of the Turkish Catastrophe Insurance Pool (Washington, DC: World Bank, 2006), https://openknowledge.worldbank.org/entities/publication/ccc22044-1f4e-5ae0-836a-c4ac6669a671.
4 Mohamed Hassan and Simon Hooper, “Turkey Earthquake: World Bank Estimated Making Homes Safe Would Cost $465bn,” Middle East Eye, February 15, 2023, https://www.middleeasteye.net/news/turkey-earthquake-world-bank-estimated-making-homes-safe-cost#:~:text=Turkey%20earthquake%3A%20World%20Bank%20estimated%20making%20homes%20safe%20would%20cost%20%24465bn,-World%20Bank%20warned&text=The%20World%20Bank%20estimated%20in,almost%20half%20a%20trillion%20dollars
5 Umut Uras, “Is Turkey’s Istanbul ready for a major earthquake?,” AlJazeera, February 13, 2023,  https://www.aljazeera.com/news/2023/2/13/hold-analysis-is-istanbul-ready-for-a-strong-earthquake.
6 Joseph Stepansky, “Turkey’s ‘Aid Diplomacy’ Reverberates in Global Quake Response,” Al Jazeera, February 21, 2023, https://www.aljazeera.com/news/2023/2/21/turkeys-aid-diplomacy-reflected-in-earthquake-response.
7 الصكوك هي شهادات مالية إسلامية تشبه السندات، ولكن متوافقة مع الشريعة الإسلامية تمثّل حقّ ملكية غير مجزأة في أصل أو استثمار، حيث تنجم العوائد عن الدخل الذي تولّده هذه الأصول.
8 For inflation fluctuation over time, see “Consumer Prices,” The Central Bank of the Republic of Türkiye, accessed May 16, 2023, https://www.tcmb.gov.tr/wps/wcm/connect/EN/TCMB+EN/Main+Menu/Statistics/Inflation+Data/Consumer+Prices
9 The World Bank World Development Indicators Database, “Official exchange rate (LCU per US$, period average) – Turkiye,” accessed May 16, 2023, https://data.worldbank.org/indicator/PA.NUS.FCRF?locations=TR.
10 See the details of the first-generation and second-generation reforms in the context of Türkiye, Ahmet Faruk Aysan, Mehmet Babacan, Nurallah Gur, and Hatice Karahan, eds., Turkish Economy: Between Middle Income Trap and High Income Status (Cham, Switzerland: Palgrave Macmillan, 2018), https://link.springer.com/book/10.1007/978-3-319-70380-0.
11 المرجع نفسه، للمزيد من التفاصيل عن تحوّل القطاع المالي التركي عقب أزمة العام 2001.
12 “Who is Emlak Konut,” Emlak Konut, accessed May 8, 2023, https://sales.emlakkonut.com.tr/page/emlak-konut/en#:~:text=Emlak%20Konut%20is%20a%20rooted,estate%20investment%20Fund%20in%20Turkey.
13 Robert P. Beschel and Tarik M. Yousef, eds., Public Sector Reform in the Middle East and North Africa: Lessons of Experience for a Region in Transition, (Washington, DC: Brookings Institution Press, 2020), https://www.jstor.org/stable/10.7864/j.ctv43vqz1.
14 منصّة البلوك تشين هي تقنية سجّل رقمي لا مركزية وثابتة تتيح إجراء تعاملات آمنة وشفّافة من الندّ للندّ بدون الحاجة إلى وسطاء.
15 For more on blockchains, see Ahmet Faruk Aysan, Fouad Bergigui, and Mustafa Disli, “Blockchain-Based Solutions in Achieving SDGs after COVID-19,” Journal of Open Innovation: Technology, Market, and Complexity 7, no. 2: 151 (2021), https://doi.org/10.3390/joitmc7020151; Ahmet Faruk Aysan, Fouad Bergigui, and Mustafa Disli, “Using Blockchain-Enabled Solutions as SDG Accelerators in the International Development Space,” Sustainability 13, no. 7: 4025 (2021), https://doi.org/10.3390/su13074025; and Ahmet Faruk Aysan, Behar Sadriu, and Humeyra Topuz, “Blockchain Futures in Cryptocurrencies, Trade and Finance: A Preliminary Assessment,” Buletin Ekonomi Moneter Dan Perbankan 23, no. 4 (2020): 525–542, https://doi.org/10.21098/bemp.v23i4.1240.