إعادة الضبط الهشة في الشرق الأوسط

اللاعبون ومناطق الصراع واللانظام

ملف، نوفمبر 2023
زميل أوّل غير مقيم

مدير وزميل أوّل

 

 

المقدّمة 

 

لا تزال مسألة النظام (أو اللا نظام) محوريّة في النقاشات الحالية حول سياسات الشرق الأوسط وأمنه. وهي قضيّةٌ متعدّدة الأوجه ذات أبعاد أمنيّة وسياسيّة واقتصاديّة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمكانة الشرق الأوسط في المنظومة العالميّة المتغيّرة وعلاقات القوى الخارجيّة مع المنطقة.  

 

لقد تغيّر سياق هذه المسألة المحلّي والإقليمي والخارجي بشكلٍ جذري على مرّ العقد الماضي. وعلى الرغم من انحسار الثورات العربيّة، إلّا أنّ المعاناة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التي أدّت إلى الاضطرابات السياسيّة بين العامين 2011 و2019 لم تُعالَج بعد، إن لم تكن قد تفاقمت. فمن التفكّك الاقتصادي ما بعد الربيع العربي إلى الأزمة المعيشية الأخيرة في أعقاب الحرب في أوكرانيا مروراً بالانكماش الناجم عن جائحة فيروس كورونا ، تحرّكت المؤشّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة خارج منطقة الخليج في الاتّجاه المعاكس. وأوقفت عودةُ الحكم العسكري في بعض الدول عمليّات الانتقال السياسي فيما أحكم الطغاة قبضتهم على مؤسّسات الدولة والحياة العامة. نتيجةً لذلك، لا يزال أداءُ المنطقة في ما يتعلق بمكافحة الفساد وبالشفافيّة وبالحكم الرشيد دون المستوى المطلوب. 

 

لكن على الرغم من هذه الصورة المحليّة الجامدة، شهد السياقُ الإقليمي والدولي لسياسات الشرق الأوسط تغيّرات جذريّة. بشكلٍ خاص، خضعت طبيعةُ الديناميات داخل الكتل والمنافسة بين الكتل لتحوّلٍ كبير. بالفعل، باستثناء مرحلة السباق الجيوسياسي والعقائدي الشرس في خلال العقود الفائتة، كانت الدبلوماسيّةُ الإقليميّة في ازدهار حتى الآونة الأخيرة. وقبل تطور الأحداث الأخيرة في غزة والناجمة عن هجوم حماس في 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية التي أعقبتها وحصار عزة واجتياحها، كانتكافة الدول الإقليميّة تقريباً تشارك بشكلٍ فاعل في عمليّة التهدئة والتطبيع الجارية التي تجلّت في اتفاقات أبراهام وتسوية الخلاف الخليجي والانفراج في علاقات تركيا مع الدول الخليجيّة واستئناف الروابط الدبلوماسيّة بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة وإعادة سوريا التدريجيّة إلى المنظومة الإقليميّة. علاوة على ذلك، قدّمت جهاتٌ إقليميّة ودوليّة متعدّدة، على غرار العراق وإيران وروسيا، رؤيتها بشأن شكل من أشكال النظام الإقليمي أو الحوار الأمني.  

 

وشملت مبادرات التطبيع المختلفة هذه معظم الدول الإقليميّة، باستثناء غياب التهدئة بين إيران وإسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، يبرز اختلاف كبير بين كيفية تعامل كل من الدول الخليجيّة وإسرائيل مع إيران. لا شكّ في أنّ اتفاقات أبراهام كانت مناهضة لإيران؛ وفي المقابل، كان الاستياء من سياسة إيران الإقليميّة عاملاً ضمنياً في التطبيع بين تركيا والدول الخليجية من جهة وبين هذه وإسرائيل من جهة أخرى. بيد أنّ الانفراج في علاقات إيران مع السعودية والإمارات وحتى مع مصر، وإن بشكلٍ غير مستقر، غيّر هذه الصورة، إذ أصبحت إيران مشاركاً فاعلاً في ديناميكيّات إعادة الاصطفاف. باختصار، كانت عبارات مثل التهدئة وإعادة الضبط والتطبيع مصطلحات على الموضة لوصف هذه المرحلة من السياسة الإقليميّة آنذاك. وكانت اللغة الإقليميّة الناشئة أقل عقائديّة وجيوسياسية وأكثر اقتصادية. وكانت الصراعات الإقليميّة تفقد من زخمها لكنها لم تُحل على الإطلاق.  

(…)

غير أنّه يجب التشديد على تنبيهٍ معيّن. لقد أُنجز هذا الملف قبل اندلاع الاشتباكات الإسرائيلية الفلسطينية الأخيرة واجتياح إسرائيل لقطاع غزة. تُمثّل هذه الحرب لحظة مفصليّة في الشؤون الإقليميّة. فهي توثّر في عمليّة إعادة الضبط الإقليميّة وديناميكيتها، لا سيما في تطبيع الروابط بين إسرائيل والدول الإقليميّة. لقد قام كلّ من عمر حسن عبدالرحمن ورافاييلا ديل سارتو بتحديث فصليهما بشكلٍ جزئي لكي يعكسا ذلك لا سيما أنهما يعالجان اتفاقات أبراهام ومسألة النظام الإقليمي بشكلٍ مباشر. لكن بينما ستُعيد الحرب في غزة بالتأكيد صياغة السياسة الإقليمية وسياسات كلّ الجهات الدولية والإقليمية الرئيسية، لا يزال محتوى كافة الفصول الأخرى ومواضيعها الرئيسية وحججها صالحة وذات صلة. بيد أنّ هذا المشروع سيركّز على كيفية إعادة تعريف هذه الحرب للسياسة الإقليمية ومسألة النظام (أو اللا نظام) الإقليمي في أعماله المقبلة على نحو أكثر تفصيلاً.

 

قائمة المحتويات 

المقدّمة: غالب دالاي وطارق يوسف

 

 

الجزء الأول: اللانظام الإقليمي 

الفصل 1: منطقةٌ في مرحلةٍ انتقاليّة: مرونة سياسات الشرق الأوسط – رافاييلا ديل سارتو 

الفصل 2: التحالفات الإقليمية بقيادةٍ محليّة ومستقبل الأمن في الشرق الأوسط: استكشاف دور الأطر الأمنية الجديدة – روري ميلر 

الفصل 3: جيوسياسيّات الطاقة: أوبك+ وتحدّيات نظام الطاقة الجديد – نيكولاي كوزانوف 

الفصل 4: التطبيع وثغراته: الانتقال من اتّفاقات أبراهام إلى تقارب عربي إيراني – عمر حسن عبدالرحمن 

 

 

الجزء الثاني: القوى الإقليميّة 

الفصل 5: القوى الإقليميّة وإعادة الضبط الإقليميّة: حالة المملكة العربيّة السعوديّة – كريستيان كوخ 

الفصل 6: سياسة إيران الخارجيّة في خضم إعادة الضبط الإقليمية – حميد رضا عزيزي 

الفصل 7: سياسة تركيا الخارجيّة ونظام الشرق الأوسط – طه أوزهان 

الفصل 8: إعادة تحديد الأولويّات: السياسة الخارجيّة للدول الصغيرة في شرق أوسط متغيّر – آنا جاكوبس 

 

الجزء الثالث: التعدّدية القطبيّة ومنافسة القوى العظمى 

 الفصل 9: روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خضم الأزمة الأوكرانيّة – أندريه كورتونوف 

الفصل 10: مبادرة الأمن العالمي ودور الصين في قضايا الأمن الإقليمي – جين ليان جي شيانغ 

الفصل 11: التنافس وإعادة الاصطفاف في الشرق الأوسط: كيف ستستجيب الولايات المتّحدة؟ – ريتشارد أوتزن 

الفصل 12: دور أوروبا المتنامي في منطقةٍ متغيّرة – توبياس بورك 

 

الجزء الرابع: مناطق الصراع 

الفصل 13: إعادة سوريا إلى الساحة الإقليميّة: بين التوافق والمنافسة – سنان حتاحت 

الفصل 14: العراق يستفيد من إعادة الضبط الإقليمية – كمران بالاني 

الفصل 15: ليبيا: نذير التطبيع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – طارق المجريسي 

الفصل 16: السُبل نحو تحقيق السلام في اليمن – نادر القبّاني 

 

الخاتمة: غالب دالاي وطارق يوسف