العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية: تقوم المصارف المركزية بتطوير العملات الرقميّة نتيجةً لتقلّبات سوق العملة المشفّرة ولصعود اليوان الرقمي بدفعٍ من بنك الشعب الصيني. وتتحرّك المصارف المركزية بحذرٍ باتّجاه تطوير النماذج الأوليّة الخاصة بها من أجل المحافظة على استقلاليّتها، إدراكاً منها أنّ إدخال هذه العملات قد يُغيّر الأسواق المالية الواقعة ضمن صلاحياتها. ويبرز أيضاً عامل جيوسياسي لهذه العملات نظراً لارتباطها بالسيادة المالية.
التفاوت بين الدول الخليجية في مراحل تطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية: نفّذ البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي مشروع “عابر”، في حين أنّ البحرين ما زالت في مرحلة التطوير. وشارك مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي أيضاً في مشروع “الجسر للعملات الرقمية المتعدّدة للبنوك المركزية” حيث اختُبرت قابلية التشغيل البيني بنجاح بالتعاون مع بنك الشعب الصيني وسلطة النقد في هونغ كونغ وبنك تايلاند. أمّا قطر وعُمان، فهما لا تزالان في مرحلة البحث.
الانقسام الأمريكي الصيني حول العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية: ما زال مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يناقش إطلاق الدولار الرقمي بينما طوّرت مصارف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وبوسطن النماذج الأوليّة للعملات الرقمية، ويواصل البيت الأبيض تطويرها. في هذه الأثناء، أطلقت الصين الاختبارات التجريبية لليوان الرقمي في 26 مدينة. وتقيم شراكةً مع جمعيّة الاتّصالات المالية العالمية بين المصارف وتتنافس معها وتُمثّل في الوقت نفسه مشاركاً أساسياً في اختبارات قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية التي يُديرها مركزُ الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية.
كوريا الجنوبية وسنغافورة شريكتان في العملات الرقمية في منطقة الخليج: أجرى مصرف كوريا اختبارات تجريبيّة داخليّة مع شركاء يُطوّرون تقنيّة “البلوك تشين”. تُطوّر “سامسونج إليكترونيكس” النماذج الأولية للمعاملات غير المتّصلة بالإنترنت المتعلّقة بالعملات الرقمية. وستطوّر كوريا الجنوبية الأصول المرمّزة والعملات الرقمية المخصّصة لمعاملات الجملة. أجرت سلطة النقد في سنغافورة بالتعاون مع شركاء دوليين اختبارات لقابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية المخصّصة لمعاملات التجزئة. وسينفّذ مصرف كوريا وسلطة النقد في هونغ كونغ مشروع “ماندالا” في بنك التسويات الدولية، كشريكين محتملين للدول الخليجية في تطوير هذه العملات واختبارها.
العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية (CBDC) هي عملات رقميّة صادرة عن المصارف المركزية الملزمة بها قانونياً. ويمكن تصنيفها إلى عملات مخصّصة لمعاملات التجزئة اليوميّة للأفراد والأعمال التجاريّة، وإلى عملات رقميّة مخصّصة لمعاملات الجملة ذات التردّد المنخفض والمبالغ الكبيرة أو العابرة للحدود التي تُجريها المؤسسات المالية. في الوقت الراهن، تمضي حوالي 100 دولة قدماً في تطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، سواء في مراحل البحوث (46 دولة)، أم التطوير (33)، أم الاختبار التجريبي (pilot) (21). بالإضافة إلى ذلك، سبق أن أطلقت 11 ولاية قضائية العملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي الخاصة بها.1
ومنذ أن باشر بنك الشعب الصيني، أي مصرف الصين المركزي، في تطوير اليوان الرقمي (الذي لا يرتكز على البلوك تشين2 بحسب بنك الشعب الصيني) وعرض اليوان الرقمي في خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في العام 2022، ازدادت المخاوف بشأن الرقابة وسرية البيانات على الصعيد العالمي.3 ولا تزال هذه المخاوف قائمة، إلّا أنّ الآراء تغيّرت مع مرور الزمن، لا سيّما بعدما أصدر بنك التسويات الدولية تقارير متعلّقة بالعملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية4 وأطلق مراكز للابتكار عبر العالم. وقد أجرى بنك التسويات الدوليّة اختبارات لقابلية التشغيل البيني (interoperability tests) من خلال مشاريع متعدّدة مرتبطة بالعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، بالتعاون مع عدد من المصارف المركزيّة الأعضاء في بنك التسويات الدوليّة وذات رؤى متشابهة.
في منطقة الخليج، أجرى البنك المركزي السعودي بالتعاون مع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي اختباراً لقابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية في العام 2019 في إطار مشروع “عابر”.5 علاوة على ذلك، شارك مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي في اختبار قابلية التشغيل البيني عبر مشروع “الجسر” في بنك التسويات الدولية بالتعاون مع بنك الشعب الصيني وسلطة النقد في هونغ كونغ وبنك تايلاند في العام 6.2022 أمّا البحرين، فهي حالياً في صدد تطوير نموذجها الأولي للعملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي.7 وعلى نطاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع، أنهى مصرف إسرائيل اختبارَين لقابلية التشغيل البيني بقيادة بنك التسويات الدوليّة: مشروع “أيس برايكر” مع مصرفي السويد والنرويج المركزيين (وهما خارج منطقة اليورو) ومشروع “سيلا” مع سلطة النقد في هونغ كونغ. وقد أُنجز كلاهما في العام 8.2023
من بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تتقدّم الكويت ببطء، في حين أنّ قطر وعُمان لم تتجاوزا مرحلة البحوث.9 لماذا يستمرّ التفاوت بين الدول الخليجية في مجال تطوير العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية؟ هل هذا الفارق هو نتيجة الاختلاف في مستويات الاهتمام بتطوير العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية المتأثّرة بالجغرافيا السياسية، أم هو نابعٌ من التباين في مستويات القدرة التكنولوجيّة؟ إذا كان الفارق مرتبطاً بالقدرة التكنولوجيّة، هل بوسع التعاون مع الدول المتقدّمة تكنولوجياً من خارج المنطقة تمهيد الطريق أمام تطوير البلوك تشين واختبارات قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية؟ ينظر موجز القضيّة هذا في تطوّرات العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية في منطقة الخليج في الوقت الذي تتّجه فيه المجتمعات نحو المعاملات غير النقدية وتُوسّع العملات الرقميّة المنافسة الأخرى (العملات المستقرّة والأصول المشفّرة) رقعة وجودها في الأسواق الماليّة العالميّة.
نظراً لاختلاف المقاربات بين الولايات المتّحدة والصين بشأن العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزيّة، واستمرار التوتّرات الجيوسياسيّة بين الدولتين، تتحرّك الدول الخليجية بحذرٍ في حقل العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية. يُسلّط موجز القضيّة هذا الضوءَ على المواقف المتباينة من العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية في الولايات المتّحدة والصين، ويعرض رؤى كوريا الجنوبية وسنغافورة حول تجاربهما الاختباريّة واختبارات قابلية التشغيل البيني. بالتالي، يحدّد هذا الموجز حالات تطوير العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية في منطقة الخليج وفي إسرائيل. ويُقدّم في الخلاصة توصيات للدول الخليجية التي ما زالت في مرحلة البحوث المتعلّقة بالعملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية، ويقترح كوريا الجنوبية كمستشار محتمل ومزوّد للبلوك تشين في مجال العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية على أساس اختباراتها التجريبيّة الثلاثة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسنغافورة أن تُمثّل شريكاً في اختبارات قابلية التشغيل البيني، نظراً لمشاركتها في مشاريع متعدّدة تابعة لبنك التسويات الدولية.
في الولايات المتحدة، تستمرّ الآراء والمصالح المتضاربة بشأن إطلاق الدولار الرقمي. حتى مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه لم يتوصّل إلى قرارٍ حول العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية،10 وعلى الرغم من دعم البيت الأبيض لها11 قد يصعب التوصّل إلى إجماع داخل الكونغرس أو الحصول على موافقته بسبب تعدّد المصالح في السوق المالية الأمريكية المعقّدة.
في هذه الأثناء، ينتشر تصوّر على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة بأنّ الدولار الأمريكي ثابتٌ بقوةٍ كالعملة الاحتياطيّة العالميّة، وعلى الرغم من أنّ اليوان الرقمي قد يشكّل تهديداً نسبياً في المجال الرقمي، غير أنّه لا يُعتبَر تحدّياً كبيراً. في الواقع، إنّ العملات الرقمية، بما فيها العملات المستقرّة والأصول المشفّرة التي غالباً ما تكون مرتبطة بالدولار أو بأصول أخرى، تتعايش وتتنافس في ما بينها، ولكن تنظيمها هو الذي يشكّل تحدّياً، لا سيما في ظلّ غياب مجموعةٍ محدّدة من القوانين التي تضبط العملات المشفّرة. بالتالي، تُنظّم هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) صناعة الأصول المشفّرة على أساس كل حالةٍ على حدة في ما يتعلّق بانتهاكات القوانين ذات الصلة، بما فيها قانون الأوراق المالية للعام 1933 وقانون سوق الأوراق المالية للعام 12.1934
في الوقت الذي توسّع فيه الصين الاختبارات التجريبية لليوان الرقمي ضمن نطاق صلاحيتها تحت مظلّة بنك الشعب الصيني، تُراقب الولايات المتحدة عن كثب اختبارات قابلية التشغيل البيني لليوان الرقمي من خلال بنك التسويات الدولية (بمشاركة سلطة النقد في هونغ كونغ كصلة وصل)، ولا سيما مشروع “الجسر” (Project mBridge).13 يكتسب هذا المشروع، الذي يشمل بنك تايلاند ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، زخماً. في العام 2019، أجرى بنك الاحتياطي الفدرالي في بوسطن سراً دراسة تجريبيّة حول العملات الرقميّة الصادرة عن المصارف المركزية في إطار مشروع “هاملتون”، وذلك بالتعاون مع مبادرة العملة الرقمية لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).14 من جهته، يقوم بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك باختبارٍ تجريبي للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة في إطار مشروع “سيدر” الافتتاحي في ظل إنشاء مركز للابتكار تابعٍ لبنك التسويات الدولية (مركز نيويورك للابتكار). وقد تعاون بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك أيضاً مع سلطة النقد في سنغافورة في ربط مشروع “سيدر” (Cedar) بمشروع “يوبين” (Ubin).15
تبرز الصين في صدارة تطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية وهي في طور توسيع الاختبارات التجريبية لليوان الرقمي في 26 مدينة16 و17 مقاطعة وفي بلديّات بكين وشانغهاي وتيانجين وتشونغتشينغ.17 أمّا المدن التي صُنّفت كمدن تجريبية فتقع جنوب شرق خط “هو هوانيونغ”.18 ويضم الشركاء في الاختبارات التجريبيّة لليوان الرقمي التي يُجريها بنك الشعب الصيني المصارف الرئيسيّة السبعة التي تملكها الدولة ومصارف تجاريّة محليّة أخرى.19 وقد أعلنت الفروع الصينية للمصارف الأجنبية أيضاً عن انضمامها إلى الاختبارات التجريبية.20 وأعلنت الصين في الآونة الأخيرة عن إطلاق رمز QR للاختبارات التجريبية لليوان الرقمي في سبتمبر 21.2023 بلغت قيمة المعاملات باليوان الرقمي 1,8 تريليون يوان (أي حوالي 250 مليار دولار) في نهاية يونيو 22،2023 بعدما تجاوزت عتبة الـ100 مليار في أغسطس 23.2022 وجرّب بنك الشعب الصيني أيضاً اليوان الرقمي عبر الحدود في نهاية العام 24.2023 ومن أجل استخدام اليوان الرقمي، ينبغي على المستهلكين تنزيل تطبيق RMB الرقمي25 والموافقة على استخدام المحفظة الرقميّة داخل التطبيق. وعلى الرغم من تكهّنات الخبراء والمشاركين في الأسواق المالية بأنّ استخدام اليوان الرقمي يهدف إلى التفوّق على تطبيقَي WeChat pay وAlipay، تتعايش الاختبارات التجريبيّة مع هذين التطبيقين للدفع الرقمي.
يُشدّد مو شانجشون، مدير معهد بحوث العملات الرقمية في بنك الشعب الصيني، على أهميّة الإدماج المالي كهدفٍ رئيسي لإطلاق اليوان الرقمي. ويتماشى هذا الهدف مع تحسين فعاليّة نظام الدفع التابع للمصرف المركزي وتأمين خطة بديلة لأنظمة الدفع بالتجزئة. ولكن تستمرّ التكهّنات في ما يتعلق بدوافع الصين الجيوسياسيّة للحد من هيمنة الدولار من خلال تقديم وسيلةٍ بديلة عن المعاملات بالدولار. وبهدف توسيع نطاق اليوان الرقمي على الصعيد العالمي، أصبح معهد بحوث العملات الرقمية طرفاً في مشروعٍ مشترك مع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف (سويفت)، تحت اسم شركة خدمات معلومات بوابة التمويل، بالشراكة مع نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الصيني (CIPS) وجمعيّة الدفع والمقاصة الصينية -بإشراف من بنك الشعب الصيني.26 ويشمل هذا التعاون شراكة بين الصين وسويفت من خلال نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود ومنافسة مع السويفت الواقع مقرها في بلجيكا- وهذا أساس العقوبات المالية الأمريكية. من أجل التهرّب من العقوبات الأمريكية، ينبغي على أعضاء نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود إتمام المعاملات في هذا النظام بعملة الرنمينبي.27
في كوريا الجنوبية، أنجز مصرف كوريا ثلاث مراحل من الاختبارات التجريبية للعملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي مع التركيز على الاختبارات الداخلية أكثر منه على اختبارات قابلية التشغيل البيني مع ولايات قضائية أخرى. وفي خلال عهد الرئيس السابق مون جاي إن، دفع التداول الكثيف بالعملات المشفّرة بحكومة كوريا الجنوبية إلى تنظيم سوق العملات المشفّرة من خلال إرغام كافة التبادلات بالعملات المشفّرة على التخلّي عن السرّية في المحافظ الفردية. في هذا الصدد، أصبح التمويل اللامركزي صعباً.28 أجرى مصرف كوريا بحوثاً حول العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية من المنظورين القانوني والتقني، بما في ذلك اختبارات تجريبية وهمية على مرحلتين (في الفترة الممتدة بين أغسطس 2021 وأكتوبر 2022)29 واختباريَن تجريبيين إضافيين داخل مصرف كوريا بالتعاون مع أصحاب المصلحة في المؤسسات المالية منذ ديسمبر 2022. أمّا في المرحلة الثالثة، فقد تعاونت شركة سامسونج إليكترونيكس مع مصرف كوريا في مجال تكنولوجيا العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية غير المتّصلة بالإنترنت من خلال استخدام شرائح آمنة من النوع (eSE) بموجب مذكّرة تفاهم.30 أثارت مسائل متعلقة بتطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي وبتجاربها في كوريا الجنوبية مخاوف قانونية31 من أن يصبح مصرف كوريا الوحيد الذي يصدر العملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي،32 كما تضمنت اعتبارات لتقلّب السوق والمنافسة، وصعوبات تقنيّة مرتبطة بتوقيت المعاملة عندما يكون النموذج الأولي للعملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي مبنياً على البلوك تشين. على الرغم من أنّ مصرف كوريا قد التزم بتطوير العملات الرقمية من خلال اختبارات تجريبية، إلّا أنّه يشدّد في منشوراته على غياب أي نيّة رسمية لإصدار الوون الرقمي الكوري الجنوبي.
تطوّرت النسخة التجريبية للعملات الرقمية الصادرة عنمصرف كوريا المركزي من ست عقد (مصرف كوريا وخمسة مصارف وهمية مشاركة) قائمة على خدمة سحابيّة واحدة إلى اختبار تجريبي متّصل يشمل 12 مركزاً لتكنولوجيا المعلومات ذات 18 عقدة.33 وكشف الاختبار أنّ النظام الوهمي للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية بنسخته الموسّعة يعمل.34 من أجل تحسين قابلية تشغيل النظام الموسّع للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، ينبغي التحقيق في حجم قائمة الانتظار وبناء الكتلة التابعة للمعاملات لكي تتمكّن المعاملات المستمرّة بمبالغ كبيرة من حلّ مشكلة التأخير في أوقات الانتظار للاستجابة.35 بما أنّ مجموعة خدمات التكنولوجيا المالية تقدّم خيارات متعدّدة بشأن المعاملات في الوقت الفعلي، يرى مصرف كوريا في العملات الرقمية المخصّصة لمعاملات التجزئة في كوريا الجنوبية منفعة محدودة، ومن المزمع أن يشيّد بنى تحتية لقابلية التشغيل البيني مع بنك التسويات الدولية في ما يتعلّق بالمعاملات بمبالغ كبيرة المركّزة على الأصول المرمّزة والعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة.36 وسيشارك مصرف كوريا في مشروع “الجسر” على صعيد اختبارات قابلية التشغيل البيني37 وسيجري اختبارات قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة في إطار مشروع “ماندالا” إلى جانب سلطة النقد في سنغافورة ومصرف ماليزيا المركزي وبنك الاحتياطي الأسترالي، وفقاً لما أُعلِن عنه في 4 أكتوبر 38.2023
من جهةٍ أخرى، اعتمدت سنغافورة مقاربةً شاملة إزاء العملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي، فأجرت اختبارات لقابلية التشغيل البيني وأشركت مختلف أصحاب المصلحة، من ضمنهم المصارف المركزية وشركات التكنولوجيا المالية. وأطلقت سلطة النقد في سنغافورة مركز الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية في نطاق صلاحيتها، وعالجت المشهد القانوني للدولار السنغافوري الرقمي. ونفّذت مشاريع كثيرة متعلّقة بقابلية التشغيل البيني مع عدد من المؤسّسات المالية الدولية والمصارف المركزية من خلال بنك التسويات الدولية. بدءاً من “مشروع أوركيد لسنغافورة” (Project Orchid for Singapore) المحلي المستقل، الذي اختبر تصاميم مختلفة للدولار السنغافوري الرقمي،39 أجرت سلطة النقد في سنغافورة مشروع “يوبين” وتعاونت مع بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك في مشروع “سيدر” في مرحلته الثانية لاختبار ما إذا كان بإمكان البلوك تشين تعزيز المعاملات المتعدّدة العملات عبر الحدود من خلال استخدام العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة.40 وقد أسفر مشروعها “دنبار” (Dunbar) بالتعاون مع بنك الاحتياطي الأسترالي ومصرف ماليزيا المركزي وبنك الاحتياطي الجنوب أفريقي عن نتائج تتعلّق بتمكين مدفوعات عبر الحدود أرخص وأسرع وأكثر أماناً.41 كما تعاونت سلطة النقد في سنغافورة مع البنك الوطني السويسري ومصرف فرنسا في مشروع “ماريانا” (Mariana) عبر بنك التسويات الدولية، بهدف اختبار التداول والتسوية عبر الحدود من خلال استخدام العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة.42 لقد أدّت سلطة النقد في سنغافورة دوراً رئيسياً في جمع المصارف المركزية مع مختلف أصحاب المصلحة في الصناعات المالية والتكنولوجية، التي شملت مصرف كوريا ومصرف إيطاليا ومصرف سنغافورة الإنمائي وصندوق النقد الدولي وأمازون وجي بي مورغان، واقترحت إصدار عملات رقمية صادرة عن المصارف المركزية تكون “محدّدة الهدف” وترتكز على إصدار العملات الرقمية من دون الاعتماد على وسيطٍ معيّن.43 بشكلٍ عام، إنّ سياسة سنغافورة المتعلّقة بالعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية موّجهة نحو المرونة، وتشمل معاملات الجملة والتجزئة على حدّ سواء، بالإضافة إلى البلوك تشين والخيارات المختلفة التي تتضمّن الأصول المرمّزة والعملات المستقرّة الصادرة عن القطاع الخاص.
في منطقة الخليج، أجرى البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي اختبار قابلية التشغيل البيني الخاص بهما من خلال مشروع “عابر” في العام 2019. لم يُنجَز مشروع “عابر” الذي كان من المفترض أن يجمع أصحاب المصلحة في منطقة الخليج من أجل اختبار قابلية التشغيل البيني للعملات المتعدّدة مع اليوان الرقمي، بالتعاون مع بنك التسويات الدولية. بيد أنّ المشروع اختبر قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية المخصّصة لمعاملات الجملة، بين المصرفين المركزيين السعودي والإماراتي، وقد شاركت ثلاثة مصارف تجارية رئيسية للتجزئة من كل جانب. من ناحيته، لا يزال مصرف قطر المركزي في مرحلة البحوث،44 فيما يستكشف تكنولوجيا البلوك تشين المحتملة بالنسبة إلى العملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي في قطر. يُقدَّر أن تمتدّ المهلة الزمنية أمام مصرف قطر المركزي لتطوير البلوك تشين للعملات الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي إلى العام 45.2027
من باب المقارنة، نفّذ مصرف إسرائيل مشروعين ناجحين بشأن قابلية التشغيل البيني من خلال بنك التسويات الدولية؛ ومشروع “سيلا” مؤخّراً مع سلطة النقد في هونغ كونغ46 ومشروع “آيس برايكر” مع بنك نورجس (المصرف المركزي النرويجي) و” سفيريجيس ريكسبانك” (المصرف المركزي السويدي)، في إطار شراكةٍ مع مركز ابتكار الشمال الأوروبي التابع لبنك التسويات الدولية.47 بما أنّ سلطة النقد في هونغ كونغ تشارك في مشروع “الجسر” الذي يتصل ببنك الشعب الصيني وبما أنّ النرويج والسويد هما خارج منطقة اليورو لكنهما تنتميان إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، يبدو أنّ دور إسرائيل يقضي بربط المنطقة الأوروبية بالمنطقة الآسيوية من حيث اختبارات قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية من خلال بنك التسويات الدولية.
يمكن للأبعاد الجيوسياسية والتكنولوجية أن تُفسّر التفاوت بين الدول في المنطقة في ما يتعلّق بتطويرها للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية. في منطقة الخليج، أصبحت الروابط الاقتصادية مع الصين لا غنى عنها، لكن نظراً التنافس بين الولايات المتحدة والصين، تخشى الدولُ المناخَ الجيوسياسي الذي يحيط بإصدار العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية. في معظم الدول الخليجية، ترتبط العملات المحلية بالدولار الأمريكي على الرغم من أنّ هذه الدول تستكشف خيارات تسوية بديلة باليوان الصيني من خلال بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي.48 وقد أدّى عاملٌ مهمّ إلى تأجيل تطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية ويتمثّل بالنقص في الخبرات التقنيّة في مجال تقنية البلوك تشين الرقمية أو تطبيقها على نموذج أوّلي للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، بالإضافة إلى الشكوك حيال كيفية اختيار شريكٍ موثوق للتعاون. وبالنظر إلى أنّ البلوك تشين مطلوبة من أجل قابلية تشغيل العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، واختبارات قابلية التشغيل البيني ضرورية للمعاملات العابرة للحدود، سيُشكّل تحديد المصارف المركزية المناسبة ومُطوّري البلوك تشين الملائمين للتعاون في مجال العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية مهمةً فوريّةً على عاتق الدول الخليجية البطيئة في تطوير العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية.
دفع صعودُ العملات الرقمية، بما فيها الأصول المشفّرة والعملات المستقرّة، مقروناً بتقلّبها في السوق المالية العالمية وبتطوير الصين لليوان الرقمي، المصارفَ المركزية عبر العالم إلى اختبار العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية الخاصة بها وتطويرها.
في حين أنّ مشاريع تجريبية مختلفة، على غرار مشروع “الجسر” في بنك التسويات الدولية ومشاريع المصارف المركزية في دول مماثلة كسلطة النقد في سنغافورة، بالإضافة إلى الاختبارات التجرييبة المستقلة التي يجريها مصرف كوريا، تعكس اهتماماً بالغاً بالعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية، إلّا أنّ الدول المعنية تخطو باتجاه اعتماد هذه العملات بحذر. في الواقع، تعتبر المصارف المركزية أنّ الصفات الرئيسية للتعاون في مجال التكنولوجيا المالية حول العملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية لا تقتصر على التشابه في الرؤى فحسب، بل يجب أن تشمل أيضاً المواءمة بين أهداف تطوير هذه العملات والثقة والدقة التكنولوجية بغية تحقيق قابلية التشغيل البيني. في هذا السياق، قد تكون دولتان اقتصاديتان آسيوتان شريكين محتملين للدول الخليجية:
بالتالي، يمكن أن تستفيد الدول الخليجية من خبرات كوريا الجنوبية في مجال البلوك تشين والتعاون مع سنغافورة في اختبارات قابلية التشغيل البيني للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية.