الفصل العنصري وحركة التحرير الفلسطينيّة:

الفرص والتحديات

ورقة تحليلية، مايو 2023

الخلاصة

 

يمثّل توصيف الهيمنة التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين على أنّها نظام فصل عنصري (أبارتهايد) تحوّلاً كبيراً في طريقة تصوير النظام الإسرائيلي وفهمه. فعلى الرغم من بدء استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى إسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي، إلّا أنّه حصد رواجاً أوسع في خلال العقدين الماضيين، ويعزى ذلك بجزء منه إلى بروز الحركة المناهضة للفصل العنصري في ظلّ ازدياد الإقرار بديمومة القبضة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينيّة. وقد أسهم جمع من الخبراء القانونيين والباحثين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب مؤسسات متعدّدة الأطراف في عدد كبير من البحوث والتحليلات التي تؤيد هذا الاتهام.

 

تتناول هذه الورقة التبعات الحاليّة والمستقبليّة لتبنّي إطار الفصل العنصري في سياق حركة التحرير الفلسطينيّة، بما يطرحه من فرص وتحديّات أمام المسار النضالي الهادف لتحرير الفلسطينيّين من السطوة الإسرائيليّة، وتمكينهم من ممارسة حقهم المعترف به دولياً بتقرير مصيرهم الوطني. تتتبّع الورقة تاريخ سرديّة الفصل العنصري في السياق الفلسطيني الإسرائيلي وتطورّها، وتستعرض الحجج المختلفة المعتمدة لتبرير توصيف إسرائيل على أنها نظام فصل عنصري، كما تستكشف الفرص التي قد تنشأ عن اتساع سرديّة الفصل العنصري بما يخدم حركة التحرير الفلسطينيّة. تسلّط الورقة الضوء أيضاً على التحديات التي يطرحها هذا الإطار، إلى جانب التحديات الأخرى التي تعترض الحركة الفلسطينيّة المناهضة للفصل العنصري.

 

المقدّمة

 

اكتسب توصيف الهيمنة التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين على أنّها نظام فصل عنصري المزيد من الزخم في خلال السنوات الماضية، وتمّ تعميمه تدريجياً. وإلى جانب الأعمال البحثيّة الكثيرة التي تدعّم هذا التوصيف، فإنّ منظمات حقوق الإنسان الرائدة حول العالم أجرت هي الأخرى توثيقاً واسعاً للانتهاكات الإسرائيلية التي يصفها القانون الدولي على أنّها جرائم ضدّ الإنسانيّة1. واليوم يدعم هذه التهمة كمّ هائل من البحوث والتحليلات المتوفّرة في متناول صانعي السياسات والحكومات والمحاكم والصحافيين والناشطين والمناصرين. إلى ذلك، تتصاعد في دوائر الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الأصوات التي تتبنّى إطار الفصل العنصري للإشارة إلى الأحداث في فلسطين وإسرائيل وتطالب باستجابة دولية2 لهذا الواقع، وتتضمّن تلك الأصوات حكومتيّ جنوب أفريقيا وناميبيا اللتين يقودهما اليوم الضحايا السابقين لنظام الأبارتهايد.

 

ما الزخم المتنامي الذي اكتسبته سرديّة الفصل العنصري إلّا ثمرة جهود الجهات الفاعلة في الأوساط الشعبية والخبراء الذين سعوا معاً لإحداث تغيير في وجهات النظر على امتداد العقدين الماضيين، يضاف إليها التحوّلات الجيوسياسية الواسعة التي أجبرت الجهات المعنيّة والمراقبين على إعادة تقييم طبيعة النظام الإسرائيلي. وعلى وجه الخصوص، ترسّخت قناعة مؤخراً باستحالة إنهاء السيطرة الإسرائيلية على الضفّة الغربيّة المحتلّة وقطاع غزّة من خلال التفاوض على تقسيم الأراضي إلى دولتين. ومع زوال هذا الاحتمال ورفض تجنيس ملايين السكّان عديمي الجنسية المقيمين هناك، فإنّ الحكم الإسرائيلي اللا ديمقراطي للفلسطينيين يبدو أمراً دائماً، مع ما يرافق ذلك من تهجير إسرائيلي للاجئين الفلسطينيين والتمييز الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضدّ مواطنيها الفلسطينيين. وقد أدّت ديمومة هذا الواقع إلى إظهار إسرائيل في صورة مختلفة. فبدل أن تكون نظام احتلال عسكري عدواني مؤقت، على الرغم من طول أمده، أصبحت نظاماً دائماً يسود فيه انعدام المساواة والتمييز البغيض ومصادرة الأراضي والقمع، وهي كلّها ممارسات تهدف إلى تدعيم نظام قائم على التوسّع الإقليمي والتفوّق العرقي، بحيث أنّ مواطني إسرائيل اليهود هم المستفيدون من هذا الواقع.

 

إلى ذلك، أدّى التلاشي المتواصل للخطّ الأخضر، الذي يمثّل خطّ هدنة العام 1949 الذي فصل بين إسرائيل والأراضي التي احتلّتها عام 1967، إلى تراجع القدرة على التمييز بين الأراضي والأشخاص الخاضعين لسيطرة إسرائيل الفعليّة. ففي حين كان نظام الفصل العنصري يبدو جلياً أكثر في الضفة الغربية المحتلّة مقارنةً بإسرائيل بحدّ ذاتها، إلّا أنّ الخلط بين المنطقتين على الصعيدين العملي والسياسي أدّى إلى تغيير هذا الانطباع. بالتالي، أصبح استمرار سياسات الفصل القسرية ومصادرة الأراضي وقمع الفلسطينيين ضمن الحدود المعترف بها لدولة إسرائيل وفي الأراضي المحتلّة أكثر وضوحاً. إذ بات يُنظر إلى الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وأولائك الذين لا يحملونها على أنّهم شعب واحد، فيما يُنظر إلى ممارسات الدولة ضدّهم بشكل شموليّ على أنّها ذات نيّة واحدة. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الفلسطينيين وغيرهم قد وصفوا هذا الواقع على أنّه نظام فصل عنصري طوال عقود، إلّا أنّه على الواجهة لم يبد كذلك بالنسبة لمعظم لمراقبين، لأنّ النظام القائم في إسرائيل لا يشبه نموذج الأبارتهايد الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا بين عاميّ 1948 و1994، ومعها ناميبيا.

 

كان لهذا الانقلاب الجذري في تصوير طبيعة النظام الإسرائيلي، من قوّة احتلال إلى نظام فصل عنصري، تبعات كبرى. وفي حين لا يلغي أيّ من الإطارين الآخر، كما توضحه حالة ناميبيا، حيث استُخدم الاحتلال العسكري كأداة قمعية ضمن نظام الأبارتهايد، إلّا أنّ الفصل العنصري يشكّل أساساً أوسع وأشمل لفهم النظام الإسرائيلي والتجربة الفلسطينيّة الجماعية في داخله. فمن هذا المنطلق، لم يعد يتم تصوير إسرائيل على أنّها مجرد حكومة ترتكب أفعالاً غير قانونية من حين إلى آخر، بل كنظام غير قانوني دستورياً على الأقل وربما يكون غير شرعي في الجوهر. يسهم ذلك في تغيير النظرة إلى العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين من الداخل ومن الخارج، ويحدث تغييراً في قابلية تطبيق القانون الدولي واستخدام آليات المحاسبة كما يحدث تحوّلاً في توجهات الجهات ذات الصلة. من هذا المنطلق، يحمل تبنّي إطار الفصل العنصري تبعات مهمّة بالنسبة لحركة التحرير الفلسطينيّة اليوم وفي المستقبل، فهو يقدّم فرصاً جديدة ولكن أيضاً يطرح تحديّات أمام مسار النضال الرامي إلى تحرير الفلسطينيين من الهيمنة الإسرائيلية، وتمكينهم من ممارسة حقّهم الراسخ والمعترف به دولياً بتقرير المصير الوطني.

 

تهدف الورقة إلى توضيح هذه الفرص والتحديّات ودراستها، والتمعن في كيفية استجابة الجهات المعنيّة لها، وما يمكنهم وما يجدر بهم القيام به في هذا الصدد. يتناول القسم الأوّل تاريخ سرديّة الفصل العنصري في السياق الفلسطيني الإسرائيلي وتطوّرها، حيث يظهر أنّ التقدّم الذي أحرزه إطار الفصل العنصري احتاج إلى حشد سياسيّ كي ينشأ ويتطوّر. أمّا القسم الثاني، فيعرض الحجج المختلفة التي تبرّر توصيف إسرائيل بنظام فصل عنصري، وتحديد نقاط التشابه والاختلاف مع الحالة الجنوب أفريقيّة. ويتناول القسم الثالث الفرص التي يوفّرها اتساع سرديّة الفصل العنصري لمصلحة حركة التحرير الفلسطينيّة. إذ يسلّط هذا القسم الضوء على الطريقة التي يمكن أن يطبع بها إطار الفصل العنصري حركة التحرير الفلسطينيّة وأهدافها السياسيّة والتحديّات التي يطرحها هذا الإطار، بالإضافة إلى التحديّات المستقبليّة التي قد تعترض تطوّر الحركة الفلسطينيّة المناهضة للفصل العنصري.

 

تاريخ السرديّة

 

“مِثل معظم الجنوب أفريقيين الذي يزورون الأراضي المحتلّة، أشعر وكأنّني عدّت إلى الماضي، فقد سبق وشاهدنا كلّ ذلك سابقاً، ولكنّ الوضع هنا أسوأ بكثير”- جون دوغارد3

 

استضافت مدينة ديربان في جنوب أفريقيا مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لمكافحة العنصريّة عام 2001، أي بعد سبع سنوات فقط على تفكيك نظام التمييز العنصري الذي كان قائماً في البلاد. وفي موازاة الحدث الرئيسي، عقدت الأمم المتحدة منتدىً للمنظمّات غير الحكوميّة، جمع حوالي 3 آلاف ممثّل عن المجتمع المدني من حول العالم. وفي ختام المنتدى، صوّت الحاضرون بأغلبية ساحقة على إعلان يصف إسرائيل بـ”الدولة العنصريّة التي تطبّق نظام فصل عنصري” واعتبروها مذنبة بجرائم حرب، بينها “إبادات جماعية” و”تطهير عرقي”.4 كما طالب الإعلان بإنشاء محكمة معنيّة بجرائم الحرب ولجنة أمميّة مختصّة بالفصل العنصري وإطلاق حركة مناهضة للفصل العنصري الممارس من قبل إسرائيل.5

 

أثار إعلان المنظمّات غير الحكومية موجة غضب في أوساط حلفاء إسرائيل، بينهم الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبيّة. وقد نأت منظمّتا “هيومن رايتس ووتش” ومنظّمة العفو الدولي بنفسيهما عن البيان، فيما وصفت مفوضّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ماري روبنسون الإعلان بـ”المؤسف” وحثّت المنظمّات غير الحكوميّة على عدم تبنّيه.6

 

ولكن في غضون العشرين سنة التالية، نشرت كلّ من “هيومن رايتس ووتش” ومنظمّة العفو الدولية تقارير خاصة غير مسبوقة التي أكدّت على تورّط إسرائيل في جرائم فصل عنصري. في خلال هذه الفترة، عيّنت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة خمسة مقررين خاصّين معنيين بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ عام 1967، وخلص أربعة منهم إلى أنّ إسرائيل مذنبة بممارسة الفصل العنصري7 (الخامس، مكارم ويبيسونو، وهو ثاني مقرّر خاص، استقال من منصبه مبكراً لأنّ إسرائيل رفضت السماح له بدخول البلاد8). وقد وصف جون دوغارد، أحد المقرّرين وهو محام جنوب أفريقي متخصّص بقضايا حقوق الإنسان وقاضٍ وأستاذ في القانون الدولي نظام الفصل العنصري الذي تطبقه إسرائيل “بالأسوأ بكثير” من ذلك الذي كان مطبقاً في بلاده9، مكرّراً مواقف كان قد أعرب عنها روّاد الحركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا مثل الأسقف ديزموند توتو وروني كاسريلس10 ودينيس غولدبرغ.11

 

إلى ذلك، أظهر استطلاع رأي حديث شمل 1200 باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط أنّهم بمعظمهم يرون في الوضع الراهن في فلسطين/إسرائيل “واقع دولة واحدة أشبه ما تكون بنظام فصل عنصري”.12 وفي حين لا تتوفّر بيانات إحصائية تتناول النظرة حيال هذه المسألة قبل عشرين عاماً، فإنّ الإجابات الأخيرة تؤشر إلى حصول تحوّل سريع خلال فترة قصيرة من الوقت. ففي فبراير 2021، وجد 59 في المئة من الباحثين المستطلعين أنّ الوضع في فلسطين/إسرائيل أشبه ما يكون بنظام فصل عنصريّ.13 وبحلول سبتمبر 2021، ارتفعت النسبة إلى 65 بالمئة، ما يعني أنّ عشرات الباحثين غيّروا آراءهم في أعقاب نشر تقارير صادرة عن منظمات حقوق الإنسان. وبحلول مارس 2023، ارتفعت هذه النسبة إلى 68 بالمئة، واعتبر 80 بالمئة منهم أنّ الوضع سيكون أشبه بنظام فصل عنصري في حال اعتبار حلّ الدولتين غير قابل للتطبيق في خلال العقد المقبل.14

 

يشير هذا التحوّل المذهل على مدى السنوات العشرين الماضية إلى الدور المؤثّر الذي لعبته الجهات الفاعلة الشعبيّة الفلسطينيّة في إعادة تشكيل الخطاب من خلال توثيق الأدلة وعرضها في سياق نظام الفصل العنصري. تزامن ذلك مع أعمال الباحثين والخبراء الذين توسّعوا في تحليلاتهم النقديّة حول نظام الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي، إلى جانب الناشطين الذين شكّلوا رأس حربة الحملة الدولية الناشئة المناهضة للفصل العنصري التي صُمّمت استناداً إلى النموذج المُستخدم في جنوب أفريقيا.

 

إلّا أنّ أحداث ديربان لم تكن إلّا نقطة تحوّل في سياق نقاش أقدم بكثير، ما يطرح تساؤلات جديّة حول الأمور التي تغيّرت على أرض الواقع. بدأ استخدام توصيف الفصل العنصري للإشارة إلى إسرائيل قبل وقت طويل من العام 2001. ولعّل أوّل استخدام لهذا المصطلح في السياق الإسرائيلي صدر عن مهندسي الأبارتهايد في جنوب أفريقيا قبل ذلك بـ 40 عاماً. ففي العام 1961، رأى رئيس وزراء جنوب أفريقيا آنذاك هندريك فيرفورد الذي يُعتبر مخطّط رؤية “الأبارتهايد الكبير” تشابهاً في الطبيعة الاستعمارية للنظامين الإسرائيلي والجنوب أفريقي وسعيهما لفصل نفسيهما عن السكان الأصليين. يقول فيرفورد15 “أخذ اليهود إسرائيل من العرب بعد أن عاش العرب هناك لألف سنة. إسرائيل هي دولة فصل عنصري مثل جنوب أفريقيا”. تناولت صحيفة “دي تراسفولير”، أحد أركان الحزب الوطني الجنوب أفريقي الحاكم آنذاك، الموضوع بصيغة مشابهة، سائلة “هل هناك أي اختلاف فعليّ في الطريقة التي يحاول فيها سكان إسرائيل الحفاظ على أنفسهم وسط السكّان غير اليهود والطريقة التي يحاول فيها الأفريكاني الحفاظ على هويته؟”16

 

أدركت شخصيّات فلسطينيّة وعربيّة رفيعة المستوى في ذلك الوقت أوجه الشبه بين النظامين في جنوب أفريقيا وإسرائيل. ففي عام 1961، قال الأمين العام الأوّل لمنظمة التحرير الفلسطينيّة أحمد الشقيري الذي شغل أيضاً منصب السفير السعودي إلى الأمم المتحدة من قلب المنظمة الدولية إنّ “نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا يُمارس في إسرائيل” ضد الأقليّة الفلسطينيّة العربية.17 وفي ذلك العام أيضاً، اتّهم السفير العراقي إلى الأمم المتحدة عدنان الباجه جي إسرائيل بممارسة سياسات عنصريّة مشابهة لتلك الممارسة في جنوب أفريقيا.18 وفي العام 1965، ألّف المفكر والدبلوماسي الفلسطيني فايز صايغ كتاباً مؤثّراً بعنوان “الاستعمار الصهيوني في فلسطين” تناول أوجه الشبه المتعدّدة بين النظامين في جنوب أفريقيا وإسرائيل، وتحدّث عن “ممارسي الفصل العنصري الصهاينة في فلسطين”.19

 

بالتالي، يظهر أنّ استخدام مفهوم الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي سبق احتلال الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وعمليات الاستيطان غير الشرعيّة في الأراضي هناك والقوانين التمييزيّة بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين. بدأت بعدها تظهر تبريرات أكثر صراحة تعتبر أنّ نظام الفصل العنصري ينطبق على إسرائيل بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويعزى تسليط الضوء عليها بجزء منه إلى العلاقة الوثيقة التي ربطت بين إسرائيل وجنوب أفريقيا وازدياد التقارب بينهما عقب حرب 1967، وأيضاً إلى حركة تحرّر العالم الثالث التي انضمّت إلى العديد من الحركات المناهضة للاستعمار والإمبريالية في إطار حملات التضامن المتبادل في حينها.20

 

انطلاقاً من هذا التحليل العام، كان يُنظر إلى إسرائيل مثلها مثل جنوب أفريقيا من وجهة نظر استعمارية استيطانية، على اعتبار أنّ نظام الفصل العنصري الذي شكّل أساس الاستعمار في جنوب أفريقيا مترسّخ في القوانين والممارسات الإسرائيلية، وأيضاً في العقيدة الصهيونية. وقد ظهر ذلك بوضوح في أعمال باحثين فلسطينيين مثل إيليا زريق (1979)21، وغير فلسطينيين مثل ألفريد موليا (1979، 1981)22 وبرايس هاريس الابن (1984)23 وجون كويغلي (1991)24 وحتى مفكّرين وباحثين إسرائيليين منشقّين مثل أوري ديفيس (1987)25 وإسرائيل شاحاك (1987)26 الذين قالوا جميعهم إنّ إسرائيل تمارس نظام فصل عنصريّ أشبه بذلك المطبّق في جنوب أفريقيا بغية تعزيز مشروعها الاستعماري والتقدّم به.27 توجد أمثلة كثيرة أخرى أيضاً عن مفكّرين وخبراء من تلك الحقبة رؤوا أنّ إسرائيل تمارس نوعاً من الفصل العنصري، بدون أن يدعوا صراحةً إلى تبنّي الفصل العنصر كمفهوم إطاري.

 

وصف السياسيون الفلسطينيون العرب في إسرائيل حكومتهم بطريقة مماثلة. ففي العام 1985، قال عضوّ الكنيسيت الإسرائيلي توفيق طوبي إنّ قانون حظر المرشحين الذين يرفضون وجود دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي دليل على أنّ إسرائيل هي دولة فصل عنصري لأنّها تحرم مواطنيها من الاحتجاج على الأسس القانونية والعقائدية للتمييز الممارس ضدّهم.28 وقد استخدم توفيق زيّاد، أبرز القادة السياسيين العرب في إسرائيل مصطلح “إسرائيلتايد- الأبارتهايد على الطريقة الإسرائيلية”، متّهماً إسرائيل بممارسته منذ عام 29.1948

على الرغم من أنّ المبادرات القانونيّة والسياسيّة التي تتّهم إسرائيل بارتكاب هذه الجريمة كانت لا تزال بعيدة في المستقبل، إلّا أنّ التفكير الذي كان سائداً في وقتها تجلّى في مبادرات دولية مهمّة أخرى، مثل القرار رقم 3379 للجمعيّة العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1975 الذي اعتبر الصهيونية “نوعاً من العنصرية والتمييز العنصري”.30

 

كانت مفارقة ولكن ليس محض صدفة أن تبدأ مرحلة هامّة أخرى من المسار نحو تبنّي إطار الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي بالتزامن مع سقوط نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا بين عاميّ 1990 و1994. ففي ذلك الوقت، انطلقت المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين حول إدارة الأراضي المحتلّة وتقرير مستقبلها. وقد سعت إسرائيل طوال عقود لتنمية قيادة محليّة فلسطينيّة في الأراضي المحتلّة يمكنها التفاوض معها حول نظام حكم شبه ذاتيّ دائم، يمنح إسرائيل درجة من الانفصال السياسي، بحيث تحتفظ بالأراضي المحتلّة حتى أجل غير مسمّى بدون أن تمنح الفلسطينيين حقوقهم السياسية، ما يمكّنها بالتالي من تجنّب تهم ممارسة الفصل العنصري. ولكن كلّ هذه المحاولات باءت بالفشل بما أنّها افتقرت للشرعية في أوساط الجمهور المستهدف.

 

أدرك بعض المفكّرين الفلسطينيين أنّ إسرائيل ستستخدم المفاوضات الرسميّة التي انطلقت في مدريد وواشنطن من أجل تشريع نظام الفصل العنصري. فعلى سبيل المثال، في عام 1992، كتب المحامي الفلسطيني رجا شحادة، مؤسس المنظمة غير الحكومية الرائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان “الحقّ”:

 

إذا ما قبل الفلسطينيون بالانجرار إلى التفاوض على ترتيبات الحكم الذاتيّ وفق الشروط التي تضعها إسرائيل، فهم في هذه الحالة يقبلون المشاركة في عمليّة ستؤدّي في أفضل الأحوال إلى إصلاحات ضمن الهيكلية المعتمدة حاليّاً والقائمة على ضمّ الأراضي دون السكّان. وهم من خلال ذلك يسهمون في تدعيم نظام الفصل العنصري الذي بنته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مرّ السنوات الخمس وعشرين الماضية.31

 

مع ذلك، حين أفضت المفاوضات السريّة التي عُقدت بين إسرائيل ومنظمّة التحرير الفلسطينيّة إلى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، باتت قيادة منظمّة التحرير شريكة راضية في عملية الفصل. وعلى الأرض، أصبحت معالم الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأراضي المحتلّة واضحةً وملموسةً أكثر. أعاد الاحتلال الإسرائيلي تموضعه ولكنه لم ينته، في حين استمرّ النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، لا بل تسارع أكثر. أحكمت إسرائيل قبضتها على معظم الضفّة الغربية وقطاع غزّة، بالأخص القدس الشرقية، وقيّدت حرية حركة الفلسطينيين من خلال تشديد نظام التصاريح الذي لا يخضع له المستوطنون اليهود.32 هذا الأمر لم يكن عبثياً، فقد كتب شلومو بن عمي الذي أصبح لاحقاً وزير داخلية إسرائيل، ثمّ وزيراً للخارجية وكبير المفاوضين في عهد رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، قائلاً: “استندت اتفاقية أوسلو إلى أسس استعمارية جديدة” وهدفت إلى إخضاع الفلسطينيين بشكل دائم “للتبعيّة شبه الكاملة لإسرائيل”.33

 

فيما استمرّ معظم الفلسطينيين في استخدام مصطلحات مثل الاحتلال العسكري والاستعمار، وصف بعض المفكّرين الفلسطينيين غير المقتنعين بأنّ مفاوضات أوسلو ستفضي إلى دولة فلسطينيّة، مثل إدوارد سعيد وعزمي بشارة، الواقع الذي يرتسم على الأرض ووهم الدولة الفلسطينيّة على أنّه أشبه بإنشاء بانتوستان فلسطينيّة. حتى أنّ إدوارد سعيد كتب مقالاً تحت عنوان “كيف تهجئ أبارتهايد؟ أ- و –س- ل- و”. 34 وقد لخّص معين ربّاني الفكرة ببراعة في وقتها، فكتب أنّه بدل إقامة “سنغافورة الشرق الأوسط”، منحت أوسلو الفلسطينيين “سويتو على البحر الأبيض المتوسّط”.35

 

على الرغم من إسهام مفاوضات أوسلو في تجلّي نظام الفصل العنصري، إلّا أنّها فتحت الباب أيضاً أمام خطاب عملية السلام الذي غطّى على كل السرديات الأخرى. هكذا نال الاحتلال الإسرائيلي الذي كان مستمرّاً منذ ربع قرن في حينها طابعاً مؤقتاً جديداً، وبدا كأنّه أمر سيزول في نهاية المطاف، بينما في الواقع، وعلى الرغم من توقف إعادة الانتشار العسكري، نهشت إسرائيل الأراضي المحتلّة ووسّعت مستوطناتها غير الشرعية أسرع من أيّ وقت مضى.

 

الأهمّ من كلّ ذلك، أنه بدأ اعتبار الأبارتهايد أو الفصل العنصري جريمة بحدّ ذاتها بموجب القانون الدولي، بدل كونه نظاماً سياسياً خاصاً بجنوب أفريقيا، لديه فقط بعض أوجه الشبه في إسرائيل. “أبارتهايد” كلمة أفريكانية وتعني “الفصل”. وتحدّد الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973 الفصل العنصري وفق تعريفها الخاص. بالتالي، لم يعد التوصيف القانوني لإسرائيل على أنّها نظام فصل عنصري يتطلّب دراسة مقارنة بين النظامين، على الرغم من أنّه عمليّاً، استمرّ تعريف الفصل العنصري استطرادياً نسبةً إلى النموذج الممارس في جنوب أفريقيا.

 

إلّا أنّ إجهاض عملية السلام في إطار اتفاقية أوسلو، ثمّ الفشل في التوصّل إلى اتفاق في كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، كلّها عوامل اجتمعت مفسحةً المجال للحديث مجدّداً عن نظام الفصل العنصري الذي اكتسب زخماً غير مسبوق. في غضون ذلك، توالت سياسات الفصل أحاديّة الجانب التي طبّقتها إسرائيل وتجلّت ببناء الجدار الفاصل الضخم، الذي أطلق عليه البعض تسمية “جدار الفصل العنصري”36 وعزل قطاع غزّة، إلى جانب تدعيم المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربيّة. أسهم ذلك في إحداث قفزة في توثيق ممارسات الفصل العنصري وزيادة التحليلات في هذا الشأن، ونشوء حركة شعبيّة مناهضة.

 

تبنّت كبرى المنظمات غير الحكومية الفلسطينيّة مثل “مركز بديل” والحقّ” و”عدالة” مصطلح نظام الفصل العنصري في صياغة تقاريرها.37 وفي يناير 2001، حتى قبل اجتماع ديربان، أصدرت رابطة المحامين الوطنية في الولايات المتحدة تقريراً اعتبر أنّ إسرائيل تقوم بممارسات فصل عنصري.38 وفي العام 2009، نشر مجلس بحوث العلوم الإنسانية في جنوب أفريقيا بعد سنة من التحقيقات ما يُرجّح أن يكون أوّل تقرير من نوعه حول نظام الفصل العنصري في إسرائيل.39 وفي العام نفسه، أنشِئت محكمة راسل حول فلسطين المكلّفة بالتحقيق في مسائل تتعلّق بالفصل العنصري، ثمّ أصدرت في العام 2011 تقريرها الذي اعتبر أنّ إسرائيل مذنبة في هذه الجريمة ضدّ الإنسانية.40

 

في حين عبّر الساسة الإسرائيليون عن رفضهم القاطع لهذا المصطلح، إلّا أنّهم أسهموا في تطبيعه عن غير قصد. فقد استخدم قادة بارزون من أحزاب اليمين واليسار مصطلح الفصل العنصري للتحذير من مخاطر الاحتفاظ بالأراضي المحتلّة حتى أجل غير مسمّى. في العام 2010 على سبيل المثال، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك: “طالما هناك كيان سياسيّ واحد هو إسرائيل في هذه الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، فهي ستكون إمّا غير يهودية أو غير ديمقراطية… إذا حُرم هذا التكتلّ المؤلّف من ملايين الفلسطينيين من التصويت، فهذه ستكون دولة فصل عنصري”.41 وكان رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت سبق أن حذّر في العام 2007 من “نضال فلسطيني مشابه لما حصل في جنوب أفريقيا للمطالبة بحقوق متساوية في التصويت” في حال التخلّي عن حلّ الدولتين.42

 

المفارقة في تحذيرات القادة الإسرائيليين أنّها لم تحدّد معايير واضحة لاعتبار نظام الفصل العنصري قائماً. وفي حين مكّن ذلك القادة الإسرائيليين من الاستمرار في نفي أن تكون إسرائيل تمارس سياسات الفصل العنصري، من المنطقي القول إنّ نظام الفصل العنصري مطبّق بالفعل، ولا يحتاج إلّا للإقرار به من قبل الآخرين. إلى ذلك، نظراً لتعذّر تبنّي هذه التحذيرات ضمن الخطاب الإسرائيلي، فقد استُخدمت لضرب مصداقية مطلقيها في أعين جمهورهم، ما صبّ في مصلحة اليمين الصهيوني المتديّن الداعم للسياسات التي تكرّس نظام الفصل العنصري، ومنها ضمّ الأراضي المحتلّة إلى إسرائيل رسميّاً بدون منح حقوق سياسيّة للفلسطينيين، وقد اكتسب هذا التيّار تأثيراً ملحوظاً في عهود حكومات بنيامين نتنياهو المتعاقبة.

 

شكّل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة عام 2016 اللحظة الحاسمة الأخيرة في مسار تبنّي إطار الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي. إذ شجّع تحالف إدارة ترامب الوثيق مع المعسكر المطالب بضمّ الأراضي المحتلّة في اليمين المتطرف الإسرائيلي، هذا التيّار على التخلّي عن حذره والإعلان صراحةً عن عزمه ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية وإصدار قوانين تشرّع تفوّق اليهود، بما فيها قانون الدولة القوميّة عام 2018. تعليقاً على ذلك، قال نفتالي بينيت، المؤيّد الشرس لضمّ الأراضي الذي تبوّأ منصب رئيس الوزراء في يونيو 2021، إنّ انتخاب ترامب يعني أنّ “حقبة الدولة الفلسطينيّة قد انتهت”43 وهذه فرصة تأتي مرّة في العمر “من أجل تحديد أراضي دولتنا، وضمّ كافة المستوطنات الإسرائيلية في أرض إسرائيل إلى الدولة الإسرائيلية ذات السيادة”.44

 

بالفعل، شكّل اقتراح ترامب لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عام 2020 تجلّياً واضحاً لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، حيث قسّم الأراضي الملحقة بإسرائيل وتلك الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني ضمن شبكة من المناطق غير المتصلّة مكانياً. وقبل عام كامل من إصدار منظمّة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” تقريرها الخاص حول نظام الفصل العنصري، قال مدير المنظمّة حجاي إلعاد إنّ خطّة ترمب هي بمثابة اقتراح “فصل عنصري دائم”.45

 

على الرغم من بدء استخدام تعبير إطار الفصل العنصري قبل عقود، إلّا أنّه لم يلقَ قبولاً وصدىً واسعاً إلّا بعد حصول تطورين مهمّين، تمثّل الأول في نشوء حركة في أوساط القواعد الشعبية أسهمت في ترسيخ هذا التحليل واستخدامه باستمرار في أنشطة المناصرة. وهذا أمر يضطلع بأهميّة خاصة، نظراً لأنّ منظمة التحرير الفلسطينيّة التي تقع في صلب حركة التحرير الفلسطينيّة لم تتبنّ قطّ إطار الفصل العنصري لتدعيم قضيتها، وفضّلت في البداية أن تتعامل مع إسرائيل ككيان استعماري غير شرعيّ يجب الإطاحة به، وليس كدولة شرعية تتبنّى نظاماً سياسياً غير شرعيّ يمكن تفكيكه وإعادة بنائه. بعد اتفاقية أوسلو، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينيّة بإسرائيل كدولة شرعيّة مطالبة بإنهاء احتلالها لأراض محدّدة، بدل اعتبارها نظام فصل عنصري. بالتالي، لم يتبنّ المجتمع الفلسطيني بشكل عام مصطلح الفصل العنصري لوصف وضعه إلّا مؤخّراً. وفي ظلّ غياب قيادة سياسيّة فعّالة ذات رؤية وإستراتيجيّة واضحة، ملأت الحركات الشعبية الفراغ وغيّرت السرديّة بنفسها.

 

أمّا التطوّر الثاني، فيتعلّق بالأحداث على الأرض التي أغلقت المجال أمام الحديث عن أطر أخرى. في هذا الصدد، يقول كينيث روث، المدير التنفيذي المخضرم السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” والذي أشرف على نشر تقريرها حول نظام الفصل العنصري الإسرائيلي إنّ اتخاذ القرار في السير بإطار الفصل العنصري يؤكّد أنّ عمليّة السلام قد انتهت. وقال: “لا دليل يؤشّر إلى أنّ ما يحدث اليوم سوف يزول… وهذا ما جعلنا جميعاً ندرك بأنّ علينا تغيير النموذج الذي نتّبعه”.46

 

الحجج الداعمة لانطباق الفصل العنصري

 

الفصل العنصري جريمة ينصّ عليها القانون الدولي. وفي حين يقدّم القانون تعريفاً واضحاً لتقييم ما إذا ارتُكبت هذه الجريمة بالفعل، فإنّ الحجج التي تزعم ارتكابها تعتمد مقاربات مختلفة. تلتزم بعض الحجج بشكل صارم بتعريف الفصل العنصري كما ورد في القانون الدولي، على أنه جريمة ضدّ الإنسانية، وتُظهِر من خلال التوثيق والتحليل الدقيقَين كيف ينطبق هذا التعريف على إسرائيل.47 في المقابل، تتضمّن حجج أخرى تحليلات تظهر كيف يحاكي النظام الإسرائيلي جوانب أساسيّة من سياسات التقسيم والفصل والقمع الأمني التي اعتمُدت خلال “الأبارتهايد الكبير” في جنوب أفريقيا، فيما تضع بعض الحجج الفصل العنصري في سياق استعمار استيطانيّ أوسع.48 إلى ذلك، تنظر بعض الحجج بشكل شموليّ لكافة الأراضي الفلسطينيّة الإسرائيلية، حتى أنّها تتناول في بعض الحالات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج هذه الحدود، فيما تحدّد حجج أخرى نطاقها ضمن الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. بالتالي، يرى البعض أنّ الفصل العنصري جزء لا يتجزّأ من المشروع الاستعماري الإسرائيلي، فيما يرى البعض الآخر أنّ إسرائيل “اجتازت العتبة” التي تجعل نظامها نظام فصل عنصري، بحسب ما جاء في تقرير “هيومن رايتس ووتش” حيث تحوّل الاحتلال العسكري الإسرائيلي إلى نظام فصل عنصري بفعل تراكمات ممارساته.49

 

مع ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه حتى الأشخاص الذين يركّزون حصراً على الأراضي المحتلّة، لا يبرّئون بالضرورة إسرائيل من تهمة ممارسة سياسات الفصل العنصري ضمن حدودها المعترف بها دوليّاً، ولكنّهم ببساطة لا يشملون هذه المنطقة في تحليلاتهم. ينطبق ذلك مثلاً على الدراسة التي أجرتها عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق في جامعة هارفرد التي خلصت إلى أن “سيطرة إسرائيل المتعمّدة والمؤسساتية والقانونية الصريحة تقود للاستنتاج أنّ إسرائيل تنتهك حظر الفصل العنصري الذي ينصّ عليه القانون الدولي”، فيما توضّح عيادة حقوق الإنسان أنّ حصر تركيزها في الأراضي المحتلّة هو لأغراض بحثية ليس إلّا.50

 

من ناحية أخرى، تركّز بعض التحليلات، مثل تقرير جون كويغلي تحت عنوان “الفصل العنصري خارج أفريقيا: الحالة الإسرائيليّة” على إسرائيل حصراً بدون أن تشمل الأراضي المحتلّة.51 حتى أنّ بعض الباحثين الفلسطينيين، مثل رائف زريق، سبق أن قالوا إنّ الفصل العنصري ينطبق حصراً على الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، وليس على الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة أو اللاجئين.52

 

على الرغم من هذه التباينات، فإنّ كافّة الحجج تتّفق على أنّ “الفصل العنصري اكتسب معنىً عالمياً”53 بموجب ثلاث معاهدات حدّدت تعريفه القانوني وهي: (1) الاتفاقيّة الدوليّة لمكافحة كلّ أشكال التمييز العنصري الصادرة عام 1965، و(2) الاتفاقيّة الدوليّة لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها الصادرة عام 1973 و(3) نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليةّ. وبشكل عام، يمكن اعتبار جريمة الفصل العنصري قائمة عند ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سياق الحفاظ على نظام يستمرّ في فرض السيطرة الوحشية والتمييزية لمجموعة عرقيّة على أخرى ويكون هذا غرضه المحدّد.54

 

لا يمكننا في هذه الورقة تناول آلاف الصفحات من التوثيقات والتقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل والتي جمعها حشد من الباحثين القانونيين والخبراء ومنظمّات حقوق الإنسان. مع ذلك، تتضمّن الممارسات الرئيسية المتعلّقة بالفصل العنصري التي تمّ توثيقها على امتداد التقارير المختلفة انتهاكات لحقّ الفلسطينيين بالحياة والحريّة بسبب استخدام إسرائيل القوّة المفرطة والاعتقال التعسّفي والتعذيب وتقييد الحركة والحدّ من الوصول إلى الموارد والمعاملة التفضيلية الواسعة للمواطنين الإسرائيليين واستيطانهم في الضفّة الغربيّة وحرمان الفلسطينيين من الحقّ في الجنسيّة وغيرها من الحقوق. انطلاقاً من هذه الأدلّة الواردة في التقارير، توصّل الباحثون القانونيون والأكاديميون والناشطون في مجال حقوق الإنسان وغيرهم من الخبراء إلى إجماع مترسّخ بأنّ إسرائيل تقوم بممارسات فصل عنصري (بحسب تعريف القانون الجنائي والإنساني الدولي وقانون حقوق الأنسان).55

 

يهدف النظام الإسرائيلي في الأساس إلى تعزيز الهيمنة الديموغرافية لليهود وسيطرتهم على الأراضي، وفي الوقت نفسه الحدّ من الديموغرافيا الفلسطينيّة والانتشار الفلسطيني على الأراضي وتمتّعهم بالحقوق بغية الهيمنة عليهم. تظهر هذه النيّة الإسرائيليّة من خلال تقسيم الأراضي والفصل القانوني وحرمان الفلسطينيين من الجنسيّة والإقامة والحياة العائلية وتقييد حركتهم وحقّهم في المشاركة السياسيّة ومصادرة أراضيهم واعتماد السياسات التمييزية في التخطيط والتنظيم العقاري. وتمّ التعبير كذلك عن هذه النيّة على لسان القادة السياسيين والمدنيين والعسكريين الإسرائيليين من مختلف الأطياف الأيديولوجية الذين قادوا صياغة التشريعات والسياسات منذ إنشاء دولة إسرائيل (وأيضاً الحركة الصهيونية التي سبقت إنشاء إسرائيل).56

 

على الرغم من الاتفاق الواسع على خلاصة أساسيّة مفادها أنّ إسرائيل ترتكب بالفعل جريمة الفصل العنصري التي ينصّ عليها القانون الدولي، من المهمّ الأخذ في عين الاعتبار الانتقاد الذي يرى أن التعريف القانوني البحت للفصل العنصري لا يكفي لتبيان مدى اتساع نطاق الجهود الإسرائيلية الرامية للقضاء على الفلسطينيين كأمّة في وطنهم.

 

لا يقتصر الفصل العنصري في السياق الفلسطيني على التمييز والفصل والقمع، وهي ثلاثة أمور لا يمكن أن تمارس في الحاضر إلّا بموجب القوانين والسياسات وبالتالي يمكن الرجوع عنها لاحقاً، ولكنه يشمل أيضاً التهجير القسري ومصادرة الأراضي ومحو الأثر الفلسطيني، وهي عمليات تاريخية على صلة بالاستعمار الاستيطاني لا يمكن الرجوع عنها ببساطة من خلال تفكيك النظام القانوني القائم ومنح حقوق متساوية بالجنسيّة إلى الفلسطينيين. إلّا أنّ هذا البُعد يَغيب إلى حدّ كبير عن تقارير حقوق الإنسان الدوليّة والإسرائيليّة التي يصفها بعض المنتقدين الفلسطينيين على أنّها غير كاملة، في أفضل الأحوال.57 على سبيل المثال، لم يذكر تقرير منظمّة العفو الدوليّة مصطلحَي “الصهيونيّة” و”الاستعمار” في كامل صفحاته الـ280، ما يؤشر إلى محدوديّة نطاقه التحليليّ.58

 

مع ذلك، فإنّ النقد العام لهذه التقارير لا يتعارض مع تحليل الفصل العنصري المستند إلى القوانين. على العكس، يسعى إلى وضع الحجج في سياقها وتعميق التحليل من خلال النظر أيضاً إلى الصهيونية التي تعدّ العقيدة الأساسية التي تقوم عليها المؤسسات والقوانين والممارسات الإسرائيلية، بما فيها نظام الفصل العنصري، الذي يعتبرها هذا النقد عقيدة عنصريّة في جوهرها.59 إلى ذلك، يؤكّد هذا النقد أنّ هدف الفصل العنصري لا يقتصر على التمييز من أجل الهيمنة فحسب، وهو ما يركّز عليه التعريف القانوني، ولكن الأهمّ أنّه يهدف إلى تسهيل النشاط الاستعماري الاستيطاني من الجذور من أجل القضاء على السكّان الأصليين واستبدالهم.60 وهذا أمر مشترك بين الفصل العنصري في إسرائيل والتجربة الجنوب أفريقية، ولكن لم يتناوله القانون الدولي. إلى ذلك، تتضمّن الحالة الفلسطينية مسألة تهجير إسرائيل لمعظم السكان الفلسطينيين في العام 1948 والتسبب بأزمة اللاجئين،61 بالإضافة إلى مساعي التهجير القسري المستمرّة، وهي أمور لم تتضمّنها ممارسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولكنّها جزء لا يتجزأ من مسائل الفصل والديموغرافيا الكامنة في صلب الفصل العنصري في السياق الفلسطيني الإسرائيلي.

 

يرى الأشخاص الذين يعطون الأولويّة للبعد الاستيطاني الاستعماري أنّ نظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني مرتبطان منطقياً كجزء لا يتجزّأ من العمليّة نفسها الرامية إلى تهجير السكّان الأصليين واستبدالهم. بمعنى آخر، ينجم الفصل العنصري عن القدرات المحدودة للاستيطان الاستعماري على استبدال السكّان الأصليين. ففي حين يتعذّر استبدال كلّ السكان، يصبح من الضروري الانفصال عمّن بقي منهم كنتيجة مباشرة لهذه الممارسات ومتمّمة لها. بالتالي، يشكّل الفصل العنصري آليةً للاستمرار في السياسة الاستيطانية الاستعمارية من خلال فصل السكّان الأصليين وقمعهم، بهدف تنفيذ عمليّة تدريجيّة لاستبدال السكّان والسيطرة على الأراضي.

 

تخلّصت إسرائيل إلى حدّ ما من الحاجة إلى تبنّي نظام فصل عنصري مثل ذلك الذي كان مطبّقاً في جنوب أفريقيا بسبب التطهير العرقي الذي قامت به في العام 1948. فالفلسطينيون الذي بقوا ضمن الحدود المعترف بها لدولة إسرائيل هم أقليّة، ومنحهم امتيازات لم يهدّد الهيمنة اليهودية على الحياة السياسية والاقتصادية.62 مع ذلك، أخضعت إسرائيل من بقي من فلسطينيين للحكم العسكري طوال عقدين، فيما صادرت أراضيهم وعزّزت السيطرة اليهودية على الدولة والمجتمع على حسابهم. سنّ القادة الإسرائيليون أيضاً تشريعات أساسيّة مثل قانون العودة (1950) وقانون الجنسية (1952) اللذين ميّزا صراحةً ضدّ المواطنين الفلسطينيين، كما سلّمت الحكومة وظائف مهمّة إلى منظمات مثل المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي ومهمّتها الوحيدة تسهيل استحواذ اليهود على الأراضي الفلسطينيّة.63

 

عند النظر إلى تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن منظمّات فلسطينيّة وتلك الصادرة عن مؤسسات دوليّة وإسرائيليّة مختلفة والانتقادات الموجّهة لها، يظهر أنّ تلك التقارير والانتقادات تؤدّي وظيفة متكاملة. فهي تقدّم تفسيرات مختلفة للفصل العنصري تستهدف جماهير مختلفة. مع ذلك، فإنّ هذا الاختلاف يتضمّن نوعاً من التباين الكامن الذي يمكن أن يكون إشكالياً.

 

الفرص

 

من شأن تعميم إطار الفصل العنصري أن يؤمّن فرصاً واضحة للفلسطينيين ومناصريهم تمكّنهم من تحدّي هياكل الإخضاع الإسرائيلية الراهنة.

 

فمن حيث الجوهر، يعدّ الفصل العنصري مفهوماً أكثر شموليّةً واتساعاً من الاحتلال العسكري المحدود زمنياً ومكانياً، أي العائد إلى عام 1967 والأراضي المحتلّة وقتها، والذي يستبعد جوانب متعدّدة النظام الإسرائيلي التي تتخطى الحدود الضيّقة لمفهوم الاحتلال، ومنها سياساته الاستيطانية الاستعمارية والتمييزية عرقياً. وعلى هذا الأساس، يقدّم الفصل العنصري وصفاً أكثر دقّة للنظام القائم وواقع الفلسطينيين في داخله. وفي حين أنّ الاحتلال مفهومٌ بالٍ وعصيّ الفهم على عامة الناس، فإنّ أيّ شخص سمع تعبير الفصل العنصري يدرك أنّه يشير إلى أمر شنيع، لا بل شائن. والأمر سيّان بالنسبة لهدف الفصل العنصري، المتمثّل بالمحافظة على التفوّق اليهودي، وهو ما يلقى صدىً في الخطاب الدولي المعاصر حول العنصرية. وعلى هذا الأساس، فإنّ دمج الهويّة الشائعة لإسرائيل مع الفصل العنصري يُسهّل فهم محنة الفلسطينيين على المستوى الدولي الأوسع وبالتالي معارضة تركيبة النظام الإسرائيلي بحدّ ذاتها.64

 

وهذا مهمّ إذا ما أراد الفلسطينيون البناء على مكاسب حركتهم الناشئة المناهضة للفصل العنصري وحشد المؤيّدين للضغط على الشركات والمؤسسات والحكومات التي تتعامل مع إسرائيل.65 فمنذ ديربان عام 2001، نظّم الناشطون الفلسطينيون حملات متعدّدة شكّلت نواة هذه الحركة، ومنها الحملة الشعبيّة الفلسطينيّة لمناهضة جدار الفصل العنصري (أوقفوا الجدار) في العام 2002، والحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل (PACBI) في العام 2004 وحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي عام 2005، واللجنة الوطنيّة لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها في العام 66.2007

 

ويشكّل نموّ هذه الحركة وسيلة مهمّة للحدّ من اختلال توازن القوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نظراً لأنّها تهدف إلى حشد الرأي العام الدولي للضغط على إسرائيل، وإجبار الدول والمؤسسات والشركات على إنهاء تواطئها مع إسرائيل، وفرض آليات للمساءلة، مثل سحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

 

باتت مجموعة الوثائق والتحليلات المجمّعة حول نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، إلى جانب الإجماع الذي أبداه مجتمع حقوق الإنسان، من المزايا الرئيسية للحملة الفلسطينيّة، التي لم تعد بحاجة إلى إثبات استمرار إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري. علاوة على ذلك، فإن انخراط منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمّة العفو الدولية والعيادة الدولية لحقوق الإنسان التابعة لكليّة الحقوق في جامعة هارفارد، على سبيل المثال لا الحصر، يضفي مصداقيّة على حركة مناهضة الفصل العنصري، في مقابل ما تعرّضت له من حملة شعواء لنزع شرعيتها وتجريمها منذ إنشائها.67 في الواقع، لقد ساعدت هذه المنظّمات على توسيع “نافذة أوفرتون”68 حول موضوع الفصل العنصري وسمحت لشريحة أكبر من الناس، ومنهم عدد متزايد من الأشخاص الذين كانوا يخشون سابقاً من ردّ الفعل العنيف، باستنكار الفصل العنصري وإدانته في السياق الإسرائيلي.69

 

وقد أوصل هذا الأمر بالفعل إلى نتائج مهمّة، بعد أن قامت شخصيات ومجموعات معروفة على المستويات الثقافيّة والسياسيّة والدينيّة باعتماد إطار الفصل العنصري و/أو استخدام المقاطعة للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين.70 حتى إنّ بعض الجهات الحكومية، وخصوصاً في جنوب الكرة الأرضية، قد شرعت بالقيام بذلك أيضاً، ولا سيّما في جنوب أفريقيا وناميبيا اللتين قادتا جهود المبذولة لكي يقطع الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء روابطه مع إسرائيل.71

 

أمّا الفرصة الرئيسيّة الثانية، فهي تتبدّى في المسارات القانونية التي يفتحها مفهوم الفصل العنصري أو يوسّع نطاقها. فخلافاً للاحتلال العسكري الذي ربما لا يكون غير قانوني بطبيعته، فإنّ حظر الفصل العنصريّ مترسّخ في القوانين العرفية والمعاهدات الدولية. ويُعدّ الفصل العنصري اليوم قاعدة آمرة، أو قاعدة ملزمة من قواعد القانون الدولي التي يحظر انتهاكها. إنّ رفع نظام الفصل العنصري إلى مرتبة أخطر الجرائم في القانون الدولي يضعه في الفئة نفسها مع جرائم الحرب، والحروب العدوانية، وضمّ الأراضي، والإبادة الجماعية، والعبودية، والتعذيب، والجرائم ضد الإنسانية. وبوصفه قاعدة آمرة، فإنّ هذا يؤدي إلى نشوء التزامات تسري على الجميع، ممّا ينشئ واجباً قانونياً على جميع الدول للتعاون من أجل إنهاء الانتهاك.72

 

بعبارة أخرى، يتحتّم على أعضاء المجتمع الدولي إنهاء العلاقات مع إسرائيل والضغط عليها لحلّ نظام الفصل العنصري.

 

حتى الآن، لم تنظر هيئات قضائيّة مثل المحكمة الجنائيّة الدوليّة ومحكمة العدل الدوليّة في مسألة الفصل العنصري بالتحديد. إلّا أنّ بعض المناصرين للفلسطينيين وغيرهم من الأطراف قد رفعوا بالفعل شكاوى ذات صلة لدى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بما فيها كتاب من 700 صفحة عام 2017 رفعته مجموعة من المنظمات الحقوقيّة الفلسطينيّة تعرض أدلةً على ما تقول إنّها جرائم اضطهاد وفصل عنصري.

 

وقد سعى الفلسطينيون لسنواتٍ وسنوات إلى التماس الإنصاف أمام المحاكم الدوليّة على خلفية ما يقولون إنّها جرائم حرب إسرائيلية، وخصوصاً جرائم الحرب المرتكبة في غزّة، فضلاً عن انتهاكات بنيويةٍ أخرى مثل قيام المحتلّ بشكلٍ غير قانوني بنقل مواطنيه إلى أراضٍ محتلّة. وبحسب نورا عريقات وجون رينولدز، فإنّ من فوائد اعتماد إطار الفصل العنصري هو قدرته على “ربط” العنف الساخن لجرائم الحرب الإسرائيليّة، مع العنف البارد المتمثّل في بنيتها القانونية المسوّغة للسلب والاستبعاد والاضطهاد.73

 

لم تقتصر الإجراءات القانونيّة أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة على المجموعات الفلسطينيّة. فمؤخراً في أكتوبر 2022، قامت إحدى المنظمات غير الحكومية الأمريكية واسمها “منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN)، بالتقدّم بطلب لمدّعي عام المحكمة الجنائيّة الدوليّة للتحقيق مع إيال توليدانو، المستشار القانوني السابق للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وجاء في الطلب أنّه بين العامين 2016 و2020، “قام توليدانو بالتخطيط والموافقة والإشراف على أفعال وسياساتٍ تشكّل جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، بما فيها المحافظة على نظام الفصل العنصري”.74

 

وفي العام 2022، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً تطلب بموجبه من محكمة العدل الدوليّة إبداء رأيها حول: التبعات القانونية الناتجة عن انتهاك إسرائيل المستمرّ لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاحتلال المطوّل وعملياّت الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينيّة المحتلة منذ العام 1967، بما فيها التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة السكانية، وطابع مدينة القدس ووضعها، إلى جانب اعتمادها قوانين وتدابير تمييزية. طلب القرار أيضاً من المحكمة الإجابة عن سؤال حول كيفيّة تأثير السياسات والممارسات الإسرائيليّة المشار إليها في الوضع القانوني للاحتلال وما هي التبعات التي تقع على عاتق كافة الدول، وأيضاً الأمم المتحدة.75

 

ومع أنّ السؤال الموجّه إلى محكمة العدل الدوليّة لا يشير إلى موضوع الفصل العنصري، فإنّه يشتمل على بعض جوانبه مثل الهندسة السكانية والتمييز الممنهج وبإمكان المحكمة أن تختار تضمين ذلك في إجابتها. وتجدر الإشارة إلى أنّ لجنة الحقوقيين الدولية قد اعترفت في مارس 2022 بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي واستنكرته.

 

وفي ما يتعدى المحاكم الدوليّة، أُنشئ الكثير من اللجان لمراقبة تنفيذ المعاهدات، مثل لجنة القضاء على التمييز العنصري (CERD). فقد تمّ بالفعل التقدّم بأوراق لدى اللجنة لحثّها على النظر في انتهاكات إسرائيل لهذه المعاهدة المصادق عليها في  العام 1979، في سياق الفصل العنصري، وقد أكدت اللجنة صلاحيتها للنظر فيها في العام 2019 وقبولها الادعاء في العام 76.2021 كما تم تأسيس لجان تحقيق جديدة بأهداف مماثلة. في شهر مايو 2021، أسّس مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لجنة مستقلّة ومستمرّة للأراضي المحتلة والقدس الشرقية وإسرائيل “للتحقيق في كافة الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة، والاضطرابات والعنف المطوّل، بما فيه التمييز والقمع المنهجيين بناءً على الهوية الوطنية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية”.77 وقد صدر تقريرها الأول في يونيو 78.2022

 

ويسعى مناصرون للقضية الفلسطينيّة إلى إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصّة المنشأة في العام 1962 لمكافحة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا التي تمّ حلّها في العام 1994 مع حلّ نظام الفصل هناك. كانت تلك اللجنة مسؤولة عن تنسيق الاستجابة الدوليّة وتوثيق التواطؤ ومكافحته. كما أنّها دعمت الحملة الدوليّة ضدّ الفصل العنصري وساعدت على تشكيل الرأي العام وشرعنة الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وغيرها الكثير. كما نذكر مركز مناهضة الفصل العنصري التابع للأمم المتحدة والذي تأسس في العام 1976 وتوقّف العمل به في العام 1994، والذي كان يدعم عمل اللجنة الخاصة وكان من مهامه مراقبة نشاطات الدول الثالثة في ما يتعلّق بجنوب أفريقيا ورفع التقارير بشأنها، وهو من الركائز الأساسيّة لفرض الامتثال.79

 

بالإضافة إلى كل ما سبق، تبرز فرصة قانونية أخرى خارج منظومة الأمم المتحدة للفلسطينيين ومناصريهم. ذلك أنّ المحاكم المحليّة في بعض البلدان تسمح برفع دعاوى قضائية متّصلة بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والجرائم ضدّ الإنسانية في الخارج. وعلى هذا الأساس، يمكن أن يصبح التواطؤ مع دولة ترتكب جريمة الفصل العنصري موضوعاً للدعاوى القضائية. وعلى الرغم من محاولة ذلك والفشل في الماضي في ما يتعلّق بإسرائيل، إلّا أنّ صدى الفصل العنصري ومحتوى تقارير حقوق الإنسان قد يوفّر فرصاً جديدة في المستقبل. في سبتمبر 2021، على سبيل المثال، حكمت محكمة فرنسية ضدّ شركة الاسمنت متعدّدة الجنسيات “لافارج هولسيم” بتهمة التواطؤ مع داعش على خلفية الأنشطة التجارية للشركة في سوريا.80

 

ينطبق هذا الأمر أيضاً على القوانين الوطنية التي تحظّر بيع المعدّات العسكريةّ إلى الدول الأجنبية المنخرطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مثل قانون ليهي في الولايات المتحدة وقانون التصدير في المملكة المتحدة اللذين يحظّران بيع الأسلحة التي قد تستخدم في ارتكاب “انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني”.81 وفي العام 2019، مثلاً، حكمت محكمة بريطانية ضدّ بيع معدّات عسكرية للسعودية بسبب مثل هذه الانتهاكات المزعومة في اليمن.82

 

ثمّة فرصة أخرى يقدّمها تعميم مفهوم الفصل العنصري، ونجدها في تركيبة الحكومة الديمقراطية والحقوق السياسيّة ضمن فلسطين/إسرائيل نفسها. ذلك أنّ الفصل العنصري في داخل الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياً ليس واضحاً، لأنّ لا داعي له. فالمواطنون الفلسطينيون ليسوا إلّا أقلية ولا يشكّلون أي تهديدٍ وجودي للطابع اليهودي للدولة، وعليه، يصبح من المناسب إعطاؤهم حق التصويت في مقابل تطبيق تمييز منهجي ماكر يتخفى في قوانين الدولة وممارساتها.

 

ولكن، جيل بعيد جيل، أبدى المواطنون الفلسطينيون حزماً سياسياً أقوى من حيث المطالبة بالمساواة، مستخدمين لغة الليبرالية الديمقراطية عبر دعوة إسرائيل لتصبح “دولة لجميع مواطنيها”.83 وبمرور الوقت، صعّب هذا الأمر على إسرائيل الاستمرار في التعريف عن نفسها على أنّها دولة يهوديّة وديمقراطيّة في الوقت نفسه كأنّه أمر مسلّم به، فيما تتعامل بحذر مع التناقض المتأصل بين هذين المصطلحين. وليس من قبيل المصادفة أنّ الكنيست الإسرائيلي قد اتّخذ في السنوات الأخيرة خطوات ترجّح كفّة الطابع اليهودي،84 فأقرّ مجموعة من التشريعات التمييزية بلغت ذروتها في قانون الدولة القومية في العام 2018، والذي يعرّف الدولة صراحةً من منظور القوميّة اليهوديّة بدون ذكر الديمقراطيّة أو المساواة ولو مرّة واحدة.85

 

لقد أدّى استبعاد احتمال تقسيم الأراضي إلى دولتين إلى تسريع هذه الاتجاهات بحيث أصبح أكثر من خمسة ملايين فلسطيني عديمي الجنسية في الضفة الغربيّة وغزّة على تماس أكثر مع الكيان السياسي الإسرائيلي، كما أسهم في تعزيز ضغوط الديموغرافيا والوحدة السياسية بين الفلسطينيين المشرذمين. ومع ذلك، لم يحصل أن تقدّم هؤلاء الفلسطينيون عديمي الجنسية بطلب الجنسية بشكل جماعي. وعليه، فقد بقيت الأجندتين السياسيتين للفلسطينيين من مواطنين وغير المواطنين منفصلتين، ما أراح إسرائيل أيضاً من تبعات الضغط الديموغرافي الكامل على نظامها الديمقراطي المحدود.

 

وإذا ما وسّع الفلسطينيون نضالهم المناهض للفصل العنصري، الذي يركّز حالياً على الساحة الدولية، ليصبح حركة سياسيّة على الأرض، وترجموا مطالبهم بتقرير مصيرهم إلى مطالبة بالجنسيّة، فسيتصاعد الضغط على إسرائيل للاختيار ما بين ديمقراطيّة الدولة ويهوديتها. وسيعني هذا الخيار أنّ على إسرائيل أن تقوم إمّا بحلّ نظام الفصل العنصري لتضمّ كافة الفلسطينيين ضمن كيانها السياسي، أو المضيّ قدماً على طريق الإقصاء والفصل، وبالتالي التأكيد على الفصل العنصري.

 

لا تنحصر فائدة استخدام إطار الفصل العنصري كوسيلة لتحدّي نظام إسرائيل. فالفصل العنصري مسألة تتصل مباشرةً بالفلسطينيين واحتياجاتهم الداخلية في هذه المرحلة من التشرذم واليأس. وفي استعادةٍ لتعبير طارق باكوني، “بالنسبة للكثير من النشطاء المؤيدين للفلسطينيين، فإنّ جاذبية تسليط الضوء على أوجه التشابه تكمن إلى حدّ كبير في الرغبة في جعل تاريخ جنوب أفريقيا نموذجاً لحشد الدعم الدولي للفلسطينيين وبث الأمل في احتمال إنهاء الفصل العنصري”.86 بعبارة أخرى، يمكن لنجاح تجربة جنوب أفريقيا أن يمدّ الفلسطينيين بتفاؤلٍ منشودٍ يسفر عن تحقيق التحرير.

 

يشكّل الفصل العنصري أيضاً إطاراً موحِّداً يقاوم الجهود المستمرّة منذ أمد طويل لشرذمة الفلسطينيين وتقسيمهم. ففي حين أنّ الخطاب حول الاحتلال تقسيميّ في جوهره لأنّ جزءاً فقط من الفلسطينيين يعيش تحت هذا النظام، فإنّ الفصل العنصري يعترف بالفلسطينيين كشعب واحد يتعرّض للتمييز والقمع الشديدين من النظام نفسه، وإن كان بدرجات متفاوتة. من شأن الفصل العنصري أن يفسّر هذه الاختلافات بدون تقسيم الفلسطينيين بالكامل ومعاملة ظروفهم على أنها متميزة. وبالتالي، فإنّ إطار الفصل العنصري يوجّه الفلسطينيين في نضال موحّد وينسّق أجندتهم السياسيّة، على الأقلّ إلى حدٍّ ما. وبذلك، يقدّم هذا الإطار سبيلاً إلى الوحدة التي باتت اليوم حاجة ملحّة للفلسطينيين بعد سنوات من التشرذم المنهك.

 

وأخيراً، في حين أدّى استمرار منظمة التحرير الفلسطينيّة/السلطة الفلسطينيّة بالالتزام بإطار أوسلو وحلّ الدولتين إلى تعزيز التشرذم السياسي الفلسطيني وحرمان النضال الأولي المناهض للفصل العنصري من تماسك الصوت والقيادة سياسيّة، فإنّ تعميم الفصل العنصري أخيراً قد لوى يد منظمة التحرير. في العام 2022، أنشأت منظمة التحرير الفلسطينيّة قسماً لمكافحة الفصل العنصري، بالشراكة مع حركة المقاطعة، وشبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينيّة، ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينيّة، ووزارة العدل في السلطة الفلسطينيّة، وعدد من الجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني. وقد عقدت مؤتمراً لمناقشة سبل المضيّ قدماً في ما يتعلّق بالفصل العنصري. وفي يناير 2023، أصدرت منظمة التحرير الفلسطينيّة بياناً رائداً يدعو إلى إنشاء جبهة عالمية موحّدة لإنهاء الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.87 على الرغم من أنّ قيادة منظمّة التحرير الفلسطينيّة لا تزال متردّدة في اعتماد إطار الفصل العنصري بشكل كامل، إلّا أنّ البيان يمثّل خطوة مهمّة وفرصة حاسمة للفلسطينيين لإنهاء انقسامهم والعمل يداً بيد باتجاه نضال وطني متماسك.

 

التحديّات والعوائق والمخاطر

 

على الرغم من الفرص الكثيرة التي يوفّرها اعتماد إطار الفصل العنصري، إلّا أنّه لا يخلو من التحديات والمخاطر، لا سيّما في ظلّ غياب القيادة السياسيّة التمثيليّة والصوت الفلسطيني الجامع بشأن قضية الفصل العنصري.

 

وعلى غرار الاحتلال العسكري، يعدّ الفصل العنصري مفهوماً محدوداً لا يلخّص مدى التفاعل بين الحركة الصهيونية وإسرائيل والشعب الفلسطيني. وفي حين أنّ مفهومه يتخطّى مفهوم الاحتلال، يُخشى أن يتم الاعتماد عليه وحده لتأطير المظالم والمطالب الفلسطينيّة. فضلاً عن ذلك، فإنّ العالم مقتنع بأنّ إسرائيل تمارس بالفعل احتلالاً عسكرياً، فيما الاقتناع بالفصل العنصري قد يواجه مقاومة على مستويات مختلفة، ولا سيّما في مراكز القوة في شمال الكرة الأرضية.

 

وعلى الرغم من إجماع الأوساط الحقوقية على هذه القضية وتوثيق الفصل العنصري في الكثير من التقارير البارزة، فإنّ صنّاع السياسة في أمريكا الشمالية والإتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، كانوا إمّا غير مستعدّين لاستخدام المصطلح أو رفضوا انطباقه على إسرائيل رفضاً قاطعاً.88 وهذا ما يجعل الجهود المبذولة داخل المؤسسات الدوليّة حيث تتمتّع هذه الدول بنفوذٍ كبير أصعب وأخطر. فالمحاكم الدولية، مثل المحكمة الجنائيّة الدوليّة، تعمل في سياقات مسيّسة للغاية وتخضع لضغوطٍ من الدول.89 وعليه، فمن المحتمل أن تصدر الأحكام المهمة المتعلّقة بوضع الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري في غير صالح الفلسطينيين.

 

وفي مثال يوضّح كيف تتدخّل الولايات المتحدة لتقويض عمل الجهات المفوّضة من الأمم المتحدة التي تتولّى التدقيق في الانتهاكات الإسرائيليّة للقانون الدولي، بما فيها الفصل العنصري،90 نذكر تصريح السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، في جلسة استماع بالكونغرس الأمريكي في مارس 2023، بأنّ البعثة الأمريكية قد نجحت في أن تخفض، بمقدار الربع، عدد الموظفين وحجم الميزانية المرصودة للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي تجري تحقيقاتها في إسرائيل.91 كما أشارت إلى الشكاوى المقدّمة لدى أعلى مستويات الهرم بحق المقررة الخاصة الحالية للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز.

 

مع ذلك، وبحسب مسؤولين في “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدوليّة، فقد أظهر صنّاع السياسة في الدول الغربيّة تقبّلاً أكبر لتطبيق إطار الفصل العنصري في المناقشات الخاصة، ولم يُبدوا رفضاً قاطعاً لتطبيق المصطلح.92 علاوة على ذلك، خطت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوات نحو الاعتراف بالفصل العنصري الإسرائيلي من خلال اعتماد الأطر ذات الصلة التي تدنو من تعريف الفصل العنصري من دون استخدام المصطلح بحدّ ذاته. على سبيل المثال، وصف الاتحاد الأوروبي، في وثائقه الداخلية وبياناته العامة، الوضع في فلسطين وإسرائيل بأنّه ترسيخ “لواقع الدولة الواحدة مع حقوق غير متساوية”.93 ولطالما عبّرت إدارة بايدن عن هدفها، علاوة على حلّ الدولتين، على أنّه “ضمان تمتّع الفلسطينيين والإسرائيليين بمستويات متساوية من الحرية والأمن والفرص والعدالة والكرامة”.94 ومع أنّ هذه الخطوات قد تكون منقوصة، إلّا أنّها تقرّب الدول الغربية من الاعتراف بالفصل العنصري.

 

على الرغم من الزخم الحالي حول إطار الفصل العنصري، أو ربما بسببه، فقد توسّعت محاولات نزع الشرعيّة عن عناصر الحركة المناهضة للفصل العنصري وتجريمهم. وازدادت هذه المحاولات حدّة، لدرجة أنّ التشريعات المناهضة للمقاطعة أحرزت تقدّماً كبيراً في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا. وفي حين رفضت المحاكم على العموم هذه التشريعات باعتبارها انتهاكاً لحريّة التعبير، لا تزال القضيّة محلّ نزاع، ولا تزال الحملات المناهضة للمقاطعة تترك آثاراً سلبيّة بالغة. وقد تعززت هذه الجهود الرامية لوقف تبنّي مفهوم الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي بسبب “التعريف العملي” لمعاداة الساميّة المعتمد من التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، الذي يخلط بين معاداة الساميّة وبين انتقاد إسرائيل، وقد تمّ استخدامه لمهاجمة مجموعات حقوق الإنسان الدوليّة الكبرى التي نشرت تقارير عن الفصل العنصري. في الواقع، فإنّ التعريف المعتمد من التحالف المذكور قد “مهّد الطريق للتصدّي لجميع الانتقادات الموجهة لإسرائيل باعتبارها معادية للساميّة في الظاهر، استناداً إلى الحجّة المبسّطة القائلة بأنّ تركيز النقد على إسرائيل، عندما تكون دول أخرى أيضاً ضالعة في ما يماثلها من ارتكابات مسيئة، لا يمكن أن يعبّر إلّا عن عداء موجّه ضد اليهود”.95 وحتى الآن، اعتمدت 39 دولة هذا التعريف ومنها معظم دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والأرجنتين وأوروغواي وكولومبيا وغواتيمالا والفيليبين وكوريا الجنوبية. ومع أنّ هذا التعريف ليس ملزماً قانونياً، إلّا أنّه يترافق مع جهود أخرى لكمّ الانتقادات الموجهة لإسرائيل وترهيب منتقديها. ومع أنّه لا يقتصر على إطار الفصل العنصري، إلّا أنّه لا يزال يمثّل تحديّاً يجدر التغلّب عليه لتكتسب حركات التحرّر الفلسطينيّة ومناهضة الفصل العنصري مزيداً من الزخم.

 

لا عجب أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على تنسيق الجهود الرامية إلى تقويض إطار الفصل العنصري والحركة المناهضة للفصل العنصري، كما خصصّت تمويلاً لهذه الجهود. في الواقع، ومنذ عام 2015، قادت وزارة الشؤون الإستراتيجيّة الإسرائيليّة المعركة ضد حركة حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، واستخدمت وكلاء لها لتجاوز أنظمة التمويل الأجنبي في الولايات المتحدة، من أجل إنشاء شبكات مخصصّة لهذه الغاية.96 وفي العام 2021، صنّفت إسرائيل المنظمات غير الحكومية الفلسطينيّة الرائدة في توثيق انتهاكات الفصل العنصري وبيان الحيثيات لدى الأمم المتحدة كمنظمات إرهابية، فجرّمتها وحاولت قطع شريان التمويل الخارجي عنها.97 بالإجمال، اتّخذ معظم العقبات والتحديات في طريق إطار الفصل العنصري شكل جهود لتشويه السمعة أو تقويض الجهود أو تجريم النشاطات، بدلاً من دحض الرسالة.

 

بيد أنّ مقاومة تبنّي إطار الفصل العنصري لا ينحصر بإسرائيل وحلفائها في شمال الكرة الأرضية. فقد أبدت منظمة التحرير الفلسطينيّة والسلطة الفلسطينيّة تردّداً في تأييده تأييداً كاملاً. وعلى الرغم من أنّ دولة فلسطين قد صادقت على اتفاقية الفصل العنصري في العام 2014، فقد كان دافعها الأصليّ ترسيخ وضعها كدولة مستقلّة، من خلال الانضمام إلى جميع الاتفاقيات المتاحة.98 أمّا السبب الجزئي، فهو عدم رغبة القيادة الحالية في تغيير المسار بعد عقود من السعي الفاشل لإقامة دولة مستقلّة أو عدم قدرتها على ذلك، أو التخلّي عن المكاسب المعلنة في خلال السنوات الثلاثين الماضية، فضلاً عن المخاطرة بالمصالح الماديّة الشخصية التي راكمتها بعض الجهات. ثم إنّ جزءاً من التردّد ناتج أيضاً عن سوء فهم الآثار المترتبّة عن تبنّي إطار الفصل العنصري، وما استتبعته وحققته حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وثمّة من يتساءل أيضاً عمّا إذا كان تبنّي إطار الفصل العنصري يعني أنّ سعي الفلسطينيين، بجلّه، هو للحصول على حقوق مدنيّة داخل دولة إسرائيل، بدلاً من الحقوق الوطنية، وهو ما يُعدّ قبولاً للسرديّة الصهيونية وشرعنةً لبنية الدولة الإسرائيلية القائمة.

 

ذكر أحد كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينيّة في إحدى المقابلات أنّ هدف السود في جنوب أفريقيا الأساسي وإنجازهم الأهمّ هو اكتساب الحقوق المدنيّة، وقد فاته أنّ حلّ نظام الفصل العنصري قد انطوى على إعادة تشكيل للنظام السياسي برمّته، وهو ما استغرق سنوات من المفاوضات بين مختلف الأطراف. وهذا ما يشير إلى التالي:

 

تسود منظمة التحرير الفلسطينيّة حالياً فكرة أننا لا نحتاج [بالضرورة] إلى التحوّل بالكامل إلى حركة مناهضة للفصل العنصري مثل تلك الموجودة في جنوب أفريقيا. نحن ندرك أنّ هذا أمر ضخم، ويجب تعميمه، ويجب أن يدخل في خطابنا وسرديتنا ومعجمنا، إلخ، ولكن ليس أكثر. لأن الخطّة لا تزال، إلى حدّ كبير، إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، واستعادة حق اللاجئين وفقاً للقانون الدولي. هذه هي الخطّة.99

 

لقد واجه الفلسطينيون لسنوات أزمة في القيادة حيث خسر رؤوس المؤسسات السياسيّة أساس شرعيتهم: فهم غير منتخَبين، ولا يحظون بشعبية كبيرة، ويلتزمون ببرنامج سياسي فقَدَ تأييد معظم الفلسطينيين. وهذا ما أدّى إلى اتّساع الفجوة بين قادة منظمّة التحرير الفلسطينيّة / السلطة الفلسطينيّة والشعب الفلسطيني – وخاصة المجتمعات الفلسطينيّة المعزولة في الشتات والمنفى – حول إستراتيجيّة حركة التحرير وأهدافها. وعليه، لم يتمكن الفلسطينيون من تنظيم أمورهم بشكل فعّال حول قضيةّ الفصل العنصري والتكلّم بصوت موحد وشامل عن كافة جوانب الفصل العنصري وقدرته على أن يشكّل وسيلة انتصاف. ذلك أنّ النشطاء والمنظّمات غير الحكوميّة يعملون إلى حدّ كبير بعيداً عن حركة سياسيّة منظمّة، في المقابل، تتصدّر مجموعات حقوق الإنسان الدولية – بمنظورها القانوني المحدود بشأن الفصل العنصري – النقاش حول هذه القضايا.

 

بيد أنّ الفلسطينيين يشعرون بالقلق من مثالب الاعتماد على القانون الدولي وحده على حساب السياق التاريخي، لمعالجة القضيّة الفلسطينيّة الشائكة وتحقيق العدالة على هذه الأسس. ووفقاً لعريقات ورينولدز، “يمكن للتكتيكات القانونيّة المبدئيّة المناهضة للفصل العنصري أن تشعل شرارة التحوّلات، إذا ما تم تسخيرها بشكل فعّال، وفي الظروف المؤاتية، لخدمة إستراتيجيّة سياسيّة مقنِعة. ولكن، وبالنظر إلى وضع القيادة الفلسطينيّة الراهن، وعدم الترابط بين المؤسسات السياسية الفلسطينيّة والحركات الشعبيّة وحملات التضامن العالميّة، فإنّ مثل هذه الشروط والإستراتيجيّة تظلّ بعيدة المنال”.100

 

أمّا القضيّة الأخرى الناتجة عن الافتقار إلى أجندة سياسية فلسطينيّة متماسكة، فتتمثّل بالتباين الكامن بين مفهوم الفصل العنصري وإمكانيات تقرير المصير الفلسطيني. إذ لا تتوافق أجندة مناهضة الفصل العنصري بالضرورة مع مختلف الأهداف السياسيّة النهائيّة بالتساوي، ويعيق التشرذمُ الأيديولوجي الفلسطيني الالتفافَ الواسع حول حركة مناهضة الفصل العنصري. سعت الحملة الفلسطينيّة الشعبيّة المناهضة للفصل العنصري إلى تجنّب هذا المأزق من خلال نكران الحاجة إلى برنامج سياسي شامل والتركيز على الطابع الملحّ للحقوق الفلسطينيّة التي تنكرها إسرائيل. ويرتكز برنامج حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على ثلاث ركائز؛ هي إنهاء الاحتلال العسكري، وضمان تمتّع المواطنين الفلسطينيين بحقوق متساوية، وتمكين اللاجئين من العودة. تتعامل هذه الركائز مع الإطار الحالي للفصل العنصري باستخدام الخطاب القائم على الحقوق، المترسخ في القانون الدولي والذي يركّز على معالجة الوضع الراهن من دون النظر بالضرورة في الظلم التاريخي أو التطلع إلى إطار دستوري مستقبلي. لكنّ التباين يبقى قائماً.

 

فالفلسطينيون الذين ما زالوا ملتزمين بنموذج الدولتين، مثلاً، يشكّكون في إطار الفصل العنصري وتداعياته على تحقيق رؤيتهم السياسيّة المفضلة لفلسطين المستقبل. تنتمي قيادة منظمة التحرير الفلسطينيّة إلى هذه الجهة، ولم تقدّم يوماً دعمها الكامل لحركة المقاطعة الدولية. في الواقع، كانت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني هي التي طالبت بحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية الصادر عام 2004 القاضي بأنّ جدار الفصل الإسرائيلي غير قانوني، بعد أن أخفقت منظمة التحرير الفلسطينيّة في اتخاذ أي إجراء خاص بها طوال العام. على النقيض من ذلك، كانت قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي هي التي وجهت الدعوة إلى اعتماد مقاطعة دولية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في العام 1958، بينما كانت تقود أداة الضغط السياسي هذه كجزء من إستراتيجيّة أوسع للمقاومة. بالنسبة للحملة الفلسطينيّة، فإنّ عدم مشاركة القيادة السياسيّة المنظمة مع إستراتيجيّة ورؤية متماسكتين يعيق فعاليتها بالإجمال.

 

أخيراً، من المرجّح أن تعترض عقباتٌ طريقَ الفلسطينيين في بناء حركة واسعة النطاق لمناهضة الفصل العنصري تضم إسرائيليين في صفّوفها، وهو ما يعتبره الكثيرون ضرورياً للنجاح في إنهاء الفصل العنصري. وفي غياب رؤية متماسكة وجذّابة لما قد يبدو عليه المستقبل الفلسطيني الإسرائيلي المشترك، بما في ذلك الاستعداد للتعامل مع الحاجة إلى مساحات للتعبير عن القومية اليهودية، من المرجح أن يواجه الفلسطينيون صعوبة في إشراك الإسرائيليين وكسب المؤيدين لجهود تفكيك النظام الحالي. ومع ذلك، فحتّى الفلسطينيين الذين تبنوا إطار الفصل العنصري لم يتمّكنوا حتى الآن من معالجة مسائل المستقبل المشترك لأن الانقسام السياسي الفلسطيني المستمرّ يجعل عملية تطوير رؤية مشتركة شبه مستحيلة.

 

لقد انهمك المثقفون الفلسطينيون، لأسباب مفهومة، في عملية إعادة تأهيل الأساس المفهومي الكامل للقضية الفلسطينيّة بعد ما شابها من تشويه نتيجة عقودٍ متواصلة من عملية السلام. فعاد المثقفون الأكثر راديكالية إلى مبادئ التحرّر الفلسطيني السائدة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والمتجذّرة في النضال ضد الاستعمار. تعطي وجهة النظر هذه فسحةً لليهود، ولكن ليس للقومية اليهودية، في دولة فلسطينيّة متحرّرة من الاستعمار. في الواقع، فإنّ المطالبة بإنهاء الاستعمار، وإن كانت تعدّ ضرورية، تطرح تحديات سياسيّة وإستراتيجيّة كبيرة، لأنها تنفّر، ولا شك، الغالبية العظمى من الإسرائيليين وتواجه معارضة شديدة. وعلى غرار أي برنامج سياسي آخر، يستلزم إنهاء الاستعمار القدرة على التنفيذ، وهو ما يفتقر إليه الفلسطينيون افتقاراً شديداً. وقد يكون حشد المجتمع الدولي من دون التقدّم بتصورات أساسية واضحة للمستقبل تتخطى تفكيك التمييز المنهجي، عملية أصعب. علاوة على ذلك، فإنّ تحدي إسرائيل برمّتها بوصفها مشروعاً قومياً لليهود يترافق مع مخاطر كبيرة ناشئة عن التنازع الصفري، بحيث يردّ الجانب الإسرائيلي باستخدام عنف قهري أشمل ضد السكان الفلسطينيين الضعفاء الخاضعين لسيطرته. إنّها حقائق متعلقة بالسلطة السياسيّة وإمكانيات العنف لا يمكن تجاهلها ببساطة.

 

الخاتمة

 

إنّ وصف سلطة إسرائيل على الفلسطينيين كنظام فصل عنصري، يمثّل إعادة صياغة جذرية للنظام الممتدّ بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. تعود تهمة الفصل العنصري إلى أوائل الستينيات على الأقلّ، وقد غدت جزءاً من الخطاب منذ ذلك الحين، لدرجة أنّ شيوع استخدامها في العقدين الماضيين وضعها على طريق التعميم. كان هذا التحوّل الضخم مدفوعاً، جزئياً، بباكورة الحركة المناهضة للفصل العنصري، وبتزايد الاعتراف بأنّ سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة أصبحت دائمة. كما تمّ ترسيخه أيضاً بفضل مجموعة متنامية من الأبحاث والتحليلات الصادرة عن قانونيين وباحثين وخبراء في مجال حقوق الإنسان ومؤسسات متعدّدة الأطراف.

 

وفي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون إلى تصحيح الخلل الفادح في توازن القوى مع إسرائيل، يأتي تعميم مفهوم الفصل العنصري ليوفّر فرصاً جديدة، لا سيما في مجال المناصرة والمساءلة، بالنظر، جزئياً، إلى عدم شرعيّة جوهر أنظمة الفصل العنصري. كما أنّه يوفّر للفلسطينيين أساساً موحِّداً يمكّنهم من مكافحة تشرذمهم القسري ومقاومة القمع الإسرائيلي على الأرض. ومع ذلك، فإنّ اعتماد إطار الفصل العنصري لا يخلو من التحديات والمخاطر. ففي سبيل إنجاح مسعاهم السياسي، يجب أن يكون الفلسطينيون قادرين على إعادة توجيه نضالهم ومواءمته مع إطار الفصل العنصري، وهو ما يمثل تحدّياً كبيراً في غياب الوحدة السياسية والافتقار إلى الحركة السياسية المتماسكة. سيواجه الفلسطينيون أيضاً تحدّيات في حشد الإسرائيليين لتفكيك نظام الامتياز اليهودي الخاص بهم في ظلّ غياب رؤية واضحة لمستقبل مشترك، ما يفرض نوعاً من التعادل الصفري الذي يمكن أن يثير عنفاً إضافياً ساحقاً تجاه السكان الفلسطينيين الضعفاء.

 


الهوامش

1 The two most prominent include: Human Rights Watch, A Threshold Crossed: Israeli Authorities and the Crimes of Apartheid and Persecution, Report, (New York: Human Rights Watch, April 27, 2021), https://www.hrw.org/report/2021/04/27/threshold-crossed/israeli-authorities-and-crimes-apartheid-and-persecution; Amnesty International, Israel’s Apartheid Against Palestinians: Cruel System of Domination and Crime Against Humanity, (London: Amnesty International, February 1, 2022), https://www.amnesty.org/en/latest/news/2022/02/israels-apartheid-against-palestinians-a-cruel-system-of-domination-and-a-crime-against-humanity/.

2 “Addressing Israeli-Palestinian Tensions as They Arise Cannot Replace Efforts to Resolve Core Issues, Deputy Special Coordinator Tells Security Council,” Press Release, United Nations Security Council, July 26, 2022, https://press.un.org/en/2022/sc14981.doc.htm; Omar Shakir (Israel-Palestine Director at Human Rights Watch), interview by author, virtual, February 10, 2023.

3 “Ex-U.N. Official John Dugard: Israel’s Crimes are ‘Infinitely Worse’ Than in Apartheid South Africa,” Democracy Now, May 6, 2015, https://www.democracynow.org/2015/5/6/ex_un_official_john_dugard_israel.

4 “World Conference Against Racism – NGO Forum Declaration,” International Progress Organization, September 3, 2001, https://i-p-o.org/racism-ngo-decl.htm.

5 Ibid.

6 “Israel branded ‘racist’ by rights forum,” CNN, September 2, 2001, https://edition.cnn.com/2001/WORLD/africa/09/02/durban.racism/.

7 أعلن جون دوغارد (2001-2008) وريتشارد فالك (2008-2014) ومايكل لينك (2016-2022) وفرانشيسكا ألبانيز (2022- حتى اليوم) صراحة و/أو كتبوا تقارير مطوّلة تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري.

8 Stephanie Nebehay, “Makarim Wibisono quits as UN rights monitor, saying Israel blocked access to Palestinian territories,” The Independent, January 4, 2016, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/makarim-wibisono-quits-as-un-rights-monitor-saying-israel-blocked-access-to-palestinian-territories-a6796556.html.

9 “Ex-U.N. Official John Dugard.”

10 Ronnie Kasrils, “I fought South African apartheid. I see the same brutal policies in Israel,” The Guardian, April 3, 2019, https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/apr/03/israel-treatment-palestinians-apartheid-south-africa.

11 “Pioneer Jewish South African Freedom Fighter Calls Israel ‘Apartheid State’,” Haaretz, July 28, 2015, https://www.haaretz.com/2015-07-28/ty-article/jewish-freedom-fighter-calls-israel-apartheid-state/0000017f-f66a-d887-a7ff-feeebbcb0000.

12 Middle East Scholar Barometer, “Middle East Scholar Barometer #3 (March 14-28, 2022),” University of Maryland, accessed March 7, 2023, https://criticalissues.umd.edu/middle-east-scholar-barometer#tab-2.

13 Ibid.

14 Ibid.

15 Chris McGreal, “Worlds Apart,” The Guardian, February 6, 2006,  https://www.theguardian.com/world/2006/feb/06/southafrica.israel.

16 Richard P. Stevens, “Zionism, South Africa and Apartheid: The Paradoxical Triangle,” Phylon no. 2, Vol. 32 (2nd Qtr., 1971): 134, https://www.jstor.org/stable/273998.

17 Yitzhak Oron, ed., Middle East Record, Volume Two 1961 (Tel Aviv: Tel Aviv University-The Reuven Shiloah Research Center, 1961): 188.

18 “Arab Slanders Israel at UN Debate on South Africa’s Apartheid Policy,” The Detroit Jewish News, November 10, 1961, https://digital.bentley.umich.edu/djnews/djn.1961.11.10.001/31.

19 Fayez A. Sayegh, Zionist Colonialism in Palestine (Beirut, Lebanon: Research Center, Palestine Liberation Organization, September 1965), 27, https://www.freedomarchives.org/Documents/Finder/DOC12_scans/12.zionist.colonialism.palestine.1965.pdf.

20 Richard P. Stevens and Abdelwahab Elmmessiri, eds., Israel and South Africa: The progression of a relationship (New York: New World Press, 1976); Jane Hunter, “Israel and the Bantustans,” Journal of Palestine Studies 15, No. 3 (April 1986): 53-89, https://doi.org/10.2307/2536750; Alfred Moleah, “Israel/South Africa: The Special Relationship,” Africa Report 25, Issue 6, (New York: Africa-America Institute, November 1, 1980): 12, https://www.proquest.com/openview/b51e9f2032572b4ff5847b586e9db54c/1?pq-origsite=gscholar&cbl=1820943; Ali Mazrui, “Zionism and Apartheid: Strange Bedfellows or Natural Allies?”, Alternatives 9, no. 1 (1983): 73-97, https://doi.org/10.1177/030437548300900104; James Adams, Israel and South Africa: The Unnatural Alliance (London: Quartet Books, 1984).

21 Elia T. Zureik, The Palestinians in Israel: A study in Internal Colonialism (London: Routledge and Kegan Paul, 1979).

22 Alfred T. Moleah, Israel and South Africa: Ideology and Practice, (Geneva and Washington D.C.: The International Organization for the Elimination of All Forms of Racial Discrimination, 1979), https://eaford.org/site/assets/files/1023/israel_and_south_africa_ideology_and_practice.pdf; Alfred T. Moleah, “Violations of Palestinian Human Rights: South African Parallels,Journal of Palestine Studies 10, no. 2 (Winter 1981): 14-36, https://doi.org/10.2307/2536175.

23 Brice Harris, Jr., “The South Africanization of Israel,” Arab Studies Quarterly 6, no. 3 (Summer 1984): 169-189, https://www.jstor.org/stable/41857718.

24 John Quigley, “Apartheid Outside Africa: The Case of Israel,” Indiana International & Comparative Law Review 2, no. 1 (1991): 221-251, https://journals.iupui.edu/index.php/iiclr/article/view/17379/17509.

25 Uri Davis, Israel: An Apartheid State, (London: Zed Books, 1987).

26 Israel Shahak, “Israeli Apartheid and the Intifada,” Race and Class 30, no. 1 (July 1988): 1-12, https://doi.org/10.1177/030639688803000101.

27 Lana Tatour, “Why calling Israel an apartheid state is not enough,” Middle East Eye, January 18, 2021, https://www.middleeasteye.net/opinion/why-calling-israel-apartheid-state-not-enough.

28 Labeeb Ahmed Bsoul, “The Status of Palestinians in Israel: 1948-Oslo,” Arab Studies Quarterly 28, no. 2 (Spring 2006): 38, https://www.jstor.org/stable/41858525.

29 Tamir Sorek, The Optimist: A Social Biography of Tawfiq Zayyad, (Stanford: Stanford University Press, 2020), 173, https://www.sup.org/books/title/?id=26216.

30 “Resolution Adopted by the General Assembly,” UN Resolutio, A/RES/3379, November 10, 1975, https://web.archive.org/web/20121206052903/http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/761C1063530766A7052566A2005B74D1.

31 Raja Shehadeh, “Negotiating Self-Government Arrangements,” Journal of Palestine Studies 21, no. 4 (Summer 1992): 28, https://www.jstor.org/stable/2537661.

32 Samira Shah, “On the Road to Apartheid: The Bypass Road Network in the West Bank,” Columbia Human Rights Law Review 29, no. 221, (New York: Sheridan, 1997-1998): 247-257, https://heinonline.org/HOL/LandingPage?handle=hein.journals/colhr29&div=11&id=&page=.

33 Noam Chomsky, “Neocolonial Invitation to a Tribal War,” The Los Angeles Times, August 13, 2001, https://www.latimes.com/archives/la-xpm-2001-aug-13-me-33573-story.html.

34 Edward Said, “How Do You Spell Apartheid? O-s-l-o,” Haaretz, October 11, 1998, https://www.edwardsaid.org/articles/how-do-you-spell-apartheid-o-s-l-o/.

35 Mouin Rabbani, “Rocks and Rockets: Oslo’s Inevitable Conclusion,” Journal of Palestine Studies 30, no. 3 (Spring 2001): 76, https://www.jstor.org/stable/10.1525/jps.2001.30.3.68.

36 “The Wall,” Stop the Wall, accessed May 8, 2023, https://stopthewall.org/the-wall/.

37 Tareq Baconi, “What Apartheid Means for Israel,” The New York Review of Books, November 5, 2021, https://www.nybooks.com/online/2021/11/05/what-apartheid-means-for-israel/.

38 National Lawyers Guild Delegation to the Occupied Palestinian Territories and Israel, The Al-Aqsa Intifada and Israel’s Apartheid: The U.S. Military and Economic Role in the Violation of Palestinian Human Rights, Report, (New York: National Lawyers Guild, January 2001), 1-74, https://www.nlginternational.org/report/2001_Palestine_del_report.pdf.

39 Virginia Tilley, ed., Occupation, Colonialism, Apartheid?: A reassessment of Israel’s practices in the occupied Palestinian territories under international law, Report, (Cape Town: Human Sciences Research Council of South Africa, August 25, 2015), https://repository.hsrc.ac.za/handle/20.500.11910/4619.

40 “Home: Russell Tribunal on Palestine,” Russell Tribunal on Palestine, accessed March 7, 2023, https://www.russelltribunalonpalestine.com/en/.

41 Rory McCarthy, “Barak: make peace with Palestinians or face apartheid,” The Guardian, February 3, 2010, https://www.theguardian.com/world/2010/feb/03/barak-apartheid-palestine-peace.

42 Barak Ravid et al., “Olmert to Haaretz: Two-state Solution, or Israel is Done For,” Haaretz, November 29, 2007, https://www.haaretz.com/2007-11-29/ty-article/olmert-to-haaretz-two-state-solution-or-israel-is-done-for/0000017f-e62a-dc7e-adff-f6af3bbe0000.

43 Emily Tamkin, “Israel’s Naftali Bennett: With Trump, ‘The Era of the Palestinian State Is Over’,” Foreign Policy, November 14, 2016, https://foreignpolicy.com/2016/11/14/israels-naftali-bennett-with-trump-the-era-of-the-palestinian-state-is-over/.

44 Jeremy Sharon, “Bennett rejects Trump plan for Palestinian state, demands annexation now,” The Jerusalem Post, January 29, 2020, https://www.jpost.com/israel-news/bennett-israelis-history-is-knocking-at-the-door-615717.

45 Ibid.

46 Jennifer Schuessler and Marc Tracy, “Harvard Reverses Course on Human Rights Advocate Who Criticized Israel,” The New York Times, January 19, 2023, https://www.nytimes.com/2023/01/19/arts/harvard-israel-antisemitism-roth.html?smid=wa-share.

47 See Human Rights Watch, A Threshold Crossed; Amnesty, Israel’s Apartheid; Harvard Law School International Human Rights Clinic, Apartheid in the Occupied West Bank: A Legal Analysis of Israel’s Actions, (Cambridge: IHRC, February 28, 2022): 1-22,  http://hrp.law.harvard.edu/wp-content/uploads/2022/03/IHRC-Addameer-Submission-to-HRC-COI-Apartheid-in-WB.pdf; among others. Legal scholar reports include: John Dugard and John Reynolds, “Apartheid, International Law, and the Occupied Palestinian Territory,” European Journal of International Law 3, vol. 24 (August 2013): 867–913, https://doi.org/10.1093/ejil/cht045; among others.

48 Rania Muhareb et al., Israeli Apartheid: Tool of Zionist Settler Colonialism, (Ramallah: Al-Haq, 2022), https://www.alhaq.org/publications/20940.html; Tareq Baconi, “Critique as movement building: The apartheid reports on Palestine,” Mada Masr, March 29, 2022, https://www.madamasr.com/en/2022/03/29/opinion/u/critique-as-movement-building-the-apartheid-reports-on-palestine/

49 See also: Richard Falk, “Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967,” UN Document A/65/331, August 30, 2010, https://digitallibrary.un.org/record/691979?ln=en.

50 Harvard Law School IHRC, Apartheid in the Occupied West Bank, 1-2.

51 Quigley, “Apartheid Outside Africa.”

52 Raef Zreik, “Palestine, Apartheid, and the Rights Discourse,” Journal of Palestine Studies 34, no. 1 (Autumn 2004): 77, https://doi.org/10.1525/jps.2004.34.1.68.

53 Michael Lynk, “Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967,” UN Document A/HRC/49/87, March 21, 2022, https://www.ohchr.org/en/documents/country-reports/ahrc4987-report-special-rapporteur-situation-human-rights-palestinian.

54 Amnesty, Israel’s Apartheid, 13.

55 هذا ملخص لتقارير متعدّدة.

56 Amnesty, Israel’s Apartheid, 14.

57 See Noura Erakat, “Beyond Discrimination: Apartheid is a Colonial Project and Zionism is a form of Racism,” EJIL:Talk!, July 5, 2021, https://www.ejiltalk.org/beyond-discrimination-apartheid-is-a-colonial-project-and-zionism-is-a-form-of-racism/; Soheir Asaad and Rania Muhareb, “Dismantle What? Amnesty’s Conflicted Messaging on Apartheid,” Institute for Palestine Studies Blog, February 15, 2022, https://www.palestine-studies.org/en/node/1652565; Rania Muhareb, “A Palestinian Critique of Amnesty’s Apartheid Report,” Interview, 5 Questions (podcast), (Washington D.C.: Arab Center, March 18, 2022), https://arabcenterdc.org/resource/a-palestinian-critique-of-amnestys-apartheid-report/; Lana Tatour, “Limitations and Possibilities of the Apartheid Framework,” Interview, Rethinking Palestine (podcast), (New York: Al-Shabaka: The Palestinian Policy Network, January 31, 2021), https://al-shabaka.org/podcasts/limitations-and-possibilities-of-the-apartheid-framework-with-lana-tatour/.

58 Jamil Dakwar (director of the Human Rights Program at the American Civil Liberties Union), interview by author, New York City, New York, February 14, 2023.

59 Erakat, “Beyond Discrimination.”

60 Baconi, “What Apartheid Means for Israel”; Abe Silberstein, “A Logic of Elimination – Interview with Lorenzo Veracini,” Jewish Currents, January 11, 2022, https://jewishcurrents.org/a-logic-of-elimination; for concept of “elimination,” see: Lorenzo Veracini, “The Other Shift: Settler Colonialism, Israel, and the Occupation,” Journal of Palestine Studies 42, no. 2, (Winter 2013): 26-42, https://www.jstor.org/stable/10.1525/jps.2013.42.2.26; Marcelo Svirsky and Ronnen Ben-Arie, “Settler Colonialism and the Logic of Double Elimination,” Interventions – International Journal of Postcolonial Studies 21, no. 4 (2019), 464-485, https://doi.org/10.1080/1369801X.2018.1558101.

61 Ilan Pappe, The Ethnic Cleansing of Palestine (London: Oneworld Publications, 2006).

62 Zreik, “Palestine, Apartheid, and the Rights Discourse,” 72.

63 Quigley, “Apartheid Outside Africa.”

64 Saleh Hijazi (regional director for Boycott), interview by author, virtual, February 9, 2023.

65 Ibid.

66 “Anti-Apartheid Struggle Highlights,” Investigate & Dismantle Apartheid, accessed March 7, 2023, https://antiapartheidmovement.net/en/general-pages/view/3.

67 Shakir, interview; Hijazi, interview; Hugh Lovatt (senior policy fellow at European Council on Foreign Relations), interview by author, virtual, February 17, 2023.

68 نافذة أوفرتون هي نظرية طورها جوزيف أوفرتون لوصف مجموعة من السياسات والمواقف التي تقع ضمن مجال االحتمالية السياسية في وقت معين.

69 Mackinac Center for Public Policy, “The Overton Window,” accessed May 14, 2023, mackinac.org/OvertonWindow.

70 “Who is talking about Israeli apartheid?,” Canadians for Justice and Peace in the Middle East, accessed March 8, 2023, https://www.cjpme.org/apartheid_list; “Cultural boycott,” BDS Movement, accessed March 8, 2023, https://bdsmovement.net/cultural-boycott.

71 UN Security Council, “Addressing Israeli-Palestinian Tensions”; Patrick Gathara, “Could the African Union push Israel into international isolation?,” Al-Jazeera English, March 5, 2023, https://www.aljazeera.com/opinions/2023/3/5/could-african-union-push-israel-into-international-isolation.

72 Lynk, “Report of the Special Rapporteur,” 6.

73 Noura Erakat and John Reynolds, “We Charge Apartheid? Palestine and the International Criminal Court,” Third World Approaches to International Law Review, no. 33 (April 20, 2021), https://twailr.com/we-charge-apartheid-palestine-and-the-international-criminal-court/.

74 “International Criminal Court: Investigate Senior Israeli Army Lawyer for War Crimes, Crimes Against Humanity,” Press Release, DAWN: Democracy for the Arab World Now, October 31, 2022, https://dawnmena.org/international-criminal-court-investigate-senior-israeli-army-lawyer-for-war-crimes-crimes-against-humanity/.

75 “Commission of Inquiry welcomes General Assembly resolution requesting an ICJ Advisory Opinion relating to the Israeli occupation of Palestinian territory,” Press Release, UNHCR Office of the High Commissioner, December 31, 2022, https://www.ohchr.org/en/press-releases/2022/12/commission-inquiry-welcomes-general-assembly-resolution-requesting-icj.

76 Nora Salem, “A Procedural Win in Palestine’s Quest to Seek Justice for Israel’s Apartheid Regime before the CERD,” Opinio Juris, November 19, 2021, https://opiniojuris.org/2021/11/19/a-procedural-win-in-palestines-quest-to-seek-justice-for-israels-apartheid-regime-before-the-cerd/.

77 “The United Nations Independent International Commission of Inquiry on the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem, and in Israel,” United Nations Human Rights Council, accessed March 8, 2023, https://www.ohchr.org/en/hr-bodies/hrc/co-israel/index.

78 Ibid.

79 “Tools to Remedy Israeli Apartheid: Reconstituting the UN Special Committee against Apartheid and the UN Centre against Apartheid,” Housing and Land Rights Network, September 1, 2020, http://www.hlrn.org/img/documents/4.8.20%20Brief_%20UN%20Apartheid%20Mechanisms_final.pdf.

80 Sandra Cossart, et al., “Multinational Lafarge Facing Unprecedented Charges for International Crimes: Insights Into the French Court Decisions,” Opinio Juris, November 15, 2022, http://opiniojuris.org/2022/11/15/multinational-lafarge-facing-unprecedented-charges-for-international-crimes-insights-into-the-french-court-decisions/#:~:text=The%20Court%20further%20ruled%20that,67.

81 “UK arms sales to Saudi Arabia unlawful, court rules,” BBC, June 20, 2019, https://www.bbc.com/news/uk-48704596.

82 Ibid.

83 Asaf Calderon, “What’s so scary about a state of all its citizens?” +972 Magazine, March 13, 2019, https://www.972mag.com/whats-scary-israel-state-citizens/.

84 ذهب اتفاق ائتلاف حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل التي تولّت مهامها في ديسمبر 2022 خطوة إضافية في قانون الدولة القومية بالقول إنّ لدى الشعب اليهودي “حقّ حصري لا ريب فيه بكلّ مناطق أرض إسرائيل”، بما فيها الأراضي المحتلّة.

85 Nadia Ben-Youssef and Sandra Samaan Tamari, “Enshrining Discrimination: Israel’s Nation-State Law,” Journal of Palestine Studies 48, no. 1 (Autumn 2018): 73-87, https://www.jstor.org/stable/10.2307/26770771

86 Baconi, “What Apartheid Means for Israel.”

87 “The First Anti-Apartheid Palestinian National Conference Call Towards a Global Front to Dismantle Israel’s Regime of Settler-Colonialism and Apartheid,” Press Release, Palestine Liberation Organization, January 11, 2023, http://www.plo.ps/en/article/211/; Zaha Hassan, “Which Way After Apartheid?” Diwan (blog), Carnegie Middle East, February 7, 2023, https://carnegie-mec.org/diwan/88960.

88 Jonathan Lis, “EU Foreign Minister Says the Term ‘Apartheid’ Is Inappropriate to Describe Israel,” Haaretz, January 16, 2023, https://www.haaretz.com/world-news/europe/2023-01-16/ty-article/.premium/eu-foreign-minister-says-the-term-apartheid-is-inappropriate-to-describe-israel/00000185-b683-d784-abef-b6836bd10000; See also comments from: Ned Price, “Department Press Briefing – February 1, 2022,” U.S. State Department, Press Briefing, February 1, 2022, https://www.state.gov/briefings/department-press-briefing-february-1-2022/.

89 Benjamin Duerr, “Twenty Years On: The ICC and the Politicization of its Mechanisms,” IPI Global Observatory, August 7, 2018, https://theglobalobservatory.org/2018/08/twenty-years-icc-politicization-mechanisms/.

90 Marc Rod, “Thomas-Greenfield discusses UNRWA oversight, reaffirms commitment to Israel in House hearing,” Jewish Insider, March 2, 2023, https://jewishinsider.com/2023/03/united-nations-ambassador-linda-thomas-greenfield-unrwa-israel-palestinians/.

91 Ibid.

92 Hijazi, interview; Shakir, interview; Lovatt, interview.

93 “EU says Israel’s new settlements law leads to ‘one-state reality of unequal rights’,” Jewish Telegraphic Agency, February 8, 2017, https://www.jta.org/2017/02/08/israel/eu-says-israels-new-settlements-law-leads-to-one-state-reality-of-unequal-rights.

94 Antony J. Blinken, “Secretary Antony J. Blinken At a Press Availability,” Press Availability Remarks, Jerusalem, January 31, 2023, https://il.usembassy.gov/secretary-antony-j-blinken-at-a-press-availability/.

95 Lara Friedman, “Weaponizing Anti-Semitism, State Department Delegitimizes Human Rights Groups,” The American Prospect, November 12, 2020, https://prospect.org/politics/weaponizing-anti-semitism-state-department-delegitimizes-human-rights-groups/.

96 Lahav Harkov, “Has the Strategic Affairs Ministry achieved its goals?,” The Jerusalem Post, June 24, 2021, https://www.jpost.com/israel-news/has-the-strategic-affairs-ministry-achieved-its-goals-671902; Itamar Benzaquen and The Seventh Eye, “The new hasbara campaign Israel doesn’t want you to know about,” +972 Magazine, January 25, 2022, https://www.972mag.com/hasbara-funding-foreign-agents/.

97 “Israel/Palestine: Designation of Palestinian Rights Groups as Terrorists,” Human Rights Watch, October 22, 2021, https://www.hrw.org/news/2021/10/22/israel/palestine-designation-palestinian-rights-groups-terrorists; For the engagement of the NGOs at the UN, see: Muhareb et al., Israeli Apartheid, 5-10.

98 “Status of Treaties: International Convention on the Suppression and Punishment of the Crime of Apartheid,” United Nations Treat Collection, accessed May 8, 2023, https://treaties.un.org/Pages/ViewDetails.aspx?src=IND&mtdsg_no=IV-7&chapter=4&clang=_en.

99 Senior PLO official, interview by author, telephone, February 28, 2023.

100 Erakat and Reynolds, “We Charge Apartheid?”; Mezna Qato and Kareem Rabie, “Against the Law,” Jacobin, April 21, 2013, https://jacobin.com/2013/04/against-the-law/.