الديمقراطية والكرامة:

ما يبرزه الرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

موجز قضية، ديسمبر 2025
زميلة غير مقيمة

مدير ومحقق رئيسي مشارك، البارومتر العربي
1 ديسمبر، 2025

النقاط الرئيسية

 

مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزالون مؤيّدين للديمقراطية: رغم تراجع الثقة بالمؤسّسات السياسية وانحسار زخم الديمقراطية الذي رافق الربيع العربي، ما زال معظم مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفضّلون النظام الديمقراطي. اللافت أنّه حتى في الدول التي خيّبت فيها الديمقراطية آمال جزء كبير من السكّان، لا يُنظر إلى الحكم الاستبدادي كخيار أفضل.

الديمقراطية = الكرامة: يَعتبر المواطنون الديمقراطية مرادفاً للكرامة، إذ يعطون الأولوية للنتائج الاجتماعية والاقتصادية على الجوانب الإجرائية مثل الانتخابات. ويعكس ذلك قناعةً راسخةً بأنّ الأداء هو الأساس الحقيقي لشرعية النظام الديمقراطي.

أولويات الكرامة تتبدّل وفقاً للضغوط المحلية: في السياقات التي تشهد صدمات اقتصادية أو أمنية، كما في تونس ولبنان، تتصدّر تلبية الحاجات الأساسية أولويات المواطنين. أمّا في الدول الأكثر استقراراً، مثل المغرب والكويت، فالأولويّة للمساواة وسيادة القانون.

الإصلاح يبدأ بالنتائج لا بالإجراءات: الطريق إلى استعادة الثقة يمرّ بمكافحة الفساد وضمان الأمان والثقة بالقضاء والحماية الاقتصادية الموجّهة. أمّا الإصلاحات الانتخابية التي لا تترافق مع تقدّم حقيقي في معايير الكرامة، فلن تكون كافية لتغيير نظرة الرأي العام إلى النظام السياسي.

 

 

المقدّمة: إعادة النظر في الدعم الشعبي للديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

 

رغم تآكل الثقة بالمؤسسات السياسية وانهيار الآمال التي كانت معقودة على الربيع العربي،1 لا يزال أغلب مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعبّرون عن دعم قويّ للديمقراطية.2 ففي تونس، حيث أقال الرئيس قيس سعيد رئيس الوزراء وجمّد عمل البرلمان قبل أن يحلّه لاحقاً،3 رأى ثمانية من أصل كلّ عشرة مشاركين في الاستطلاع أنّ الديمقراطية أفضل أشكال الحكم.4وينسحب هذا الرأي على دول أخرى مثل الكويت والأردن والمغرب وموريتانيا والعراق وفلسطين.5 حتّى في لبنان الذي يواجه أزمات سياسية واقتصادية خانقة، لا تزال شريحة واسعة من السكّان متمسّكة بالحكم الديمقراطي، رغم تراجع طفيف في الدعم له في السنوات الماضية.

 

لكن، ما الذي يفسّر استمرار الدعم الشعبي للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على الرغم من أنّ الوعود بتحسين الحوكمة بعد الربيع العربي لم تؤت ثمارها؟ لفكّ هذا اللغز، لا بدّ من إعادة النظر في مفهوم “الديمقراطية” كما يراه المواطن العادي. غالباً ما ترتكز التعريفات الكلاسيكية للديمقراطية على الجوانب المؤسّساتية مثل المنافسة السياسية المفتوحة والانتخابات الدورية وتعدّد الأحزاب وتداول السلطة وصون الحريات المدنية.6 غير أنّ هذا التعريف قد لا يعبّر بدقّة عن العناصر التي يعتبرها مواطنو المنطقة أساسيّة في أنظمة الحكم.

 

يُشير موجز القضية هذا إلى أنّ تلبية متطلّبات “الكرامة” أصبحت معياراً مهمّاً لدى الرأي العام في المنطقة لتقييم الديمقراطية. فبالنسبة إلى مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تتجسّد سمات الديمقراطية الجوهرية في الانتخابات أو الأطر الإجرائية، بل في النتائج الملموسة التي يحقّقها النظام. في هذا السياق، يستمرّ التأييد الشعبي للديمقراطية لأن الناس يرون فيها النظام الذي يوفّر لهم احتياجاتهم الأساسية ويضمن لهم العدالة والأمان. يُظهر استطلاع جديد من نوعه أنّ هذه التطلّعات تتجسّد في نظامٍ يصون كرامة المواطنين. ويساعد هذا التفسير للطريقة التي يرى فيها مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الديمقراطية، على توضيح سبب استمرار تفضيلهم لها على أيّ شكل آخر من أشكال الحكم.

 

يستعرض موجز القضية هذا ثلاث قضايا رئيسية انطلاقاً من بيانات حديثة صادرة عن “الباروميتر العربي” تستند إلى مقابلات مباشرة مع أكثر من 15 ألف مشارك في ثماني دول بين عامَي 2023  و2024 .7  فيُحلّل في الدرجة الأولى مواقف مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجاه الديمقراطية. ثانياً، يتناول السِمات التي يعتبرها المواطنون جوهرية في الديمقراطية. وأخيراً، يُسلّط الضوء على مفهوم الكرامة، مبيّناً علاقته بتصورّات الرأي العام حيال الديمقراطية، ويطرح إطاراً جديداً لفهم دوافع التأييد الشعبي المتواصل للديمقراطية في المنطقة.

 

 

مواطنو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يريدون الديمقراطية

رغم التصوّر السائد بأنّ انتفاضات الربيع العربي أخفقت في تحقيق أهدافها، فإنّ ذلك لم يُترجم إلى تأييدٍ واسعٍ للحكم الاستبدادي. ففي استطلاعٍ شمل ثماني دول، عند سؤال المواطنين عمّا إذا كان الحكم غير الديمقراطي قد يُمثّل خياراً أفضل، وافقت الأغلبية على ذلك في ثلاث دول فقط، بينما وافق أقلّ من نصف المشاركين فقط على هذا الرأي في الدول الخمسة الأخرى. حتى في البلدان التي يُنظر فيها إلى الأداء الاقتصادي للأنظمة الديمقراطية بعين الشكّ، ترى نسبة أكبر من المواطنين أنّ الحكم الاستبدادي من شأنه أن يفاقم مشكلات مثل الفساد وانتهاك الحقوق المدنية وتردّي الخدمات. ومن هذا المنطلق، يستمرّ التأييد للديمقراطية إلى حدّ ما، وذلك انسجاماً مع المقولة الشهيرة لوينستون تشرشل: “الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي جُرّبت بين الحين والآخر”. فعلى علّاتها، تبقى الديمقراطية أفضل من البدائل الأخرى.

 

تتجلّى هذه القناعة في ارتفاع مستويات التأييد للديمقراطية (انظر الرسم البياني 1). ففي جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي شملها الاستطلاع، لم تنخفض نسبة التأييد للنظام الديمقراطي عن 73 في المئة، حيث تراوحت بين 85 في المئة في الكويت و73 في المئة بالمغرب ولبنان.8 ومنذ جولة الاستطلاعات بين 2021 و2022، سجّل صافي التأييد للديمقراطية ارتفاعاً بـ 19 نقطة مئوية في المغرب، و7 نقاط في كلٍّ من الأردن وتونس، و6 نقاط في العراق، ولم يتراجع هذا التأييد إلا في لبنان، وذلك بمقدار 7 نقاط.

 

المصدر: الباروميتر العربي، الدورة الثامنة، 2023–2024.

 

 

تكشف الإجابات عن أسئلة أخرى عن عمق التمسّك بالديمقراطية في المنطقة. فعندما طُلب من المشاركين التعبير عن موقف أقوى—بأنّ الديمقراطية هي دائماً النظام الأفضل للحكم—عبّرت غالبية راسخة عن تأييدها لهذه المقولة في كلّ من الأردن (70 في المئة) وتونس (65 في المئة)، والمغرب (60 في المئة)، والعراق (56 في المئة)، وفلسطين (56 في المئة)، وموريتانيا (54 في المئة). وحده لبنان لم تتجاوز نسبة المؤيّدين فيه 47 في المئة، لتشكّل الاستثناء الوحيد (انظر الرسم البياني 2).9 وعلى مدى العامَين الماضيَين، ارتفعت نسب التأييد لهذا الرأيّ في المغرب بـ16 نقطة مئوية وفي الأردن بـ5 نقاط مئوية، بينما بقيت مستقرّة إحصائياً في تونس والعراق وفلسطين وموريتانيا. أمّا في لبنان فقد تراجعت هذه النسبة بخمس نقاط. وعلى مدى السنوات الستة الماضية، سُجّل أيضاً ارتفاع ملحوظ في التأييد في كلّ من تونس وفلسطين.10

 

 

 

المصدر: الباروميتر العربي، الدورات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة (2016-2024)
ملاحظة: لم يُطرَح هذا السؤال في الكويت

 

 

في الوقت نفسه، بدأ التشاؤم حيال أداء الديمقراطية، الذي رافق فترة جائحة كورونا، ينحسر تدريجياً. فمنذ عام 2022، تراجعت نسبة من يعتقدون أنّ الديمقراطية تؤدّي إلى ضعف اقتصادي بمقدار 12 نقطة مئوية في موريتانيا، و10 نقاط في الكويت، و7 نقاط في كلٍّ من الأردن والمغرب. كما تراجعت المخاوف من أن تتسبّب الديمقراطية بالتردّد في اتخاذ القرارات وانعدام الأمن بواقع 7 نقاط في لبنان و5 نقاط في موريتانيا، بينما بقيت مستقرّة أو سجّلت ارتفاعاً طفيفاً في باقي الدول.

 

مع ذلك، لا تولّد هذه المخاوف بالضرورة تحوّلاً نحو تأييد الحكم الاستبدادي. على العكس، يرى أغلب المشاركين في الاستطلاع أنّ الأنظمة غير الديمقراطية تسجّل أداءً أسوأ في هذه الجوانب الثلاثة، إذ تُجمع غالبية المواطنين في المنطقة على أنّ الأنظمة غير الديمقراطية تُفضي إلى اقتصادات هشّة وتفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرارت وعلى المحافظة على النظام، حيث يعبّر عن هذا الرأي 73 في المئة من العراقيين، و72 في المئة من الأردنيين، و71 في المئة من التونسيين. وليس مفاجئاً أنّ أقلّ من 40 في المئة من المشاركين في خمس من أصل ثماني دول يعتبرون أنّ الحكم الاستبدادي أفضل من الأنظمة الأخرى، وكانت الكويت الأقلّ تأييداً لهذا الرأيّ بنسبة 36 في المئة.

 

في المحصّلة، يُعبّر معظم مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن تأييد لمفهوم الديمقراطية. فَهُم يعتبرونها شكلاً أفضل للحكم مقارنة بالأنظمة غير الديمقراطية، ويؤكّد معظمهم أنّها تظلّ الخيار الأمثل بين مختلف أنماط الحكم. غير أنّهم لا يرون فيها نظاماً مثالياً أو حلاً سحرياً. بل يدركون تماماً ما تنطوي عليه من ثغرات، مثل احتمال ضعف الأداء الاقتصادي، والتردّد في اتخاذ القرارات، وعدم الاستقرار. ومع ذلك، تبقى النظرة العامة إلى الديمقراطية إيجابية جداً على امتداد المنطقة، رغم هذه المآخذ.

 

إنّ الفكرة القائلة بأنّ المفهوم العام للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يختلف عن تعريفها الرسمي ليست بجديدة. ففي العام 2010، أشار فارس بريزات إلى أنّ المواطنين في شتى أنحاء المنطقة كانوا منقسمين بالتساوي بين من يعرّفون الديمقراطية من منظور سياسي، وآخرين يرونها من زاوية اقتصادية. لكنّه اعتبر هذا الانقسام “ثنائية زائفة”، حيث يُنظر إلى الديمقراطية كحلّ للمشكلات  الاقتصادية.11 وفي الآونة الأخيرة، كشف “مؤشّر الرأي العام العربي” أنّ قلّة من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرون في الديمقراطية نظاماً اقتصادياً، بينما يركّز معظمهم على أبعادها السياسية. ففي استطلاع لعام 2022، أظهرت النتائج المجمّعة أنّ “34 في المئة عرّفوا الديمقراطية بأنّها ضمانة للحريات السياسية والمدنية، و20 في المئة رأوا فيها ضمانة للمساواة والعدالة بين المواطنين، و14 في المئة ركّزوا على المشاركة والجوانب المؤسساتيّة للنظام الديمقراطي، مثل تداول السلطة والفصل بين السلطات، فيما اعتبرها 6 في المئة ضمانة للأمن والاستقرار، و5 في المئة فقط ربطوها بتحسين الأوضاع الاقتصادية”.12 وفي هذا السياق، وجدت هانا إم. ريدج أنّ “الظروف السياسية المثلى بالنسبة إلى المواطن المصري والمغربي العادي تشمل إجراء انتخابات متعدّدة الأحزاب، وتسهيل المشاركة السياسية، ووجود دين رسمي للدولة من دون اضطلاع رجال الدين بدور سياسي، بالإضافة إلى معدلات بطالة منخفضة وتوفير مستوى لائق من الرعاية الاجتماعية”.13 بالتالي، تُبرز هذه النتيجة أن ّالمواطنين في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يعلّقون أهمية بالغة على الانتخابات فحسب، بل أيضاً على تحسين الأوضاع الاقتصادية.

 

 

الأولويات الديمقراطية: ما الذي يهمّ المواطنين حقاً؟

 

يكشف التباين المستمرّ بين الإصلاحات المؤسساتيّة واحتياجات مواطني المنطقة التي لم تتمّ تلبيتها عن فجوة عميقة بين الأنظمة السياسية الرسمية وواقع الحياة اليومية. فالآمال التي حملها الربيع العربي لم تتحقّق بمعظمها، فيما لا يزال المواطنون يرزحون تحت الضغوط اليومية ذاتها التي أشعلت انتفاضات عام 2011. حتّى في بعض الحالات، مثل تونس، فقد ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً، حيث بات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي اليوم أقلّ مما كان عليه لحظة اندلاع الثورة. تبدّلت الوجوه في البرلمان، وأُعيدت صياغة القوانين الانتخابية، وتشكّلت حكومات جديدة، لكنّ الكهرباء ما زالت تنقطع، والفساد ما زال مستشرياً، والأجور لا تواكب ارتفاع الأسعار.14 يُسلّط هذا الواقع الضوء على تحدٍ جوهري أمام مسار الإصلاح السياسي، فإذا لم يرتبط تحسين الأداء الحكومي بتلبية مطالب المواطنين، ستبقى التغييرات الإجرائيّة عاجزة عن استعادة ثقة الرأي العام.

 

في هذا السياق، اختبر الاستطلاع ستّ سمات قد يعتبرها المواطنون “أساسيّة جداً” للديمقراطية: المساواة أمام القانون، والأمان من المخاطر الجسدية، وغياب الفساد، وضمان الحقوق المدنية، وتوفير الاحتياجات الأساسية للجميع، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. تشمل هذه القائمة مزيجاً من المفاهيم، يشكّل بعضها ركائز أساسيّة في الديمقراطية التمثيلية، منها الانتخابات التي تُعدّ السمة الأساسية الأكثر شيوعاً، والحقوق المدنية، والمساواة السياسية، فيما السمات الثلاثة الأخرى هي نتائج محتملة للنظام الديمقراطي، لكنّها لا تُصنّف تقليدياً كجزء لا يتجزأ منه.

 

اللافت أنّ السمة التي يُنظر إليها على نطاق واسع في المنطقة باعتبارها الأهمّ في النظام الديمقراطي، لا تُعدّ عموماً من خصائصه الجوهرية. فالغالبية في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبنسب تتراوح بين ثلاثة أرباع وأكثر من 90 في المئة، تعتبر جميع السمات الخمسة (باستثناء الانتخابات) “أساسيّة جداً” للديمقراطية، في حين لم تتجاوز نسبة من أعطوا الأهمّية نفسها للانتخابات سوى نحو الثلثين. وفي سبع من أصل ثماني دول شملها الاستطلاع، أتت الانتخابات في المرتبة الأخيرة، بفارق لا يقلّ عن 10 نقاط مئوية عن باقي السمات (انظر الرسم البياني 3). أمّا الاستثناء الوحيد فكان في موريتانيا، حيث اعتبر ثلثا المشاركين أنّ الانتخابات “أساسيّة جداً”.

 

 

المصدر: الباروميتر العربي، الدورة الثامنة، 2023–2024.

 

 

ملاحظة: أجاب المشاركون عن سؤال الاستطلاع التالي: “كثيرة هي الأمور التي نرغب فيها، لكن لا تعتبر  جميعها من الركائز الأساسية للديمقراطية. هل لك أن تخبرني رجاء إن كنت تؤمن إن كانت كل ركيزة من ركائز الديمقراطية أساسية جداً، أو أساسية نوعاً ما، أو غير أساسية جداً، أو غير أساسية على الإطلاق؟

 

تكشف الأنماط الخاصّة بكلّ دولة عن سلّم الأولويات فيها. تعطي الكويت والأردن والمغرب وموريتانيا الأولويّة للمساواة أمام القانون، حيث بلغت نسبة مؤيّدي هذا الرأي نحو 95 في المئة في الكويت، وأكثر من 80 في المئة في الأردن، و71 في المئة في كلٍّ من المغرب وموريتانيا. أّمّا في البلدان التي تواجه ضغوطاً مالية أو أمنية متفاقمة، فيعلّق المواطنون أهميّة أكبر على تأمين الاحتياجات الأساسية. وتَظهر هذه النزعة بوضوح في تونس (91 في المئة)، والعراق (86 في المئة)، ولبنان (85 في المئة)، وفلسطين (78 في المئة). مع ذلك، حتّى في هذه الدول، تأتي المساواة أمام القانون ومكافحة الفساد والسلامة الشخصية مباشرةً خلف هذه الأولويّة، فيما تحلّ الانتخابات في المرتبة السادسة.

 

تؤكّد قراءةٌ أكثر تفصيلاً أهميّة النتائج. أولّاً، يحظى غياب الفساد بتأييد واسع، إذ يعتبر ما بين 80 في المئة و85 في المئة من المشاركين في كلّ دولة أنّ مكافحة الفساد أمر لا غنى عنه. وتُبيّن الأسئلة التكميلية أنّ هذا الموقف نابع من تجارب مباشرة: فقد أفاد نحو 40 في المئة من التونسيين، وثلث الأردنيين، ونصف اللبنانيين أنّهم دفعوا رشوة مرّة واحدة على الأقلّ للحصول على خدمة حكومية روتينية في العام الفائت. ثانياً، يحظى الأمان من المخاطر الجسدية بتأييد مماثل تقريباً، إذ يبقى الخوف من الجرائم العنيفة مرتفعاً في المراكز الحضرية الكبرى، فيما يواصل العنف المحلّي في جنوب العراق وبعض المناطق في لبنان التأثير في الحسابات اليومية للمخاطر لدى المواطنين.

 

تساعد الاتجاهات الاقتصادية الأخيرة في تفسير سلّم الأولويات هذا. ففي ظلّ انهيار النموّ أو غياب فرص العمل أو ارتفاع حاد في الأسعار، يميل المواطنون إلى تحميل الديمقراطية مسؤولية الإخفاق في تحقيق الرفاه المادي. على سبيل المثال، انكمش الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي في المغرب بأكثر من 6 في المئة في العام 2020، في أسوأ ركود اقتصادي منذ الاستقلال. وبلغ معدّل البطالة في الأردن نسبة غير مسبوقة عند 25 في المئة في الربع الأول من العام 2021. أمّا الكويت، رغم ثروتها النفطية، فسجّلت عجزاً في موازنة الحكومة المركزية تجاوز 26 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في السنة المالية 2019/2020. وفي موريتانيا، بلغ التضخّم السنوي ذروته عندما وصل إلى نسبة 11 في المئة في ديسمبر 2022، قبل أن تنجح السياسات النقدية في خفض الأسعار.15

 

شهدت معظم أنحاء العالم تداعيات مشابهة بفعل جائحة كورونا، بعد أن أدّى الإغلاق الصحي إلى أزمات اقتصادية واسعة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تزايدت المخاوف بشأن الأداء الاقتصادي للديمقراطية. فقد رأى نصف الأردنيين أنّ الأداء الاقتصادي في النظام الديمقراطي ضعيف، مقابل 39 في المئة في الكويت، و36 في المئة في المغرب، و31 في المئة في موريتانيا. كما أعربت شرائح واسعة في هذه الدول عن اعتقادها بأنّ الأنظمة الديمقراطية غير قادرة على اتخاذ القرارات. وتُكرّس هذه الصدمات الكليّة مجتمعة الانطباع العام بأنّ الخبز والخدمات والكرامة أهمّ من العمليات الإجرائية كالاقتراع. وهو ما يُبقي السمات المستندة إلى نتائج ملموسة في صدارة أولويات المواطنين، بينما تتراجع الانتخابات الحرّة والنزيهة إلى ذيل القائمة.

 

 

الديمقراطية كمرادف للكرامة

حين خرج المتظاهرون إلى الشوارع إبّان انتفاضات الربيع العربي، قلّة رفعوا شعارات تطالب صراحة بالديمقراطية. عوضاً عن ذلك، ركّزت الهتافات على المطالبة بالخبز والكرامة والحرية. كانوا يطالبون بنتائج ملموسة، وليس بنظام سياسي يحقّقها لهم. وفي محاولةٍ لفهم كيف ينظر المواطن العادي إلى العلاقة بين المطالب التي رُفعت خلال الربيع العربي ومفهوم الديمقراطية، أعدّ “الباروميتر العربي” تجربة استطلاعية خاصة تقيس كيف يتصوّر الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الديمقراطية بالمقارنة مع “الكرامة”. اختير هذا الشعار الذي طغى على المظاهرات في المنطقة من بين المطالب الثلاثة الرئيسيّة للربيع العربي، باعتباره يختزلها جميعاً: فمن دون تلبية الاحتياجات الأساسية أو ضمان الحريات الأساسية، من الصعب تحقيق الكرامة.

 

بهدف إجراء مقارنة دقيقة لمدى تطابق مفهومَي الديمقراطية والكرامة أو اختلافهما في أذهان المواطنين، قسّم الاستطلاع العيّنة الوطنية في كلّ بلد إلى مجموعتين. طُلب من المجموعة الأولى ترتيب ستّة عناصر: سيادة القانون، وغياب الفساد، وتوفير الاحتياجات الأساسية، والحقوق المدنية، السلامة الشخصية، والانتخابات الحرة والنزيهة—على أنّها عناصر “أساسية” في الديمقراطية. أمّا المجموعة الثانية فطُلب منها ترتيب السمات نفسها بوصفها مؤشّرات على الكرامة. وبما أنّ صياغة الأسئلة وترتيبها كانا متطابقين تماماً في الحالتين، فإنّ أي تفاوت ملحوظ في النتائج سيشير إلى أنّ المواطنين يُفرّقون بين المفهومين.16

 

لكن ما اتّضح أنهّم في الواقع لا يفرّقون بينهما. فقد تبيّن أنّ السمة التي تتصدّر قائمة الديمقراطية هي نفسها التي تتصدّر قائمة الكرامة. ويُشير هذا التشابه شبه التام في ترتيب الأولويات إلى أنّ مواطني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يميّزون بين الديمقراطية والكرامة بشكل واضح. فبالنسبة إليهم، لا تعني الديمقراطية عملية سياسية فحسب، بل هي عقد اجتماعي يضمن العدالة والأمان والفرص. ففي الدول التي يُعدّ فيها أداء المؤسّسات جيداً، تأتي سيادة القانون والمساواة في صدارة السمات الأساسية للديمقراطية والكرامة معاً (انظر الرسم البياني 4)، كما في الكويت وموريتانيا. أمّا في الدول التي تعاني ضغوطاً مالية أو سياسية، مثل تونس والعراق وفلسطين ولبنان، فتتقدّم الحاجات الأساسية على غيرها من السمات. وفي الأردن، حيث الموارد المالية العامة محدودة لكنّ المؤسسات الأساسيّة لا تزال مستقرّة، تتقاسم المساواة أمام القانون وتأمين الحاجات الأساسية المرتبة الأولى. وحده المغرب شكّل استثناءً، إذ تقدّمت المساواة على الحاجات الأساسية كركيزة للديمقراطية، بينما تقدّمت الاحتياجات الأساسية عليها كركيزة للكرامة، بفارق طفيف.

 

 

المصدر: الباروميتر العربي، الدورة الثامنة، 2023–2024.
ملاحظة: أجاب المشاركون عن سؤال الاستطلاع التالي: “كثيرة هي الأمور التي نرغب فيها، لكن لا تُعتبَر جميعها من الركائز الأساسية للديمقراطية. هل لك أن تخبرني رجاء إن كنت تؤمن إن كانت كل ركيزة من ركائز الديمقراطية أساسية جداً، أو أساسية نوعاً ما، أو غير أساسية جداً، أو غير أساسية على الإطلاق؟”

 

 

في المقابل، تبقى الانتخابات في أسفل سلّم الأولويات على قائمتَي الديمقراطية والكرامة على حدّ سواء، مع استثناء وحيد وهو موريتانيا، حيث حلّت الانتخابات في مرتبة متوسّطة نسبياً (نحو 67 في المئة)17. وباحتساب المتوسّط العام للفروقات بين تقييم السمات الستّة على مقياسَي الديمقراطية والكرامة، يتبيّن أن الفارق يبلغ عادةً ثلاث نقاط مئوية، ولا يتعدّى خمس نقاط قطّ، أيّ ضمن هامش الخطأ الإحصائي للاستطلاع. أمّا الفروقات الأكبر، التي تتراوح بين 7 و11 نقطة، فلا تظهر إلا في ما يتعلّق بالاحتياجات الأساسية، وهي دائماً لصالح مفهوم الكرامة، ما يعكس على الأرجح الأولوية الملحّة التي تُعطيها الأُسر للأمن المادي.

 

تتحدّى هذه النتائج افتراضَين شائعين. أوّلاً، لا يُقيّم مواطنو المنطقة أنظمتهم السياسية استناداً إلى معايير إجرائية مأخوذة من كتب التربية المدنية والوطنية، بل بناءً على أدائها الفعلي. ثانياً، لا يعني التشكيك بالبرلمانات والأحزاب تأييداً للحكم الاستبدادي بالضرورة، لأنّ معيار الكرامة يظلّ هو المرجعية الثابتة. فحين تعجز الحكومات عن الحدّ من الجريمة، أو مكافحة الفساد، أو كبح ارتفاع الأسعار، تفقد الانتخابات الكثير من قيمتها، فيما تبقى التطلّعات المرتبطة بمصطلح الديمقراطية حيّة. وعلى العكس، فإنّ الأنظمة التي تنجح في تحسين هذه الجوانب تكتسب شرعية، حتى وإن لم تستوفِ المعايير الانتخابية التقليدية.

 

وهذا ما يشير بوضوح إلى أنّ شرعية الديمقراطية، في نظر مواطني المنطقة، ترتبط بقدرتها على تحقيق الكرامة، بما يشمل المساواة في العدالة وغياب الفساد في الحكم والأمان الشخصي واسقرار الأُسس الاقتصادية. وعلى الرغم من أنّ الانتخابات تبقى مهمة، فإنّ أهميّتها نابعة من كونها وسيلة لتحقيق هذه الغايات. وعندما تفشل الحكومات في تلبية هذه المتطلّبات لتحقيق الكرامة، لا تكفي الإصلاحات الإجرائية وحدها لاستعادة الثقة. أمّا حين تنجح فحتّى النظم الانتخابية غير المثالية تحظى بقبول.

 

 

نحو نموذج ديمقراطي قائم على الكرامة

 

تكشف أحدث نتائج الاستطلاعات عن أنّ الرأي العام في المنطقة عند مفترق طرق، حيث إن المواطنون يعيدون صياغة فهمهم لمعنى الديمقراطية وجدواها. ورغم انطفاء حماسة العقد الثاني من الألفية، لا يزال الالتزام بالمبادئ الديمقراطية راسخاً بشكل لافت، حتى في ظّل خيبة أمل واسعة من عجز المؤسّسات السياسية والقادة السياسيين عن تحقيق تغيير ملموس. ولا تنبع هذه القناعة من حنين إلى الماضي أو من نظريات مجرّدة حول شكل الحكم، بل من اعتراف مكتسب بالتجربة بأنّ الشرعية الحقيقية لا تُبنى إلا على أساس الكرامة الشخصية.

 

بالنسبة إلى الكثيرين في المنطقة، أصبحت كلمة “ديمقراطية” مرادفاً لضمانات أساسيّة تطبع الحياة اليومية، وهي أن يُطبّق القانون بالتساوي على الجميع، وأن يكون الأمان الشخصي حقّاً لا امتيازاً، وأن يتحلّى المسؤولون بالنزاهة، وألا تكون المعاناة الاقتصادية ثمناً دائماً للمواطنة. بدأ صبر المواطنين ينفد إزاء الإصلاحات التي تقدّم المسائل الإجرائيّة على الجوهر. فَهُم يقيّمون حكوماتهم والأنظمة السياسية التي تستند إليها على ما حققّته من تقدّم ملموس: هل تراجع الفساد؟ هل أصبحت العدالة أكثر انتشاراً وأقلّ تعسّفاً؟ وهل باتت السلع والخدمات الأساسية في متناول الجميع؟

 

يحمل هذا التحوّل تبعات مباشرة على الجهات الساعية إلى بناء الشرعية الديمقراطية أو استعادتها. فالدورات التقليدية من تعديل الدساتير وإصلاح القوانين الانتخابية وإعادة هيكلة الأحزاب، فقدت الكثير من جاذبيتها. وما يلقى صدى حقيقياً اليوم لدى شعوب المنطقة هو التحسّن الملموس والقابل للقياس، ذلك الذي يعزّز شعورهم بالعدالة ويمنحهم أملاً بالمستقبل. ولكسب هذه الثقة، لا بدّ من أن تضع الحكومات الكرامة في صلب أجندتها. وهذا يتطلّب الذهاب أبعد من العناوين الإصلاحية لمعالجة جذور الإحباط الشعبي، سواء من خلال تعزيز استقلال القضاء، أو مكافحة الفساد الذي يعتري الخدمات اليومية المقدّمة للمواطنين، أو بناء شبكات أمان اجتماعي موثوقة تحمي المواطنين من الصدمات الاقتصادية.

 

في هذا السياق المتغيّر، يكتسب دور المجتمع المدني أهميّة أيضاً. فالمنظمات الأقدر على كسب ثقة الناس هي تلك التي تترجم الإصلاحات المعقّدة إلى معايير ملموسة يسهل على المواطنين رصدها ومراقبتها، مثل تقليص فترات الانتظار للحصول على الخدمات الأساسيّة، أو توثيق تراجع الرشى في المعاملات اليومية، أو تعزيز استجابة المسؤولين المحليين لشكاوى السكّان. ومن خلال تسليط الضوء على النجاحات والإخفاقات على حدّ سواء، وتشجيع المجتمعات على الالتزام بمعايير مشتركة للكرامة، يستطيع المجتمع المدني المحافظة على الضغط لدفع الإصلاحات الجوهرية قدماً، وتجنّب الشعور بالإجهاد من جراء الإصلاحات المتتالية.

 

على الرغم من أنّ مخاطر الركود وتجدّد جاذبية النماذج السلطوية حاضرة باستمرار، فإنّ البيانات المتوفّرة تظهر مؤشّرات تدعو إلى التفاؤل الحذر. يعكس ضعف الدعم الشعبي للأنظمة الاستبدادية، حتى في ظلّ الانهيارات المؤسساتية، أملاً كامناً بإمكانية إنجاح الديمقراطية، شرط أن يُعاد توجيهها لتحقيق نتائج ملموسة. وهذا يفتح الباب أمام قادة مستعدّين للتخلّي عن القوالب التقليدية والتفاعل بصدق مع أولويات المواطنين. وتكمن الفرصة في تحقيق حوكمة فعّالة بطرق ملموسة، مثل تعزيز شفافية عمليات الشراء، والاستثمار في مبادرات السلامة التي تُقلّص المخاطر فوراً، أو إطلاق أدوات رقمية تُبسّط المعاملات الإدارية وتُقلّل من احتمالات الفساد في التعاملات اليوميّة.

 

علاوة على ذلك، لا تستلزم استعادة الثقة بالضرورة إصلاحات شاملة تَعد بتحوّل جذري بين ليلة وضحاها. فالتحسينات التدريجية، مثل تعزيز اتّساق الأحكام القضائية، وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي، وضمان مواكبة الأجور لمعدلات التضخّم، قد تكون كافية لإعادة بناء الثقة. وغالباً ما يُشكّل التقدّم الثابت والمنتظم في هذه الجوانب دليلاً للمواطنين على أنّ أصواتهم مسموعة، وأنّ رفاههم أصبح أولوية سياسيّة.

 

بناءً على هذه المعطيات، لن تعتمد شرعية المؤسسات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على عدد المرّات التي تُجرى فيها الانتخابات، بقدر ما تعتمد على مدى الوفاء بوعود الكرامة والعدالة على مستوى المجتمعات المحلّية والأُسر. ويكمن التحدّي الحقيقي أمام كلّ قائد، أو مبتكر في السياسات، أو مُطالِب بالإصلاح، في إثبات أنّ التغيير ممكن، وأنّ الكرامة هدف يمكن بلوغه، وأنّ الديمقراطية ليست مجرّد شعار فارغ، بل وسيلة لتحقيق الطموحات التي أطلقت شرارة المطالبة بالتغيير قبل عقد ونيف. إنّ كلّ خطوة تقرّب المواطنين من العدالة والأمان والاندماج هي خطوة على طريق استعادة شرعية الحكم الديمقراطي وترسيخ استمراريته في أذهان مواطني المنطقة.

 

إذا اعتُمدت هذه المعايير، فثمّة أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأنّ شعوب المنطقة ستُبدي التزاماً أعمق بالديمقراطية، وستدافع عنها في وجه التهديدات، وتدفع باتجاه تحقيق المزيد من التقدّم. أما إذا تمّ تجاهلها، فلن تكون النتيجة خيبة أمل فحسب، بل تآكلاً تدريجياً في الثقة الاجتماعية وآمال الشعوب، وهما الركيزتان الأساسيتان لتماسك المجتمعات. ومن هذا المنطلق، فإنّ التجدّد الحقيقي للديمقراطية في المنطقة لن يُقاس بضخامة المؤسسات الجديدة، بل بواقع العدالة والأمان وتكافؤ الفرص في الحياة اليومية، من خلال أفعال يلمسها المواطن في حياته العادية، لا مجرّد أقوال. واليوم، بات خوض هذا التحدّي بمثابة المهمّة الحاسمة لكلّ من يهمّه مستقبل هذه المنطقة.

 


الهوامش
1 تجدر الإشارة إلى أنّه لا يوجد تعريف واحد للديمقراطية، سواء في الاستخدام الأكاديمي أو الشائع. ففي الأدبيات الأكاديمية، يقدّم جوزيف شومبيتر تعريفاً مقتضباً يَعتبر أنّ الانتخابات الحرّة والنزيهة هي الشرط الأساسي للديمقراطية. إلا أنّ تعريفات كثيرة أخرى تضيف جوانب مختلفة، مثل ضمان الحقوق المدنية الأساسية وحماية الأقليات، وغيرها. وتظهر الأدلّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها أنّ المواطنين العاديين يحملون تصوّرات مختلفة لمصطلح الديمقراطية. وتهدف هذه الدراسة إلى استكشاف هذه الفروقات في التعريفات. من هذا المنطلق، لا نعتمد تعريفاً موحّداً للديمقراطية في هذا التحليل، بل نركّز بالدرجة الأولى على إبراز كيف يفهم مواطنو المنطقة هذا المصطلح، مع التأكيد على أنّ هذا الفهم يختلف اختلافاً ملحوظاً عن التعريفات النمطية المتداولة في الكتب الأكاديمية. ولا نسعى إلى تقييم ما إذا كان أحد هذه التعريفات “صحيحاً” أو “خاطئاً”، بل نسلّط الضوء، بشكل حيادي، على هذا التباين في الفهم ونحلّل ما يحمله من دلالات.
2 الصياغة الدقيقة لكلّ سؤال وارد في هذا التحليل متاحة باللغتين العربية والإنجليزية عبر موقع “الباروميتر العربي” الرسمي: https://www.arabbarometer.org/surveys/arab-barometer-wave-viii/.
3 Tunisia’s Alarming Regression under Kais Saied,” Le Monde, May 29, 2024, https://www.lemonde.fr/en/opinion/article/2024/05/29/tunisia-s-alarming-regression-under-kais-saied_6673011_23.html#; Tarek Amara and Angus McDowall, “Tunisian crisis escalates as president dissolves parliament,” Reuters, March 30, 2022, https://www.reuters.com/world/africa/tunisian-parliament-defy-president-with-full-session-2022-03-30/.
4 Arab Barometer, “Arab Barometer Wave VIII: ‘Among the following, which is the main pillar of democracy? Democratic systems may have problems, yet they are better than other systems.’ (Tunisia),” Dataset (September 2023–July 2024), accessed May 21, 2025. https://www.arabbarometer.org/survey-data/data-downloads/
5 Arab Barometer. “Arab Barometer Wave VIII: ‘Among the following, which is the main pillar of democracy? Democratic systems may have problems, yet they are better than other systems.’ (Kuwait, Jordan, Morocco, Mauritania, Iraq, Lebanon, and Palestine),” Dataset (September 2023–July 2024), Accessed June 27, 2025, https://www.arabbarometer.org/survey-data/data-downloads/
6 Robert A. Dahl, On Democracy (New Haven: Yale University Press, 1998).
7 The data employed in this analysis comes from the Arab Barometer: Arab Barometer Wave VIII. Dataset (September 2023–July 2024). Accessed May 2, 2025, and from Michael Robbins, Democracy in the Middle East & North Africa, Arab Barometer Thematic Report (Princeton: Arab Barometer, May 2025), https://www.arabbarometer.org/wp-content/uploads/ABVIII_Democracy_EN.pdf.
8 Arab Barometer, “Arab Barometer Wave VIII. Dataset (September 2023–July 2024),” Accessed May 2, 2025
9 Arab Barometer. “Arab Barometer Wave VIII. Dataset (September 2023–July 2024),” Accessed May 2, 2025
10 Robbins, Democracy in the Middle East & North Africa.
11 Fares Braizat, “The Meanings of Democracy: What Arabs Think,” Journal of Democracy 21(4): 131-138, 2010.
12 Arab Center Washington DC, Arab Opinion Index 2022: Executive Summary (Washington D.C.: Arab Center Washington DC, August 1, 2025), https://arabcenterdc.org/resource/arab-opinion-index-2022-executive-summary/.
13 Hannah M. Ridge, “Democratic commitment in the Middle East: a conjoint analysis,” Political Science Research and Methods 12(2): 285-300, 2024, https://www.cambridge.org/core/journals/political-science-research-and-methods/article/democratic-commitment-in-the-middle-east-a-conjoint-analysis/9129EC94CA61EC5232B8441060200167.
14 Jessica Obeid, “MENA’s Electricity Demand Crunch and the Path to Sustainability,” Arab News, March 9, 2025, https://www.arabnews.com/node/2593006; Manuel Pirino and Kinda Hattar, “CPI 2024 for the Middle East and North Africa: Corruption Linked to Authoritarianism, Calls for Reform Emerging,” Transparency International, February 11, 2025, https://www.transparency.org/en/news/cpi-2024-middle-east-north-africa-corruption-linked-authoritarianism-calls-reform-emerging; Roberta V. Gatti, Daniel Lederman, Nelly Elmallakh, and Jesica Torres, “Balancing Act: Jobs and Wages in the Middle East and North Africa When Crises Hit,” Economic Research Forum, November 28, 2023, https://theforum.erf.org.eg/2023/11/20/balancing-act-jobs-and-wages-in-mena-when-crises-hit/.
15 World Bank Group Data, “GDP Growth (Annual %) – Morocco,” accessed May 12, 2025, https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.KD.ZG?locations=MA; “Jordan Unemployment Rates Jump to 25 % in First Quarter of 2021,” Middle East Monitor, June 22 2021, https://www.middleeastmonitor.com/20210622-jordan-unemployment-rates-jump-to-25-in-first-quarter-of-2021/; World Bank Group, Macro Poverty Outlook: Country-by-country Analysis and Projections for the Developing World (Washington DC: World Bank, April 2021), 161, https://thedocs.worldbank.org/en/doc/77351105a334213c64122e44c2efe523-0500072021/related/mpo-sm21-mena.pdf; World Bank Group, Macro Poverty Outlook: Country-by-country Analysis and Projections for the Developing World (Washington DC: World Bank, April 2024), 1, 260, https://thedocs.worldbank.org/en/doc/77351105a334213c64122e44c2efe523-0500072021/related/mpo-sm24.pdf.
16 Robbins, Democracy in the Middle East & North Africa.
17 Robbins, Democracy in the Middle East & North Africa