وجهات نظر الشباب في تركيا بشأن حرب إسرائيل على غزة

ورقة تحليلية، أكتوبر 2025
زميلة زائرة

6 أكتوبر، 2025

الملخّص

 

تستعرض هذه الورقة التحليليّة وجهة نظر الشباب التركي المتّصل رقمياً حيال الحرب الإسرائيلية على غزة، وتنظر في العلاقة بين قراءاتهم للأحداث ومواقفهم السياسية ورؤيتهم للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية التركية. وتحلّل هذه الدراسة تسع مجموعات تركيز (51 مشاركاً) من خلفيّات متنوّعة تشمل المحافظين المتدينين، والعلمانيين، والقوميين، والأكراد، واليساريين. وهي مدعومةٌ باستطلاعات لرأي الشباب على امتداد تركيا أُجريت في الفترات بين أكتوبر وديسمبر 2023، وبين أبريل ويونيو 2024، وفي مارس 2025.

وتكشف النتائج عن تحوّلٍ في المواقف من حالة التردّد والالتباس التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر 2023 إلى إجماعٍ أخلاقي واسع مؤيّد للفلسطينيين، وتنامي الانتقادات للموقف العالمي. كما تبرز غزة بوصفها مقياساً لاختبار موثوقيّة الجهات الفاعلة الدولية وثبات مواقفها، بما فيها الدول الغربية وغير الغربية، وكذلك الدول العربية والإسلامية وتركيا.

 

وتنظر المجموعات المختلفة إلى الحرب من زوايا متباينة، تشمل الإيمان الديني، والقانون الإنساني، والسيادة الوطنية، وانعدام الجنسية، والنقد البنيوي. ومع ذلك، فهي تقيّم الأطراف كافّة وفق معايير مشتركة تقوم على العدالة، وثبات الموقف، والمساءلة، وفرض قيود موثوقة على استخدام القوّة. وتكاد تجمع مختلف الفئات على اعتبار ازدواجية المعايير الغربية مسألة إشكالية، حتّى بين من يقدّرون القيم والمؤسّسات الغربية. في المقابل، يُنظر إلى روسيا والصين كأوزان موازنة في ميزان القوى، لا نماذج يُحتذى بها، ما يجعل تعدّدية الأقطاب خياراً تكتيكياً أكثر منه توجّهاً مبدئياً. أما داخلياً، فلا يُعدّ الخطاب المؤيّد للفلسطينيين كافياً بحدّ ذاته، إذ تُقاس صدقيّة أنقرة على أساس ممارساتها الفعليّة، مثل العلاقات التجارية، والعقوبات، ونتائج جهود الوساطة. وتترك الحرب على غزة أثراً ملموساً في تصوّر الشباب للسياسة الخارجية التركية، ما يؤدّي إلى تزايد مطالبتهم بمواءمة أوثق بين القيم والأدوات السياسية والنتائج.

 

بعد زهاء عامين من القتال، أصبحت الحرب الإسرائيلية على غزة قضية أخلاقية وسياسية محورية بالنسبة إلى الشباب حول العالم، ولا سيّما في تركيا. فمنذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، شنّت إسرائيل حملة عسكرية متواصلة على القطاع، أسفرت بحلول سبتمبر 2025 عن مقتل أكثر من 66 ألف فلسطيني وإصابة ما يزيد على 168 ألف، غالبيّتهم الساحقة من المدنيين.1 وقد أدّى استهدافها المتكّرر لنقاط توزيع المساعدات الإنسانية إلى سقوط المزيد من الضحايا، ما يبرز استخدامها للمجاعة والعنف كسلاحين في هذه الحرب. بالنسبة إلى الشباب، هذه ليست مأساة إنسانية مجرّدة، بل مسألة أخلاقية وجوديّة يقيّمون من خلالها مفاهيم العدالة والسلطة والشرعيّة. فقد تحوّلت غزة إلى عدسة تكشف ملامح الظلم العالمي، وإلى حافز يدفع الشباب إلى إعادة النظر في النظام العالمي وإلى التشكيك في مصداقيّة حكومتهم وتماسك مواقفها.

 

يعيش الشباب اليوم في بيئة رقميّة شديدة الترابط. فلم تعد منصّات التواصل الاجتماعي مجرّد قنوات ناقلة، بل تحوّلت إلى  منظومات سياسية منسّقة تولد فيها مشاعر الغضب والتضامن والنقد وتُتداول بنشاط. وفي هذا الفضاء الرقمي المترابط، تبرز قضية غزة كاختبار حاسم للحوكمة والأخلاقيّات والاصطفافات السياسية، سواء على المستوى الدولي أو داخل تركيا.

 

تستند هذه الورقة التحليليّة بالدرجة الأولى إلى تسع مجموعات تركيز، وتستكملها بيانات من استطلاعات رأي أُجريت بين عامَي 2023 و2025، لاستكشاف كيف يقرأ الشباب التركي الحرب على غزة، والأُطر التي يعتمدونها، والحلول التي يقترحونها، وكيف تعكس سرديّاتهم تحوّلات أوسع في توجّهات تركيا واصطفافاتها في السياسة الخارجية.

 

 

المنهجيّة

ترتكّز هذه الدراسة في المقام الأوّل على بحثٍ نوعي من خلال مجموعات تركيز، مدعومة بنتائج استطلاعات للرأي تُضفي بعداً سياقياً أشمل. وتساهم الاستطلاعات في تتبّع المسارات العامة للآراء بين الأجيال بشأن الحرب على غزة، فيما توفّر مجموعات التركيز قدراً أكبر من العمق والتفصيل، وتكشف عن المفردات الحيّة التي تتناول التضامن وخيبة الأمل والنقد، والتي تشكّل الأساس الكامن وراء هذه الأنماط الكميّة.

 

 

مجموعات التركيز

بين يونيو وأغسطس 2024، عُقدت تسع مجموعات تركيز بمشاركة 51 شاباً وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً (17 أنثى و34 ذكراً). من بين هؤلاء، كان 37 طالباً جامعياً، بينما يعمل 14 بدوام جزئي أو كامل. وقد جاء 36 مشاركاً من إسطنبول، فيما مثّل الآخرون مدناً مختلفة مثل أنقرة، ديار بكر، أرضروم، شانلي أورفا، أدرنة، قوجه إيلي، كهرمان مرعش، وأفيون، ما عكس مزيجاً من الرؤى الحضرية والريفية. وقد عرّف المشاركون عن أنفسهم انطلاقاً من خمسة توجّهات أيديولوجية رئيسيّة: دينية/محافظة، علمانية، قومية، كردية، واشتراكية/يسارية.

 

كشفت النقاشات كيف تؤثّر هذه الأطر الفكرية في فهم الشباب للصراع في غزة، مظهرةً في الوقت نفسه التباين في وجهات النظر ومشاعر الإحباط المشتركة.

 

 

الاستطلاعات

 

جاءت نتائج مجموعات التركيز مدعومة بثلاث مجموعات من استطلاعات أُجريت في تركيا في ثلاثة تواريخ مختلفة. شملت المجموعة الأولى والثانية استطلاعات وطنية شهرية أجرتها مؤسّسة PANORAMATR في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023، ثمّ في أبريل 2024. أمّا المجموعة الثالثة فتستند إلى مشروع “فهم الشباب في تركيا: الديمقراطية والقيم السياسية”، الذي نفّذه معهد كور للأبحاث CORE في مارس 2025.2

 

 

مسارات بيانات الاستطلاع: من الغموض إلى الوضوح الأخلاقي

الصدمة وعدم اليقين (أكتوبر 2023)

في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر مباشرة، بدت آراء الشباب في تركيا متباينة، إذ رأى 42,3 في المئة منهم أنّ على تركيا الانحياز إلى جانب الفلسطينيين، فيما فضّل 45,6 في المئة التزام الحياد. وعند سؤالهم عن الطرف المحقّ في الصراع، أيّد 58,2 في المئة الفلسطينيين مقابل 9,6 في المئة لصالح إسرائيل، في حين أنّ 32,1 في المئة لم يكونوا قد حسموا موقفهم. تعكس هذه الأرقام حالة الارتباك التي سادت في الأيام الأولى للحرب، حين انتشرت مشاهد العنف على نطاق واسع وبوتيرة متسارعة، في وقت لم تكن السرديّات الإعلامية والسياسية قد تبلورت بعد. وبالنسبة إلى كثيرين، طغت مشاعر الصدمة على مجمل المشهد في شهر أكتوبر.

 

ترسيخ التضامن (نوفمبر 2023)

بحلول نوفمبر، شهدت الآراء تحوّلاً حاسماً لصالح الفلسطينيين، إذ رأى 54 في المئة أنّ على تركيا دعم الفلسطينيين، فيما تراجعت نسبة مَن فضّلوا الحياد إلى 37,8 في المئة. واعتبر 68,7 في المئة أنّ الفلسطينيين هم الطرف المحقّ في الصراع، مقابل 5 في المئة لصالح إسرائيل. كما عبّر كثيرون عن خيبة أملهم من مواقف الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، إذ اعتبر 86,3 في المئة استجابات الدول الإسلامية غير كافية، و55,8 في المئة موقف تركيا نفسها غير كاف. وفي الوقت نفسه، بدأت نظرة الشباب إلى حماس تطبّع إطار المقاومة، إذ وصفها 44,4 في المئة بأنّها حركة مقاومة، مقابل 27,4 في المئة اعتبروها مجموعة إرهابية.

 

ترسّخ القناعات (ديسمبر 2023)

مع نهاية العام، بدا أنّ الاتجاه المؤيّد للفلسطينيين قد استقرّ، إذ أعرب 55,9 في المئة من الشباب عن تأييدهم لانحياز تركيا إلى الجانب الفلسطيني، فيما تراجعت نسبة مَن يفضّلون الحياد إلى 32,3 في المئة. أمّا التأييد لإسرائيل فظلّ هامشياً، عند 3,9 في المئة فقط. تعكس هذه الأرقام تلاشي حالة الغموض التي سادت في أكتوبر، لتحلّ محلّها أغلبية شبابية راسخة في تأييدها للفلسطينيين.

 

التجارة كاختبار حاسم (أبريل 2024)

عندما فرضت تركيا قيوداً على تجارتها مع إسرائيل في أبريل 2024، حظيت الخطوة بتأييد واسع في أوساط الشباب، إذ رأى 29,6 في المئة منهم أنّ هذا القرار صائب، فيما اعتبر 45,7 في المئة أنّه جاء متأخراً كثيراً. في المقابل، لم يرَ سوى 11,3 في المئة أنّها كانت خطوة خاطئة.

خيبة أمل رغم التحرّك (يونيو 2024)

 لكنّ هذا التفاؤل سرعان ما تلاشى. فبحلول يونيو 2024، تراجع تقييم الشباب للموقف التركي العام من الحرب. فانخفضت نسبة من وصفوا استجابة الحكومة بأنّها “كافية” من 29,5 في المئة في نوفمبر 2023 إلى 21,2 في المئة، في حين ارتفعت نسبة من رأوا أنّها “غير كافية” من 55,8 في المئة إلى 68 في المئة. حتى بعد الإجراءات الاقتصادية التي اتّخذتها أنقرة، ظلّ التشكيك يتصاعد في أوساط الشباب الذين رأوا أنّ الموقف التركي جاء متأخّراً ودون المستوى المطلوب.

 

التفاوت في تحميل المسؤوليات والوضوح الأخلاقي (مارس 2025)

في استطلاع أُجري في مارس 2025، تبلورت مواقف الشباب لتلامس حالة من الإجماع شبه الكامل؛ إذ رأى 53,1 في المئة أنّ إسرائيل مذنبة بالكامل، فيما قال 18 في المئة إنّ الطرفَين مذنبان، لكنّ إسرائيل تتحمّل القسط الأكبر من اللوم. في المقابل، حمّل 1,1 في المئة فقط حركة حماس كامل المسؤولية، وألقى 7,5 في المئة باللوم الأكبر عليها، بينما رأى 16,3 في المئة أنّ الطرفين يتحمّلان الذنب بالتساوي. تبيّن هذه النتائج كيف أصبحت غزّة معياراً أخلاقياً لدى الشباب التركي، إذ يُنظر إلى إسرائيل باعتبارها الطرف المعتدي بوضوح. وفيما لا يخلو الدعم لحماس من انتقادات، نادراً ما تُحمّل المسؤولية منفردة.

 

 


الرسوم البيانية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


استكشاف عقلية جيل من خلال مجموعات التركيز

 

بين أكتوبر 2023 ومارس 2025، رصدت استطلاعات الرأي العام مساراً واضحاً، إذ إنّ حالة التردّد الأوّلي سرعان ما أفسحت المجال لوضوح أخلاقي حاسم. فقد تحوّلت المشاعر الملتبسة في البداية إلى قناعة راسخة بأنّ إسرائيل ترتكب فظائع مفرطة وتستخدم قوّة غير متكافئة.

 

لكن في حين تكشف الأرقام عن الاتجاهات العامة، فإنّ النقاشات ضمن مجموعات التركيز تُظهر ما تعجز عنه البيانات وحدها: الأُطر الأيديولوجية المتنوّعة التي ينطلق منها الشباب في فهمهم للحرب على غزة. فالشباب المنتمون إلى التيارات الدينية، والعلمانية، والقومية، والكردية، واليسارية، يعبّرون عن مواقفهم من خلال مفردات مختلفة تعبّر عن التضامن والنقد والإحباط والحلول المقترحة. وتُكوّن هذه الرؤى مجتمعةً طيفاً معقّداً يتجاوز الثنائيات التقليدية بين التأييد والمعارضة، ويكشف في الوقت ذاته عن التصدّعات والتقاطعات داخل الوعي السياسي للجيل نفسه.

 

 

الإيمان والشرف والواجب الأخلاقي (الشباب المتديّنون/المحافظون)

 

يرى المشاركون من ذوي التوجّهات الدينية المحافظة ضمن مجموعات التركيز أنّ الحرب على غزة تمثّل إهانة مباشرة لكرامة الأمة الإسلامية. ففلسطين، في نظرهم، ليست مجرد أرض محتلة، بل تمثّل رمزاً روحياً وجغرافياً مقدّساً، ترتبط فيه القدس بالإيمان والهوية. وتنظر هذه المجموعة إلى الصراع باعتباره اعتداءً على الأمّة الإسلامية جمعاء. وقد عبّر أحد المشاركين عن ذلك بقوله “فلسطين ليست قضية أرض فقط، بل مسألة إيمان وشرف بالنسبة لنا”.

 

تراوحت مواقف المشاركين إزاء حلّ الصراع بين التشكيك والمثالية. فقد دعا بعضهم إلى مقاومة لا هوادة فيها، بينما أيّد آخرون السلام المستند إلى القانون الدولي والتضامن الإسلامي. وانقسمت الآراء بوضوح: ففئة من المشاركين ترى في إسرائيل كياناً غير شرعي ورمزاً للاحتلال، وتدعو إلى زواله، في حين طرح بعض المتديّنين مقاربة دبلوماسية تستند إلى القانون الدولي بدلاً من العداء المطلق. ورغم دفاع الكثيرين منهم عن حركة حماس في مواجهة عقود من العدوان الإسرائيلي، فإنّهم انتقدوا أساليبها، خاصة عندما تؤدي إلى مقتل مدنيين. ووصف بعض المشاركين هجوم السابع من أكتوبر بأنّه “ضرورة تاريخيّة”، بينما شكّك آخرون في أهدافه السياسية، وأبدوا خشيتهم من أن يكون قد فتح الباب أمام ردّ إسرائيلي غير متكافئ.

 

 

المنطق القانوني والتوتّرات الأخلاقية (الشباب العلماني)

 

ينظر الشباب العلمانيون إلى الصراع في غزة من زاوية إنسانية وقانونية، بعيداً عن الاعتبارات الدينية أو مشاعر التضامن العقائدي. وتتمحور نقاشاتهم حول معاناة المدنيين وانتهاكات القانون الدولي وتراجع المعايير المتعلّقة بحقوق الإنسان. كما يوجّهون انتقادات متكرّرة لما وصفوه بازدواجية المعايير الغربية، ولا سيما في مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وقال أحد المشاركين معبّراً عن هذه الرؤية المتمايزة إنّ “تصرّفات حماس غير مقبولة من منظور حقوق الإنسان، لكنّها نتيجة لليأس. فالشعب الفلسطيني تُرك من دون أيّ خيار آخر”. ويكشف هذا الطرح عن صراع داخلي بين التمسّك بالمبادئ القانونية والشعور بالغضب الأخلاقي.

 

ميّز هذا الفريق بوضوح بين سياسات الدولة الإسرائيلية والهوية اليهودية. وتأمّل المشاركون في مأساة اليهود التاريخية، معترفين بأنّ الاضطهاد الذي تعرّضوا له عبر العصور ساهم في تشكيل هويتهم الجماعية. غير أنّ هذا الاعتراف ترافق مع انتقادٍ للأفعال الإسرائيلية المعاصرة، التي رأوا أنّها فاقمت الصراع. وفي ما يخص حركة حماس، عبّر المشاركون عن مواقف متباينة؛ إذ رأى بعضهم أنّها جهة فاعلة لا يمكن تجاهلها نشأت من واقع اليأس، في حين أدان آخرون أساليبها عندما تؤدّي إلى تصاعد العنف. وأبدى معظم المشاركين تأييدهم لحلّ الدولتين، لكنهم شكّكوا في جدّية الجهات الفاعلة الدولية –بما في ذلك حكومتهم– في الدفع باتجاهه. كما عبّروا عن انزعاجهم من لجوء تركيا إلى الخطاب الديني، معتبرين أنّه يغطي على تناقضات واضحة، أبرزها استمرار العلاقات التجارية مع إسرائيل.

 

 

الواقعيّة الإستراتيجية والسيادة الوطنية (الشباب القومي)

 

اعتبر المشاركون ذوو التوجّهات القومية أنّ الصراع يقع ضمن سلسلة من التفكّكات الإقليمية والثقافية المتواصلة التي عصفت بالعالم الإسلامي منذ سقوط الامبراطورية العثمانية. وهم يرون في وجود إسرائيل على الأراضي العثمانية السابقة أحد مخلّفات الإمبريالية الغربية، حيث يُحمّل الكثيرون التحالف الأمريكي الإسرائيلي القائم منذ أمدٍ بعيد مسؤوليّة كبيرة.

 

يحرص القوميّون على التمييز بين الهويات اليهودية المختلفة، مُقرّين بأنّه حتى داخل إسرائيل ترتفع أصوات معارضة لموقف الحكومة المتشدّد. وتظلّ القدس رمزاً راسخاً لهذه المجموعة، فلا تَنظر إليها كمجرد مدينة، بل كنقطة للحشد من أجل استعادة التراث والهوية المفقودَين. بالنسبة إلى هذه المجموعة، تشكّل فلسطين مسؤولية تاريخية وإرثاً إقليمياً.

 

جمعت المناقشات بين التضامن العاطفي والحذر البراغماتي. فعلى مستوى حلّ النزاعات، دعا الشباب القومي إلى وساطة طرف ثالث. وشدّدوا على وجوب اضطلاع تركيا بدور قيادي في الوساطة، كما أعربوا عن إحباطهم من خطاب الحكومة الذي لم يُترجم دائماً إلى أفعال ملموسة. لكنّ انتقاداتهم لاستمرار التجارة مع إسرائيل غالباً ما توازنت مع نظرة جيوسياسية واقعية، مفضّلين اللجوء إلى النفوذ المدروس على الانعزالية.

 

استخدمت هذه المجموعة تعبير “جغرافيتنا” لوصف المنطقة، ما يستحضر شعوراً بالوصاية في مرحلة ما بعد الإمبريالية. وخلافاً للمجموعات الأخرى، صوّروا تقاعس الدول العربية من منظور المنافسة الإقليمية، معربين عن اعتقادهم بأنّ تركيا قادرة، لا بل يتوجّب عليها، ملء الفراغ القيادي. وأجمعوا إلى حد كبير على ضرورة أن تتبنّى تركيا موقفًا سيادياً، متماسكاً أخلاقياً، لكن واقعي.

 

انعدام الجنسية والاعتراف والعدالة الشاملة (الشباب الكردي)

 

قارب الشباب الكردي الصراع من منظور انعدام الجنسية والتهميش والحرمان من الحقوق الجماعية. فقد ربطوا بوضوح بين النضال الفلسطيني وتجاربهم الخاصة، في شعورٍ مشتركٍ بالحرمان والتقارب السياسي. وعبّر أحد المشاركين عن هذا الشعور قائلاً “إنّ “النضال من أجل العدالة في فلسطين لا يختلف كثيراً عن نضالنا. إنه نداء للبشرية للاعتراف بحقوق المستبعدين”.

 

وشدّدوا على الحقّ في تقرير المصير وفشل القوى الإقليمية في التعامل مع الشعوب المضطهدة. وانتقدوا تصرّفات إسرائيل، لكنّهم أشاروا أيضاً إلى التناقضات الداخلية في تركيا التي تدعم حقوق الفلسطينيين في سياساتها الخارجية بينما تحجم عن الاعتراف الكامل بحقوق التمثيل الكردي في الداخل. وفي حين أقرّوا بشرعية المقاومة الفلسطينية، شكّكوا في فعاليّة تكتيكات حماس على المدى الطويل، إذ غالباً ما اعتبروها من عوارض تخلّي المجتمع الدولي عن الفلسطينيين.

 

رفضت هذه المجموعة الاتفاقات الفوقيّة التي توسّطت في إبرامها قوى إقليمية، ودعت بدلاً من ذلك إلى اعتماد أُطر وساطة متعدّدة الأطراف وشاملة وقائمة على الحقوق، في أيّ تدخّل خارجي. وأعربت عن اعتقادها بأنّ أيّ حل يجب أن يعالِج أوجه عدم المساواة الهيكلية الراسخة التي يعاني منها الفلسطينيون وغيرهم من الشعوب العديمة الجنسية.

 

 

العنف البنيوي والتضامن المناهض للإمبريالية (الشباب الاشتراكي/اليساري)

 

بالنسبة إلى المشاركين الشباب ذوي التوجّهات اليسارية والاشتراكية في مجموعة التركيز، تعدّ حرب غزة مظهراً من مظاهر أنظمة القمع العالمية. واستشهدوا بالرأسمالية والإمبريالية والعسكرة كقوى هيكلية مُحرّكة لهذا الصراع. وقال أحد المشاركين إنّ “هذه الحرب هي قضية أرض بقدر ما هي آلية تعتمد عليها الرأسمالية لإدامة وجودها. وحيثما توجد الرأسمالية، تصبح الحرب حتمية”.

 

وقد تأرجحت آراؤهم حول حماس، رافضين وصمها بـ”الإرهابية” ومفضّلين اعتبارها نتاج عقود من الاحتلال. ولفتوا إلى أنّ التركيز على حماس فقط يصرف الانتباه عن الاقتصاد السياسي الكامن وراء الصراع. وامتدّ نقدهم بالتساوي إلى القوى الإقليمية والمؤسّسات العالمية، معتبرين تقاعسها تواطؤاً.

 

ركّزت هذه المجموعة على التحوّل النظامي الطويل الأمد بدلاً من اقتراح حلول دبلوماسية تقليدية فورية، وربطت القضية الفلسطينية بمجموعة أوسع من النضالات من أجل التحرّر الجماعي. وقد شابت انتقاداتهم البنيوية الأساسية اختلافات بسيطة، لكنّهم أكّدوا باستمرار على أنّه لا يمكن تحقيق سلام حقيقي من دون تفكيك الأنظمة العالمية التي تدعم الصراع وانعدام المساواة.

 

 

الجدول 1: الأطر المهيمنة على الصراع، بحسب المجموعة

  المتدينون العلمانيون القوميون الأكراد اليساريون
الفقه: الإيمان، الأمة الإسلامية، المنظور الفقهي، الرمز المقدّس، القيم الإسلامية، أهمية القدس X
التاريخ: المنظور التاريخي، الإمبراطورية العثمانية، الوعي التاريخي، خسارة الأراضي، الأرض الموعودة X X
المقاومة: حماس، حركة المقاومة، المقاومة الفلسطينية X X
تقرير المصير: الحكم الذاتي، الحقوق، المجموعات العديمة الجنسية X
الهوية: الهوية، الواجب الإنساني X X X X
الإمبريالية/الرأسمالية: الإمبريالية، الرأسمالية، الاستغلال، صناعة الأسلحة X
النفوذ الغربي: الهيمنة الغربية، التحالف الأمريكي الإسرائيلي X X

 

 

تصوّرات الشباب عن تركيا والنظام العالمي

 

سلّطت نتائج مجموعات التركيز الضوء على شكوك ثابتة لدى الشباب في تركيا تجاه الجهات الفاعلة العالمية ومواقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة.

 

الغرب: مرجعيّة مثيرة للجدل

برز الغرب كالمرجعية الأكثر إثارة للجدل في المناقشات. اعتبر الشباب المتدينون/المحافظون الصراع في غزة مؤشّراً إلى النفاق الغربي، مسلّطين الضوء على اللجوء الانتقائي إلى الخطاب عن حقوق الإنسان، وازدواجية المعايير الأخلاقية السائدة. ولفتت بعض وجهات النظر إلى أنّ هيمنة السرديّات السياسية والثقافية الغربية تحرف الحوارات العالمية حول العدالة والتضامن. وأعرب الشباب العلمانيون عن تقديرهم للأنظمة القانونية والمؤسّسات المدنية الغربية، لكنهم لم يخفوا إحباطهم من الازدواجية المتصوّرة في معاييرها. ولاحظوا التباين بين التزامها الخطابي بحقوق الإنسان وعدم استعدادها لكبح جماح إسرائيل. من جهتهم، أقرّ المشاركون القوميون بالإنجازات الغربية في مجال العلوم والتعليم، لكنّهم رفضوا ما اعتبروه وصاية سياسية رفضاً قاطعاً، مؤكّدين أهمية تبنّي سردية وطنية راسخة لمقاومة التبعية. أما الشباب اليساريون فصوّروا الغرب على أنّه تجسيد للإمبريالية الرأسمالية والهيمنة العسكرية. وتجدر الإشارة إلى أنّ آراء المشاركين الأكراد شابها شيء من التناقض، فقد أدانوا التواطؤ الغربي في إفلات إسرائيل من العقاب، مع إقرارهم في الوقت نفسه بقدرة المناصرة الغربية على تعزيز المساءلة الدولية. وقد اتفقت التوجّهات الأيديولوجية كافة على أنّ حرب غزة قد قوّضت بشكلٍ خطير ادعاء الغرب بالتحلّي بالسلطة الأخلاقية.

 

 

الجدول 2: ملخص لآراء الشباب التركي حول الغرب

 

 

وجهات النظر حول الغرب
وجهة النظر الدينية الشعور بفرض القيم وأسلوب الحياة
معارضة ما يُنظر إليه على أنّه تقويض للتقاليد الإسلامية
انتقاد اللجوء الانتقائي إلى خطاب حقوق الإنسان
الشعور بالمشاركة في استمرار الظلم
الدلالات الرمزية للنفاق الغربي (مثلاً خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي)
وجهة النظر العلمانية الإعجاب بالمبادئ الديمقراطية
الاعتراف بالأنظمة القانونية الغربية
تقدير الحريّات في المجتمعات الغربية
الرغبة في دمج القيم الغربية، والمحافظة في الوقت نفسه على الهوية الثقافية التركية
الإحباط من إخفاق الغرب في دعم حقوق الإنسان
وجهة النظر القومية الاعتراف بالإنجازات الاقتصادية
احترام التقدّم التكنولوجي الغربي
انتقاد النزعات القومية الغربية
التطلعات للدراسة أو العمل في الغرب: المشاركة البراغماتية
انتقاد ازداوجية المعايير في الصراعات العالمية
وجهة النظر الكردية انتقاد الانخراط في الصراعات الإقليمية
الإحباط من الأطر الدولية المتحيّزة
الاعتراف بإمكانيات المناصرة من خلال الأنظمة العالمية
الاعتراف بقيمة المجتمع المدني الغربي في دعم حقوق الأقليات
الاعتراف بقبول الغرب بالحقّ في تقرير المصير
المنظور اليساري/ الاشتراكي المعارضة القوية للنماذج الغربية
انتقاد الرأسمالية
معارضة التدخّلات الإمبريالية
اتّهام الغرب بتكريس عدم المساواة
الدعوة إلى إيجاد بدائل للهيمنة الغربية
الدعوة إلى تشكيل تحالفات مناهضة للرأسمالية

 

 

الدول الإسلامية والعربية: خيبة أمل وشعور بالخيانة

 

تعرّضت الدول العربية والإسلامية لوابل من الانتقادات اللاذعة من المجموعات كافة. واعتبر عدد كبير من المشاركين أنّ اللفتات الرمزية التي قدّمتها هذه الدول غير صادقة أو متواطئة، ما ساهم في تراجع الثقة في طرح مبادرة إسلامية أو عربية متماسكة لفلسطين. وسلّط بعض المشاركين الضوء على الفروق الدقيقة، ولا سيما الإستراتيجيّات المختلفة التي تستخدمها الدول العربية المتنوّعة، مع التركيز على مبادرات الوساطة القطرية تركيزاً خاصاً.

 

عبّر الشباب المتديّن عن شعور عميق بالخيانة، ذاكرين دولاً مثل المملكة العربية السعودية ومصر باعتبار أنّهما تعطيان الأولوية للتحالفات الجيوسياسية على حساب الوحدة الإسلامية. وردّد القوميون هذا الانتقاد، مشيرين إلى أنّ تبعية الحكومات العربية للمصالح الغربية قوّضت الاستقلاليّة الإقليمية والتماسك الأخلاقي. من جهتهم، ركّز المشاركون الأكراد على خيبة الأمل هذه من خلال ربطها باستبعادهم من السياسة الإقليمية، مؤكّدين أنّ التضامن الانتقائي مع الفلسطينيين يعكس أنماطاً من التهميش القديم العهد. أمّا الشباب اليساري فقد وضعوا تقاعس الحكومات العربية ضمن إطار النقد البنيوي للمصالح الاقتصادية، ورأوا في تحالفات النخبة مع الغرب دليلاً على أنّ الربح وبقاء النظام قد حلّا محلّ الالتزامات الحقيقية بتحقيق العدالة.

 

 

القوى غير الغربية: البراغماتية قبل المبادئ

 

حصلت القوى غير الغربية، المتمثلة في المقام الأول بروسيا والصين، على تقييمٍ أكثر تضارباً وإن كان واقعياً. فقد رأى الشباب المتديّنون والقوميّون أنّ التعامل مع هذه القوى ضروري إستراتيجياً لتحقيق التوازن في مواجهة الهيمنة الغربية، إلا أنّهم أعربوا عن عدم ارتياحهم حيال نماذجها السلطوية وبعدها الثقافي. وتكرّرت إدانة القمع الصيني لمسلمي الأويغور، حتى بين الشباب المنفتحين على عالم متعدّد الأقطاب. وفي حين أقرّ الشباب العلمانيون بنفوذها الإستراتيجي، شكّكوا في حكمها السلطوي وحذّروا من مغبة المساس بالتطلّعات الديمقراطية. وأكّد الشباب الكردي واليساري التأطير الإستراتيجي، ولم يروا في هذه الدول نماذج يُحتذى بها، بل ثقلاً مفيداً لموازنة ثقل الإمبريالية الغربية. من ناحيتهم، وضع اليساريون روسيا والصين ضمن خطاب أوسع مناهض للرأسمالية، لكنّهم لم يغضّوا الطرف عن تناقضات هذه الأنظمة وممارساتها الاستغلالية. وقد ساد اتفاق شبه تام بين المنظورَين الديني والعلماني على أنّ انتهاج سياسة خارجية متوازنة هو السبيل الأفضل للمضي قدماً. يتجنّب هذا النهج الاعتماد على أيّ تكتّل قوى واحد، ويركّز بدلاً من ذلك على الانخراط البراغماتي على جبهات مختلفة. وتسلّط الرؤى القومية الضوء على أهميّة المحافظة على استقلاليّة تركيا الإستراتيجية، إذ تكمن القوة الحقيقيّة في بناء كتل إقليمية تُقلّل الاعتماد على مراكز القوة الغربية والشرقية على حد سواء.

 

 

مسعى تركيا لتحقيق توازن دقيق بين الخطاب والواقع في الحرب على غزة

 

اختلفت تصوّرات المجموعات الأيديولوجية حول مقاربة تركيا من حرب غزة لكنّها أجمعت على التباين الملحوظ بين خطاب أنقرة وخطواتها الفعليّة. فقد رحّب الشباب المتديّنون بتصريحات الرئيس أردوغان القوية، بيد أنّهم عبّروا عن انزعاجهم من إحجام الحكومة عن اتّخاذ إجراءات سياسية فعّالة ضدّ إسرائيل. وعليه، فإنّ غياب العقوبات الاقتصادية أو السياسية الملموسة ضد إسرائيل يعكس تردّد تركيا في تعريض تحالفاتها الراسخة مع القوى الغربية للخطر. وقد أدّى التناقض بين الموقف الداخلي المؤيّد للفلسطينيين وموقف الحكومة الدبلوماسي الحذر إلى تقويض مصداقية تركيا وإضعاف موقعها الأخلاقي.

 

سلّط الشباب العلمانيون الضوء على التناقض في مواقف تركيا، مشيرين إلى الفجوة بين خطابات أردوغان الداعمة للفلسطينيين بقوة، ومواصلة العلاقات التجارية مع إسرائيل. وفيما أيّدوا المقاطعة والخطوات الرمزية، شكّكوا في فعاليّتها في غياب سياسة حكومية متماسكة، ما ساهم في ترسيخ شعور عام بعدم الثقة في السياسة الخارجية التركية. على النحو ذاته، انتقد الشباب القوميون استمرار العلاقات التجارية مع إسرائيل، معتبرين أنّها تتعارض مع إيمانهم العميق بمصلحة تركيا الوطنية وقدرتها على اعتماد سياسة خارجية مستقلّة ومبدئية فعلاً. وقد قالوا إنّ الحلّ الحقيقي يتطلّب الاستفادة من الأصول الإستراتيجية لتركيا لبناء كتل إقليمية يمكنها موازنة مراكز القوة الغربية والشرقية على حدّ سواء. وربط الشباب الأكراد انتقاداتهم للسياسة الخارجية التركية بالمظالم المحلية. ورأوا في تضامن الحكومة المعلن مع الفلسطينيين شكلاً من أشكال النفاق، نظراً لفشلها في معالجة أوجه عدم المساواة المنهجية في الداخل. بالنسبة لهم، يجسّد موقف تركيا من غزة مثالاً واضحاً على التعاطف الانتقائي ونمطاً أوسع من أنماط توظيف التضامن. وأخيراً، وصف الشباب اليساريون موقف الحكومة المؤيّد للفلسطينيين بأنّه استعراضي إلى حد كبير، ويهدف إلى ترسيخ الدعم المحلّي وصرف الانتباه عن الإخفاقات الداخلية. ومن وجهة نظرهم، يتطلّب التضامن الحقيقي إجراء إصلاحات هيكلية وتقديم دعم مباشر لحركات المناصرة التي يقودها المجتمع المدني، لا الاكتفاء بمجرد دبلوماسية رمزية.

 

 

الجدول 3: وجهات النظر حول الدور المتوقّع من تركيا

 

المتديّنون العلمانيون القوميون الأكراد اليساريون
اتّباع المبادئ الإسلامية X
استغلال القوة الاقتصادية X X X
تعزيز المصداقية X X
حماية السيادة X X
دعم الحركات الشعبية X
إشراك المجتمع المدني X
دعم حقوق الإنسان X X
بناء الثقة X X X
المحافظة على الاتساق X X

 

 

الخاتمة

 

تظهر هذه الورقة التحليليّة أنّ مواقف شباب تركيا من حرب غزة لا تقتصر على ردود الأفعال، بل إنّهم يُعيدون صياغة المصطلحات والأُطر التي يتم فهم هذه الحرب من خلالها. فعلى اختلاف هوياتهم الأيديولوجية (الدينية، والعلمانية، والقومية، والكردية، واليسارية)، يُعيد الشباب تفسير الصراع من خلال أُطر أخلاقية وتاريخية وسياسية تتحدّى الوضع الراهن. ومع أنّ وجهات نظرهم تتباين في الشكل، فإنّها تتقارب في الوظيفة: المطالبة بسياسة خارجية أكثر تماسكاً واتساقاً وارتكازاً على القيم الأخلاقية.

 

تفضّل غالبية المشاركين في مجموعات التركيز، على اختلاف أيديولوجياتهم، حلّ الصراعات سلميّاً. وقد دعوا مراراً وتكراراً إلى اعتماد أساليب مثل الوساطة من خلال المنظمات الدولية، والمبادرات الشعبية التي تُعزز الحوار بين المجتمعات المختلفة، والاستفادة من دور تركيا كوسيط إقليمي لتيسير عقد محادثات سلام على نطاقٍ أوسع.

 

بدلاً من الانحياز الواضح إلى الشرق أو الغرب، أو اتّخاذ مواقف حزبية تقليدية، يُبلور هذا الجيل وعياً سياسياً هجيناً ترسم ملامحه الذاكرة والتهميش بقدر المنصّات الرقمية والغضب العالمي. ولا يعتري انتقاداتهم لإسرائيل والغرب أيّ لبس، وكذلك تدقيقهم في سياسات تركيا الغامضة والإيماءات الاستعراضية للعالم الإسلامي الأوسع.

 

لا ينبثق عن النتيجة صوتٌ موحّد، بل تعكس روحاً أخلاقية جيلية تقاوم النفاق، وتدين الظلم، وتطالب باستعادة دور السياسة الخارجية كمساحة ذي بُعد أخلاقي. ينبغي على الطبقة السياسية في تركيا، الحاكمة والمعارضة على حد سواء، أن تتنبّه إلى أنّ هذا الجيل قد يكون منقسماً في اللغة، ولكنّه موحّد في مطالبته بالوضوح والعدالة وبسياسةٍ لا تعكس وجهات نظره فحسب، بل قيمه أيضاً. ومن خلال إعطاء الأولوية للحلول العادلة ورفض المعادلات الصفرية، يمتلك هذا الجيل القدرة على إعادة تعريف دور تركيا بصفتها وسيطاً في الصراعات الإقليمية.

 


 

الهوامش
1 Stephan Quillen, Faisal Ali and Tim Hume, “Israel kills 40 people in Gaza since dawn, child dies of malnutrition,” Al Jazeera, September 28, 2025, https://www.aljazeera.com/news/liveblog/2025/9/28/live-israeli-attacks-follow-displaced-gaza-people-8-killed-in-nuseirat#:~:text=Israel’s%20war%20on%20Gaza%20has,about%20200%20were%20taken%20captive.
2 “Panoramatr,” Panoramatr, accessed September 24, 2025, https://www.panoramatr.com/en/ ; “Understanding the Youth in Turkey: Democracy and Political Values,” Centre for Applied Turkey Studies, accessed September 24, 2025,  https://www.cats-network.eu/projects/ongoing-projects/understanding-the-youth-in-turkey-democracy-and-political-values.