هل يمكن إنقاذ جمهورية الصومال الثالثة؟

مذكرة سياسات، مارس 2025
زميل أول غير مقيم

20 مارس، 2025

المقدّمة

 

شهد الصومال تحوّلات سياسية كبرى، بدءاً من الحكم المدني (الجمهورية الأولى)، مروراً بالديكتاتورية العسكريّة (الجمهورية الثانية)، وصولاً إلى المرحلة الانتقالية أو ما بعد الانتقالية من بناء الدولة (الجمهورية الثالثة). تدعو مذكّرة السياسات هذه إلى الحفاظ على الجمهورية الثالثة وتجنّب نشوء إدارات رديفة تسفر عن المزيد من التشرذم داخل البلاد. كما تنظر بعين نقدية في تداعيات نهج الرئيس حسن شيخ محمود القائم على مبدأ “الفائز يأخذ كل شيء” والتعديلات على التسوية السياسية في عهده، وتسلّط الضوء على تقلّص المساحة السياسية نتيجة التعديلات الدستورية والانتخابية في حقبة الجمهورية الثالثة.1

 

في هذا السياق، تحذّر المذكّرة من المخاطر التي تهدّد استمرار الجمهورية الثالثة نتيجة التغييرات السريعة والواسعة التي تجريها الحكومة والتي تُقابَل بمقاومة شرسة من قوى المعارضة، في ظلّ غياب المجتمع الدولي. كما تُقدم المذكّرة تحليلاً لجدوى المقترحات الحكومية، بالأخصّ حجم الدعم السياسي لها ومدى ملاءمة المؤسّسات المقترحة للواقع الصومالي، فضلاً عن التحدّيات التي قد تعترض تنفيذ هذه المقترحات.

 

 

الجمهورية الثالثة: الحفاظ على التسوية السياسية رغم الاضطرابات

 

صمدت التسوية السياسية في الصومال رغم كلّ ما تعرّضت له من صدمات خارجية، فقد ظلّت مكوّناتها الأساسية ثابتة منذ العام 2000، في ظلّ انضمام مجموعات متعدّدة إلى الحكومة تدريجياً.

 

بعد حرب أهلية طويلة و15 مؤتمر مصالحة وطنية باءت جميعها بالفشل، اجتمع القادة الصوماليون في جيبوتي في العام 2000 من أجل تأسيس الجمهورية الثالثة التي تلت الحكومات المدنية (بين 1960 و1969)، والعسكرية (بين 1969 و1991). وبموجب مؤتمر “عرتا” للسلام، حدّد الميثاق الوطني الانتقالي أربع ركائز أساسية: الحكم الديمقراطي عبر انتخابات دورية، وتقاسم السلطة بين القبائل وفق صيغة 4.5، والنظام البرلماني، والحكم الذاتي الإقليمي. وبهذا، تشكّل البرلمان الذي انتخب عبد القاسم صلاد حسن رئيساً في أغسطس 2000، ما أعاد للصومال سيادته القانونية. إلّا أنّ الحكومة واجهت معارضة من قادة فصائل وأمراء حرب مدعومين من إثيوبيا، ما أدّى إلى عقد مؤتمر مصالحة آخر في كينيا عام 2022، برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بالتنمية (إيغاد). أسفر المؤتمر عن تعديل التسوية السياسية، واعتماد الميثاق الاتحادي الانتقالي في العام 2004.

 

أرسى الميثاق نظام حكم فيدرالي، محافظاً على مبادئ الديمقراطية والنظام البرلماني وتقاسم السلطة بين القبائل. ووُسّع مجلس الشعب ليضمّ 275 عضواً، ثم ارتفع العدد إلى 550 في العام 2008 لاستيعاب المجموعات الإسلامية. وفي عهد الرئيس شريف شيخ أحمد، تبنّت الحكومة الانتقالية (بين 2009 و2012) الدستور الاتحادي المؤقّت، منهيةً بذلك المرحلة الانتقالية. وقد حافظ الدستور المؤقّت على الأُطر السياسية السابقة، مع استحداث غرفة تشريعية ثانية تضمّ 54 عضواً.

 

باختصار، شهدت التسوية السياسية توسّعاً تدريجياً في قاعدة دعمها. فمنذ العام 2000، انضمّت مجموعات متعدّدة إلى الحكومة، ما جعلها أكثر شمولية بشكل تدريجي. بدأ ذلك بدمج قادة الفصائل في العام 2004، تلاهم الإسلاميون المعتدلون في العام 2008، ثمّ الجهات الفاعلة الإقليمية مثل أرض البنط (بونتلاند) وغلمدغ بحلول العام 2012. وعندما انتخب البرلمان الصومالي حسن شيخ محمود رئيساً في العام 2022، لم يبقَ خارج إطار التسوية السياسية سوى إقليم أرض الصومال الانفصالية (صوماليلاند) وحركة الشباب التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة.

 

 

الرئيس حسن شيخ محمود 2.0 والجمهورية الثالثة: مستقبل غامض

 

في العام 2022، علّق الصوماليون آمالهم على الرئيس المنتخب حديثاً حسن شيخ محمود، الذي جاء من خلفية ناشطة في المجتمع المدني والمعارضة السياسية. فقد أصبح محمود أول رئيس في تاريخ البلاد يتولّي الرئاسة لولاية ثانية، إلّا أنّه اتبّع توجّهاً جديداً لترسيخ سلطته من خلال نهج “الرابح يأخذ كلّ شيء” في مجتمع منقسم، وغيّر التسوية السياسية من خلال دستور جديد، ما قلّص المساحة السياسية من خلال سنّ قوانين انتخابية مصمّمة على قياسه.

 

في البداية، توقّع كثيرون أن يكون الرئيس قد تعلّم من تجاربه السابقة، وأنّ يعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ أطرافاً من الائتلافين (الفائز والخاسر في انتخابات 2022). لكنّ هذه الآمال خابت حين كافأ الرئيس أعضاء من حزبه، متجاهلاً معظم القوى السياسية التي أسهمت في وصوله إلى السلطة. على سبيل المثال، عندما اتّضح أنّ الرئيس محمود لا ينوي إشراك القوى السياسية الأخرى، سحب رئيس بونتلاند سعيد عبدالله دني والرئيس الصومالي السابق شريف شيخ أحمد دعمهما للحكومة على الفور. كما تراجع عبد الرحمن عبد الشكور، زعيم حزب ودجر، عن تعاونه الأولي مع الحكومة، معلناً معارضته لها. وبعد فترة قصيرة، انسحب زعيم ولاية جوبالاند من الاتفاق، بينما وجّه رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري سهامه نحو قيادة الرئيس، وذلك رغم أنّ أولئك السياسيين البارزين كانوا قد أدّوا دوراً محورياً في فوز الرئيس محمود السياسي. إلى ذلك، بقي الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو الذي قاد الائتلاف المعارض ضد محمود، في صفوف المعارضة. في مجتمع يعاني من انقسامات عميقة مثل الصومال، شكّل اعتماد الحكومة نهج “الفائز يأخذ كل شيء” خطأ سياسياً فادحاً. فعلى الصعيد المؤسّسي، أدّى هذا النهج إلى مركزية السلطة في الرئاسة، وبالتالي تحويل مجلس الوزراء والبرلمان إلى هيئات صورية.

 

ثانياً، اقترح الرئيس محمود تحت شعار “استكمال الدستور” وبدعم من بعض أعضاء المجلس الاستشاري الوطني (قادة الولايات)، دستوراً جديداً يحوّل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي. بالإضافة إلى ذلك، أضعفت اتفاقية توزيع الصلاحيات والمسؤوليات النظام الفيدرالي.2

 

ثالثاً، استغلّ الرئيس سيطرته على البرلمان لإقرار تشريعات تخدم مصالحه، (مثل قانون الانتخابات، وقانون مفوّضية الانتخابات والحدود، وقانون الأحزاب السياسية)، بهدف تقليص المساحة السياسية أمام منافسيه.

 

رابعاً، رغم استمرار العمل بنظام تقاسم السلطة بين القبائل وفق صيغة 4.5، ينصّ قانون الانتخابات على اعتماد أنظمة انتخابية مختلفة بحسب مستويات الحكم. على سبيل المثال، يُعتمد نظام الفائز الأول (FPTP)3 لانتخاب رئيس البلاد وقادة الولايات الفيدرالية. ورغم عدم سيطرة الحكومة على كلّ الأراضي الصومالية، يسعى محمود إلى تمكين الشعب من انتخاب رئيس دولة قوي يتمتّع بصلاحية إقالة رئيس الوزراء، في تناقض واضح مع الدستور المؤقّت الحالي الذي يعتمد نظام برلماني يمنح النواب المنتخبين سلطة اختيار رئيس الدولة والتصويت على منح الثقة لرئيس الحكومة.

 

علاوة على ذلك، ينصّ قانون الانتخابات على اعتماد التمثيل النسبي بالقائمة المفتوحة4 لانتخاب أعضاء مجلسَي البرلمان الفدرالي، بينما يُطبّق التمثيل النسبي بالقائمة المغلقة5 في انتخابات المجالس التشريعية للولايات والحكومات المحلّية. ويحافظ القانون على نظام تقاسم السلطة بين القبائل المعروف بـصيغة 4.5 الذي يضمن لكلّ قبيلة فرعية مقعداً محدّداً، حتى لو كانت تمتلك أصواتاً كافية للحصول على مقعد ثان أو ثالث. ويشترط القانون أيضاً أن ينتمي جميع أعضاء مجلسَي البرلمان الفدرالي إلى أحد الأحزاب الوطنية الثلاثة المشرّعة. أمّا في ما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، فيعتبر القانون البلاد دائرة انتخابية واحدة، مع احتفاظ كلّ قبيلة فرعية بمقعدها بصرف النظر عن نتائج التصويت.

 

وإذا ما وضعنا هذه التناقضات جانباً، هذا نموذج عن الانتخابات غير المباشرة. علاوة على ذلك، صُمّم النظام لترجمة الأصوات إلى مقاعد بطريقة تمنح الإدارة الحاكمة التي تسيطر على مفوّضية الانتخابات، القدرة على التلاعب بالنتائج.6

 

بموجب النظام الجديد، يحقّ للمواطنين تأسيس منظّمات وأحزب سياسية، على أن تكون هذه المنظّمات ممثّلة في الولايات الأعضاء، وأن تلتزم بالكوتا النسائية، وبصيغة تقاسم السلطة القبلية المعمول بها. تتنافس هذه المنظمات في الانتخابات المحلّية، حيث تُصنّف المنظمات الثلاثة التي تحقّق أعلى عدد من الأصوات على أنها أحزاب وطنية، وبالتالي تصبح مؤهّلة لتقديم مرشّحين لغرفتي الحكومة الفيدرالية والانتخابات الرئاسية.7

 

أخيراً، وافق المجلس الاستشاري الوطني على تقليص المساحة السياسية، بعد أن أقرّ البرلمان من خلال عملية صورية شابها الفساد إنشاء مفوّضية الانتخابات والحدود المؤلّفة من 18 عضواً، والتي ستكون مسؤولة عن إدارة جميع العمليات الانتخابات المبنية على الاقتراع العام، وترسيم الحدود الفيدرالية داخل الصومال. ينصّ القانون على أن يختار مجلس الوزراء 18 من بين 54 مرشحاً يعرضهم وزير الداخلية. وعلى الرغم من أنّ القانون يلتزم بالكوتا النسائية بنسبة 30 في المئة ونظام تقاسم السلطة القبلي، إلّا أنّه لم يطبّق ذلك بشكل كامل.8

 

باختصار، لم يلبِّ الرئيس حسن شيخ محمود توقّعات الكثير من الصوماليين الذين علّقوا آمالهم عليه، إذ اتّبع نهج “الفائز يأخذ كل شيء” في إدارته للمجتمع الصومالي المنقسم أصلاً. فقد استبعد غالبية النخبة السياسية من الحكومة وأجرى مع فريقه تعديلات دستورية أحادية الجانب ذات تداعيات وخيمة، ما يهددّ التسوية السياسية الهشّة ويؤدّي إلى تقليص المساحة السياسية المتاحة أكثر فأكثر.

 

 

التحدّيات التي تعيق تطبيق مقترحات الرئيس محمود في الصومال

 

إنّ مقتراحات الرئيس حسن شيخ محمود غير قابلة للتنفيذ بسبب غياب التوافق السياسي بين الأطراف وضعف تصميم المؤسّسات التي لا تتلاءم مع السياق المحلّي الصومالي، إضافة إلى التحدّيات على مستوى التنفيذ. يسعى الصومال جاهداً للتعافي من حرب أهلية عنيفة، في ظلّ فجوة عميقة في الثقة بين النخبة السياسية والمجتمعات على نطاق أوسع. في هذا الإطار، تمكّنت عملية التسوية السياسية، رغم قيودها، من جمع غالبية القوى السياسية تحت مظلتها. فحين استلم الرئيس حسن شيخ محمود السلطة، كانت هذه التسوية تحظى بدعم معظم الأطراف السياسية، باستثناء إقليم أرض الصومال وحركة الشباب. ولكنّها تواجه اليوم تهديداً حقيقياً بسبب توجّه الحكومة الجديد.

 

يفتقر هذا التوجّه السياسي إلى التوافق السياسي الضروري لضمان نجاحه. فقد اعترض عدد من الأطراف المعنيّة على قرارات الرئيس السياسية، من بينهم قادة المعارضة الذين كان لهم الدور الكبير في فوزه بالانتخابات، إلّا أنّهم عادوا لعارضوا نهجه الجديد. من بين هؤلاء رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني ورئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام والرئيس السابق شريف شيخ أحمد ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، وزعيم حزب ودجر عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي. كما انضمّ الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو الذي خسر الانتخابات لصالح الرئيس حسن شيخ محمد، إلى معسكر المعارضة منذ العام 2022.

 

علاوة على ذلك، لا تتوافق التصاميم المؤسّسية التي اعتمدتها الحكومة من أجل خدمة مصالحها الخاصّة مع السياق الراهن في الصومال. أثار احتمال تبنّي نظام رئاسي مخاوف الطبقة السياسية التي رفضت طرح الحكومة نظراً لتداعياته على التسوية السياسية وعلى المشهد السياسي العام. يُحيي النظام الرئاسي ذكريات مؤلمة عن حقبة الديكتاتورية العسكرية في الصومال التي أدّت في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب الأهلية. كما فسّر البعض مقترح النظام الرئاسي على أنّه مشروعٌ طائفيا يهدف إلى تهميش مجتمعات معيّنة. فبحسب الدستور المؤقّت الحالي، يُنتخب أعضاء البرلمان من قبل الشعب وفقاً لنظام “شخص واحد صوت واحد”، على أن يتولّى أعضاء البرلمان بعد ذلك انتخاب الرئيس والتصويت على منح الثقة لرئيس الوزراء الذي يعيّنه الرئيس.

 

تحدّد اتفاقية المجلس الاستشاري الوطني بشأن توزيع السلطات والمسؤوليات ثلاثة مستويات من الحكم: الحكومة الفيدرالية، والولايات الأعضاء، والحكومات المحلّية. استحوذت الحكومة على معظم الوظائف الأساسية بموجب هذه الاتفاقية التي تمنح الحكومة الفدرالية 44 صلاحية حصرية، والولايات الأعضاء 29 صلاحية حصرية، وتُخصّص 32 صلاحية حصرية للحكومات المحلّية. إلى ذلك، تشارك الحكومة 20 صلاحية مع الولايات الأعضاء الفيدرالية.9 إلّا أنّ الصومال يفتقر إلى القدرة المالية اللازمة لدعم ثلاثة مستويات من الحكم. فالحكومات المحليّة بمعظمها عاجزة عن تمويل نفسها، كما أنّ النخب السياسية لم تعتد على احترام التوزيع الدقيق للصلاحيات بين المستويات المختلفة، ما قد يقود إلى صراعات في الحكم. إلى ذلك، تظهر نيّة لتقويض دور الولايات الأعضاء الفيدرالية، حيث يبدو أنّ الوظائف المخصّصة لكل مستوى تحمل تحيّزاً واضحاً لصالح المركزية.

 

تتولّى الحكومة الفيدرالية مسؤولية إدارة الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، حيث منحت اتفاقية المجلس الاستشاري الوطني والقوانين اللاحقة هذه المسؤولية إلى مفوضية الانتخابات والحدود التابعة للحكومة الفيدرالية. ورغم أنّ رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام وقّع على الاتفاقية في البداية، إلّا أنّه تراجع لاحقاً عن موقفه وانضمّ إلى صفوف المعارضة، مصرّاً على أن تكون الولايات هي المسؤولة عن تنظيم انتخاباتها. أدّى هذا الخلاف إلى مواجهات عنيفة بين القوّات الفيدرالية وقوّات دراويش جوبالاند في رأس كامبوني في جوبالاند.10

 

يقيّد الدستور الجديد الذي تبنّـته الحكومة، مع ما تلاه من قوانين، عدد الأحزاب السياسية الرسمية بثلاثة فحسب، وهو ما تعارضه القوى السياسية التي ترى أنّ هذا العدد لا يكفي لتمثيل الطبقة السياسية الواسعة والمتنوّعة في الصومال. كما أنّ تحديد سقف أقصى لعدد الأحزاب سيؤدّي إلى هيمنة الأحزاب المدعومة من المدن الكبرى، خاصّة مقديشو، وتهميش المواطنين في المناطق النائية. علاوة على ذلك، يتناقض هذا التقييد مع الممارسات الفضلى العالمية المعتمدة في الأنظمة ذات الأخزاب المتعدّدة. وفي هذا السياق، سيكون من الأجدى اعتماد حدّ أدنى معقول من الأصوات التي يتعيّن على الأحزاب الحصول عليها ليتمّ الاعتراف بها، وذلك بطريقة توازن بين الحاجة إلى حصر عدد الأحزاب لتسهيل العملية السياسية، وضمان تمثيل الأحزاب الأصغر حجماً. يذكر أن قانون الانتخابات لعام 2020 كان قد اشترط حصول الأحزاب على نسبة حدّ أدنى من الأصوات تبلغ 4 في المئة.11

 

أخيراً، يواجه التصميم المؤسّسي الجديد للحكومة تحدّيات كبيرة في التطبيق. فقد أجرت الحكومة تعديلات على الفصول الأربعة الأولى من الدستور الاتحادي المؤقّت، ومن ثمّ أعدّت بناءً عليها ثلاثة تشريعات رئيسية: قانون الانتخابات، قانون الأحزاب السياسية، وقانون مفوّضية الانتخابات والحدود. ومع ذلك، ونظراً لعدم اكتمال الإطار القانوني، دفعت المقاربة المجزّأة لصياغة الدستور البلاد نحو أزمة دستورية. بالتالي، يصبح تنفيذ هذه القوانين أمراً في غاية الصعوبة. فعلى سبيل المثال، لا تتوافق الإنجازات المرحلية المطلوبة لتطبيق قانون الانتخابات مع الوقت المتبقّي من ولاية الحكومة الحالية أو مع قدرات الوكالات الحكومية. فضلاً عن ذلك، تتجاوز تحدّيات حفظ الأمن والسلامة في أوقات الانتخابات وتسجيل المنظّمات السياسية والناخبين والامتثال للمتطلّبات المالية، الإمكانات الحالية للحكومة. والأهمّ من ذلك، أنّ الحكومة لا تسيطر على ولايات أرض الصومال وبونتلاند وجوبالاند، ولا على المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب. وبالتالي، فإنّ إجراء انتخابات تستثني هذه المناطق سيؤدّي إلى نتائج غير متوازنة ويعمّق الانقسامات داخل المجتمع.

 

 

الخاتمة

 

تواجه الجمهورية الثالثة في الصومال تحدّيات كبيرة بسبب التغيّرات التي تسعى الحكومة لتطبيقها، بالإضافة إلى تفاقم الانقسامات الداخلية. من خلال تبنّي الرئيس حسن شيخ محمود إستراتيجية “الرابح يأخذ كلّ شيء”، واحتكاره السلطة، وتنفيذ تعديلات دستورية وتغييرات في القانون الانتخابي بما يخدم مصالحه الشخصية، تقوّض سياساته التسوية السياسية الهشّة في البلاد وتقلّص مساحة المشاركة السياسية. كما أنّ التحوّل من النظام البرلماني إلى الرئاسي، مقروناً بالقوانين التي تقيّد الأحزاب، يحدّ من شمولية العملية السياسية ويثير المخاوف من احتمال العودة إلى الحكم السلطوي.

 

تهدّد هذه السياسات الحكوميّة بتقويض التقدّم الذي أحرزته الجمهورية الثالثة على مدى العقدين المنصرمين. فقد انقسمت القوى السياسية بين مؤيّدين لدستور العام 2012 وأنصار الدستور الجديد الذي تطرحه الحكومة، ما يزيد من تعقيد الوضع في غياب دور المجتمع الدولي. وفي حال عدم احتواء الصراع السياسي في أسرع وقت ممكن، ستواجه الجمهورية الثالثة خطر الانهيار، ما قد يدفع الفصائل السياسية المختلفة إلى تبنّي دساتير متناقضة.

 

يجب على الحكومة العودة إلى دستور العام 2012 المؤقّت وإلى التسوية السياسية المتّفق عليها من أجل الحفاظ على الجمهورية الثالثة ومنع نشوء إدارات موازية. كما ينبغي على الرئيس تبنّي نهج شامل وتشاوري يحترم تنوّع القوى السياسية في الصومال ويعزّز الثقة والاستقرار. وفي المرحلة المقبلة، من الضروري التوصّل إلى توافق سياسي مع القوى المنافسة، بما في ذلك السياسيين المعارضين والولايات الفيدرالية. باختصار، على الحكومة الالتزام بإطار التسوية السياسية للجمهورية الثالثة. وإذا ما رغبت في تنظيم انتخابات، يمكنها الاعتماد على دستور العام 2012 وقانون الانتخابات لعام 2020، اللذين يستندان إلى التسوية السياسية. وعند الحاجة إلى تغييرات جوهرية، يجب أن تسعى الحكومة في الدرجة الأولى لضمان توافق سياسي من خلال حوار يشمل جميع الأطراف. كما يجب على المجتمع الدولي المساهمة في إنقاذ الجمهورية الثالثة من خلال الضغط على القادة السياسيين.

 


الهوامش:
1 “Wax-Ka-Baddalka Cutubyada 1aad, 2aad, 3aad iyo 4aad ee Dastuurka” [Changes to Chapters 1, 2, 3, and 4 of the Constitution], Official Bulletin, April 2024, https://osagsomalia.com/media/documents/bulletins-contents/legislation/2024/WAX-KA_BEDDELKA_CUTUBYADA_JAAD_2AAD3AAD_IYO_4AAD_EE_DASTUURKA.pdf; See also “Xeerka Doorashooyinka Qaranka” [National Electoral Law]; “Xeerka Dhismaha Guddiga Doorashooyinka iyo Xuduudaha” [Election and Boundaries’ Law]; and “Xeerka Ururrada iyo Xisbiyada” [Political Organizations and Parties Law], https://parliament.gov.so/document-library/?ee=1&eeFolder=Shuruuc%2FSHURUUC%2FShuruucda-2024&eeListID=1.
2 The National Consultative Council has met many times since June 2022. Key agreements include: the Security Architecture Agreement, March 2023; the Judiciary Agreement, December 2022; the Distribution of Powers and Responsibilities Agreement, December 2022; the Fiscal Federalism Agreement, March 2023; and the Electoral System Agreement, May 2023
3 “نظام الفائز الأوّل” هو نظام انتخابي بسيط يفوز فيه المرشّح الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات في دائرة انتخابية معيّنة، حتى وإن لم يحقّق الأغلبية المطلقة. يُعتمد هذا النظام في الدوائر التي لديها ممثّل واحد، كما هو الحال في المملكة المتحدة وكندا.
4 يتيح نظام التمثيل النسبي بالقوائم المفتوحة للناخبين اختيار مرشحين فرديين من قائمة حزبية، ما يمنحهم القدرة على التأثير في ترتيب المرشحين المنتخَبين.
5 يتيح نظام التمثيل النسبي بالقوائم المغلقة للناخبين اختيار حزب فقط، بينما يحدد الحزب ترتيب مرشحيه المنتخَبين.
6 “Xeerka Doorashooyinka Qaranka” [National Electoral Law], https://parliament.gov.so/wp-content/uploads/simple-file-list/Shuruuc/SHURUUC/Shuruucda-2024/Sharciga-Doorashooyinka-Qaranka-ee-Jamhuuriyadda-Federaalka-Soomaaliya.pdf; “Xeerka Dhismaha Guddiga Doorashooyinka” [The Law on the Establishment of the Electoral Commission], https://parliament.gov.so/wp-content/uploads/simple-file-list/Shuruuc/SHURUUC/Shuruucda-2024/Sharciga-Dhisidda-Guddiga-Madaxa-Bannaan-ee-Doorashooyinka-Qaranka-Soohdimaha.pdf.
7 “Xeerka Ururrada iyo Xisbiyada” [Political Organizations and Parties Law], https://parliament.gov.so/wp-content/uploads/simple-file-list/Shuruuc/SHURUUC/Shuruucda-2024/Sharciga-Ururada-Xisbiyadda-Siyaasadeed-ee-Jamhuuriyadda-Federaalka-Soomaaliya.pdf.
8 “Election and Boundaries Commission Law and Political Organizations and Parties Law of 2024,” https://parliament.gov.so/wp-content/uploads/simple-file-list/Shuruuc/SHURUUC/Shuruucda-2024/Sharciga-Doorashooyinka-Qaranka-ee-Jamhuuriyadda-Federaalka-Soomaaliya.pdf.
9 Bashir M. Sheikh-Ali, “Power Division in Somalia: Balancing Federal Authority and Regional Autonomy,” Hiraan Online, November 20, 2024, https://www.hiiraan.com/op4/2024/nov/199004/power_division_in_somalia_balancing_federal_authority_and_regional_autonomy.aspx.
10 Reuters, “Officials: Fighting Breaks Out Between Somalia’s Jubbaland Region and Federal Government,” VOA News, December 11, 2024, https://www.voanews.com/a/officials-fighting-breaks-out-between-somalia-s-jubbaland-region-and-federal-government/7897185.html
11 “Sharciga Doorashooyinka Heer-Federaal [Electoral Law for the Federal Government],” Article 12(9) (2020), Official Bulletin of the Federal Republic of Somalia, https://osagsomalia.com/media/documents/bulletins-contents/legislation/2020/Sharciga_Doorashooyinka_Heer_Federaal-2.pdf.