روسيا وتركيا: بين التنافس والتعاون في متاهة ليبيا الجيوسياسية

موجز قضية، مايو 2025
زميل زائر مبتدئ

7 مايو، 2025

النقاط الرئيسيّة:

 

روسيا وتركيا تجنيان ثمار التعاون والتنافس في ليبيا: على الرغم من أنّ موسكو وأنقرة تدعمان أطرافاً متنازعة في ليبيا، نجحت الدولتان في إدارة أولويّاتهما بمهارة وتوسيع نفوذهما وتهميش دور الفاعلين الغربيين والعرب.

 

 

الوجود العسكري الروسي والتركي في ليبيا يديم الانقسامات السياسية والعسكرية: في حين أدّى التدخل الروسي والتركي إلى تجميد الأعمال العدائية في ليبيا منذ منتصف العام 2020، لا يزال هذا الوجود يعيق التوصّل إلى تسوية سلميّة شاملة، من خلال عرقلة الجهود الرامية لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.

 

 

الأطراف الليبية غالباً ما تستغلّ وجود جهات أجنبية متعدّدة لمصلحتها: لا تتوانى الفصائل الليبية عن إعادة تقييم تحالفاتها الخارجية حين تتعارض مصالحها مع مصالح داعميها.

 

 

موسكو وأنقرة تنفتحان سياسياً على خصومهما السابقين في ليبيا: يعمل الطرفان على إعادة بناء علاقاتهما مع خصومهما المحلّيين السابقين في ليبيا، سعياً إلى تعزيز موقعيهما الجيوسياسي والاقتصادي داخل البلاد.

 

المقدّمة

 

ترتبط روسيا وتركيا بشراكة جيوسياسيّة رغم تنافسهما على امتداد ساحات الصراع، من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى القوقاز وأوروبا. فرغم وقوفهما على طرفَي نقيض في سوريا وليبيا وناغورني قره باغ وأوكرانيا، نجحت الدولتان في الحفاظ على مستوى من التعاون الثنائي وإدارة هذه الصراعات بفعاليّة وبما يراعي مصالحهما المتبادلة.

 

اللافت أنّ عضويّة تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وشراكتها الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي في المجالين الاقتصادي والمالي لم تقفا عائقاً في وجه تعاونها مع روسيا. إذ اتّسمت العلاقة بين الدولتين بنمط معقّد يجمع بين التنافس والتعاون، ظلّ قائماً حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وبالرغم من اعتبار دول الناتو روسيا “التهديد الأخطر والأكثر مباشرة لأمن الحلفاء”.1

 

يصف بعض المحلّلين هذه العلاقة بأنّها شكل من أشكال “التعاون في ظلّ الخصومة” بين “الأعدقاء2 اللدودين”، نشأت نتيجة تحوّلات في رؤى كلتا الدولتين لسياستهما الخارجية بعد الحرب الباردة وشعورهما المشترك بالإقصاء من قِبل الغرب.3 كما ساور موسكو وأنقرة قلقٌ عميق من مساعي الولايات المتحدة لتغيير الوضع الجيوسياسي القائم في مناطق تعتبرها كلٌّ منهما حسّاسة لأمنها القومي. بالنسبة إلى تركيا، ينبع هذا القلق من الأفعال العسكرية الأمريكية، وأبرزها غزو العراق عام 2003، والدعم الأمريكي للفصائل الكردية في سوريا منذ العام 2014. أمّا موسكو، فتعزو قلقها إلى ما تعتبره محاولات مدعومة من الولايات المتحدة لتغيير أنظمة الحكم في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي التابعة لها في السابق، وفي مقدّمتها أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت التحوّلات في الديناميات الأمنيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عقب الانتفاضات العربية وانحسار التدخّل الأمريكي المباشر، في تهيئة المناخ لمزيد من التعاون بين موسكو وأنقرة، رغم استمرار المنافسة الإستراتيجية بينهما.

 

تتجلّى هذه الديناميّة بأوضح صورها في ليبيا، حيث لا تزال العلاقات الروسية التركية القائمة على فصل الملفّات، تؤثّر في مجريات الصراع بعد عقد ونيّف على الإطاحة بنظام معمّر القذافي ومقتله، ما سمح للطرفين بتوسيع نفوذهما على حساب جهات فاعلة غربية وعربية داخل ساحة تُعدّ حيوية بالنسبة إلى أجنداتهما الجيوسياسية. من جهتها، ترى أنقرة في وجودها في ليبيا ورقة ضغط في نزاعها المزمن مع اليونان حول الحدود البحريّة وموارد الغاز في أعماق المتوسّط. أمّا موسكو، فتنظر إلى ليبيا بوصفها رصيداً إستراتيجياً ثميناً على الضفّة الجنوبية للمتوسط في خاصرة حلف الناتو، فضلاً عن كونها بوّابة عبور حيويّة إلى أفريقيا حيث تواصل موسكو توسيع نفوذها.

 

لقد ساهم الوجود العسكري الروسي والتركي في ليبيا منذ 2020 في تجميد الأعمال العدائية، لكنّه يبقى في المقابل عائقاً أمام التوصّل إلى تسوية سلميّة دائمة، نظراً لتمكينه الفصائل المحلّية المدعومة خارجيّاً من مقاومة جهود إحلال السلام. ينظر موجز القضية هذا في أبعاد التنافس والتعاون بين تركيا وروسيا في ليبيا، وانعكاسات هذه العلاقة على مستقبل البلاد السياسي.

 

رهانات موسكو وأنقرة في ليبيا ما بعد القذافي

 

كانت ليبيا أولى دول الانتفاضات العربية حيث انزلق الحراك الشعبي إلى صراع مسلّح، ما فتح الباب أمام تدخّل حلف شمال الأطلسي بتفويض من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لحماية المدنيين الليبيين، قبل أن يتطوّر لاحقاً إلى حملةٍ عسكريّة للإطاحة بنظام معمّر القذافي السلطوي. أبدت كلٌّ من موسكو وأنقرة تحفّظات على قرار مجلس الأمن رقم 1973 المدعوم من الغرب، والذي أجاز التدخّل العسكري في ليبيا. امتنعت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن والتي تتمتّع بحق النقض (الفيتو)، عن التصويت على القرار، بينما عارضت تركيا صراحة التدخّل بادئ الأمر، قبل أن تدعم في نهاية المطاف تغيير النظام.

 

إلى جانب الاعتبارات السياسية والإستراتيجية، أثّرت المصالح الاقتصادية في مواقف الطرفين إلى حدّ كبير. ففي العام 2010، بلغت حصّة ليبيا 12 في المئة من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية (بقيمة تقدّر بنحو 10 مليارات دولار) واحتضنت مشاريع استثماريّة روسية كبرى في قطاعي الطاقة والبنية التحتية.4 أمّا تركيا، ففاقت مصالحها الاقتصادية ذلك حتى، إذ كانت تشرف على مشاريع قيد التطوير بقيمة 20 مليار دولار، وأبرمت بين عامَي 1972 و2011 نحو 529 عقداً بلغت قيمتها الإجمالية 27 مليار دولار مع ليبيا.5

 

في أعقاب الإطاحة بنظام معمّر القذافي عام 2011، ساهم تراجع الإنخراط الأمريكي المباشر، بالتوازي مع غياب أجندة أوروبية موحّدة، في خلق حالة من الفراغ في المشهد الليبي، فانتهزت جهات إقليمية أخرى الفرصة لتعزيز دورها. أقامت تركيا علاقات جيّدة مع السلطات الانتقالية الجديدة بين عامَي 2012 و2014. ومع اندلاع الحرب الأهلية الثانية في ليبيا في منتصف عام 2014، عارضت أنقرة القائد العسكري خليفة حفتر وقوّاته المعروفة بـ”القوّات المسلّحة العربية الليبية” المتمركزة شرق البلاد، فسهّلت إيصال شحنات الأسلحة إلى خصومه من الإسلاميين والثوريين، وقدّمت الرعاية الطبية لمقاتليهم في المستشفيات التركية.6 في المقابل، استمرّت موسكو في إدانة تدخّل الناتو في تغيير النظام، محذّرة من خطر انهيار الدولة، وهو موقف لطالما ردّدته لتبرير دعمها لنظام الأسد في سوريا.

 

الرغم من إعلان موسكو وأنقرة عن دعمهما لاتفاق الصخيرات الذي أُبرم برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر 2015 وأفضى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، واصلتا، إلى جانب قوى أجنبية أخرى، دعم الفصائل المتنازعة، ما قوّض الاتفاق في نهاية المطاف وعمّق الانقسامات داخل ليبيا.

 

وفي حين افتقر الدعم التركي للسلطات في طرابلس إلى إستراتيجية واضحة، اتّبعت روسيا، بين عامَي 2015 و2019، مقاربة منهجيّة في دعمها لخليفة حفتر ومجلس النوّاب المتحالف معه في طبرق. وقد تجسّد هذا الدعم في مسارين رئيسيّين: أوّلهما تقديم مساعدات عسكرية عبر شركات خاصّة مرتبطة بالدولة، قدّمت الاستشارات وتولّت صيانة أسلحة من الحقبة السوفياتية، قبل أن تُوسّع مجموعة “فاغنر” هذا الدور لاحقاً.7 وثانيهما طباعة نحو 9,7 مليار دينار ليبي (ما يعادل 7 مليارات دولار في حينه) لصالح سلطات الشرق بين عامَي 2016 و2018، من دون موافقة المصرف المركزي المعترف به دولياً في طرابلس.8 ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ موسكو حافظت على قنوات تواصل مع حكومة الوفاق الوطني، رغم دعمها لحفتر.

 

معركة طرابلس والكشف عن الدوافع الإستراتيجية الروسية والتركية

 

أتاحت محاولة خليفة حفتر السيطرة على طرابلس بالقوّة، بين أبريل 2019 ويونيو 2020، فرصاً أمام روسيا وتركيا للتعاون التكتيكي، وتحقيق مكاسب جيوسياسية، وترسيخ وجودهما العسكري في ليبيا. وخلافاً لأبوظبي، التي دعمت حملة حفتر بكلّ ثقلها، أعربت موسكو والقاهرة عن قلق مبكر من احتمال فشل محاولته، واكتفيتا بدعمه دبلوماسياً. وإلى جانب الولايات المتحدة، أجهضت روسيا مشروع قرار لوقف إطلاق النار رعته الأمم المتحدة والمملكة المتحدة.9

 

أمّا تركيا، فكانت الدولة الوحيدة التي تدخّلت عسكرياً إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، ومدّتها بدعمٍ غير معلن عن طريق مسيّرات من طراز “بيرقدار TB2” ومركبات “كيربي” المقاومة للألغام.10 وفيما ساهم هذا الدعم في استعادة مدينة غريان، لم يكن هدف أنقرة الرئيسي تمكين حكومة الوفاق الوطني من تحقيق نصر حاسم، بل تثبيت خطوط التماس الجديدة. تمثّلت إستراتيجيّة أنقرة الأوسع باستغلال هشاشة وضع حكومة الوفاق الوطني العسكري من أجل الضغط عليها ودفعها إلى تقديم تنازلات دبلوماسية أكبر. وبلغ الحدّ بتركيا أن قلّصت في لحظة حرجة عدد المسيّرات التي كانت تزوّد بها قوّات حكومة الوفاق الوطني، ما مكّن “القوّات المسلّحة العربية الليبية”، المدعومة بمسيّرات صينية وفّرتها الإمارات العربية المتحدة،11من تحقيق تفوّق جوّي، لكنّه لم يكن كافياً للاستيلاء على قلب العاصمة طرابلس.

 

في سبتمبر 2019، كشفت تقارير إعلامية عن انضمام مرتزقة من مجموعة “فاغنر” المدعومة من روسيا إلى جانب “القوّات المسلّحة العربية الليبية” على خطوط القتال قرب العاصمة.12 وقد ساعدوا، بدعم من المسيّرات والامدادات اللوجستية التي وفّرتها الإمارات، قوّات حفتر على تحقيق تقدّم مستمرّ على أطراف طرابلس. غير أنّ هدف روسيا النهائي لم يكن تنصيب حفتر في السلطة من خلال نصر عسكري، بل تعزيز موقعه بما يضمن ترسيخ نفوذها الخاص في أيّ عملية سلام مستقبليّة، وهي إستراتيجية تتماشى مع هدف موسكو على نطاقٍ أوسع في زيادة نفوذها في ليبيا، الدولة المطلّة على البحر المتوسط والتي تحتلّ موقعاً إستراتيجياً محورياً بالنسبة إلى أمن حلف الناتو وأوروبا.

 

وفّرت مجموعة “فاغنر” لروسيا أداة فعّالة منخفضة الكلفة ويمكن إنكارها بغية توسيع نفوذها. لكن رغم دعم “فاغنر” “القوّات المسلّحة العربية الليبية”، واصلت موسكو التعامل مع حكومة الوفاق الوطني. وحرصاً على مصالحها الاقتصادية، حافظت موسكو على روابطها مع مختلف الأطراف السياسية الليبية، بما في ذلك “القذافيون”، على أمل أن يساهموا في إعادة تفعيل المشاريع الاقتصادية المتعثّرة وعقود التسليح.13

 

بعد مرور ثمانية أشهر على بدء الهجوم على طرابلس، تدخّلت تركيا علناً لمساندة حكومة الوفاق الوطني، بدعم مالي من قطر حسبما أفيد.14 ويبدو أنّ توقيت هذا التدخّل كان محسوباً بدقّة، إذ سعت أنقرة من خلاله إلى استغلال عجز حكومة الوفاق الوطني عن التصدّي للتقدّم المتواصل “للقوّات المسلّحة العربية الليبية”، ودفعها بالتالي إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات الأمنية التي لا تتعلق بليبيا فحسب، بل أيضاً بمصالح تركيا في البحر المتوسط.

 

في 2 يناير 2020، صادق البرلمان التركي على مشروع قانون يجيز إرسال قوّات إلى ليبيا،15 مستنداً إلى مذكّرتَي تفاهم وُقّعتا في 27 نوفمبر 2019 بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، تناولت إحداهما ترسيم الحدود البحرية، والأخرى التعاون الأمني والعسكري.16 وبموجب هاتين المذكّرتين، أرسلت أنقرة أنظمة دفاع جوي متطوّرة وسفناً حربية وآلاف المقاتلين السوريين لدعم حكومة الوفاق الوطني، ما قَلَبَ موازين القوى لصالحها بشكلٍ حاسم.

 

برّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التدخّل في ليبيا باعتباره استجابةً لطلب من “الحكومة الشرعية”، وهو ادّعاء مثير للجدل في أحسن الأحوال. فرغم الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني، إلّا أنّها لم تُنتخب قط، كما أنّها لم تتحصل على ثقة مجلس النواب، وفق ما تنصّ عليه المادة 13 من الاتفاق الذي أسّسها.17

 

جاء قرار أنقرة بدعم حكومة الوفاق الوطني مدفوعاً في المقام الأول بمصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، لكنّه انسجم أيضاً من الناحية الأيديولوجية مع الأجندة التوسعيّة القومية أكثر منها الإسلامية التي تطبع السياسة الخارجية التركية الحالية. وتؤكّد هذه الأجندة على الدفاع الصارم عن المصالح القوميّة التركية في البحر المتوسط، وهو ما ساعد الائتلاف السياسي الحاكم حينها، المؤلّف من حزب العدالة والتنمية ذي التوجّه الإسلامي، وحزب الحركة القومية اليميني المتطرّف، على حشد الدعم الشعبي للتدخّل في ليبيا، في ظلّ ضعف المعارضة. ولهذا الغرض، طوّر الأدميرال جهاد ياجي، الذي صاغ الإطار البحري للاتفاقية الموقّعة بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني، مفهوم “الوطن الأزرق” (Mavi Vatan)19 الذي طرحه الأدميرال جيم غوردنيز عام 2006.18 وقد شكّلت أفكار يايجي أساس اقتراح ترسيم الحدود البحريّة الذي عرضته تركيا على معمّر القذافي لأول مرة عام 2010، وتمّ توسيعها لاحقاً.20

زاد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني من حدّة التوتّرات السياسية مع الاتحاد الأوروبي. وقد ازدادت الأهمية الجيوسياسية للاتفاق بالنسبة إلى أنقرة بعد استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسّط، ما فاقم نزاعها المستمرّ مع أثينا بشأن ترسيم المناطق البحرية. ففي حين تستند اليونان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) من أجل تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، لم تصدّق تركيا على تلك الاتفاقية، وتطالب بحقوق أوسع في الجرف القاري المحاذي للجزر اليونانية وفي المناطق الغنية بالغاز القريبة من السواحل الليبية.

 

مناورات أنقرة وموسكو لتحقيق التوازن في ليبيا

 

بعد إرساء توازن جديد على خطوط المواجهة، وظّفت موسكو وأنقرة عاملَين أساسيَين بهدف تجميد الصراع وتوجيهه بما يخدم مصالحهما. فقد استندتا في المقام الأوّل إلى تجربتهما في سوريا، من خلال مسارَي أستانا وسوتشي والاتفاقات الثنائية المتعلّقة بمحافظة إدلب الشمالية الغربية التي كانت خاضعة لسيطرة المتمرّدين، ما شجّعهما على اختبار نهج مشابه في الساحة الليبية. ثانياً، في ظلّ محدودية الانخراط الأمريكي والانقسامات الأوروبية (خصوصاً بين إيطاليا وفرنسا) إلى جانب احتدام التنافس الإقليمي آنذاك بين تركيا من جهة، والإمارات ومصر من جهة أخرى، رأت أنقرة في موسكو الشريك الأكثر موثوقيّة، رغم تضارب المصالح بين الطرفين والانتقادات المتبادلة بشأن استخدام المقاتلين الأجانب.

 

دُعي خليفة حفتر وفايز السراج إلى محادثات لوقف إطلاق النار في موسكو في 14 يناير 2020، بمسعى منسّق بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وبينما وافق السراج على التوقيع على نتائج المحادثات، غادر حفتر من دون أن يوقّع، مواصلاً رهانه على تحقيق نصر عسكري بدعم إماراتي.21 جسّدت هذه الواقعة مثالاً كلاسيكيّاً على التحدّيات التي قد يواجهها الداعمون الأجانب في ضبط سلوك حلفائهم على الأرض الذين قد يفضّلون دفع أجنداتهم الخاصّة قدماً، لا سيّما في سياقٍ تتعدّد فيه القوى الخارجية المنخرطة، كما هو الحال في ليبيا.

 

على الرغم من أنّ قمّة موسكو لم تُفضِ إلى النتائج المرجوّة، استمرّ التعاون بين أنقرة وموسكو قائماً. فعقب فشل مؤتمر برلين الدولي في 19 يناير 2020، تلقّى خليفة حفتر ضربات عسكرية قاسية، بدّدت آماله في السيطرة على طرابلس.22 فقد قضت أنظمة الدفاع الجوّي التركية على تفوّق “القوات المسلحة العربية الليبية” في أجواء طرابلس ومصراتة، فيما دمّرت الغارات الجوية التركية خطوط إمدادها الطويلة وغير المحميّة. في هذه الأثناء، منح تدفّق آلاف المقاتلين السوريين قوّات حكومة الوفاق الوطني تفوّقاً عدديّاً، سمح لها بترسيخ سيطرتها على المناطق المستولى عليها. في المقابل، بدأت القيادة الميدانية “لـلقوات المسلّحة العربية الليبية” تضعضع بشكلٍ مطّرد. وفي أبريل 2020، بسطت القوّات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني سيطرتها على عدد من البلدات الواقعة على طول الساحل الغربي، قبل أن تستولي، بعد نحو شهر، على قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية قرب الحدود مع تونس.23

 

في حين بدت هزيمة حفتر العسكرية كارثية، إذ دمّرت الطائرات المسيّرة التركية أصولاً عسكرية روسية ثمينة،24 ظلّ عدد من الخطوط الحمراء مُصانة. فبطلب من تركيا، سمحت قوّات حكومة الوفاق الوطني المتقدّمة لمرتزقة “فاغنر” بالانسحاب بأمان من خطوط المواجهة، ما أتاح إجلاءهم جوّاً نحو مناطق خاضعة لحماية “القوّات المسلّحة العربية الليبية” في شرق ليبيا ووسطها.25 وبالمثل، حين وصلت قوّات حكومة الوفاق الوطني إلى مشارف مدينة سرت بدعم تركي، أجبرها إنذار روسي ضمني، ولاحقاً مصري صريح، على وقف تقدّمها.26

 

ترسيخ النفوذ في ظلّ جمود طويل

 

على مدى السنوات الخمسة التي تلت هزيمة “القوّات المسلّحة العربية الليبية” وانسحابها من شمال غرب البلاد، ظلّ التقسيم الإقليمي بين السلطات الليبية الغربية والشرقية ثابتاً إلى حدّ كبير. إذ تمتدّ خطوط التماس الجديدة من مدينة سرت الساحلية، مروراً بقاعدة الجفرة الجوية الإستراتيجية على بُعد 160 ميلاً إلى الجنوب، وصولاً إلى مدينة أوباري في إقليم فزّان التي تبعد أكثر من 350 ميلاً إلى الجنوب الغربي.

 

في أعقاب القتال، واصلت موسكو تعزيز وجودها العسكري في ليبيا من خلال نشر طائرات حربية متطوّرة، وإعادة تموضع مقاتلي مجموعة “فاغنر” في قاعدة القرضابية الجوية قرب سرت، وفي قواعد إستراتيجية في إقليم فزّان، من بينها الجفرة وبراك وتمنهنت، فضلاً عن عدد من حقول النفط الكبرى في جنوب البلاد.27 في المقابل، رسّخت أنقرة تواجدها في عدد من القواعد العسكرية الرئيسية في غرب ليبيا، من بينها قاعدة معيتيقة الجوية في وسط طرابلس، وكليّة القوّات الجوية في مصراتة، والقاعدة البحرية في الخُمس، وقاعدة الوطية الجوية. كما تولّت تركيا تدريب قوّات أمنية جديدة وتجهيزها، وأعادت نشر مرتزقة سوريين في مواقع متعدّدة.

 

لم تثر هذه التحركات الروسية والتركية أي ردّ فعل يُذكر من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى (بين العامين 2017 و2021)، إذ اقتصر موقفها على بيانات إدانة إعلامية لأنشطة مجموعة “فاغنر” في ليبيا، صدرت عن القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم).28 أمّا الاتحاد الأوروبي، فبدا مشلولاً بدوره، كما اتّضح في عجزه عن تنفيذ حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة عبر ما يُعرف بعملية “إيريني” البحرية.29

 

على الرغم من تنامي الوجود العسكري الروسي والتركي على الأرض، تُدرك موسكو وأنقرة أنّ الانقسام العميق في ليبيا قد لا يخدم مصالحهما في نهاية المطاف، إذ إن طموحاتهما في المدى البعيد، وخاصة الاقتصادية منها، تبقى رهناً بالاستقرار السياسي النسبي والتجارة المفتوحة مع شرق البلاد وغربها. يتعزّز هذا التصوّر بفعل الاقتصاد السياسي للصراع الليبي، حيث يُحرك النفط المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة؛ ف”القوات المسلّحة العربية الليبية” تسيطر على أكبر حقول النفط، في حين تتحكّم سلطات طرابلس بالعائدات من خلال المصرف المركزي. تجعل هذه الديناميات ترتيبات تقاسم السلطة المتفاوض عليها مفيدة لكل من موسكو وأنقرة، بينما لا تُشكّل بالضرورة لهما حافزاً لإيجاد حلّ كامل للصراع. علاوة على ذلك، لا يسمح انخراطُ جهات أجنبية متعدّدة في الملف الليبي لأيّ جهة منفردة أن تهيمن بسهولة على الأخرى.

 

فعلى مدى ما يقارب نصف عقد، تعاونت موسكو وأنقرة في الحفاظ على الوضع القائم بموجب وقف إطلاق النار المعلن في أغسطس 2020. ووضعت موسكو خارطة طريق سياسية هدفت إلى تهميش خليفة حفتر لصالح رئيس مجلس النوّاب عقيلة صالح.30 وعلى الرغم من اعتراض سلطات طرابلس، سهّلت موسكو عقد لقاء بين أحمد معيتيق، العضو السابق في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وخالد حفتر، نجل خليفة حفتر، في سوتشي. وقد أفضى هذا اللقاء إلى رفع الحظر الذي كان حفتر قد فرضه على صادرات النفط، ويُعتقد أنّ موسكو استعانت بمقاتلي مجموعة “فاغنر” المتمركزين في الحقول النفطية جنوب البلاد لتحقيق ذلك.31

 

في مارس 2021، أثمرت جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) عن تشكيل أوّل حكومة موحّدة منذ عام 2014، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قطب البناء الذي تحول إلى سياسي، والذي كانت تربطه علاقات بنظام القذافي. ويواجه الدبيبة اتهامات بالفساد على خلفيّة إدارته لعدد من الشركات التي كان يملكها ابن عمّه علي الدبيبة، أحد أبرز محاسيب القذافي.32 ومنذ تكليف حكومة الوحدة الوطنية، تصاعدت المطالب بسحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا- الذين قدّرت نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة في العام 2020 عددهم بنحو 20 ألفاً.33

 

وظّفت أنقرة علاقتها السابقة برئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة التي عزّزتها خبرتها الواسعة في قطاع البناء في ليبيا، لضمان التزام حكومة الوحدة الوطنية بالاتفاقيات الموقّعة في السابق. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدبيبة كان يترأّس سابقاً مجلس إدارة الشركة الليبية للاستثمار والتنمية القابضة (ليدكو)، وهي التكتّل المسؤول عن تنفيذ بعض أضخم المشاريع العمرانية في البلاد.34 بالإضافة إلى ذلك، عزّز استمرار اعتبار خليفة حفتر بمثابة تهديد عسكري موقف أنقرة، ومهّد الطريق أمام تصويت البرلمان التركي على تمديد وجود القوّات التركية في ليبيا حتى العام 2022.35

 

أظهرت تركيا التزامها بحماية حكومة الوحدة الوطنية في مناسبتين. أوّلاهما حين شنّت ضربات جويّة أحبطت محاولة الانقلاب التي قادها فتحي باشاغا ضد حكومة الوحدة الوطنية عام 2022.36 وكان مجلس النوّاب قد كلّف باشاغا، وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني وحليف أنقرة الرئيسي أبّان حرب طرابلس، بتشكيل حكومة موازية تحت اسم “حكومة الاستقرار الوطني” في فبراير 2022، إثر تقارب وجيز مع خليفة حفتر، ولكنّه أقيل في مايو 2023.

 

ثانياً، وفي الشهر نفسه، أي في مايو 2023، استهدفت المسيّرات التركية مجموعات مسلّحة مناهضة للدبيبة في مدينة الزاوية، على ارتباط بعائلة بوزريبة النافذة التي كانت قد نسّقت مع حفتر في محاولة لتكرار سيناريو هجوم باشاغا على حكومة الوحدة الوطنية. وتجنّباً للتوتّرات الاجتماعية داخل المدينة، صوّرت الحكومة تلك الضربات على أنّها موجّهة ضد مهرّبين.37 وفي كلتا الحالتين، اتهم المُستهدَفون – الذين كانوا جزءًا من الائتلاف العسكري المناهض لحفتر والمدعوم من تركيا في حرب عام 2019 – أنقرة بالتورط.38

 

في ظلّ تبلور إعادة الاصطفافات الجيوسياسية بين تركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ولاحقاً مصر، بدأت أنقرة تدريجياً بتطبيع علاقاتها مع السلطات في شرق ليبيا. والمفارقة أنّ تركيا تقيم روابط مالية منذ فترة طويلة مع أبناء خليفة حفتر، إذ أفيد أنّها اضطلّعت بدور الوسيط في تحويل أموال صادَرها صدّام حفتر من فرع مصرف ليبيا المركزي في بنغازي وأُعيد توجيهها إلى أماكن أخرى.39 كما انخرطت في تجارة الخردة المعدنية، ولعبت دوراً محورياً كوسيط مالي في صفقات نفطية غير مشروعة وعمليّات مقايضة الوقود بالنفط الخام مع آل حفتر 40.

 

رغم التعقيدات السابقة، شكّلت جهود الإغاثة اللافتة التي بذلتها تركيا عقب إعصار دانيال الذي ضرب مدينة درنة في سبتمبر 2023 متسبباً بكارثة إثر انهيار السدود، نقطة تحوّل في مسار علاقتها مع شرق ليبيا.41 ويبدو أنّ ذلك قد مهّد الطريق أمام تركيا لضمان عقود جديدة في مجال إعادة الإعمار،42 وعودة الخطوط الجويّة التركية إلى بنغازي، عدا عن إطلاق مباحثات لافتتاح قنصلية تركية في المدينة.

 

وبالفعل، استمرّت أنقرة في تعزيز علاقاتها مع شرق ليبيا، حيث تنشط شركات تركية حالياً في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار بإشراف بلقاسم حفتر، نجل خليفة حفتر والمدير العام لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضرّرة. يؤدي بلقاسم دوراً دبلوماسيّاً يشبه مهام وزير الخارجية، مستخدماً الصندوق الذي يتلقّى دعماً مالياً سخيّاً ويعمل خارج نطاق الرقابة المالية، كواجهة للوصول إلى عواصم عربية ودولية مؤثرة. ويبدو أنّ حرص أنقرة على توسيع مصالحها التجاريّة بات يُحفّزها على الاضطلاع بدور الوسيط بين الأطراف الليبية المتنازعة.43

 

من ناحية أخرى، واصلت روسيا، المنشغلة بالحرب في أوكرانيا منذ أوائل عام 2022، إنكار وجود مقاتلي “فاغنر” في ليبيا، وحرصت على إبقاء نشاطها العسكري بعيداً عن الأضواء. ومنذ مقتل قائد المجموعة، يفغيني بريغوجين، باتت وزارة الدفاع الروسيّة تشرف عن كثب على نشاط قوّات “فاغنر” في ليبيا، التي أصبحت تُعرف اليوم باسم “فيلق أفريقيا”.44

 

أرغم سقوط الحليف الروسي في سوريا، بشار الأسد، موسكو على البحث عن سُبل لتعويض خسائرها عبر التوسّع والاستثمار في ساحات بديلة. وبينما تحتفظ روسيا بقاعدتها العسكرية في حميميم، أفادت تقارير بأنّها بدأت تنقل معدّات وأسلحة من سوريا إلى مناطق واقعة تحت سيطرة “القوّات المسلّحة العربية الليبية”، لاسيّما على طول الحدود مع السودان وتشاد.45 ويتزامن ذلك مع مؤشّرات واضحة على سعي موسكو إلى استخدام بيلاروسيا كقناة “شرعية” جديدة لدعم حفتر.46

 

على غرار أنقرة، سعت موسكو إلى ترميم علاقاتها مع “الطرف الآخر” في ليبيا. فقد أعادت فتح سفارتها في طرابلس العام الماضي، بقيادة سفير جديد يتقن اللغة العربية. وقال السفير في مقابلة أجراها في العام 2024، إنّ “عناصر” روسية، وليس قوّات روسية، تتعاون مع “القوات المسلّحة العربية الليبية”، في إشارة إلى الانتقال نحو حضور أكثر رسمية.47 وقد عزّز تسليم شحنات أسلحة عبر سفن روسية رست في ميناء طبرق خلال شهرَي أبريل ويونيو 2024 الرسالة القائلة بأنّ الحضور الروسي في ليبيا بات أكثر علنيّة.48

 

تدرك موسكو وأنقرة أنّ تحقيق أهدافهما الإستراتيجية في المدى البعيد يستوجب قيام حكومة ليبية موحّدة وشرعية. وقد سلّطت وزارة الخارجية التركية الضوء على التحدّيات المرتبطة بمسألة “الشرعية” في ما يتعلّق بتنفيذ الاتفاقات الموقّعة مع طرابلس.49 إلّا أنّ هذا الإقرار جاء بعدما ضمنت أنقرة استمرار وجودها العسكري في ليبيا حتى مطلع عام 2026.50

 

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، أبدت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) اهتماماً متزايداً بتمتين روابطها مع قادة عسكريين في كلّ من شرق ليبيا وغربها، بهدف تعزيز الجهود الآيلة إلى توحيد القوى العسكرية الليبية.51 لقد أثارت هذه الجهود، على تواضعها، تكهّنات حول احتمال أن تكون دول غربية تدرّب قوّة مشتركة ليبية وتجهّزها بهدف التصدّي للنفوذ الروسي. لكن إن لم تترافق هذه المبادرات مع انسحاب شامل لجميع القوّات الأجنبية الأخرى، بما فيها التركية، فمن المستبعد أن تحظى بتأييد القوى المحلّية التي ترى في الوجود العسكري التركي تهديداً لها.

 

الخاتمة

 

في ظلّ حالة الانقسام الداخلي المزمنة والتدخّلات الأجنبية المستمرّة في ليبيا، يبدو مستبعداً أن تؤدّي وساطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى تنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أكتوبر 2020، ناهيك عن سحب القوّات الأجنبية والمرتزقة. ومن المرجّح أن تبقى القوات العسكرية التركية والروسية على الأراضي الليبية في المستقبل المنظور. في هذه الأثناء، ستواصل الجهّات المحلّية استغلال التواجد الأجنبي بما يخدم مصالحها. وعندما تتعارض هذه المصالح مع أجندات الداعمين الأتراك أو الروس، لن يتردّد الأطراف الليبيون في المناورة وإعادة النظر في تحالفاتهم، والانفتاح على لاعبين آخرين.

 

لم تشكّل هزيمة خليفة حفتر في طرابلس نكسة لروسيا أو تقويضاً لنفوذها بالضرورة، فلا تزال موسكو قادرة على تحقيق هدفها الرئيسي، المتمثّل بترسيخ موطئ قدم لها في البحر المتوسط، وإنّ كانت المهمّة صعبة. وقد ازداد هذا الهدف أهميّة بالنسبة إلى موسكوفي أعقاب سقوط نظام الأسد، في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على توسيع نفوذها في القارّة الأفريقية. أمّا في ما يتعلّق بأهدافها الثانوية، مثل استعادة دورها كمورّد للأسلحة وشريك محتمل في عمليات إعادة الإعمار، فلا يبدو أنّ روسيا حقّقت نجاحاً على هذا الصعيد يضاهي ما حقّقته تركيا.

 

في المقابل، إنّ اقتصار نفوذ أنقرة على غرب ليبيا بشكلٍ أساسي لا يمنعها من تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وفي مقدّمتها الحفاظ على وجودٍ لها بالقرب من المناطق الغنيّة بالنفط والغاز في البحر المتوسط وصون مصالحها الاقتصادية والتجارية المتشعّبة، حتى في شرق البلاد.

 


الهوامش
1 “Washington Summit Declaration,” NATO, Press Release, July 10, 2024, https://tinyurl.com/4j45u6um.
2 بمعنى أصدقاء وأعداء في الوقت نفسه.
3 Galip Dalay, “Turkey and Russia are Bitter Frenemies,” Foreign Policy, May 28, 2019, https://tinyurl.com/m2xvn9m7; Güney Yıldız, Turkish-Russian Adversarial Collaboration in Syria, Libya, and Nagorno-Karabakh, SWP Comment 2021/C 22, (Berlin, Germany: Stiftung Wissenschaft und Politik [German Institute for International and Security Affairs], March 24, 2021), https://doi.org/10.18449/2021C22; Yeghia Tashjian, The Russian-Turkish ‘Co-opetition’ in Times of Regional Crisis, (Beirut, Lebanon: Issam Fares Institute for Public Policy and International Affairs, March 2022), https://tinyurl.com/mtvmxrft.
4 Alexei Anishchuk, “Gaddafi Fall Cost Russia Tens of Blns in Arms Deals,” Reuters, November 2, 2011, https://tinyurl.com/zazhdmds.
5 “İnşaat Sektörü Analizi: Arap Baharı, Borç Krizi ve Aşırı Isınan Ekonomiler [Construction Sector Analysis: Arab Spring, Debt Crisis and Overheating Economies],” Turkish Contractors Union, July 2011, 14-15, https://tinyurl.com/mrysa77n.
6 “Ansar al-Sharia Leader ‘Almost Certainly’ Killed in Libya,” Middle East Eye, February 13, 2015, https://tinyurl.com/ywyu9k66.
7 Maria Tsvetkova, “Exclusive: Russian Private Security Firm Says It Had Armed Men in East Libya,” Reuters, March 13, 2017, https://tinyurl.com/yc88dxum.
8 Abdulkader Assad, “Libya’s Parallel Central Bank Admits Printing 9.7 Billion Dinar Banknotes in Russia,” The Libya Observer, November 20, 2018, https://tinyurl.com/4zd5b3aj.
9 Michelle Nichols, “U.S., Russia Say Cannot Support a U.N. Call for Libya Truce: Diplomats,” Reuters, April 19, 2019, https://tinyurl.com/5c6s4anv.
10 Darek Liam, “Libya: Turkey Delivers BMC Kirpi 4×4 Armoured Vehicle to GNA,” Military Africa, May 18, 2019, https://tinyurl.com/y74sefjr.
11 “UAE Implicated in Lethal Drone Strike in Libya,” BBC, August 28, 2020, https://www.bbc.com/news/world-africa-53917791.
12 Samer Al-Atrush and Stepan Kravchenko, “Putin-Linked Mercenaries Are Fighting on Libya’s Front Lines,” Bloomberg, September 25, 2019, https://tinyurl.com/yc7295r6.
13 “Russia Says Gaddafi’s Son Should Play Role in Libyan Politics – RIA,” Reuters, December 25, 2018, https://tinyurl.com/bde4xpee; “Russia: Gaddafi Loyalists Should Participate in Libyan Dialogue,” Middle East Monitor, January 5, 2021, https://tinyurl.com/2k8e3cy4.
14 International Crisis Group, Turkey Wades into Libya’s Troubled Waters, Europe Report N°257, (Brussels, Belgium: International Crisis Group, April 30, 2020), 13, https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/257-turkey-libya-troubled-waters.pdf.
15 “Turkey’s Parliament Approves Military Deployment to Libya,” Al Jazeera, January 2, 2020, https://tinyurl.com/bdhurmv7.
16 Ibid
17 United Nations Support Mission in Libya (UNSMIL), “Libyan Political Agreement,” Article 13, 9, signed on December 17, 2015, https://tinyurl.com/43cy6nuv.
18 “Mavi Vatan,” or “Blue Homeland,” has become a common phrase in Turkish politics, most often used as shorthand for Ankara’s maritime claims in the eastern Mediterranean.
19 Karim Faheem, “Amid Mediterranean tensions, retired Turkish admiral grabs the spotlight touting supremacy at sea,” The Washington post, September 27, 2020. https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/turkey-greece-blue-homeland/2020/09/26/15cf7afe-fc3b-11ea-830c-a160b331ca62_story.html
20 Cihat Yaycı, “Türkiye-Libya Arasında İmzalanan Münhasır Ekonomik Bölge Andlaşmasının Sonuç ve Etkileri,” [Results and Effects of the Exclusive Economic Zone Agreement Signed Between Türkiye and Libya], kriter, January 1, 2020. https://kriterdergi.com/dosya/turkiye-ve-libya-arasindaki-anlasmanin-sonuc-ve-etkileri.
21 “Libya Conflict: Haftar ‘Leaves’ Moscow Ceasefire Talks Without Deal,” BBC, January 14, 2020, https://tinyurl.com/5w3krbdm.
22 Barbara Bibbo, “Berlin Conference: Another Failure in the Libya Crisis,” Middle East Eye, February 3, 2020, https://tinyurl.com/yc4xva7t.
23 Patrick Wintour, “UN-backed Libyan Forces Take Key Airbase from Rebel General,” The Guardian, May 18, 2020, https://tinyurl.com/43vr9w42
24 Seth J. Frantzman, “How Did Turkish UAVs Outmaneuver Russia’s Pantsir Air Defense in Libya: Lessons and Ramifications,” Middle East Center for Reporting and Analysis (MECRA), May 27, 2020, https://tinyurl.com/3wnsv648.
25 “Hundreds More Russian Mercenaries Flee Western Libya: GNA Forces,” Al Jazeera, May 25, 2020, https://tinyurl.com/ycwnecbm.
26 Samy Magdy and Andrew Wilks, “Egyptian President Says Libyan City Sirte a ‘Red Line’,” Associated Press, June 20, 2020, https://tinyurl.com/y3rv7d99.
27 Joseph S. Bermudez Jr. and Brian Katz, Moscow’s Next Front: Russia’s Expanding Military Footprint in Libya, Commentary, (Washington, DC: Center for Strategic and International Studies, June 17, 2020), https://tinyurl.com/vahyvv3k.
28 “Russia, Wagner Group Complicating Libyan Ceasefire Efforts,” U.S. Africa Command Public Affairs, July 15, 2020, https://tinyurl.com/2kv4j55y.
29 Yigal Chazan, “Why Libya’s Arms Embargo is Failing,” The Arab Weekly, August 17, 2020, https://tinyurl.com/37rp2u2d
30 “Trimming Turkey’s Wings: Ankara and Cairo Fight for Influence in Africa and East Med,” Mada Masr, August 25, 2020, https://www.madamasr.com/en/2020/08/25/feature/politics/trimming-turkeys-wings-ankara-and-cairo-fight-for-influence-in-africa-and-east-med/; Dario Cristiani, A Ceasefire with Feet of Clay: The Potential Spoilers of Peace in Libya, (Rome, Italy: Istituto Affari Internazionali, November 21, 2020), https://www.iai.it/en/pubblicazioni/c05/ceasefire-feet-clay-potential-spoilers-peace-libya.
31 Torrey Clark and Samer Al-Atrush, “Russia Welcomes Libya Deal on Oil Exports, Revenue Distribution,” Bloomberg, September 19, 2020, https://tinyurl.com/wrypasnv.
32 Tarek Megerisi, “Fuelled by Corruption and Nepotism, Libya Finds Itself Trapped in Political Anarchy,” Al Majalla, July 3, 2023, https://tinyurl.com/4vf6eb7a.
33 Stephanie Williams, “Opening Remarks During Third Virtual Meeting of the Second Round of the LPDF,” transcript of speech delivered at the UNSMIL Libyan Political Dialogue Forum, December 2, 2020, https://tinyurl.com/52mmhn6v.
34 Organized Crime and Corruption Reporting Project, Libyans Who Looted Gaddafi’s Graft-Ridden Development Fund Banked at Credit Suisse, Suisse Secrets Investigation, (Amsterdam, Netherlands: Organized Crime and Corruption Reporting Project (OCCRP), February 24, 2022), https://tinyurl.com/4jszzs3d.
35 “Turkey Extends Libya Troop Deployment for Another 18 Months,” Daily Sabah, June 21, 2022, https://tinyurl.com/bddnwe27.
36 “Clashes Rock Outskirts of Tripoli as Questions Rise about Turkey’s Role in Libya,” The Arab Weekly, September 4, 2022, https://tinyurl.com/4crfaftb.
37 Monia Ghanmi, “Istahdafat Mawaqi‘ Muhharribīn.. Ghārāt Jawiyyah Jadīdah Gharb Lībiyā [Airstrikes Target Smuggler Locations… New Airstrikes in Western Libya],” Al Arabiya, May 28, 2023, https://tinyurl.com/n8nah69d.
38 Nisreen Suleiman, “Lībiyā: jadal tuthīruhu ḍarabāt jawwiyya tabannathā ḥukūmat al-waḥda al-waṭaniyya fī iṭār ʿamaliyya ʿaskariyya ḍidd tahreeb al-wuqūd [Libya: Controversy Raised by Airstrikes Adopted by the Government of National Unity as Part of a Military Operation Against Fuel Smuggling],” Al-Quds Al-Arabi, May 26, 2023, https://tinyurl.com/d58fvxhf.
39 United Nation Security Council, “Letter Dated 5 September 2018 from the Panel of Experts on Libya Established Pursuant to Resolution 1973 (2011) Addressed to the President of the Security Council,” UN Document, S/2018/812, (September 5, 2018), 10, https://tinyurl.com/4mudube5.
40 “Haftar, his Son Saddam and the Gold Smuggling,” Libya Tribune, October 12, 2020, https://tinyurl.com/mvffm8ed.
41 Ali Bin Musa, “Türkiye Leverages Derna Relief to Reconcile with Eastern Libya,” Afkār (blog), Middle East Council on Global Affairs, October 5, 2023, https://tinyurl.com/22zvewz7.
42 Safa Alharathy, “Haftar’s Fund Inks Turkish Deals for Benghazi, Suluq,” The Libya Observer, October 24, 2024, https://tinyurl.com/mtc8vy95.
43 Oguzhan Sari, “Turkish National Defense Ministry Hosts Libyan Military Joint Commission Delegation,” Anadolu Agency, November 28, 2024, https://www.aa.com.tr/en/turkiye/turkish-national-defense-ministry-hosts-libyan-military-joint-commission-delegation/3407669.
44 John A. Lechner and Sergey Eledinov, “Is Africa Corps a Rebranded Wagner Group?,” Foreign Policy, February 7, 2024, https://foreignpolicy.com/2024/02/07/africa-corps-wagner-group-russia-africa-burkina-faso/.
45 “Russia Shifts Focus to Libya Following Setbacks in Syria,” Military Africa, February 2, 2025, https://tinyurl.com/3s4e2vtt.
46 “Libya: Haftar Strengthens Axis with Belarus and Relaunches Military Cooperation with Moscow,” Agenzia Nova, February 20, 2025. https://www.agenzianova.com/en/news/libia-haftar-rafforza-lasse-con-la-bielorussia-e-rilancia-la-cooperazione-militare-con-mosca/.
47 Al Jazeera Mubasher, “Maṭāmiʿ al-Gharb wa-Rūsiyā fī Lībiyā.. Mubāshar maʿ al-Safīr al-Rūsī [The West and Russia’s Ambitions in Libya… Live with the Russian Ambassador],” YouTube, June 10, 2024, 10:09 p.m., https://tinyurl.com/nhdrzxrs.
48 “Libya: Two Russian Military Ships on a ‘Courtesy Visit’ to Tobruk,” Nova News, June 18, 2024, https://tinyurl.com/2ah3pxx2.
49 Levent Kenez, “Turkish Foreign Ministry Acknowledges Legitimacy Problems in Agreements with Libya,” Nordic Monitor, November 15, 2024, https://tinyurl.com/mppnwvxk.
50 Handan Kazancı, “Turkish Parliament Approves Motion to Extend Mandate of Troops in Libya for 24 Months,” Anadolu Agency, November 30, 2023, https://tinyurl.com/32zxjj68.
51 Abdulkader Assad, “AFRICOM Reviews in Tripoli and Benghazi Efforts to Unify Libya’s Military Institution,” The Libya Observer, February 5, 2025, https://tinyurl.com/md8kctn5.