مخاوف الأمن القومي إزاء الذكاء الاصطناعي الحدودي (Frontier AI) والمخاطر الناجمة عنه: أدّت اعتبارات سلسلة التوريد في الولايات المتحدة وشرق آسيا وأوروبا، إلى إعادة تطبيق السياسة الصناعية على صناعة أشباه الموصلات. وينبغي على الدول الخليجية أن تكون على دراية بهذه المخاطر الجيوسياسية، نظراً لتفاقم التوتّرات بين الولايات المتحدة والصين.
وضع قوانين ملموسة لتنظيم عمل الذكاء الاصطناعي للحدّ من المخاطر: نظراً لاستخدام رقائق الذكاء الاصطناعي في عدد كبير من التقنيّات ذات الاستخدام المزدوج، لا بدّ من أن تكون الدول الخليجية مجهّزة بقوانين محدّثة للبيانات تتماشى مع قوانين كلّ دولة، ولوائح تنظيمية جديدة للذكاء الاصطناعي من أجل تطبيقها.
دور سلسلة التوريد في عصر انتشار إجراءات الرقابة على التصدير: من غير المرجّح أن تحقّق الدول الخليجية اكتفاءً ذاتياً من أشباه الموصلات، نظراً لتحدّيات التطوير والمنافسة العالمية. ومع ذلك، يجب عليها أن تحدّد الدور الذي ستؤدّيه في سلسلة توريد الرقائق، بالإضافة إلى تعزيز البحث والتطوير في مجال شبكات الجيل السادس للاتصالات (6G).
خارطة الطريق للسياسة بشأن رقائق الذكاء الاصطناعي: نظراً لحتمية الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، يجب على الدول الخليجية وضع خارطة طريق كاملة لتوجّه سياستها بوضوح بشأن رقائق الذكاء الاصطناعي كمصدر للتنويع الاقتصادي.
أشار إصدار البرنامج المفتوح المصدر “شات جي بي تي” (ChatGPT) الذي ابتكرته شركة “OpenAI“ في نهاية نوفمبر 2022 إلى فجر عصر جديد في الذكاء الاصطناعي التوليدي يقوم على نماذج اللغات الكبيرة (LLM). فقد دفع الحكومات والشركات في كافة أنحاء العالم إلى تطوير نماذج اللغات الكبيرة الخاصة بها في مجال الذكاء الاصطناعي السيادي. تتطلّب عمليات نماذج اللغات الكبيرة رقائق متقدّمة للمعالجة – على سبيل المثال، وحدات معالجة الرسومات (GPUs) من إنفيديا (NVIDIA)مثل [1]H100، ورقائق متقدّمة للذاكرة – على سبيل المثال، الذاكرة ذات النطاق التردّدي العالي (HBM) من “SK Hynix“، مثل “HBM3E”.[2] شهد ارتفاع أسهم إنفيديا بعد إعلان الشركة عن أرباحها في مارس 2024 وبعد ذلك في مايو 2024[3]على ظهور ثورة الذكاء الاصطناعي.[4] وأكّد التقييم السوقي للشركة أنّ “الرقائق هي النفط الجديد”.[5] وسرعان ما أصبحت إنفيديا ثالث أكبر شركة في العالم، حيث بلغت قيمتها 2,6 تريليون دولار في مايو 2024،[6] متجاوزة بذلك أرامكو السعودية لتسبقها شركتا مايكروسوفت (Microsoft) وآبل (Apple) فحسب.[7]
وتتطلّع الدول الخليجية التي يعتمد اقتصادها على الوقود الأحفوري – وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – إلى صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي لتنويع اقتصاداتها من خلال الرقمنة. وتدعو المملكة العربية السعودية[8] والإمارات العربية المتحدة[9] وقطر[10] إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي في إستراتيجياتها الوطنية لهذا الغرض، وإن كان بدرجات متفاوتة. وفي السنوات الأخيرة، برهنت محاولات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في هذا القطاع – ولا سيما في دولة الإمارات – بأنّ الاستثمار في أشباه الموصلات أساسيّ للرقمنة الكاملة من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي،[11] بما أنّ الرقائق أساسية للبنية التحتية الرقمية.[12] وقد أقامت الدولتان الخليجيتان حتى الآن شراكات مكثّفة مع مؤسّسات ومهندسين من الصين بشأن تطوير الذكاء الاصطناعي، ما دفع الولايات المتحدة إلى التدقيق في آلياتها للتعاون مع المنطقة.[13] ويأتي ذلك في وقت وسّعت فيه الولايات المتحدة إجراءات الرقابة على تصدير أشباه الموصلات والمواد والمعدّات لإنتاج الرقائق ضدّ الصين.[14][15] وتمتدّ هذه الإجراءات إلى منطقة الخليج.
يبحث موجز القضية هذا في تطوّر الذكاء الاصطناعي السريع في منطقة الخليج وسط الحرب التكنولوجيّة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين. ويركّز على إجراءات الرقابة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي وتطوير نماذج اللغات الكبيرة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبناءً على هذا السياق، يوصي الموجز الدول الخليجية بإتمام الأجزاء الناقصة في عملية التخطيط، مع الأخذ بعين الاعتبار التوتّرات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وفهم إمكانات الصناعة وسلسلة التوريد، بالإضافة إلى وضع قوانين للذكاء الاصطناعي وآليات حوكمة محدّثة.
ومع انتشار ثورة الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، من المرجّح جداً أن تخضع تجارة المكوّنات اللازمة لتطويره – وحدات معالجة الرسومات (GPUs) ورقائق الذاكرة ذات النطاق التردّدي العالي (HBMs) للذكاء الاصطناعي التوليدي ووحدات المعالجة العصبية (NPUs) في المرحلة القادمة –لمزيد من القيود من الولايات المتحدة في ظلّ منافستها التكنولوجية مع الصين. وتوسّع الولايات المتحدة هذه القيود بناءً على مخاوف الأمن القومي وحصة السوق لا على التفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن المرجّح أيضاً أن تتأثّر الدول الخليجية بالحرب التكنولوجية ما بين الولايات المتحدة والصين، ومن المتوقّع جدّاً أن تستمرّ هذه التوتّرات وتتفاقم في المستقبل القريب.[16]
منذ العام 2020، دفعت التوتّرات بين الولايات المتحدة والصين بمكتب الصناعة والأمن الأمريكي إلى نشر إجراءات الرقابة على التصدير في ظل إدارة بايدن – وُضِعت الإجراءات الأولى في 7 أكتوبر 2022،[17] وأصدِرَت الثانية في 17 أكتوبر 2023.[18] ومع قانون الرقائق والعلوم، رفعت الحكومة الأمريكية المحظورات المتعلّقة بالسياسة الصناعية وقدّمت ما يصل إلى 52 مليار دولار من الإعانات الحكومية لتعزيز تصنيع الرقائق والبحث والتطوير في هذا المجال في داخل الولايات المتحدة.[19] وتكمن أهمية الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين في التفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي، في ما يتعلّق بالجغرافيا الاقتصادية – حصص السوق العالمية والريادة في الثورة الصناعية – وكذلك الجغرافيا السياسية – في ما يتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكريّة للحرب السيبرانية.
وقبل أن يفرض مكتب الصناعة والأمن إجراءات الرقابة على التصدير في ظل إدارة بايدن، كانت إدارة ترامب قد حظرت تصدير مجموعة من الرقائق الخاصّة بالجيل الخامس (5G) إلى شركة الاتصالات الصينية “هواوي” (Huawei). وبقدر ما ستطرأ الحاجة إلى إمكانية الاتصال بشبكات الجيل السادس (6G) وتطويرها من أجل تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكلٍ سلس، فمن المحتمل أن تستمرّ إجراءات الرقابة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، مثل وحدات معالجة الرسومات ورقائق الذاكرة ذات النطاق التردّدي العالي الموجودة في وحدات معالجة الرسومات، والتطوير اللاحق لرقائق الذكاء الاصطناعي، مثل وحدات المعالجة العصبية، وربما حتى تتسارع. وأُدرِجَت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الستة كافة في إجراءات الرقابة الأمريكية على تصدير الرقائق اعتباراً من 17 أكتوبر 2023، ضمن مجموعة الدول D:4 (تكنولوجيا الصواريخ).[20]
وفي خضم ازدهار الذكاء الاصطناعي، كانت الدول الخليجية سبّاقة في تطوير الذكاء الاصطناعي في داخل بلدانها. وتعدّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من المستثمرين الأساسيين في صناعات الرقائق والذكاء الاصطناعي لبناء ذكاء اصطناعي مصمّم لمصالحهما،[21] كما هو الحال في “الذكاء الاصطناعي السيادي” الذي أكّد عليه جنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا.[22] ومع ذلك، يبقى التأثير السياسي لإجراءات الرقابة على تصدير الرقائق الأمريكية غير واضح في الدولتين الخليجيتين نظراً لكونهما في الأساس مستخدمان نهائيان لتكنولوجيا الرقائق، لا منتجين للمواد أو المعدات اللازمة لإنتاج الرقائق. وفي الواقع، تؤثّر إجراءات الرقابة الأمريكية على التصدير وسياستها الصناعية، وتحديداً في شرق آسيا وأوروبا، في سلسلة توريد الرقائق في كافة مراحل إنتاجها، من التصميم إلى المواد إلى المعدّات، ما يطال بدوره منطقة الخليج.[23]
أُعلِن عن الإصدار الأولي لإجراءات الرقابة الأمريكية على تصدير أشباه الموصلات في 7 أكتوبر 2022،[24] وتبعته الإجراءات المتعلّقة بمعدّات أشباه الموصلات الهولندية واليابانية في مارس 2023.[25] وتضمّن الإصدار الثاني لإجراءات الرقابة على التصدير التي أقرّها مكتب الصناعة والأمن في 17 أكتوبر 2023،[26] الرقائق المتقدّمة مثل وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا (رقائق A100 وH100) للحدّ من وصول الصين إلى الرقائق المتقدّمة. وفي حين لم تخضع رقائق الذكاء الاصطناعي التي طوّرتها شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة بعد لإجراءات الرقابة على التصدير كما هو الحال بالنسبة إلى “Rain Neuromorphics”[27] المدعومة من “سام ألتمان” (Sam Altman)،[28] فمن المتوقّع أن يتزايد التجسّس الصناعي السيبراني من قِبَل الصين للتحايل على إجراءات الرقابة على تصدير الرقائق. والمثال الواضح على ذلك هو الهجمات السيبرانية على شركة “Advanced Semiconductor Materials Lithograph” (ASML) الهولندية المنتجة لآلات الطباعة الحجرية، والتي تخضع أجهزتها العاملة بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV)لإجراءات الرقابة الأمريكية على التصدير[29].
في أغسطس 2023، كشفت إنفيديا أنّ الحكومة الأمريكية طالبت بمتطلّبات ترخيص إضافية للتصدير إلى بعض دول الشرق الأوسط.[30] في ذلك الوقت، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الجهات الرئيسية المعرّضة لخطر فقدان الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي في حال لم يمنح مكتب الصناعة والأمن التراخيص. وكانت المملكة قد اشترت ما لا يقل عن 3,000 وحدة من وحدات إنفيديا الأقوى لمعالجة الرسومات، رقائق H100،[31] بسعر 40 ألف دولار للقطعة الواحدة، في حين حصلت الإمارات على الآلاف من رقائق إنفيديا.[32] وبعد إيداعات إنفيديا في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكيّة، قام مكتب الصناعة والأمن بتقييد تصدير رقائق H100 وA100 إلى الصين في أكتوبر 2023. وشملت تلك الضوابط الدول الخليجية كجزء من مجموعة البلدان D:4.[33] واستهدفت إجراءات الرقابة التي وضعتها الحكومة الأمريكية على تصدير الرقائق بشكلٍ أساسي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من بين الدول الخليجية، على الرغم من أنّ البحرين وعمان والكويت وقطر تشكّل أيضاً جزءاً من مجموعة البلدان D:4.[34] وفي صفقة حديثة، حصلت شركة أوريدو القطريّة على رقائق إنفيديا لعمليات مراكز بيانات أوريدو في قطر والجزائر وتونس وسلطنة عمان والكويت وجزر المالديف.[35]
وفي السنوات السابقة، استوردت منطقة الخليج معدّات الجيل الخامس من “هواوي”، على الرغم من الحظر الذي فرضته عليها إدارة ترامب، ما دعا الشركاء إلى التعاون الطوعي في ذلك الوقت. بيد أنّ إجراءات الرقابة على التصدير الأخيرة الصادرة عن مكتب الصناعة والأمن قد تكون مؤثّرة، فهي تهدف إلى تغيير سلسلة التوريد العالمية بأكملها لأشباه الموصلات، وفُرِضت لمنع وصول الصين إلى الرقائق المتقدّمة وإيقاف تقدّمها في تكنولوجيا الرقائق والتفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي – على الرغم من التساؤلات حول فعّالية هذه الإجراءات.[36] أمّا بالنسبة إلى الدول الخليجية، فتطرح الإجراءات خطراً خاصاً بالمنطقة لأنّها تعمل بشكل وثيق مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي حال شملت هذه الإجراءات الدول الخليجية خوفاً من مساعدة الصين عن غير قصد في تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي، فسيعيق ذلك تطوير الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
وقد تكون عواقب الصراع التكنولوجي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين أكبر بالنسبة إلى الدول الخليجية، حيث تعتمد صناعاتها في المستقبل على شراء أشباه الموصلات المتقدّمة.[37] حتى الآن، اقتصر دور السعودية والإمارات العربية المتحدة في النظام البيئي على توفير رأس المال المطلوب لتأمين الرقائق المتقدّمة. وقد لا يكون ذلك كافياً مع اشتداد التنافس الجيوسياسي.
والنوايا موجودة بالفعل لتعزيز البحث والتطوير في تكنولوجيا أشباه الموصلات وتصنيعها في المملكة العربية السعودية[38] والإمارات العربية المتحدة، إلّا أنّ الأطراف الأجنبية المعنية ليست جهات فاعلة رئيسية في صناعة أشباه الموصلات العالمية.[39] وباستثناء “شركة مبادلة للاستثمار”[40] التي تمتلك غالبية الأسهم في شركة “غلوبل فاوندريز” (GlobalFoundries)، يقتصر دور الدولتين على كونهما مستخدمين نهائيين لإنتاج أشباه الموصلات. وتكشف العوائقُ الكبيرة أمام دخول أعمال المسابك حجمَ التحدّي في إنتاج أشباه الموصلات داخل البلد برأس المال وحده – حتى مع توفر الكهرباء والأراضي والمياه – من دون وجود نظام بيئي متكامل يشمل المعرفة والموهبة.
في المملكة العربية السعودية، أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)[41] أكاديمية الذكاء الاصطناعي التوليدي بالتعاون مع شركة إنفيديا[42] ونسخة تجريبية من تطبيق المحادثة باللغة العربية “علّام”،[43] كجزء من رؤية السعودية 2030. بالإضافة إلى ذلك، كشفت أرامكو السعودية عن “أرامكو ميتا برين”(Aramco Metabrain) ، نموذجها للذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستند إلى 7 تريليون نقطة بيانات تراكمية جمعتها الشركة في خلال 90 عاماً.[44] كما تستثمر الهيئات العامة السعودية الرئيسية بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، كما هو الحال في شركة المعمر لأنظمة المعلومات، التي تستثمر 5 ملايين دولار في شركة “أنثروبيك” (Anthropic) – والتي أطلقت أحدث نموذج من نماذج اللغات الكبيرة “كلود” (Claude) [45] – وصندوق الاستثمارات العامة للثروة السيادية في المملكة الذي يخطّط للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات.[46] وذهبت المملكة إلى أبعد من ذلك لتأمين البنية التحتية الرقمية من خلال افتتاح مركز البيانات السحابية لشركة “هواوي” في الرياض،[47] فضلاً عن استضافة عدد من مراكز البيانات بقيادة شركات أمريكية بما في ذلك “إنتل”[48] (Intel) و”أوراكل” (Oracle) و”مايكروسوفت”.[49]
في الإمارات العربية المتحدة، أُطلِقت في العام 2021 شركة “فالكونز إي آي” (Falcons.AI) – وهي مختصة في توفير البرامج وتقديم الخدمات الاستشارية في مجال الذكاء الاصطناعي وتابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوّرة. وفي وقت لاحق، أطلقت إمارة أبو ظبي نموذجاً للذكاء الاصطناعي واسع النطاق، “فالكون 180 بي” (Falcon 180B) الذي طوّره معهد الابتكار التكنولوجي التابع لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوّرة.[50] وأطلق معهد الابتكار التكنولوجي، بالتعاون مع “فينتشر ون” (VentureOne)، ذراع التسويق التجاري لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوّرة، AI71 – شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي – التي قامت بتطوير نماذج اللغات الكبيرة الخاصة بـ “فالكونز إي آي” أو “فالكون 180 بي”.
لا تزال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في المراحل الأولى من وضع الآليات التنظيمية. وعلى الرغم من أنّ الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) قد أنشأت بنية وطنية لحوكمة البيانات من أجل تصنيف البيانات في العام 2020، إلّا أنّها لم تجرِ أي تحديثات عليها منذ ذلك الحين.[51] وأطلقت الهيئة مؤخّراً الإصدار الأول من نوعه لمبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التوليدي،[52] وفي أكتوبر 2023، أصدرت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية نسخة محدّثة من خدمة الحوسبة السحابية لمواءمة تنظيمات تقديم الخدمة مع المعايير العالمية.[53] وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلق مكتب وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد تقرير إطار عمل الحوكمة الذاتية المسؤولة في الميتافيرس، حيث أصدر سياسات ومبادئ توجيهية متعلّقة بالذكاء الاصطناعي في العام 2023.[54] كما أصدر الوزير أيضاً الإستراتيجيته الوطنية للذكاء الاصطناعي،[55] غير أنّه لم يطوّر بعد سياسة شاملة تنظّم عمل الذكاء الاصطناعي.
في خضم فورة الذكاء الاصطناعي التي نشهدها حالياً، يرتفع الطلب على وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا للمعالجة المتوازية ورقائق الذاكرة ذات النطاق التردّدي العالي من “SK Hynix” لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي.[56] ومع ذلك، من المتوقّع إطلاق أنواع مختلفة من رقائق الذكاء الاصطناعي في الوقت المناسب. كما أنّ وحدات المعالجة العصبية قيد التطوير حالياً. وتقوم بذلك شركات ناشئة مثل “Rain Neuromorphic” (Rain.AI)[57] – بدعم من سام ألتمان،[58] الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI” المعاد تعيينه، والذي قام بجولة في الدول الخليجية وشرق آسيا مصرّحاً بأنّه جمع 7 تريليون دولار[59] – أو مشروع “Izanagi” بقيمة 100 مليار دولار بقيادة ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لمصرف “سوفت بنك” (Softbank) – والذي يموّل صندوق رؤية المملكة العربية السعودية، ويمتلك 90 في المئة من أسهم شركة تصميم أشباه الموصلات “Arm”.[60] وفي الوقت عينه، تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت وأمازون[61] وميتا[62] وغوغل[63] بتصميم رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها نظراً لأنّ أشباه الموصلات المخصّصة للذكاء الاصطناعي التوليدي ضرورية لذلك.
اهتمّت المملكة العربية السعودية بالتطوّرات المتعلقة برقائق الذكاء الاصطناعي وسعت إلى الاستثمار في “Rain.AI”، إلّا أنّه زُعم أنّ لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) قد دفعت صندوق رأس المال الاستثماري لشركة أرامكو السعودية “Prosperity7” إلى بيع أسهمه في “Rain.AI”، ما كشف عن المخاطر الجيوسياسية أمام المملكة العربية السعودية – فقد اعتبرت الولايات المتحدة أنّ “Prosperity7” الباب الخلفي الذي يمكّن الصين من الاستحواذ على وحدات معالجة الرسومات استناداً إلى التعاون السعودي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي.[64] ومع ذلك، تمّ إطلاق “آلات” (Alat)،[65] برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي تأتي ضمن مبادرات الذكاء الاصطناعي لأشباه الموصلات.[66]
تسعى الصين جاهدة إلى التقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي، مع تركيز الاستثمارات على الداخل في ظل إجراءات الرقابة على التصدير التي فرضها مكتب الصناعة والأمن في 17 أكتوبر 2023. غير أنّ بكين تتطلّع إلى منطقة الخليج من أجل التعاون الخارجي والوصول إلى الأسواق. وفي ظل التعاون التكنولوجي المستمرّ بين الصين والدولتين الخليجيتين، فإنّ وجود قوى عاملة كبيرة من مهندسي البرمجيات الصينيين أمرٌ أساسيٌ في تطوير الذكاء الاصطناعي في الدول الخليجية. في الواقع، يساهم العاملون الصينيون في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في مبادرة المملكة العربية السعودية لتطوير الذكاء الاصطناعي.[67] وتضاف إلى ذلك الاستثمارات في شركتي التكنولوجيا الصينيتين “علي بابا” و”سينس تايم” (SenseTime)، اللتين أبرمتا صفقات مع المملكة.[68]
وفي مارس 2024، تعاون صندوق الثروة السيادي الإماراتي مبادلة – والذي يملك 89,4 في المئة من “غلوبل فاوندريز” (GlobalFoundries) اعتباراً حتى أكتوبر 2021، والتي كانت سابقاً شركة فرعية لشركة “Advanced Micro Devices” (AMD)[69]– مع شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة المدعومة من الحكومة الإماراتية، “جي 42” (G42)، لتشكيل شركة استثمار تكنولوجي، “إم جي إكس” (MGX)، تستهدف صفقات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات[70] بأصول بقيمة 100 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، قامت شركة الذكاء الاصطناعي التي يترأسها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ويديرها الرئيس التنفيذي بينج شياو، ببيع أسهمها في شركة “بايت دانس” (ByteDance)، الشركة الأم لتيك توك، تحت ضغوط أمريكية نظراً للعلاقات الوثيقة مع الصين. ويشير ذلك إلى التحديات من حيث رسملة الأسهم المحلية الإماراتية والتوجّه المحلي نحو رقائق الذكاء الاصطناعي.[71] ووسط تطوّرات حديثة، تعاونت جي 42 مع مايكروسوفت، حيث أعلنت الأخيرة عن استثمار بقيمة 1,5 مليار دولار في جي 42،[72] وعن استثمار الشركتين لمبلغ مليار دولار في مركز بيانات في كينيا[73] بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الكيني للولايات المتحدة.[74] ولا تزال واشنطن تتخوّف من تسرّب تكنولوجي محتمل ووصول الصين الممكن إلى الرقائق المتقدّمة عبر جي 42.[75]
بينما يستعدّ الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطبيقاته لتحويل الاقتصاد العالمي والقدرات العسكرية في العقد المقبل، ينطوي استثمار الدول الخليجية في زيادة قدرات تصنيع أشباه الموصلات من الجيل التالي على مخاطر جيوسياسية. وفي حين تشكّل التقنيات الرقمية جزءاً بارزاً من رؤيتها للتنويع الاقتصادي، تفتقر هذه البلدان إلى الخبرة التشغيلية في مجال أشباه الموصلات. وبالإضافة إلى ذلك، تضيف إجراءات الرقابة على التصدير طبقة أخرى من التحديات. على سبيل المثال، لا تزال القضايا الجيوسياسية وقضايا الأمن القومي المتعلّقة بتايوان وشركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) غير مفهومة بالكامل حتى الآن، في الوقت الذي تنهمك الدول الخليجية في قضاياها الإقليمية الخاصة. وتبرز أيضاً ثغرة فهم في سلاسل توريد الرقائق، وخاصة في مراكز إنتاج الرقائق في شرق آسيا (تايوان وكوريا الجنوبية واليابان والصين) وأوروبا (هولندا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، وفي تصاميم الرقائق التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.
من المتوقع أن يؤثّر توسيع إجراءات الرقابة على تصدير الرقائق الأمريكية في طموحات الدول الخليجية بشأن الذكاء الاصطناعي. ونظراً لأنّها في الجانب الاستهلاكي في سلسلة توريد الرقائق، لا بدّ من أن تأخذ بعين الاعتبار التوصيات التالية، إذا ما كنت تسعى إلى تحقيق تحوّل كامل إلى العالم الرقمي باستخدام الرقائق. أولاً، لا بدّ من أن تعزّز الدول الخليجية فهمها لدورة حياة رقائق الذكاء الاصطناعي وإيجاد مكانها في سلسلة التوريد. ثانيا، يجب أن تحدّد موقعها في المشهد الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين. وثالثاً، يجب على الدول الخليجية أن تدرس بدقّة كيفية بناء قاعدة صناعية وتجميع معلومات وفيرة حول سلاسل توريد الرقائق التي ترتكز على تاريخ هذا القطاع. هذه الجهود ضرورية إذ أنه من المرجح أن تكون الدول الخليجية مستخدماً نهائياً لأشباه الموصلات لا منتج لها.
فعلى المدى الطويل، ستؤدّي مثل هذه الجهود إلى خارطة الطريق المطلوبة لتوجيه السياسة، لا لتطوير الرقائق فحسب، بل للذكاء الاصطناعي ككل أيضاً. تتطلّب الريادة في صناعة أشباه الموصلات عقوداً من الخبرة، والموهبة المستمرة، والمعرفة التكنولوجية، وزيادة رأس المال. وتحمي الدول هذه العناصر بشدّة في أثناء مرحلتي التصميم والإنتاج نظراً لأهميّتها الأساسية في اقتصاداتها. وبالتالي، من المرجّح أن يكون مسار الدول الخليجية نحو إنتاج الرقائق محلّياً محفوفاً بالصعوبات. ففي نهاية المطاف، تجبر التوترات الجيوسياسية سلسلة توريد الرقائق على إعادة التنظيم من خلال السياسات الصناعية في مختلف الدول حول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على الدول الخليجية أخذ مخاوف الأمن القومي وسط المخاطر الجيوسياسية على محمل الجد، لتجنّب قطعها عن سلسلة القيمة ومواجهة الانقطاعات في تنفيذ خطط الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي. ومن أجل تحديد مكانتها المحتملة في سلسلة التوريد، قد يكون مفيداً للدول الخليجية أن تتبع عن قرب لاستجابات السياسات لمختلف الدول إزاء إجراءات الرقابة الأمريكية على التصدير في سلسلة توريد الرقائق والمنافسة في دعم الرقائق في كلّ من تلك الدول.
وفي الوقت عينه، سيكون تشريع القوانين لتنظيم عمل الذكاء الاصطناعي السيادي في كلّ دولة أمراً أساسياً للدول الخليجية. وسيكون من الضروري تحديث القوانين المتعلّقة بالبيانات والمبادئ التوجيهية المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي للوقاية من المخاطر التي قد تنشأ عن نماذج اللغات الكبيرة – كما هو الحال بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي الحدودي الذي قد تكون له مخاطر كارثية على البشرية،[76] وذلك من أجل ضمان تطبيق فعّال للذكاء الاصطناعي – أي القيادة الذاتية، وسيارات الأجرة الطائرة، والاستخدام في إنتاج النفط والغاز. وتمكّن التشريعات الملموسة التي تحدّد بوضوح توجّهات السياسة في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الدول الخليجية من وضع أهداف واقعية تتماشى مع رؤيتها للتنويع الاقتصادي.
الهوامش