تخوض حكومة الصومال الفدرالية وشركاؤها الدوليّون حرباً ضدّ حركة الشباب منذ 17 عاماً. وعلى الرغم من التصعيد الحادّ في مقديشو منذ العام 2022، فقد فشلت هذه الجهود في هزيمة الحركة. وتسعى حركة الشباب، من جهتها، لتحقيق انتصار عسكري كامل ضدّ السلطات الصومالية، إلّا أنّها فشلت في ذلك بدورها.
ومنذ بداية العام 2012، أصبح من الواضح أنّ النصر العسكري لن يحلّ الصراع.1 إلّا أنّ إصرار الجانبين على النهج العسكري أدّى إلى سنوات من الصراع المدمّر في واحدة من أفقر دول العالم. وبالنظر إلى هذه الديناميّات المعقّدة، تناقش مذكرة السياسة هذه أنّه بدلاً من مواصلة السعي لتحقيق نصر عسكري بعيد المنال، فقد حان الوقت لحكومة الصومال لاستكشاف خيار الحوار مع حركة الشباب.
منذ العام 2007، اعتمدت الحكومة الصومالية في نهجها تجاه حركة الشباب على الحملات العسكرية مدعومة بتكتيكات مكافحة التمرّد. وفي عهد الرئيس السابق شريف شيخ أحمد، كثّفت الحكومة جهودها لهزيمة حركة الشباب؛ واستمرّت الإدارات اللاحقة، بما في ذلك إدارة الرئيس حسن شيخ محمود، في خلال ولايته الأولى، وخليفته الرئيس محمد عبد الله محمد، في مواصلة الحملة العسكرية ضدّ حركة الشباب.
وفي مايو 2022، أعيد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود. وفي ذلك وقت، كانت قبائل متعدّدة في وسط الصومال تقاوم محاولة الحركة السيطرة على أراضيها. وكثّف الرئيس الحرب ضدّ حركة الشباب بدعمه لهذه القبائل. وانضمّت قبائل إضافية في منطقتي غالمودوغ وهيرشبيلي إلى الجهود القتالية التي تقودها الحكومة، ما دفع الرئيس محمود إلى إعلان حرب شاملة ضدّ حركة الشباب (عسكرياً ومالياً وأيديولوجياً).2 وركّزت المرحلة الأولى من الحملة على المناطق الواقعة شرق نهر شبيلي (مناطق جلجدود وهيران وشبيلي الوسطى ومدج شمال مقديشو)، في حين ركّزت المرحلة الثانية على المناطق الواقعة غرب النهر وجنوب العاصمة (باكول، باي، جدو، جوبا السفلى، شبيلي السفلى، جوبا الوسطى).
وبعيداً عن التعديلات التكتيكية، حافظت الحكومة في السنوات الأخيرة على إستراتيجيّتها الأساسيّة في السعي لتحقيق انتصار عسكري، بالإضافة إلى انفتاحها على المفاوضات. ومع ذلك، بدت مواقف الحكومة متضاربة في ظلّ ولاية الرئيس حسن شيخ محمود الحالية. إذ أعلنت حكومته حرباً شاملة ورفضت التفاوض مع حركة الشباب، التي صنّفتها، إلى جانب شركائها الدوليين الرئيسيين، وأبرزهم الولايات المتحدة، كمجموعة إرهابية. لكن الرئيس ألمح مؤخراً إلى أن الصراع سينتهي في نهاية المطاف من خلال المفاوضات وأشار إلى استعداده للمشاركة في المحادثات عندما تكون الظروف مواتية. بعدها، أعلن الرئيس محمود في يونيو 2024 في منتدى أوسلو في النرويج، أنّ الصومال مستعد للتحاور مع حركة الشباب، على الرغم من عدم الإشارة إلى اتّخاذ أيّ إجراء لتحقيق هذه الغاية.3
تفترض “نظرية النضج” التي وضعها ويليام زارتمان أنّ أطراف الصراع تسعى للتوصل إلى حل ّعندما يدرك كلّ منها أنّ الوضع قد وصل إلى “طريق مسدود يسبّب الأذى للأطراف”، ما يعني أنّ النصر العسكري مستحيل واستمرار الصراع لا يخدم أيّ من الطرفين.4 وبالتالي، يخلص كلّ طرف إلى أنّ الوقت قد أصبح “ناضجاً” للمفاوضات، كونها السبيل الوحيد الممكن لإنهاء الصراع.5
لقد خلص عدد من العلماء والممارسين إلى أنّه لا بدّ للحكومة الصومالية أن تستكشف سبلاً للتفاوض مع حركة الشباب.6 ولكن على الرغم من الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، لم تغيّر مقديشو مسارها بشكل جوهري، وبينما ادّعت الحكومة في خطاباتها بأنها منفتحة على التفاوض، إلّا أنّها لم تُظهِر بعد اهتماماً كافياً بالسعي الفعّال إلى المحادثات. وتستمرّ الحكومة في تصنيفها لحركة الشباب كمجموعة إرهابية وتطالب الحركة بنبذ العنف وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة ووقف هجماتها على المدنيين. كما تواصل مقديشو تشديدها على ضرورة هزيمة الحركة عسكرياً.
لم تبدِ حركة الشباب حتى الآن من ناحيتها اهتماماً جدّياً بالمفاوضات، أقلّه علناً. وتطالب الحركة بتطبيق الشريعة الإسلامية وانسحاب قوات حفظ السلام الأفريقية كشروط مسبقة لأيّ محادثات. وعلى مدى السنوات السبع عشرة الماضية، أصبحت حركة الشباب أكثر ترسّخاً وعنفاً،7 حيث تنافس الدولة في قطاعي الأمن والعدالة. كما قامت بجمع الضرائب وابتزاز الأموال من المدن وعلى طول طرق الإمداد الرئيسية.8
وردّاً على ذلك، خاضت الحكومة الصومالية والقبائل المتحالفة معها، منذ عودة الرئيس محمود إلى السلطة، معارك ضدّ حركة الشباب، في حين قدّم شركاء الأمن الدوليون الرئيسيون الدعم المادي والجوي. صحيح أنّ الحركة تكبّدت خسائر فادحة في منطقتي غالمودوغ وهيرشبيلي،9 إلّا أنّها حرمت الحكومة من تحقيق نصر عسكري في هذه المناطق، ناهيك عن معاقل حركة الشباب في جنوب الصومال. وبالتالي، تبقى توقّعات الحكومة بأنّها قادرة على هزيمة حركة الشباب بمفردها، أو حتى بدعم عسكري أجنبي، موضع شك. علاوة على ذلك، إنّ وتيرة المكاسب الميدانية البطيئة التي حقّقتها الحكومة وصعوبة الاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها تشيران إلى صراع مطوّل ومكلف، وغياب أيّ حلّ عسكريّ وشيك.
ويناقش البعض بأنّ رحيل القوات الأجنبية قد يهددّ سيطرة حركة الشباب الكاملة على مقديشو، على غرار حالة طالبان في أفغانستان، بيد أنّ الاختلافات واضحة بين الحركتين. فحركة الشباب سلفية وأممية وتنتمي علناً إلى تنظيم القاعدة على عكس طالبان، التي تعدّ جماعة حنفية ذات أهداف وطنية. كما تفتقر إلى الدعم الدولي الكبير وتواجه معارضة إقليمية. وبالتالي، فإنّ بقاء حركة الشباب يدلّ على ضعف الحكومة أكثر منه على قوّة الحركة.
ومن الناحية الجغرافية، لا تشجع طبيعة الصومال قتال المتمردين، ما يقلّل من احتمال انتصار حركة الشباب بشكل كامل. وقد تستمرّ الحركة في الدفاع عن الأراضي التي تسيطر عليها وفرض سيطرتها من خلال الترهيب والابتزاز، إلّا أنّه يبقى من المستبعد أن تهزم الحكومة الصومالية أو القبائل الرئيسية بشكل كامل. فقد قام إقليم أرض الصومال الإنفصالية (صوماليلاند) وأرض البنط (بونتلاند) والقبائل الرئيسية في جلمودوغ وهيرشبيلي بطرد حركة الشباب من أراضيها من دون دعم كبير من قوات الاتحاد الأفريقي، ما يدلّ على أوجه قصور الحركة.
تشير هذه العوامل مجتمعة إلى أنّ لحظة “النضج” التي أشار إليها زارتمان قد حانت ربما. كما وأنّ إنهاء الصراع من خلال التفاوض قد ينقذ الكثير من الأرواح. فعلى مدى السنوات السبع عشرة الماضية، لقي عشرات الآلاف من الصوماليين الذين لا علاقة لهم بالأطراف المتنافسة حتفهم في انفجارات أو في مواجهات عنيفة. وبالتالي، فقد يساهم إنهاء الصراع سلمياً في تجنّب إزهاق المزيد من الأرواح ويحمي ما تبقى من البنية التحتية في البلاد، ما يستدعي الحكومة الصومالية المبادرة في الحوار.
يسلّط رفض حركة الشباب عمل المنظمات الدولية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والقيود الغربية على الوكالات العاملة في المناطق نفسها،10 الضوء بشكل أكبر على أهمية الحوار في معالجة الأزمة الإنسانية في الصومال. على مدى عقود، تعرّضت البلاد لموجات من الفيضانات والجفاف. تسبّب الجفاف في العام 2011 بوفاة أكثر من 250 ألف شخص،11 كما لقي عشرات الآلاف من الصوماليين حتفهم في الفترتين بين 2016 و2017 و2021 و2022، نتيجة الصراع والجفاف جزئياً.
وإذا انتهى الصراع من خلال الحوار، يمكن للصوماليين والمجتمع الدولي التعاون للتخفيف من حدّة الأزمة الإنسانية في البلاد. ففي العام 2023، أفادت الأمم المتحدة أنّ نحو ثمانية ملايين شخص، أو نصف السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.12 فمعظمهم من النازحين داخلياً، ويقيمون في مخيمات في المدن الكبرى، التي يقع معظمها في الريف، حيث يصعب أو يستحيل وصول المساعدات.
قد يطرح التفاوض على اتفاق سلام بعد 17 عاماً من الحرب تحدّيات معقّدة. رغم ذلك، يمكن تهيئة الشروط الأساسية لإبرام اتفاق ناجح، بدءاً بمشاركة جهة وساطة خارجية موثوقة، تحظى بثقة طرفي الصراع.13 ويشكّل شيوخ القبائل التقليديين في الصومال،14 الذين سبق لهم التوسّط بين الحكومة ومسؤولين من حركة الشباب15 خياراً محتملاً لهذه الوساطة. وقد قام أفراد من القبيلة نفسها ممن اختاروا مغادرة حركة الشباب بهذه الجهود في المقام الأوّل. ومع ذلك، تبرز تحدّيات الوساطة على المستويين التنظيمي والقبلي، مع تعقيد إضافي حين يتعلّق الأمر بفصائل تسعى للمصالحة مع الحكومة. علاوة على ذلك، يفتقر الصومال إلى هيئة موحّدة من شيوخ القبائل يمكنها القيام بدور الوساطة بين الحكومة وحركة الشباب.
ومن بين الخيارات الأخرى للوساطة هي مبادرات الدول، على رأسها قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والنرويج وفنلندا.16 وقد أعربت قطر وتركيا بالفعل عن اهتمامهما بالتوسّط في أوقات متعدّدة. فالدور الذي تؤدّيه الدوحة في المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة يؤهّلها للقيام بدور قيادي نظراً لخبرتها في التوسّط في صراع يضمّ جهات مسلّحة غير حكومية. ويمكن للرياض أيضاً أن تعمل كوسيط جدير بالثقة، نظراً لمكانتها القيادية الإقليمية الفريدة.
وكخطوة ثانية، يتعيّن على المجتمع الدولي، وخاصة الجهات الداعمة للأمن في مقديشو، أن تؤيّد علناً الحوار مع حركة الشباب كجزء من أهداف بناء السلام على نطاق أوسع. وباعتبار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي جهات فاعلة أساسية، يتعيّن عليها أن تدعم الحوار. فقد شكّلت سياسات مكافحة الإرهاب التي تنتهجها هذه الدول، وخاصة الولايات المتحدة، عبر السنين عقبة أمام الحكومة الصومالية للنظر في المفاوضات كخيار جدّي.17 ويدعم المجتمع الدولي بشكل عام حلّ الصراعات سلمياً بين الجهات الفاعلة السياسية الصومالية (القبائل والمناطق والمجموعات السياسية). إلّا أنّه عند التعامل مع المجموعة المتطرّفة، فقد كان من المفضّل دعم الحكومة في تحقيق انتصارعسكري كامل.
ثالثاً، لا بدّ من توضيح العوامل الرئيسية التي تحول دون التوصّل إلى تسوية تفاوضية. تصرّ حركة الشباب على انسحاب القوات الأجنبية كافة من الصومال وتطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل.18 وتجدر الإشارة إلى أنّه منذ بداية العام 2009، أعلن البرلمان الصومالي رسمياً أنه يعتزم دمج الشريعة الإسلامية في الدستور.19 بالإضافة إلى ذلك، يتوافق الدستور، الذي صيغ بمساعدة المكتب السياسي للأمم المتحدة، مع الشريعة الإسلامية.20
ولقد تفاوض المجتمع الدولي مع الحكومة الصومالية حول مغادرة قوات حفظ السلام من البلاد بحلول ديسمبر 21.2024 ومع ذلك، قد يظلّ الصومال بحاجة إلى مساعدة أجنبية للحفاظ على الأمن، إذ إنّ الدولة ليست مستعدّة بعد لتحمّل كامل المسؤوليات الأمنية.22 وقد ناقشت الحكومة مؤخّراً إبقاء قوة أمنية كبيرة،23 ربما من خلال اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى، ما يشير إلى إمكانية عدم تحقيق مطالب حركة الشباب بالكامل حتى بعد انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS).
لكي تنجح المفاوضات بين الحكومة وحركة الشباب، لا بدّ من معالجة خمسة تحدّيات. أولاً، يعتبر تحقيق رغبات قيادة الطرفين أمراً بالغ الأهمية. وينطوي إشراك قيادة حركة الشباب على مخاطر أمنية على الوسطاء المعنيّين. ولمعالجة هذه المسألة، لابدّ من أن تركّز المفاوضات أولاً على القادة من المستوى المتوسّط.24 ففي دراسة أجريت حول قادة حركة الشباب من المستوى المتوسط، أعرب معظم الأعضاء الذين أجريت معهم المقابلات عن اهتمامهم بالمحادثات.25 وعلى الرغم من أنّ التواصل مع القادة من المستوى المتوسط قد يؤدّي إلى نجاح جزئي، إلّا أنّ إشراك القيادة العليا بحوافز مثل العفو، أو المناصب السياسية، أو الانتقال إلى بلد ثالث قد يكون أكثر فعالية.
ويتمثّل التحدّي الثاني في انعكاس التطوّرات العالمية والإقليمية والوطنية على مدى السنوات الخمسة الماضية على حسابات الطرفين لتحقيق انتصار عسكري. ولإقناع القادة من الطرفين بضرورة التفاوض، لا بدّ من إقناعهم بأنّ النصر العسكري لا يمكن تحقيقه. ففي العام 2023، رفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظر الأسلحة المفروض على مقديشو منذ 31 عاماً، ما عزّز قدرة الحكومة على الوصول إلى الأسلحة.26 بالإضافة إلى ذلك، وقّع الصومال شراكات إستراتيجية مع إريتريا وإثيوبيا27 والإمارات العربية المتحدة وتركيا ومصر، فضلاً عن حصوله على إعفاء من الديون. وقد أدّى كل ذلك إلى رفع سقف التوقّعات بتحقيق نصر عسكري ضدّ حركة الشباب. وعلى الرغم من الدعم الخارجي، حقّقت الحكومة نجاحاً ضئيلاً في جهودها، منذ العام 2022، لطرد الحركة من شرق نهر شبيلي. بعبارة أخرى، قد تؤدّي هذه المكاسب إلى نجاح قصير الأمد، لكنّها لن تفضي إلى انتصار حكومي مستدام في الأمد البعيد.
في المقابل، قد يحفّز وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان حركة الشباب، لكنّه من غير المرجّح أن تتمكّن الحركة من السيطرة بالكامل على الصومال. وتعتبر المقاومة الناجحة ضدّ حركة الشباب من جانب إقليم أرض الصومال الإنفصالية وأرض البنط والقبائل المختلفة في الصومال مثالاً بارزاً على ذلك. فقد حاولت الحركة مهاجمة أرض البنط في العام 2017، إلّا أنّها هُزمت.28 كما نجحت القبائل في هيران وجلجدود ومدج وشبيلي الوسطى في إلحاق الهزيمة بالحركة عسكرياً في أوقات مختلفة. بعبارة أخرى، صحيح أنّ حركة الشباب قد أثبتت أنّها قادرة على مقاومة هجمات الحكومة، إلّا أنّها لا تستطيع هزيمة الحكومة الفدرالية أو الحكومة الإقليمية بشكل حاسم.
أمّا التحدّي الثالث، فيتمثّل بتردّد المجتمع الدولي في تشجيع الحوار مع الحركات المتطرّفة. فقد أبدت الولايات المتحدة وإثيوبيا، شريكتا الحكومة في مجال الأمن، تردّدهما في التفاوض مع حركة الشباب، لعدم قدرتهما على تصوّر الحركة كحزب سياسي أو جهة فاعلة أمنية شرعية في البلاد. كما انسحب عدد من قادة حركة الشباب من الحركة وانضموا إلى الحكومة الصومالية ــ وتولّى بعضهم مناصب سياسية وأمنية بارزة.29 ولكي تتمكّن مقديشو من التعامل مع حركة الشباب، ستحتاج إلى دعم شركائها الأمنيين. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من تهديد الصومال بطرد القوات الإثيوبية، إلّا أنّها منتشرة في مواقع متعدّدة في الصومال كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية.30 كما يعتبر موقف الولايات المتحدة مهمّاً أيضاً، إذ تعدّ واشنطن داعماً سياسياً واقتصادياً أساسياً للصومال.
رابعاً، يشكّل ولاء حركة الشباب لتنظيم القاعدة، والتزامها الأيديولوجي، وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها بحق المدنيين الأبرياء، عائقاً كبيراً أمام فرص الحوار. وفي حين يناقش بعض الخبراء أنّ التفاوض مع الحركات الإرهابية ضروري في كثير من الأحيان لإنهاء الصراعات،31 إلّا أنّ ارتباط حركة الشباب بتنظيم القاعدة يزيد من تعقيد المفاوضات، حيث تتمسّك جهات فاعلة دولية ومحلّية متعدّدة بموقفها المعارض بشدّة للتفاوض مع تنظيم القاعدة. ومع ذلك، يعتبر التفاوض مع الأطراف المتحاربة في سياقات معيّنة أمراً مرغوباً فيه.32 ففي الواقع، أدّت الظروف والأحوال السياسية الأوسع نطاقاً إلى تحوّل قيادة حركة الشباب، التي استبدلت تدريجياً ميولها الإيديولوجية بأهداف سياسية شيئاً فشيئاً.
ويكمن التحدّي الأخير في تجدّد التوتّرات بين مقديشو وأديس أبابا. ففي أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أنّه يحقّ لإثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر وخليج عدن. ولتحقيق هذه الغاية، وقّع مذكرة تفاهم، في يناير 2024، مع رئيس إقليم أرض الصومال الانفصالية موسى بيهي عبدي، والتي بموجبها ستحصل إثيوبيا على حق الوصول إلى 20 كيلومتراً من الساحل لقواتها البحرية، مقابل الاعتراف الدبلوماسي بإقليم أرض الصومال الإنفصالية وحصّة في الخطوط الجوية الإثيوبية.33 وفي حين أنّ رغبة الدولة الحبيسة في أن تصبح دولة ساحلية ليست بأمر جديد،34 إلّا أنّ قرارات آبي الأخيرة أحدثت صدمة في أنحاء المنطقة كافة.
ومن المرجّح أن تستغلّ حركة الشباب هذا الوضع لتضع نفسها في موقع المدافع عن الأمّة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه عندما غزت إثيوبيا الصومال في أواخر العام 2006، كانت حركة الشباب لا تزال مجموعة هامشية إلى حدّ ما، إلاّ أنّ الغزو زاد من شعبيتها بين الشباب الصوماليّين. وقد يتيح موقف آبي الحالي فرصة أخرى أمام الحركة.35 ففي حين أرسلت إثيوبيا قوات إلى الصومال لمحاربتها، إلّا أنّ أفعالها تقوّض جهود الحكومة الصومالية وتخلق حالة من عدم الاستقرار. ويصبّ هذا في صالح حركة الشباب، التي أعربت بالفعل عن معارضتها الشديدة للاتفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الإنفصالية.36
على الرغم من الجهود المتضافرة التي بذلتها حكومة الصومال وأنصارها على مدى سبعة عشر عاماً لهزيمة حركة الشباب عسكرياً، إلّا أنّ المجموعة المتطرّفة بقيت صامدة. ومن ناحية أخرى، فشلت حركة الشباب أيضاً في الإطاحة بالحكومة. فبعد سنوات من الصراع الدموي الذي أودى بحياة الكثير من الأبرياء، تطرأ ضرورة ملحّة لإعادة تقييم شاملة لآفاق التعامل مع حركة الشباب من خلال الحوار والمفاوضات.
صحيح أنّ التحدّيات كثيرة، لكن تتعدّد السبل لإشراك حركة الشباب. إلّا أنّ نجاح هذه الجهود سيتطلّب انخراط وسيط موثوق ودعماً من أنصار الصومال وحلفائه. ولذلك ينبغي على واضعي السياسات أن يدرسوا بجدّية خيار إجراء مفاوضات تهدف إلى إنهاء الصراع الذي أودى بالفعل بحياة عدد كبير من الناس وأحدث كارثة إنسانية في واحدة من أفقر مناطق العالم.