إيران تفرض قوّتها جوّياً: ترى إيران أنّ تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة الخاصة بها تشكّل بديلاً فعّالاً عن سلاحها الجوي القديم، ما يجعلها قادرة على بسط نفوذها خارج نطاق حدودها.
تعزيز قدرات الردع الإيرانية: تشكّل الصواريخ والطائرات المسيّرة كذلك جزءاً من إستراتيجية الردع الإيرانية، إلّا أنّ تصدريها إلى روسيا ومجموعات مسلّحة متعدّدة مدعومة من إيران تُعتَبر مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة.
إعادة تأجيج مشاعر العداء للولايات المتحدة: عزّز فوز الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2021 من سيطرة التيار المحافظ في إيران على السلطة السياسية، الأمر الذي أعاد إشعال الخطاب المعادي للولايات المتحدة في سياسة إيران الخارجية.
نظام عالمي جديد: تعتبر طهران تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة الخاصة بها وسيلة لتحدّي هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولخلق نظام عالمي لا يخدم مصالح قوة عظمى واحدة.
لقد تبنّت إيران طوال عقود سياسةً خارجية تعديلية تقوم على رفض النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وقد تجلّى ذلك من خلال الدعوات لقيام نظام عادل ورفض الوضع الراهن. كما وأنّ الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم والمنطقة، بما فيها حرب روسيا في أوكرانيا، والاحتجاجات الشعبية في إيران المناهضة للحكم السلطوي (والتي اتّهمت إيران الولايات المتحدة بإحداثها)،1 بالإضافة إلى حرب إسرائيل على غزة، ودعم طهران لعددٍ من المجموعات والحلفاء، أجّجت هذا التوجّه السياسي في إيران وعزّزت عزيمة قيادتها وقوّت التزام طهران بالتصدّي للهيمنة الأمريكية.
وعزّز فوز الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في انتخابات العام 2021 أيضاً من سيطرة التيار المحافظ على الهيئات الرئيسية في البلاد، ما رسّخ قبضته على الهيئات التشريعية والقضائية. وقد سمح هذا التآزر السياسي لإدارة رئيسي بتعزيز سياسة إيران الخارجية المعادية للولايات المتحدة، والخروج عن إستراتيجية سلفه حسن روحاني الذي كان ينتهج سياسات قائمة على درجة من التقارب مع الغرب.
وعوّلت طهران بشدّة على تطوير صواريخها وطائراتها المسيّرة كجزءٍ من سياسة بسط نفوذها الإقليمي والعالمي. فعلى سبيل المثال، أبدت إيران دعمها لروسيا في حربها الراهنة على أوكرانيا من خلال تقديم طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، ما يجعل إيران متورّطة في تلك الحرب بشكل غير مباشر. وانطلاقاً من اعتبارات عملية وإستراتيجية، قامت إيران باستثمارات كبيرة في البحوث في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة (UAV) أو المركبات الجوية غير المأهولة وتطويرها.2
يبحث موجز القضية هذا في أهمية هذه الأسلحة في الإستراتيجية الإيرانية، وتحديداً في كيفية تعزيزها هدف إيران الطويل الأمد بتغيير الوضع الراهن وخلق نظام عالمي جديد. ويوضِح أنّ إستراتيجية إيران سيترتّب عليها تداعيات خطيرة على موازين القوى الجوية في المنطقة، ومن المستبعد أن تتأثر بوفاة الرئيس رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان.
لقد حدّت العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود بشكل كبير من قدرتها على الحفاظ على قواتها المسلّحة وتحديثها، وحالت دون شرائها قطع الغيار لأسطولها من الطائرات الأمريكية الصنع والذي يعود إلى ما قبل الثورة الإيرانية.3 لذا بات سلاح الجو الإيراني قديماً ومستنفداً على نحوٍ خطير مع شيوع حوادث الطائرات.4 فحادثة وفاة رئيسي وعبد اللهيان في مروحية قديمة من طراز “بيل 212″، والتي قُدِّر عمرها بين 40 إلى 50 عاماً، شكّلت تذكيراً صارخاً بحالة أسطول إيران الجوي.5 ولمعالجة هذه المشكلة، سعت إيران إلى استيراد الطائرات الروسية والصينية. غير أنّ هذه الجهود لم تسدّ الثغرات الكبيرة في قدرات إيران الجوية بالقدر الوافي.
وعلى الرغم من التحديات، أسرعت إيران في تطوير تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة الخاصة بها في السنوات الأخيرة. وقد سهّل التصميم البسيط لهذه التكنولوجيا وتكلفتها المنخفضة من سعي إيران إلى تطويرها. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة صنع الطائرات المسيّرة الإيرانية من طراز “شاهد-131″ و”شاهد-136” حوالى 20 ألف دولار فقط للطائرة الواحدة، ما يجعل أسعارها معقولة نسبياً في ظل اقتصاد إيران الخاضع للعقوبات.6 وتسعى إيران إلى تطوير برنامجها الصاروخي أيضاً نتيجة إدراكها التام بالآثار المدمّرة للصواريخ. ففي خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، قصفت القوات العراقية المدن الإيرانية بصواريخ من طراز “سكود” التابعة للاتحاد السوفياتي، ووصلت إلى طهران التي تبعد أكثر من 480 كيلومتراً عن الحدود الإيرانية العراقية.7
وردّت إيران باستثمارها في قطاع تكنولوجيا الصواريخ، واستيراد الصواريخ من الصين بين العامَين 1986 و1995. فأولى الصواريخ الصينية الصنع التي تسلّمتها إيران شملت طراز “سيلك وورم” (Silkworm)، وصواريخ “كروز” المضادة للسفن من طرازَي “C-801” و”C-802″، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية القصيرة المدى من طراز “M-7”.8 وشكّل الصاروخ من طراز “C-802” نموذجاً عن صاروخ “نور” الإيراني الصنع الذي يصل مداه إلى 120 كيلومتراً، والمزوّد بمحرّك نفاث، والمطوّر نتيجة مشروع مشترك بين طهران وبيكين في أوائل التسعينيات.9 واستمرّت إيران في تطوير طرازات أخرى وتنويع ترسانتها بالصواريخ القصيرة والطويلة المدى. فقد طوّرت صاروخ “سجيل” (Sejjil) الباليستي في العام 102009 الذي يُزعم أنّ مداه يصل إلى 2000 كيلومتر، واستُخدم في الهجوم الإيراني على إسرائيل في أوائل هذا العام بحسب التقارير.11
وشهدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الإيرانية كذلك انتعاشاً في إيران في العام 2011 عقب إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة أمريكية من طراز “RQ-170” كانت انحرفت إلى المجال الجوي الإيراني من أفغانستان.12 وقد تباهى المسؤولون الإيرانيون بأنّ الطائرة المسيّرة “صاعقة” من فئة “شاهد” والتي كشفت عنها إيران في العام 2016 تحاكي طائرة “RQ-170” بشكل لافت، ما يشير إلى أنّ إيران نجحت في تصنيعها عن طريق الهندسة العكسية للطراز الأمريكي.13 ومنذ ذلك الحين، طوّرت إيران مجموعة من الطائرات المسيّرة القتالية والاستطلاعية. ولعلّ أشهرها هي طائرات “كاميكازي” المسيّرة المصمّمة لتبلغ حمولتها حوالى 50 كيلوغراماً، والقابلة للانفجار عند الاصطدام بهدفها.14 والجدير بالذكر أنّ فعّاليتها مرتبطة بدقّتها، وقدرتها على التحليق على ارتفاع منخفض، وصعوبة رصدها بالرادار.
وعليه، أتاحت تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة لإيران بالتعويض عن سلاحها الجوي القديم وتشكيل خطر جويّ يهدّد الأصول الأمريكية في المنطقة بصورة متنامية. وفي حين تؤكّد السلطات الإيرانية أنّ هذه الأسلحة ترمي إلى تعزيز قدرات إيران على الدفاع والردع، أعربت دول مجاورة مثل السعودية عن قلقها إزاء قدرة طهران على ضرب الأهداف الإيرانية في عمق أراضيها.15 وقد أجّجت القيادة السياسية والعسكرية في إيران المخاوف عندما وصفت عقيدتها الدفاعية بـ “الدفاع الهجومي” أو “الدفاع الأمامي”، وهي إستراتيجية اتّخذتها إيران للتصدي لتهديدات العدو قبل ضرب أراضيها. وتبنّت طهران هذه العقيدة رسمياً في العام 2003، وأُعيد التأكيد عليها في خطط التنمية الخمسية للعامَين 2004 و2017 المصادقة من البرلمان الإيراني.16 وفي العام 2023، شدّدت أيضاً خطة التنمية الخمسية السابعة صراحةً على أهمية تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة القتالية.17
ويضطلع مزيج إستراتيجية إيران للدفاع الأمامي، وقدراتها الجديدة على الردع، فضلاً عن شبكة المجموعات الإقليمية التي تستفيد من تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة لإيران بدورٍ أساسي في تهديد مصالح واشنطن الإستراتيجية وأصولها في المنطقة،18 الأمر الذي تُسلّم به واشنطن. ففي جلسة استماع عقدتها لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب الأمريكي في العام 2021 حول التحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي والعمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأفريقيا، قال النائب سكوت ديجارليه: “نتيجةً للتحديات الناجمة عن كشف نُظم الطائرات غير المأهولة [UAS] واعتراضها… تعمل الولايات المتحدة بدون تفوق جوّي كامل للمرة الأولى بعد الحرب الكورية”.19 وتوجّه الجنرال كينيث ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، إلى اللجنة عينها قائلاً: “تستمرّ إيران في تهديد الشركاء الإقليميين وحرية حركة التجارة من خلال استخدام وكلائها وانتشار نُظمها الجوية المسلّحة غير المأهولة وغيرها من الذخائر. ويبقى سعيها إلى الهيمنة الإقليمية أكبر مصدر لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.20
ورأت إيران أنّ تصريحات ماكنزي هي تبرير لبرنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة الخاص بها،21 وانعكاس لنظام عالمي جديد تُقوَّض فيه الهيمنة الأمريكية على العالم. وأكّد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قائلاً: “ستنعزل الولايات المتحدة في النظام العالمي الجديد”.22
لقد استخدمت إيران صواريخها الباليستية في عمليات محدّدة الأهداف. ففي العام 2018، استهدفت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا (داعش) عقب هجوم على عرض عسكري في مدينة الأهواز الإيرانية.23 وأظهرت الهجمات الإيرانية بالصواريخ الباليستية المتوسّطة المدى على قواعد داعش في سوريا أنّ إيران مزوّدة بالتقنيات المتطوّرة للردّ على التهديدات الخارجية بما يتجاوز نطاق حدودها.
وبعد عامَين، تلقّت إيران ضربة قوية عندما اغتالت الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني في خلال زيارته العراق. وكان سليماني قائد فيلق القدس الذي يعدّ الجناح العسكري التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يتواصل مع مجموعات شبه عسكرية في المنطقة وينظّمها وينسّق معها. ومع اغتيال سليماني بواسطة طائرة مسيّرة أمريكية، برزت أهمية تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وزيادة استخدامها في تحقيق أهداف إستراتيجية. وهذا ما دفع إيران إلى بذل جهود لتعزيز قدراتها في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة.
وفي الشهر عينه، ردّت إيران باستهداف قاعدة عين الأسد الجوية العراقية التي كانت تستخدمها القوات الأمريكية.24 وفي حين وجّهت إيران تحذيرات مسبقة بشأن هذا الهجوم لتجنّب وقوع إصابات في صفوف القوات الأمريكية، أظهر ردّها تقدّماً تكنولوجياً لافتاً وأعاد تأكيد جاهزيّتها على ضرب أهداف خارج نطاق حدودها. وفي الأشهر اللاحقة، استخدمت إيران كذلك الطائرات المسيرّة والصواريخ لمهاجمة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو مجموعة كردية إيرانية معارضة، في إقليم كردستان العراق.25
وفي مطلع هذا العام، تعرّضت إيران لما اعتُبر “أسوأ هجوم داخل البلاد بعد الثورة الإسلامية” بحيث أودت التفجيرات بحياة 84 شخصاً في مدينة كرمان في خلال حفل إحياء ذكرى وفاة قاسم سليماني.26 وقد نُسب الهجوم إلى تنظيم داعش والموساد.27 فردّت إيران بإطلاق صواريخ باليستية نحو أهداف قريبة من القنصلية الأمريكية في المنطقة الكردية المتمتّعة بالحكم الذاتي في العراق، والتي يُزعم أنّها المقر الرئيسي للموساد في إربيل.28 وبعد فترة وجيزة من الهجوم، أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيّرة على قاعدة في باكستان بحيث أفادت التقارير أنّها كانت تستخدمها جماعة جيش العدل المسلّحة التي تستغلّ الأراضي الباكستانية لتتوغّل داخل إيران.29
وفي ظل حرب إسرائيل الدائرة على غزة، استعرضت إيران مجدّداً قدراتها في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة. ففي أبريل من هذا العام، استهدفت إيران إسرائيل بهجوم غير مسبوق شمل أكثر من 170 طائرة مسيّرة، و30 صاروخاً من نوع “كروز”، بالإضافة إلى 120 صاروخاً باليستياً.30 وشكّل هذا الهجوم ردّاً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت السفارة الإيرانية في دمشق، وأودت بحياة سبعة مستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني بمن فيهم ثلاثة من كبار القادة الإيرانيين.31 وأشارت التقارير إلى أنّ من ضمن الأسلحة التي استخدمتها إيران في الهجوم الطائرات المسيّرة الانتحارية من طراز “شاهد-131” و”شاهد 136″،32 لكنّ إسرائيل اعترضت عدداً منها قبل أن تدخل مجالها الجوي.33 ووفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية أيضاً، أطلق الحرس الثوري الإيراني صاروخ “خرمشهر-4” الباليستي الذي “يصل مداه إلى 2000 كيلومتر ومزوّد برأس حربي شديد الانفجار بوزن 1500 كيلوغرام”.34
تعتبر إيران تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة الخاصة بها وسيلة لقلب الطاولة على خصومها وكسب قدرة تنافسية. فقد شاركت إيران هذه التكنولوجيا مع عدد من المجموعات المسلّحة في المنطقة، مثل حزب الله وحركة حماس والحوثيين اليمنيين، بالإضافة إلى ميليشيات شيعية كثيرة في العراق. ومنذ بدء حرب إسرائيل على غزة في أواخر العام 2023، استخدمت هذه المجموعات طائرات إيران المسيّرة وصواريخها بشكل كثيف لاستهداف قواعد إسرائيلية وأمريكية على حدّ سواء في الشرق الأوسط.
فقد شنّ الحوثيون مراراً هجمات على حركة الشحن الدولي في البحر الأحمر بالطائرات المسيّرة والصواريخ،35 فيما خاض حزب الله وإسرائيل مواجهات متعدّدة منذ أحداث 7 أكتوبر. وعزى حزب الله اللبناني صراحةً قدراته إلى إيران. ففي العام 2016، قال الأمين العام للحزب حسن نصر الله: “نحن نقرّ بأنّ ميزانية حزب الله ومداخيله ونفقاته وكل ما يأكله ويشربه، بالإضافة إلى أسلحته وصواريخه، تأتي من إيران”.36
وقد نفّذت ميليشيات مدعومة من إيران أيضاً أكثر من 151 هجوماً على عناصر أمريكيين في العراق وسوريا منذ أكتوبر المنصرم.37 والحقيقة أنّ الطرازات المتنوعة من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي طوّرتها المجموعات المسلّحة في المنطقة بدعمٍ من إيران اضطلعت بدورٍ أساسي في تعزيز مصالح إيران الإقليمية.
ويساوي مجموع مخزونات الأسلحة لدى المجموعات المدعومة من إيران قدر ترسانة ضخمة تشمل المنطقة بأسرها. فقد أشارت التقارير إلى أنّ حزب الله يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة، بما فيها صواريخ “رعد” و”فجر” و”زلزال” الإيرانية الصنع.38 وتشير البحوث حول التقنيات التي يستخدمها الحوثيون إلى أنّ الطائرات المسيّرة الحوثيّة “قاصف-1” تنتمي إلى سلسلة “أبابيل-II” للطائرات المسيّرة الإيرانية.39 فطائرة “قاصف-1” المسيّرة وطائرات “أبابيل-II” المسيّرة الإيرانية تتشابهان في التصميم، وتحملان البادئات عينها في أرقامهما التسلسلية.40 بالإضافة إلى ذلك، أكّد تقرير بحثي صادر في العام 2020 عن مركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات الكائن في المملكة المتحدة إلى أنّ الحوثيين طوّروا قدراتهم في تصنيع الأسلحة الجوية من أجل صناعة صواريخ وطائرات مسيّرة خاصة بهم استناداً إلى الطرازات الإيرانية.41
وفي مارس من العام 2022، استخدم الحوثيون تكنولوجيا الطائرات المسيّرة عندما شنّوا هجوماً على منشآت النفط السعودية بالقرب من جدّة التي تبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن الحدود السعودية اليمنية.42 وقد صدم هذا الهجوم القيادة السعودية، وكان له غرضان: تذكير الرياض بقدرة إيران على ضرب أراضيها، والتأكيد على أنّ الحرب في اليمن لم تسِر بالطريقة التي خطّطت لها السعودية. وفي حين نكرت إيران مسؤوليتها عن هجمات الحوثيين على السعودية، من المرجّح أنّ تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الخاصة بإيران أسهمت في إنجاح العملية.43
وفي غزة، قدّمت إيران الدعم المالي والأسلحة والتدريبات اللازمة لحماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ الثمانينيات.44 وفيما يصعب التحقّق من حجم هذا الدعم، تشير التقارير إلى أنّ إيران أرسلت طرازات متعدّدة من الصواريخ المدفعية، مثل “فجر-3″ و”فجر-5″ و”بدر-3” فضلاً عن صواريخ “M-302 ” السورية الصنع أساساً.45 ونظراً للحصار الشديد الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ العام 2007، من المحتمل أن يكون حجم عمليات الإرسال هذه تدنّى وخضع للرقابة المشددة. لكنّ تبيّن التقارير عن هجمات حماس الصاروخية على إسرائيل في أكتوبر 2024 أنّ حماس استغلّت عمليات إرسال الأسلحة الإيرانية المتطوّرة لصناعة ترسانتها الخاصة من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
شكّل غزو روسيا لأوكرانيا فرصةً جديدة لإيران كي تُظهر تقنياتها المتطورة في الطائرات المسيّرة وتعزّز علاقتها مع روسيا. وبحسب خامنئي، أنذرت الحرب الروسية الأوكرانية “بنشوء نظام عالمي جديد”.46 وفي يوليو 2022، كشف مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان أنّ إيران سعت إلى تزويد روسيا “بمئاتٍ” من الطائرات المسيّرة.47 وفي أغسطس 2022، بعد مرور ستة أشهر على الحرب، تلقّت روسيا شحنةً من الطائرات المسيّرة الإيرانية لاستخدامها في الحرب بحسب ما أفادته التقارير.48
وفي العام نفسه، أشارت تقارير أيضاً عن تحويل روسيا أموالاً نقدية بقيمة 140 مليون يورو واستيلائها على أسلحة بريطانية وأمريكية الصنع لإرسالها إلى إيران مقابل الطائرات المسيّرة، ولا سيما طائرة “شاهد-136” الانتحارية وطائرة “شاهد-131” وطائرة “مهاجر-6”.49 فمنذ بداية الحرب، كثّفت روسيا استخدامها طائرتَي “شاهد-131″ و”شاهد-136” المسيّرتَين اللتين تبيّنت أهميّتهما في التأثير في مسار الحرب.50 وفي نوفمبر 2023، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية المراحل المتقدّمة لبناء منشأة في روسيا لصناعة الطائرات المسيّرة بتصاميم إيرانية وكميات ضخمة.51 وترى إيران أنّ تزويد روسيا بالطائرات المسيّرة يشكّل جزءاً من جهودها الأكبر الرامية إلى تقويض الولايات المتحدة والسماح لإيران بتعزيز مكانتها العالمية.
توضّح الأرقام التالية تفاصيل بعض أهم الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية استناداً إلى بيانات متاحة للجميع.
الطائرات المسيّرة الإيرانية الرئيسية: خصائصها واستخداماتها في الخارج52
الصواريخ الباليستية المتوسّطة المدى التي استخدمتها إيران في السنوات الأخيرة.53
لقد تعزّزت مكانة إيران الإقليمية بسبب أداء حلفائها الكثيرين، والسخط العالمي إزاء الحرب الدائرة على غزة ودور واشنطن في دعم إسرائيل وحمايتها من المساءلة. تشكّل هذه العوامل مجتمعةً تبريراً لموقف إيران المناهض للولايات الأمريكية ولإسرائيل منذ فترة طويلة. وقد عبّر خامنئي عن هذا الموقف في مناسبات متعدّدة، وشدّد على دور “محور المقاومة” وبروز القوى الآسيوية كعوامل أساسية في سقوط الولايات المتحدة.54
وحتى قبل الحرب على غزة، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إنّ إيران “قد غيّرت المشهد العالمي، وعرقلت النظام الذي وضعته القوى ]الغربية]”.55 وترتكز هذه الفكرة على الثقة الموضوعة في تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة لإيران والتي غدت موضوعاً متكرّراً في سرديّة إيران الرسمية. فمع بداية العام 2018، وصفت طهران علناً هذه التكنولوجيا على أنّها نقطة تحوّل لقواعد اللعبة. وقد أشار علي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى أنّ تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة تعطي إيران ميزة إستراتيجية يمكنها أن تغيّر موازين القوى في منطقة الخليج.56
ومن هذا المنظور، يشكّل تزويد روسيا بالطائرات المسيّرة الإيرانية في أوكرانيا57 كما والكثير من حلفاء إيران الإقليميين خطوةً إستراتيجية تمثّل تحدّياً كبيراً لموازين القوى على حساب الولايات المتحدة وحلفائها. ففي العام 2022، زعمت وكالة أنباء “فارس” التابعة للحرس الثوري الإيراني أنّ استخدام “محور المقاومة” للطائرات المسيّرة سيجرّد الولايات المتحدة وإسرائيل من تفوّقهما العسكري التقليدي.58
لقد استثمرت جمهورية إيران الإسلامية في تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة كجزءٍ من سياستها الخارجية التعديلية الأوسع. فهي تعتبر تطوّرها التكنولوجي أساسياً لتغيير موازين القوى الإقليمية في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل. وتشكّل هذه التكنولوجيا، والشراكة بين إيران روسيا، بالإضافة إلى رعاية طهران لجهات فاعلة دون الدولة في المنطقة، الركائز الثلاثة لإستراتيجيتها الرامية إلى إعادة رسم معالم النظام العالمي والإعلان عن عهدٍ جديدٍ.
وقد شجّع استعدادُ موسكو للتماشي مع هذه الإستراتيجية، رغم كونها خطوة انتهازية، القيادةَ الإيرانية. وبالتالي، تأكّدت إيران من فعّالية تقنياتها المتطوّرة في الصواريخ والطائرات المسيّرة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل نتيجة استخدام المجموعات المدعومة من إيران في المنطقة لهذه التقنيات. ففي أبريل 2024، تجلّت مجدّداً قدرة إيران على تهديد إسرائيل من خلال مهاجمتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ما أبرز قدرة إيران على تعزيز إستراتيجيتها في الردع وعرقلة التفوّق الجوي الأمريكي.
الهوامش