اللاعبون في شرق آسيا هم المنتجون الرئيسيون للمركبات الكهربائية والبطاريات: تسعى شركات تصنيع السيارات في الغرب إلى مواكبة هذا التطوّر من خلال سياساتها الصناعية، ما يثير التوتّرات مع منافسيها في شرق آسيا. ولكن على عكس الولايات المتحدة، لن يكون من السهل على شركات تصنيع السيارات الأوروبية إنهاء مشاريعها المشتركة مع الصين، إذ قد تخاطر بفقدان الوصول إلى الأسواق الصينية.
المركبات الصينية تغرق الأسواق الخليجية بسبب التعريفات الجمركية المفروضة عليها في الولايات المتحدة وأوروبا: تشكّل الأسواق الخليجية منفذاً حيوياً لشركات تصنيع السيارات الصينية في عملية التوحيد الجارية، وينبغي على الدول الخليجية أن تضع المعايير التنظيمية الخاصة بها لتجنّب إغراق أسواقها بصادرات السيارات الصينيّة.
إطار تنظيمي لتحديد معايير البطاريات: لضمان مستويات سلامة عالية لسائقي المركبات الكهربائية، يمكن تقديم حوافز لتشجيع اعتماد البطاريات الصلبة كبديل عن بطاريات الليثيوم-أيون، نظراً لارتباطها بحوادث حرائق المركبات الكهربائية.
من المهم أن تقوم الدول الخليجية بدراسة مسبقة لتكاليف الاستثمار في المركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي في مجال النقل وفوائده: عندما تنظر الدول الخليجية في اعتماد المركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي في قطاع النقل أو تطويرهما، يجب عليها تقييم التكاليف والفوائد، بالإضافة إلى دورهما المستقبلي في المركبات المتّصلة بالشبكة وسيارات الأجرة الجوّية أو طائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOLs) التي ستعتمد أيضاً على أنظمة القيادة الذاتية. كما ينبغي لصنّاع السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي أن يدركوا أنّ مصانع المركبات الكهربائية، شأنها شأن مصانع الشرائح الإلكترونية، لن توفّر بالضرورة فرص عمل واسعة، نظراً لمستوى الأتمتة المتقدّم فيها
في ظلّ سعي الدول الخليجية لوضع إستراتيجيّاتها الوطنية للتحوّل الرقمي والاقتصاد الأخضر، تتدفّق المركبات الكهربائية إلى أسواق السيارات الخليجية التي لطالما اعتمدت على الوقود الأحفوري، لا سيّما في المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر. ومن المتوقّع أن تصل مبيعات المركبات الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 30,05 ألف وحدة في العام 2025، وإلى 36,62 ألف وحدة بحلول العام 1.2029
وفي السنوات الأخيرة، عزّزت السيارات الصينية حضورها في الأسواق الخليجية، ليس في قطاع المركبات الكهربائية فحسب، بل أيضاً في أسواق محرّكات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالديزل.2 وقد افتُتح عددٌ من “صالات العرض ومراكز الاكتشاف” التابعة لشركة “BYD” الصينية، التي تشهد توسّعاً سريعاً في أنحاء المنطقة، وتحديداً في الرياض وجدة والظهران في المملكة العربية السعودية؛ ودبي وأبو ظبي ورأس الخيمة والشارقة في الإمارات العربية المتحدة؛ والدوحة في قطر؛ وسترة في البحرين؛ ومسقط في عُمان؛ ومنطقة الري في الكويت. كما تعرض شركتا “Xpeng” و”SAIC Motors” الصينيّتان منتجاتهما في مراكز التسوّق من خلال المعارض في المدن الخليجية الكبرى.3
أمّا وراء الكواليس، فيشكّل تأثير السياسة الصناعية بأشكال مختلفة داخل الصين، بالإضافة إلى السياسات الصناعية في الولايات المتحدة وأوروبا، السوقان الرئيسيّتان للسيارات على مستوى العالم، حافز شركات السيارات الصينية لاختراق الأسواق. لقد قدّمت الصين، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أشكال مختلفة من الدعم والمزايا الضريبية لصناعة المركبات الكهربائية وبهدف تكييف العملاء.4 وفي السنوات الأخيرة، أدركت الولايات المتحدة أنّها متأخّرة في إنتاج البطاريات ذات السعة الكبيرة فاتّجهت نحو محاولة التصنيع المحلّي في مجال التحوّل إلى اقتصاد أخضر(GX) من خلال “قانون خفض التضخّم” (IRA) للعام 2022.5 وتكمن وراء هذه المخاوف تداعيات على الأمن القومي وتوقّعات باشتداد حدّة المنافسة مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل. وفي العقد القادم، ستواصل الصين والولايات المتحدة التسابق نحو “المركبات الكهربائية كسيّارات متّصلة”، وطائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOLs)، وسيارات الأجرة الجوّية. ولن تصبح هذه التقنيات قابلة للتنفيذ إلّا عندما يُطبّق الذكاء الاصطناعي المادي على الشبكة في وضع القيادة الذاتية الكاملة (FSD).
ينظر موجز القضيّة هذا في العلاقة بين السياسات الصناعية (مع التركيز على المركبات الكهربائيّة) التي تتضمّن الإعانات والإعفاءات الضريبية لتحقيق النمو في الصين، والمسائل المتعلّقة بفائض الطاقة الإنتاجية في مجال المركبات الكهربائية، فضلاً عن الإعانات والتعريفات الجمركية اللاحقة التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على المركبات الكهربائية الصينية. ويُلقي تحليل التقاطع بين هذه القضايا الضوءَ على العوامل التي دفعت شركات تصنيع السيارات الصينية إلى السعي بشكل استباقي للوصول إلى الأسواق الخليجية.
لم تحظَ الدول الخليجية، التي تُمثّل المستهلك في سلسلة توريد السيارات، بفرصة كافية لدراسة قدراتها بعمق أو حتّى لتحديد الأسباب الوجيهة لاعتماد المركبات الكهربائية في اقتصاداتها التي يهيمن عليها الوقود الأحفوري، قبل أن تبادر إلى صياغة سياساتها الصناعية الخاصة بها. وفي الدول الخليجية، غالباً ما تندرج هذه السياسات في سياق التنويع الاقتصادي، لا سيما في ظلّ سعي صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية، أي “صندوق الاستثمارات العامة” (PIF)، إلى إيجاد سُبل متعدّدة لبدء تصنيع المركبات الكهربائية في المملكة.6
ويخلص التحليل إلى أنّ أسواق السيارات الرئيسية الثلاثة في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم ترسم بعد مساراً واضحاً نحو تحقيق الكفاءة في قطاع النقل من خلال اعتماد المركبات الكهربائية، كما أنّها لم تخلق ظروفاً مناسبة للسوق العالمية في ظلّ السياسات الصناعية المتنافسة. علاوة على ذلك، يحذّر التحليل من أنّ تصنيع المركبات الكهربائية لن يخلق بالضرورة فرص عمل بسبب زيادة مستويات الأتمتة، على عكس آمال بعض اقتصادات الدول الخليجية. ومع ذلك، وبما أنّ الدول الخليجيّة تسعى إلى المنافسة وتحقيق الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل، من المرجّح أن يتمّ اعتماد المركبات الكهربائية في نهاية المطاف على نطاق واسع في المنطقة (على الرغم من أنّ ذلك قد يستغرق بعضاً من الوقت). لذلك، يتعيّن على الدول الخليجية أن تفكّر بجدّية في معالجة قضايا السلامة المتعلّقة ببطاريات المركبات الكهربائية وأنظمة مساعدة السائق المتقدّمة (ADAS)، بدلاً من سعيها وراء السيارات الكهربائية من دون حذر وتخطيط دقيق.
يمكن تفسير بروز الصين في مجال تصنيع المركبات الكهربائية والبطاريات من خلال عناصر سياستها الصناعية: الإعانات والمشاريع المشتركة – سواءً لإنتاج المركبات الكهربائية والبطاريات أو للخصومات على مشتريات المستهلكين من المركبات الكهربائية الجديدة. وقد أدّى دعم الصين للمركبات الكهربائية والبطاريات دوراً جوهرياً. فقد استثمرت الصين حوالي 231 مليار دولار أمريكي منذ العام 2009 لتعزيز صناعة المركبات الكهربائية،7 التي ازدهرت لتسيطر على إنتاج البطاريات. في الواقع، بدأ مصنّعو المركبات الكهربائية الصينيّون بمعظمهم كمنتجين للبطاريات، وتقود شركة كونتمبوراري أمبيركس تكنولوجي (Contemporary Amperex Technology Co., Limited (CATL))8 حالياً السوق العالمية لبطاريات فوسفات الحديد والليثيوم (LFP)، بحصّة سوقية عالمية بلغت 36,8 في المئة في العام 2024.9 أمّا شركة “بي وآي دي” (Biyadi أو “ابنِ أحلامك”) –وهي الشركة الصينية المصنّعة للمركبات الكهربائية التي تجاوزت الآن شركة تسلا (Tesla) من حيث إنتاج المركبات الكهربائية العالمية ومبيعاتها – فقد كانت في الأصل شركة بطاريات دخلت في شراكة مع شركات تصنيع السيارات الألمانية لأغراض التصميم لتحوّل نفسها إلى شركة لتصنيع المركبات الكهربائية.10 واعتباراً من العام 2024 (الرسم البياني 1)، تهيمن الشركات الصينية (مثل “كاتل” (CATL)، و”بي وآي دي” (BYD)، و”كالب” (CALB)، و”غوشن” ((Gotion، و”إيف إنرجي” (Eve Energy) و”سانودا” ،(Sunwoda) وغيرها) على حصص السوق العالمية لبطاريات المركبات الكهربائية، تليها الشركات المماثلة من كوريا الجنوبية (مثل “إل جي إنرجي سوليوشن” (LG Energy Solution) و”أس كاي أون” (SK On)، و”سامسونج إس دي آي” (Samsung SDI)، وغيرها)، ومن اليابان (باناسونيك).
المصدر: لي كانج، “حصة سوق لطاريات المركبات الكهربائية العالمية”.11
إلّا أنّ الإعانات وحدها لم تكن لتساهم في تحويل شركات البطاريات الصينية إلى شركات متكاملة لتصنيع المركبات الكهربائية لولا المشاريع المشتركة مع شركات تصنيع السيارات الأجنبية والمتطلّبات الواردة فيها. فمنذ العام 1994، شجّعت الحكومة الصينية الشركات الأجنبية على إنشاء مشاريع مشتركة مع نظيراتها الصينية وبناء مصانع للسيارات لتحفيز صناعة السيارات المحلّية وتعزيز قدرتها التنافسية، إلّا أنّها قيّدت نسبة الملكية الأجنبية إلى 50 في المئة. وفي العام 2018، فتحت الحكومة الصينية سوق السيارات في الصين تدريجياً أمام المنتجين الأجانب، لتفتح بعدها سوق المركبات التجارية في العام 2020. وفي ديسمبر 2021، رفعت “اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح”(NDRC) ووزارة التجارة في الصين القيود المفروضة على الأسهم الأجنبية في صناعة سيارات الركّاب (التي تمثّل نحو 80 في المئة من إجمالي سوق السيارات في الصين)، على أن تدخل الإجراءات حيّز التنفيذ في 1 يناير 2022 12
بالإضافة إلى جاذبية المشاريع المشتركة مع الشركات الأجنبية التي سعت للوصول إلى السوق الصينية، ساهم نقل التكنولوجيا القسري من خلال شرط المشاريع المشتركة على الشركات الأجنبية – وتحديداً في قطاع السيارات – بشكل حاسم في قفزة الصين إلى الصناعات المستقبلية. وألغت الصين شرط المشاريع المشتركة التعاونية في العام 2022، وخضع قطاع المركبات الكهربائية والبطاريات الصينية منذ ذلك الحين لسلسلة من عمليات التوحيد في السوق. ومن المتوقّع أن يستمرّ هذا الاتجاه في السنوات القادمة، ما سيؤدّي على الأرجح إلى زوال عدد من الشركات أو دمجها. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من إلغاء شرط المشاريع المشتركة في العام 2022، إلّا أنّ استمرار تدفّق العمالة وتداخل المورّدين يحدّ من تأثير إلغاء هذا الشرط في انتشار المعرفة غير المباشر في المستقبل.13
المصدر: تحليل وكالة الطاقة الدولية إستناداً إلى بيانات “Benchmark Material Intelligence وEV Volumes”.14
في حين اعتبرت الدول الخليجية التحوّل الرقميّ/التحوّل الأخضر (DX/GX) جزءاً من خططها للتنويع الاقتصادي، تفاقم الجدل في أماكن أخرى حول فائض الطاقة الإنتاجية للمركبات الكهربائية في الصين في خلال العامين 2023 و2024، ويستمرّ في العام 2025. وامتلأت الموانئ الأوروبية بالمركبات الكهربائية الصينية، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق في عمليّة تعزيز قطاع المركبات الكهربائية الصيني بشكل غير عادل من خلال مبالغ ضخمة من المساعدات الحكومية. وبعد سلسلة من المحادثات مع الصين، فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية استباقية على المركبات الكهربائية الصينية.15 كما فرضت إدارة بايدن تعريفات جمركية بنسبة 100 في المئة تحسّباً لدخول المركبات الكهربائية الصينية إلى السوق الأمريكية عبر المكسيك.16 اعترضت وزارة التجارة الصينية معتبرةً أنّ الإجراءات “تؤثّر بشدّة في جوّ التعاون الثنائي”، كما ردّت وزارة الخارجية الصينية مشيرةً إلى أنّ بكين “تعارض زيادات التعريفات الجمركية الأحادية الجانب التي تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية”.17 وقبل يوم واحد من انعقاد القمة الخمسين لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) في إيطاليا في 13 يونيو 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي أنّ تعريفاته الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية ستتراوح بين 17 في المئة و38,1 في المئة.18 في المقابل، رفعت الصين شكوى إلى منظمة التجارة العالمية للاعتراض على الرسوم الجمركية النهائية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المركبات الكهربائية الصينية في 6 نوفمبر 2024.19 وجاء هذا الإجراء في أعقاب طلب سابق قدّمته الصين للتشاور مع الاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم التعويضية على المركبات منذ 11 ديسمبر 2019، توقّفت وظيفة تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية بشكل كامل، وذلك بسبب غياب هيئة الاستئناف بعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن تعيين القضاة.20
بعد تولّي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، فرض تعريفات جمركية عقابية بنسبة 25 في المئة على جميع الواردات من كندا والمكسيك (والتي تمّ تأجيلها لمدة شهر)، ثمّ أعلن لاحقاً عن فرض تعريفات بنسبة 10 في المئة على الواردات من الصين، وربما من الاتحاد الأوروبي.21 ردّت الصين بفرض رسوم جمركية على البضائع الأمريكية،22 أعقبها فرض ترامب رسوماً جمركية عالمية بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتّخاذ إجراءات مضادة.23
ليس واضحاً ما إذا كان الدعم الحكومي لإنتاج المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة وشرائها بموجب قانون خفض التضخّم24 الذي وُقّع في عهد بايدن25 سيستمرّ في عهد ترامب على المدى الطويل. ومع ذلك، فإنّ إلغاء الإعانات الضخمة لشركات المركبات الكهربائية والبطاريات الكورية الجنوبية قد يؤدّي إلى تغييرات جوهرية في خطط الأعمال، ما قد ينعكس سلباً على صناعة المركبات الكهربائية في السعودية، حيث تُعدّ “مجموعة هيونداي موتور” لاعباً رئيسياً في شركة “سير”، أول علامة تجارية سعودية لتصنيع السيارات الكهربائية.
وقد أثارت الإعانات بموجب قانون خفض التضّخم جدلاً واسعاً بين شركات تصنيع السيارات الأوروبية ومنتجي المركبات الكهربائية والبطاريات في كوريا الجنوبية،26 إذ يعتبرونها تمييزية، نظراً لأنّ أحكام الدعم تطبّق على مشتريات المركبات الكهربائية التي خضعت للتجميع النهائي في أمريكا الشمالية فحسب، وفقاً لمخطّط الإعفاءات الضريبية المخصّص لها.27
في ظلّ اشتداد المنافسة في السوق العالمية للمركبات الكهربائية والبطاريات، تحتدم معركة الوصول إلى السوق عبر القارات والولايات القضائية. وتُعدّ الدول الخليجية سوقاً محتملة، إذ تتجنّب الولايات المتحدة المركبات الكهربائية الصينية وسط مخاوف تتعلّق بالأمن القومي، في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد الأوروبي معضلة الحفاظ على التعاون مع الشركات الصينية من جهة وفرض قيود على المركبات الكهربائية الصينية من جهة ثانية. وبما أنّ الصين تواجه تحدّيات سوقيّة في أكبر أسواق السيارات – لا سيما في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – يبقى التوسّع إلى الأسواق خارج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخيار الوحيد. في هذا السياق، تُعدّ الدول الخليجية وجهة جذّابة بفضل قدرتها الشرائية العالية، لكن المفارقة تكمن في كونها منطقة منتجة للوقود الأحفوري تفتقر إلى بنية تحتية كافية لاستيعاب تدفّق السيارات الكهربائية من الصين. ونتيجة لذلك، يظل الطلب على المركبات الكهربائية المستوردة ضعيفاً، حيث لا تزال الحوافز الاستهلاكية غير كافية لتحفيز التحوّل نحو هذه التكنولوجيا.
ركّزت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على التحوّل الرقمي والتحوّل إلى اقتصاد أخضر في سعيها إلى الابتعاد جزئياً عن الوقود الأحفوري. وقد دفعت التحوّلات في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك الصين، هذه الدول إلى النظر في اعتماد المركبات الكهربائية تماشياً مع أجندتها لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. غير أنّ سعي الدول الخليجية إلى المركبات الكهربائية وطموحاتها لإنتاجها ولاستخدام الذكاء الاصطناعي المادي (physical AI) مُقيّدة بانخفاض الطلب في السوق بشكل ملحوظ (كما هو موضّح في الرسم البياني 3).
مقتبس من: “Statista Market Insights”، “Electric Vehicles – United Arab Emirates”; Salma Saleh, “Volume of electric vehicle sales in the United Arab Emirates from 2017 to 2029 (in 1,000s)”; “UAE Electric Vehicle Market Size, Share and EV Demand”; “eMobility Outlook 2024,” PwC; Santiago Castillo, Arvind CJ and Smriti Priya, “EV Charging Index: Expert insight from the GCC region.” 28
تُعدّ الإمارات العربية المتحدة أسرع أسواق المركبات الكهربائية نمواً في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، تليها المملكة العربية السعودية (الرسم البياني 3). وتعود الزيادة في واردات الإمارات من المركبات الكهربائية إلى سعيها تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال النقل، حيث تهدف إلى الحصول على مركبات كهربائية وطائرات الإقلاع والهبوط العمودي/التنقّل الجوي في المناطق الحضرية (UAM) لسيارات الأجرة الجوية، والتي من المقرّر أن تبدأ عملياتها التجارية في العام 2025 في أبو ظبي ودبي. وفي نهاية المطاف، تهدف الإمارات العربية المتحدة إلى ربط المركبات الكهربائية بالشبكة الرقمية، ما يتيح تحقيق الذكاء الاصطناعي المادي براً وجواً. وقد سبق أن قادت شركات تشغيل سيارات الأجرة الجوية الأمريكية، مثل “آرتشر” (Archer)، وشركة جوبي للطيران (Joby Aviation) (التي حصلت على مشروع ” Uber Elevate”، قسم النقل الجوي في “UBER”، الذي لم يدم طويلاً) وشركة “إكس بينغ الصينية” (Xpeng)، رحلات تجريبية في الإمارات العربية المتحدة، بينما تسعى شركة “هانهوا إيروسبايس” (Hanhwa Aerospace) الكورية الجنوبية إلى دخول السوق.29أما في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فيُعدّ اختراق المركبات الكهربائية الصينية لسوق المركبات الكهربائية أبطأ بكثير. على سبيل المثال، في قطر، حصلت شركة المواصلات المحلّية “كروه” على حافلات النقل العام الكهربائية من شركة “يوتونغ” (Yutong) الصينية. وقد افتُتحت صالات عرض سيارات “بي وآي دي” ومركبات هيونداي الكهربائية في الدوحة، وعُرضت علامات تجارية صينية لمحركات الاحتراق الداخلي في مراكز التسوّق. وتُوفّر قطر عدداً من محطات الشحن الكهربائية العامة المجانية، إلّا أنّ عددها محدود وغير كافٍ لتشجيع المستهلك.30
في الأساس، يكمن السبب الرئيسي وراء البطء في التحوّل إلى المركبات الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي في صعوبة تحفيز المستهلك على الشراء، نظراً لأسعار النفط والغاز المعقولة في المنطقة. وفي هذا الصدد، تتمثّل المعضلة التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في أنّ تركيز سياساتها على التحوّل إلى اقتصاد أخضر باعتماد السيارات الكهربائية فيها لن يكون فعّالاً بما فيه الكفاية إذا لم تحصل هذه الدول على حوافز كبيرة، سواءً على شكل إعانات/خصومات مقدّمة للمستهلكين، أو من خلال زيادات في أسعار البنزين.31 وقد تؤدّي هذه الحوافز، في ظلّ حروب التعريفات الجمركية في أماكن أخرى، إلى إغراق الأسواق الخليجية بالمركبات الكهربائية الصينية.
كانت المملكة العربية السعودية الأكثر استباقاً بين الدول الخليجية في معالجة أبعاد السياسة الصناعية الخاصة بالتحوّل الرقمي/التحوّل الأخضر. ويسعى صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية، أو “صندوق الاستثمارات العامة”، لتطوير صناعة سيارات محلّية. بدأ الصندوق مسيرته باستحواذه على حصة رئيسية في “مجموعة لوسيد موتورز” (Lucid Group) (التي تعاني صعوبات في الأداء).32 وقد افتتحت المجموعة أول مصنع للمركبات الكهربائية في المملكة.33 وفي إطار بناء العلامة التجارية للمركبات الكهربائية السعودية “سير”، أطلقت الشركة مشروعاً مشتركاً مع مورّد شركة “أبل” (Apple)، “فوكسكون” (Foxconn)، حيث طلبت أنظمة مساعدة السائق المتقدّمة من المستوى 3 المدعومة من “إنفيديا” (Nvidia) في العام 2022.34 وبعد ذلك، سعى صندوق الاستثمارات العامة إلى الاستثمار في شركة المركبات الكهربائية الصينية “هيومن هورايزونز” (Human Horizons) في العام 2023،35 غير أنّ الشركة أعلنت عن إفلاسها في العام 2024 في ظلّ تسارع عملية توحيد السوق في سوق المركبات الكهربائية الصينية. ونتيجةً لذلك، وقّع صندوق الاستثمارات العامة اتفاقية مع “مجموعة هيونداي موتور” (HMG) الكورية الجنوبية لإنشاء مصنع للمركبات الكهربائية في المملكة العربية السعودية، ومن المقرّر افتتاحه لإنتاج طرازات “أيونيك” (IONIQ) في البلاد. وستبلغ حصة الصندوق في المشروع المشترك 70 في المئة في حين ستمتلك هيونداي 30 في المئة.36 وقد أدّى ذلك إلى إبرام شركة سير اتفاقية بقيمة 2,18 مليار دولار مع شركة “هيونداي ترانسيس” (التابعة لشركة “هيونداي موتورز”) لتوريد أنظمة قيادة المركبات الكهربائية المتقدّمة (نظام التفاضل الإلكتروني (EDS): محرّك الدفع، والعاكس، وتروس تخفيض السرعة).37
ورغم أنّ شركة “سير” تخطّط لبيع المركبات الكهربائية وتوزيعها في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول العام 2025، لا تُعدّ في الواقع شركة مركبات كهربائية متكاملة بالمعنى الدقيق للكلمة؛ بل هي عبارة عن تجميع لأنظمة قيادة المركبات الكهربائية من “هيونداي”،38 بالإضافة إلى برامج القيادة الذاتية من “فوكسكون”.39 وقد دعت المملكة العربية السعودية شركة “تسلا” إلى إنشاء مصانع للمركبات الكهربائية في البلاد،40 على أمل نشر شبكة شحن خارق في أنحاء المملكة كافة.41 ولم يتّضح بعد ما إذا كانت محاولة المملكة العربية السعودية لتطوير علامة تجارية محلية للمركبات الكهربائية من دون تطوير تكنولوجي محلي خاص بها ستُكتب لها الاستمرارية.
أثار الاندفاع نحو التحوّل الرقمي والتحوّل إلى الاقتصاد الأخضر اهتماماً بالمركبات الكهربائية والبطاريات وطائرات الهبوط والإقلاع العمودي الكهربائية في منطقة الخليج، غير أنّ المسار نحو استخدام المركبات الكهربائية لتحقيق التحوّل الأخضر ومن أجل النقل المستقبلي (مثل تشغيل أنظمة المترو في دبي والدوحة والرياض) لا يزال غير واضح. وعلاوة على ذلك، لا تشهد الدول الخليجية أي مناقشات حول ظروف السوق العالمية، التي تنطوي على حروب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين – بالإضافة إلى توحيد سوق شركات المركبات الكهربائية والبطاريات داخل الصين – والتي تحفّز سعي شركات المركبات الصينية على التوسّع إلى الأسواق الخارجية. من اللافت أنّه عند تناول السياسات التجارية والطاقة في سياقها العام، نادراً ما يتم التطرّق إلى تأثير الحروب التجارية والسياسات الصناعية خارج الخليج، إضافةً إلى فائض الإنتاج وتمركز السوق داخل الصين، رغم كونها عوامل أساسية وراء تنامي الطلب على المركبات الكهربائية والبطاريات وتصنيعها في المنطقة.
وبينما يتماشى استيراد المركبات الكهربائية أو تصنيعها أو تشغيلها مع أجندات الدول الخليجية لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، تواجه عملية التصنيع من خلال مصانع المركبات الكهربائية عدداً من التحدّيات. أوّلاً، قد لا تتمكّن المصانع من توفير فرص عمل إضافية في ظلّ استمرار ارتفاع معدّلات الأتمتة في مجال الخدمات اللوجستية والتجميع. وكمثال على ذلك، حقّق مركز الابتكار التابع لمجموعة “هيونداي موتور” في سنغافورة (HMGICS)، والذي يُنتج طرازَي “أيونيك 5″ (IONIC 5) و”أيونيك 5 روبوتاكسي” (IONIC 5 Robotaxi) من هيونداي (المستوى الرابع من أنظمة مساعدة السائق المتقدّمة)، معدّل أتمتة بلغ 46 في المئة في عملية التصنيع بأكملها،42 وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن معدّل الأتمتة القائمة على الحزام الناقل. كما ارتفع معدّل أتمتة الخدمات اللوجستية في مركز الابتكار التابع لمجموعة “هيونداي موتور” في سنغافورة ليصل إلى 65 في المئة،43 مدعوماً من 250 روبوتاً من شركة “بوسطن دايناميكس” (Boston Dynamics)، والتي استحوذت عليها في العام 2021،44 ومن المتوقّع أن يرتفع إلى 80 في المئة في السنوات القادمة.45 ومن غير المرجّح أن يبلغ معدّل الأتمتة في مصانع المركبات الكهربائية التي من المزمع بناؤها في المملكة العربية السعودية مستويات أقلّ، ما يعني أنّ تصنيع المركبات الكهربائية لن يُسهم في توفير فرص عمل كبيرة في منطقة الخليج.
ويبرز غياب خارطة طريق لتنفيذ سياسات النقل التي تُعطي الأولوية لسلامة المركبات الكهربائية في الخليج، وإستراتيجيات الذكاء الاصطناعي المستقبلية في قطاع النقل التي تشمل المركبات الكهربائية والتنقّل الجوي في المدن. علاوة على ذلك، يتعيّن على الدول الخليجية وضع أهداف واضحة لتطبيق معايير القيادة الذاتية والسلامة المتعلّقة بهذه الإستراتيجيات. ففي حال اختارت الدول الخليجية اعتماد القيادة الذاتية لتحقيق أهداف التحوّل الرقمي/التحوّل الأخضر والذكاء الاصطناعي في قطاع النقل، يجب أن تُعطي الأولوية لأنظمة السلامة المتعلّقة بالبطاريات، إذ أثبتت بعض الحالات أنّها تشكّل خطراً كبيراً لاندلاع الحرائق (تجدر الإشارة إلى أنّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد بدأتا بالخطوات الأوّلية).46 ولا بدّ من مراعاة المخاطر المحتملة الأخرى، بما في ذلك خطط التخلّص من البطاريات وإعادة تدويرها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب عدم التغاضي عن الأبعاد الجيوسياسية للسيارات المتّصلة في مجال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل. فقبل مغادرة بايدن منصبه، أصدرت إدارته أمراً تنفيذياً لتنظيم السيارات المتّصلة الواردة من منتجين أجانب، مشيرةً إلى مخاوف بشأن النفوذ وتهديدات الأمن القومي التي قد تشكّلها السيارات المصنّعة في الخارج بمجرّد دمجها في شبكة الكهرباء الأمريكية.47 ولم تُلغِ إدارة ترامب هذه التوجيهات. ونظراً للدور الذي ستؤدّيه المركبات الكهربائية وطائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية على الطرق وفي الأجواء المتّصلة داخل بيئة الذكاء الاصطناعي السلسة (بشرط تحقيق المستوى الخامس من أنظمة مساعدة السائق المتقدّمة)، يجدر التعامل مع توسّع المركبات الكهربائية في منطقة الخليج بحذر – لا سيما في ضوء الأبعاد الجيوسياسية لسوق المركبات الكهربائية العالمية واحتدام المنافسة على الذكاء الاصطناعي في قطاع النّقل.