على الرغم من الانتقادات المتكرّرة التي تتعرّض له قطر في الخطاب المناخي العالمي، التزمت الدوحة بشكلٍ استباقي بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030 من خلال إستراتيجيّةٍ مصمّمة بعناية لإزالة الكربون في قطاعات محدّدة. وترتكز هذه المقاربة على تدخّلات تكنولوجيّة متقدّمة، أبرزها احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) والتسريع في دمج مصادر الطاقة المتجدّدة. ونظراً لبنية الحوكمة المركزية في قطر واعتمادها الاقتصادي الكبير على صادرات الهيدروكربونات والبنية التحتيّة الناشئة لأسواقها المالية، تُعدّ البلاد مهيّأة لتطبيق إطار تنظيمي لنهج القيادة والسيطرة (CaC)، بدلاً من آليات تسعير الكربون القائمة على السوق والمعقّدة بطبيعتها.
ويستفيد هذا الإطار من قدرة قطر على اتّخاذ القرار بسرعة ومؤسّساتها ومبادراتها الموجّهة لبناء القدرات، بما يضمن تحقيق تقدّم سريع وملموس نحو أهداف خفض الانبعاثات. ويشكّل هذا النهج توجّهاً إستراتيجياً يوازن بين فاعلية جهود الحدّ من الانبعاثات والحفاظ على متانة الاقتصاد القطري، بما يعزّز قدرة البلاد التنافسية ويمكّنها في الوقت ذاته من تعظيم الإيرادات الأجنبية عن صادرات الغاز الطبيعي المسال.
اعتماد إطار تنظيمي متين قائم على نهج القيادة والسيطرة: يتماشى اعتماد إطار تنظيمي مركزي قائم على نهج القيادة والسيطرة، إلى جانب الإبلاغ الموحّد عن انبعاثات غازات الدفيئة عبر مختلف القطاعات، مع هياكل الحوكمة في قطر واقتصادها القائم على الهيدروكربونات. من شأن إنشاء نظام مركزي لإدارة البيانات أن يُعزّز الشفافية ويُسهّل التحقّق من الامتثال ويسمح بمراقبة الانبعاثات بفعّالية.
وضع معايير تكنولوجية ومقاييس إستراتيجية للانبعاثات: من شأن وضع معايير تكنولوجية ومقاييس إستراتيجية للانبعاثات تراعي خصوصية كلّ قطاع أن يمكّن قطر من تحقيق أهدافها لإزالة الكربون بفعّالية. ويشمل ذلك سنّ تشريعات تلزم باعتماد أفضل التقنيات المتاحة (BAT) وتطبيق برامج صارمة للكشف عن تسرّبات الميثان وإصلاحها (LDAR) واعتماد سياسات الحرق الصفري، إلى جانب أنظمة صارمة للرصد والمراقبة.
توسيع مبادرات التمويل المناخي والخبرات التقنية: بالإضافة إلى إطار التمويل الأخضر السيادي، من شأن التوظيف الإستراتيجي لأدوات التمويل الميسّر داخل قطر (وخارجها) أن يحفّز النمو الإقليمي المستدام ويعزّز بناء القدرات التقنيّة ويُرسّخ مكانة قطر كدولة رائدة في مجال الابتكار في التمويل المناخي والتطوير التكنولوجي.
البناء على الانخراط الإستراتيجي في أسواق الكربون الدولية: يشكّل الانخراط الإستراتيجي والمنهجي مع آليات أسواق الكربون الدولية بموجب المادة 6 من اتفاق باريس فرصة واعدة لقطر. قد يؤدّي تسخير الاتفاقات الثنائية بشأن المناخ إلى جذب الاستثمارات العالمية في مجالات متعدّدة، مثل كفاءة الطاقة والطاقة المتجدّدة والتنويع الاقتصادي.
احتلّت قطر مكانةً فريدة من نوعها على الساحة الدولية على مدى عقود، إذ تمتلك احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي، وتسجّل أعلى معدّلات لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد عالمياً. ومع ذلك، فهي لا تسهم إلّا بنسبة ضئيلة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. وتكمن هذه المفارقة في صلب التحدّي المناخي الذي تواجهه قطر، ألا وهو تحقيق التوازن بين الاستفادة من ثروتها الهيدروكربونيّة والاستجابة للضغوط العالمية المتصاعدة لإزالة الكربون. وفيما تعتمد قطر إستراتيجيات طموحة لخفض الكربون، بما فيها الالتزام بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030، وتطوير تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه (CCS)، والاستثمار في الطاقة المتجدّدة، فإنّها تواجه مسألة أكثر تعقيداً: كيف يمكنها تحقيق التوازن بين اقتصادها القائم على الغاز الطبيعي ومسؤوليّتها تجاه العمل المناخي العالمي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز نموّ اقتصادها الكلّي؟
على الرغم من ارتفاع نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ استثنائي في قطر (37,6 طن للفرد في العام 2002، وهي النسبة الأعلى عالمياً)، فإنّ المنظور التاريخي يكشف عن اتّجاهات مهمّة (الرسم البياني 1). وقد بلغت الانبعاثات ذروتها في مطلع الستينات (في أعقاب تأسيس منظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك”) ومن ثمّ في العام 1990 (بسبب مشروع توسيع حقل الشمال)، ما يعكس زيادات حادة ناتجة عن استغلال الموارد الهيدروكربونية واقتصاد كثيف الاستهلاك للطاقة، إلى جانب عدد سكاني القليل نسبياً (2,7 مليون نسمة في العام 2023). إلّا أنّه منذ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهر تراجعٌ ملحوظ. وعلى الرغم من التحدّيات القائمة، تشير التوقّعات إلى استقرارٍ، وربّما انخفاضٍ تدريجيّ، في نصيب الفرد من الانبعاثات في قطر . ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى مبادرات إزالة الكربون التي تستهدف القطاعات الاقتصادية الرئيسية، والتوسّع في قدرات الطاقة المتجدّدة والزيادة المتوقّعة في عدد السكان.
عملت قطر على تخفيض ذروة انبعاثاتها للفرد بشكلٍ كبير منذ العام 1963، حين بلغت نحو 120 طنّاً. غير أنّ إجمالي انبعاثاتها من غازات الدفيئة يستمرّ في الارتفاع بسبب النمو الاقتصادي المطرد وإنتاج الغاز الطبيعي. مع ذلك، ساهمت قطر، على غرار الدول الإقليمية المجاورة، في حصّة صغيرة نسبياً من الانبعاثات العالمية، بلغت نحو 115 مليون طن متري في العام 2023، أي ما يعادل 0,31 في المئة فقط من الإجمالي العالمي (أنظر إلى الرسمين البيانيين 2 و3).
باعتبارها من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، اعتمدت قطر مقاربةً أكثر توازناً تجاه العمل المناخي، تستند إلى مكانتها الاقتصادية، وذلك مقارنةً بالدول المجاورة الغنيّة بموارد الطاقة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين تبنّتا سياسات واسعة النطاق للحدّ من آثار تغيّر المناخ. ولا يجب تفسير هذا الاختلاف في إستراتيجيّات خفض الانبعاثات على أنّه نقصٌ في الالتزام من جانب قطر، بل يعكس بالأحرى اعتبارات اقتصادية خاصة ترتبط باحتياطياتها الضخمة من الغاز الطبيعي في حقل الشمال. ويؤمّن هذا الاحتياطي مصدر دخل كبيراً وثابتاً لدولة ذات عدد سكان قليل نسبياً، ما يؤثّر في مقاربتها تجاه تحقيق توازنٍ بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئيّة. وإلى جانب تدفّق الإيرادات بانتظام، يحمي هذا الاحتياطي قطر من التحدّيات الناجمة عن نقص المخصّصات والقيود المالية الناتجة عن ضرورة الحفاظ على أسعار منخفضة للغاز الطبيعي المحلّي في ظلّ ارتفاع تكاليف الإنتاج من احتياطيات الغاز غير المرتبطة. من باب المقارنة، تُعتبر هذه الضغوط الاقتصادية، التي دفعت بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تسريع جهودها لإزالة الكربون، أقلّ إلحاحاً بالنسبة إلى قطر في المدى البعيد.
تركّز إستراتيجيّة قطر للتغيّر المناخي على مجالات رئيسية متعدّدة، وكجزء من أجندتها للتنمية المستدامة، تخطّط قطر لدمج مصادر الطاقة المتجدّدة (مثل الطاقة الشمسية) في 30 في المئة من مزيج الطاقة بحلول العام 4.2030 بالإضافة إلى ذلك، تحدّد خطة العمل الوطنية لتغيّر المناخ التي أطلقتها قطر في العام 2021 إطاراً لتحقيق خفضٍ في الانبعاثات بنسبة 25 في المئة بحلول السنة عينها.5
ولم تعلن قطر بعد عن هدفٍ وطني لتحقيق الحياد الكربوني، وقد عبّرت عن شكوكها إزاء التزامات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، مشيرة إلى أنّهما تفتقران إلى خطط ملموسة للتنفيذ. وصرّح وزير الطاقة سعد الكعبي، قائلاً: “بالنسبة لي، سيكون أمراً باهراً جداً أن أخرج وأقول إنّنا سنصل إلى الصافي الصفري بحلول 2050… إلّا أنّ هذا ليس هو الشيء الصحيح”. وانتقد الكعبي توجّه السياسيين نحو وضع أهداف مناخية طموحة من دون أيّ خارطة طريق واضحة، مضيفاً أنّ الكثير منهم “يطرحون هذا بدون وجود خطة”. وحذّر من أنّ التسرّع من دون إستراتيجية واضحة قد يؤدّي إلى نقص في الاستثمار في النفط والغاز، ما قد يتسبّب في ارتفاع الأسعار على المستهلكين بسبب النقص في الإمدادات.6
في المقابل، تركّز مقاربة قطر على خفض الانبعاثات ضمن قطاعات محدّدة، وفق نهج واقعي وبراغماتي، لا سيّما في قطاع الغاز الطبيعي المسال. وتُعطي هذه الإستراتيجيّة الأولويّةَ لتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) بهدف تحقيق خفضٍ صاف بنسبة 15 في المئة في كثافة الكربون في العمليات الأوليّة وبنسبة 25 في المئة في منشآت الغاز الطبيعي المسال بحلول العام 2030. وتشمل هذه النسب الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة على حدّ سواء. ومن المهم الإشارة إلى أنّ هذه الأهداف تركّز على خفض كثافة الكربون، أي تقليص الانبعاثات لكلّ وحدة إنتاج، وليس على خفض الانبعاثات بشكلٍ مطلق. وتتيج هذه المقاربة لقطر الحفاظ على نموّها الاقتصادي وتوسيع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال، مع السعي في الوقت نفسه إلى الحدّ من الأثر البيئي لكلّ وحدةٍ من الطاقة المنتَجة.
جاء دخول قطر الأوّلي إلى أسواق الكربون متماشياً مع طموحات دُبي في الفترة ذاتها، حين كانت تخطّط لإطلاق نظام تداول للكربون مقرّه الدوحة عام 2009. غير أنّ الأزمة المالية العالمية حالت دون تنفيذ هذه الخطط. ورغم ذلك، لم تتراجع قطر، بل وجّهت اهتمامها نحو أبعاد الكربون الدولية، واستثمرت بشكلٍ إستراتيجي في منظّمات تُعنى بنشر المعرفة المؤسّسية حول آليات خفض الانبعاثات وتطوير أسواق الكربون في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتشمل هذه المبادرات المجلس العالمي للبصمة الكربونية (GCC)، الذي يُعدّ الهيئة الأولى لمنح شهادات أرصدة الكربون في المنطقة، ويدعم تنفيذ مشاريع خفض الانبعاثات. على نحو مماثل، أدّت المنظّمة الخليجيّة للبحث والتطوير (GORD) دوراً في تعزيز البنى التحتية المستدامة وأُطر العمل المناخية، لا سيّما من خلال نظام تقييم الاستدامة العالمي (GSAS) الذي يروّج للممارسات المعمارية الموفّرة للطاقة والمنخفضة الكربون.
علاوة على ذلك، تعاونت قطر مع منظّمات دولية مثل الرابطة الدولية لتداول الانبعاثات (IETA) وغيرها من شبكات السياسات الإقليمية بهدف استكشاف آليّات تسعير الكربون وتبادل الخبرات حول أُطر خفض الانبعاثات. ومن خلال هذه الالتزامات، فرضت قطر نفسها كمساهم في رسم معالم أسواق الكربون وإستراتيجيّات خفض الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، أثبتت قطر دورها القيادي في دبلوماسية المناخ عندما استضافت مؤتمر الأطراف COP18 في العام 2012 في خطوةٍ رسّخت التزامها بالمناقشات العالمية حول المناخ على الرغم من اعتمادها المستمرّ على إيرادات الهيدروكربونات. وفي حين لم تنشئ قطر بعد نظاماً محلّياً لتداول الكربون، تُسلّط هذه الإستثمارات الإستراتيجيّة في القدرات المؤسّسية وأُطر أرصدة الكربون ومناقشات السياسات، الضوءَ على إستراتيجيتها الأوسع لتوظيف التحرّك الدولي في مجال المناخ من أجل دعم أهدافها الاقتصادية والمتعلّقة بالاستدامة. وتعترف قطر، مثل دول خليجية أخرى، بالحاجة إلى معالجة المعارف والقدرات المحدودة في تطويرها للأطر البيئيّة المستدامة لخفض انبعاثات الكربون. ومن أجل مواجهة هذا التحدّي، تستثمر قطر بكثافة في الجامعات المحلّية ومراكز البحث والتطوير، بما يتماشى مع إستراتيجيّة الدولة الأوسع للتحوّل إلى اقتصادٍ يرتكز على المعرفة ويدعم مجموعةً واسعة من برامج الدراسات العليا والبحوث التعاونية المتمحورة حول الاستدامة. ويُعدّ تأسيسُ واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا في العام 2009 من أوائل الجهود التي بذلتها الدولة لتشجيع الشراكات مع الشركات الدولية ومؤسّسات البحوث الرائدة في حقل التقنيّات المبتكرة لخفض انبعاثات الكربون (مثل تقنيّة احتجاز الكربون وتخزينه).7
أسّست مؤسّسة قطر، بالإضافة إلى استثماراتها الكبيرة في البحث والتطوير، معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI) الذي يركّز على الترابط بين أنظمة الطاقة والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، ويهدف إلى سدّ الفجوات في البحوث في كلّ من المجالين. ولا بدّ من الاشادة بالتزام قطر بالبحوث في مجال تغيّر المناخ نظراً للتمويل الكبير الذي تُخصّصه لذلك. بيد أنّ الحلول التكنولوجية لتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه تشكّل موضع التركيز الحالي. . وعلى الرغم من أنّ هذا التركيز يخدم مصالح قطر الاقتصادية القومية في قطاع الهيدروكربونات، إلّا أنّه قد يغفل العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي تساهم في ارتفاع نصيب الفرد من انبعاثات الكربون في البلاد. ويمكن لاتّباع نهج أكثر شمولاً ومتعدد التخصصات للبحوث في مجال تغيّر المناخ أن يدرّ بالفائدة. فمن خلال إدخال تخصّصات مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، يمكن أن تغوص الجهود البحثية في عمق الأسباب الجذرية للانبعاثات في قطر، ما قد يسمح للحكومة القطرية بتنمية بناء القدرات المؤسّسية وتمتينها لمواجهة التحدّيات المناخية ومعالجتها.
يشكّل حرق الغاز تحدّياً بيئياً واقتصادياً لقطر، ويُمثّل حوالي 2 في المئة (مليوني طن متري) من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة السنوية. ومع أنّ هذه النسبة ضيئلة نسبياً من حيث الحجم الإجمالي، إلّا أنّها تعكس استخدام غير فعّال لموراد الغاز الطبيعي القيّمة.8وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في مستويات الحرق القصوى التي بلغت نحو 9 مليون طن متري في السبعينات، يبقى من الضروري إجراء تحسينات إضافية. يُعتبر الحدّ من حرق الغاز أمراً يمكن أن تحقّقه قطر وبمتناول يدها، وكذلك فرصة متاحة وفعّالة من حيث التكلفة لخفض الكربون بشكلٍ ملحوظ وتحسين إيرادات الموارد وتقديم منافع بيئية واقتصادية ملموسة. (أنظر إلى الرسم البياني 4)
انضمّت قطر بشكلٍ استباقي إلى الشراكة العالمية للحدّ من حرق الغاز (GGFR) التابعة للبنك الدولي في العام 2009، إدراكاً منها للآثار البيئية الضارة لحرق الغاز، فضلاً عن التكاليف البديلة، لتكون الدولة الخليجية الأولى التي تقوم بذلك.10 وفي إطار هذه المبادرة، التزمت قطر للطاقة (QE) بهدف “وقف الحرق الروتيني للغاز نهائياً بحلول العام 2030”. ولتعزيز هذا الالتزام، أصبحت قطر في العام 2021 عضواً في الصندوق الاستئماني متعدّد المانحين للشراكة العالمية للحدّ من حرق الغاز، بهدف بناء شراكات أقوى لمعالجة مسألة الحرق عالمياً. وتعمل قطر للطاقة على مواءمة هذه الجهود مع إستراتيجيّتها للاستدامة التي تهدف إلى الحدّ من شدّة الحرق بشكلٍ جذري في البنى التحتية في مراحل الإنتاج الأوليّة بنسبة تزيد عن 75 في المئة.11
علاوة على ذلك، وضعت قطر للطاقة نصب عينيها هدفاً طموحاً بخفض الانبعاثات الهاربة إلى نسبة 0,02 في المئة من كثافة غاز الميثان في المرافق كافة بحلول العام 2025.12 لكنّها لا تزال تواجه تحدّيات كبيرة. أطلقت قطر نحو 87 مليون طن متري من الميثان في العام 2023، أي ما يعادل 0,8 في المئة من انبعاثات الميثان الإجمالية (أنظر الرسم البياني 5). وستكون معالجة انبعاثات الميثان حاسمة، فيما تمضي قطر قدماً في خططها الرئيسية لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي المسال، بهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال بنسبة 85 في المئة (من 77 مليون طن سنوياً إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول العام 2030). وفي غياب إستراتيجيات صارمة للتخفيف من الآثار، سيؤدّي هذا التوسيع إلى زيادةٍ إضافية في انبعاثات الميثان.
حقّقت قطر نجاحاً مبكراً في تنفيذ مشاريع استرداد الغاز وخفض الانبعاثات. على سبيل المثال، أُطلق مشروع استصلاح وإعادة استخدام غاز حقل الشاهين النفطي في العام 2007 كأول مشروع قطري ضمن آلية التنمية النظيفة (CDM) التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (UNFCCC)، وأول مبادرة من نوعها في الشرق الأوسط تتماشى مع بروتوكول كيوتو. وقد ساهم المشروع في خفض حرق الغاز من المكمن بشكلٍ كبير، وولّد عائدات من مبيعات أرصدة الكربون.14 غير أنّ المشروع واجه وابلاً من الانتقادات تتعلّق بامتثاله لمتطلّبات “الإضافية” (Additionality) ضمن آلية التنمية النظيفة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت تخفيضات الانبعاثات ستتحقّق بغض النظر عن الحوافز التي يقدّمها البرنامج. وبينما حقّقت قطر نجاحاً مبكراً في مشروع الشاهين، واجهت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نطاق أوسع صعوبةً في توسيع مبادرات آلية التنمية النظيفة حيث سُجّل 23 مشروعاً فقط. قد تكون القدرات المؤسّسية المحدودة والعقبات المالية وتعقيدات عمليّة الموافقة ضمن آلية التنمية النظيفة عرقلت عملية التوسيع. نتيجة لذلك، أعادت قطر توجيه إستراتيجيتها المناخية نحو جهود خفض الانبعاثات في قطاعات محدّدة.
بعدما أدركت قطر حدود توسيع آلية التنمية النظيفة، وجّهت جهودها نحو مشاريع مستهدفة لخفض الانبعاثات في قطاعات حيوية كإنتاج الغاز الطبيعي المسال والبتروكيميائيات وكفاءة الطاقة. وفي إطار هذه الجهود، أطلقت قطر مشروع استرجاع الغاز المتبخّر أثناء الشحن “JBOG” (the Jetty Boil-Off Gas Recovery Project) في العام 2014، لتقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير من خلال احتجاز الغاز المتبخّر وإعادة استخدامه أثناء تحميل سفن الغاز الطبيعي المسال، ما أدّى إلى تقليص سنوي يقدّر بنحو 1,6 مليون طن متري من انبعاثات غازات الدفيئة.15 بالإضافة إلى ذلك، نفّذت شركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) مشروعاً لاسترداد نحو 500 طن من ثاني أكسيد الكربون يومياً وتحويله إلى ميثانول.16 ومن بين المبادرات الكبرى الأخرى أيضاً، مشروع المؤسّسة العامة القطرية للكهرباء والماء (كهرماء) الذي نُفّذ بين عامي 2012 و2017 وتمكّن من خفض انبعاثات الكربون بمقدار 8,5 مليون طن متري.17
ساهم البرنامج الوطني للترشيد وكفاءة الطاقة (ترشيد)، الذي أُطلق عام 2012، في تعزيز جهود قطر لخفض الانبعاثات وزيادة كفاءة الطاقة. وقد ساهم أيضاً في تعزيز تقدّم قطر في مسار التخفيف من آثار تغيّر المناخ وخفض الانبعاثات في قطاع الطاقة. وبحلول نهاية العام 2021، حقّقت المرحلة الثانية من البرنامج نتائج ملحوظة، إذ وفّرت أكثر من 1,1 مليار دولار.18 وفي العقد الأول من تشغيله، ساهم البرنامج في توفير نحو 14 ألف جيغاواط/ساعة من الكهرباء، وأكثر من 100 مليون متر مكعب من المياه، ونحو 4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وأسفرت هذه الجهود عن خفض انبعاثات الكربون بنحو 8,5 مليون طن متري.19 وفي موازاة هذه الجهود، وبهدف معالجة الانبعاثات بشكلٍ أفضل، أطلقت الحكومة القطرية المشروع اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ احتراق اﻟﻐﺎز وﺗﻨﻔﻴﺴﻪ ، والذي يستهدف تحديداً المساهمين الرئيسيين في عمليات الحرق في هذا القطاع.20 لكن فيما تواصل قطر توسيع قطاع الغاز الطبيعي المسال واقتصادها الكلّي على حدّ سواء، سيتعيّن عليها تدعيم هذه المبادرات من خلال تعزيز القدرات المؤسّسية والالتزام بتحقيق مزيد من الخفض في الانبعاثات.
بدأ التزام قطر المؤسّسي بالاستدامة البيئية في إنشائها اللجنة الدائمة لحماية البيئة في العام 1981 بموجب القانون رقم 4 للعام 1981 بإشراف وزارة الشؤون البلدية والزراعة.21 وجسّدت هذه الخطوةُ الجهدَ الرسمي الأوّل لتنظيم القضايا البيئية في البلاد. وفي العام 2000، استُبدلت اللجنة بالمجلس الأعلى للبيئة والمحميّات الطبيعيّة بموجب مرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2000، الذي وسّع إطار الحوكمة البيئية في قطر.
ورسّخت الحكومة القطرية سياساتها البيئية بموجب مرسوم بقانون رقم 30 لسنة 2002 (قانون حماية البيئة) في سبتمبر 2002 .22 ونصّ هذا التشريع الشامل الذي يتضمّن ثمانين مادة على تنظيمات مفصّلة بشأن حماية البيئة والمحافظة عليها والإدارة المستدامة للنظام البيئي في قطر.
أدرجت قطر مسألة الاستدامة رسمياً ضمن مخطّطها الاقتصادي الوطني من خلال إطلاق رؤية قطر الوطنية (QNV 2023) في العام 2008، التي تشكّل التنمية المستدامة إحدى ركائزها الأربعة. ووضعت هذه الرؤية إطاراً طويل الأجل للنمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وعلى هذا الأساس، تبنّت إستراتيجيّةُ التنمية الوطنيّة للفترة بين عامي 2011 و2016 هذه المبادئ، وحدّدت أهدافاً معيّنة للسياسات تتعلّق بالاستدامة. إلّا أنّ قطر كانت لا تزال حينذاك تفتقر إلى إستراتيجية وطنية شاملة للحدّ من آثار الكربون أو إلى أهداف محدّدة لخفض الانبعاثات.
تُشرف هيئتان حكوميّتان رئيسيّتان على قطاعي البيئة والطاقة في قطر. أولّهما وزارة البيئة والتغيّر المناخي (MECC) التي أنشئت في العام 2021 لتحلّ محلّ وزارة البلدية والبيئة (MME) وتستلم مسؤولياتها المناخية والبيئية.وقد عكست إعادةُ الهيكلة هذه إعترافاً سياسياً متزايداً بالحاجة إلى تأسيس هيئة مخصّصة للعمل المناخي ولجهود إزالة الكربون. وإلى جانب وزارة البيئة والتغيّر المناخي، تُعدّ وزارة الطاقة والصناعة (MEI) الجهة الرئيسية الثانية التي تؤدّي دوراً مهماً في صياغة السياسات والأنظمة المتعلّقة بقطاع الطاقة القطري. وتؤدّي “قطر للطاقة،” من جهتها، مهاماً تنظيميّة في هذا القطاع وتضطلع بدورٍ خاص بها في سياسات إزالة الكربون. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ تأثير وزارة البيئة والتغيّر المناخي محدودٌ في بعض المدن الصناعية، مثل راس لفان ومسيعيد ودخان.23 تُحيل الشركات العاملة في هذه المدن تقاريرها إلى “قطر للطاقة” بشكلٍ أساسي. لكن على مستوى الدولة، تُكلَّف عمليّة تقييم الـتأثير البيئي الشامل إلى المشاريع الصناعية والهيدروكربونية الكبيرة والمتوسّطة/الصغيرة الحجم بمعظمها. يعمل قطاع الطاقة في قطر ضمن إطارٍ تنظيمي محدّد بموجب قانون رقم 3 لسنة 2007 بشأن استغلال الثروات الطبيعية ومواردها. وينظّم هذا القانون استكشاف الثروات الطبيعية ومواردها واستغلالها في البلاد. وتُشرف وزارة الطاقة والصناعة على السياسات المتعلّقة بالهيدروكربونات، علماً أنّها تخضع في نهاية المطاف لسلطة الأمير. تتولّى “قطر للطاقة” إدارة هذه الموارد وتنميتها وتنظّم أيضاً عدداً من العمليّات الهيدروكربونية. أمّا الاعتبارات البيئية، فتُناط بوزارة البيئة والتغيّر المناخي التي تضع السياسات البيئية والتنظيمات القانونية والإدارية للمشاريع الهيدروكربونية والبتروكيميائية. وتهدف هذه التنظيمات إلى ضمان الامتثال للمعايير البيئية المتعلّقة بالانبعاثات والتصريفات في أثناء المعالجة. علاوة على ذلك، تقدّم الوزارة المساعدة في تطوير برنامج وطني شامل للتغيّر المناخي، الذي يشمل السياسات الآيلة إلى إدارة انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية والالتزامات الدولية بموجب المعاهدات المناخية المتعدّدة الأطراف وإعداد ﺍﻟﺒﻼﻏﺎﺕ الوطنية ونشرها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل وزارة البيئة والتغيّر المناخي جهة التنسيق الوطنية المعنيّة بمسائل تغيّر المناخ كافة في قطر.
يَمنح قانونُ حماية البيئة وتنظيمها في قطر إدارةَ التقييم والتصاريح البيئية الصلاحيةَ لوضع حدودٍ للانبعاثات وفرض عقوبات في حال عدم الامتثال، بما في ذلك احتمال سحب تصاريح التشغيل من كيان معيّن. إلّا أنّ محدودية البيانات المتاحة للعلن بشأن امتثال الشركات وإجراءات التنفيذ أو تعليق التراخيص، تجعل من الصعب تقييم الشفافية التنظيمية والمساءلة. ويُثير هذا النقص في الشفافية القلق حيال فعالية آليات التنفيذ وتطبيق السياسات المرتبطة بالمناخ. بالإضافة إلى ذلك، كشفت المراحل الأولى من مبادرات خفض انبعاثات غازات الدفيئة في قطر عن تفاوت في التنفيذ، ما قد يشكّل تحدّياً محتملاً أمام ضمان تطبيقٍ موحّد للتنظيمات عبر مختلف القطاعات الصناعية.
أظهرت قطر دورها الريادي في مجال تعقّب انبعاثات غازات الدفيئة، إذ أعدّت جردها الشامل الأوّل لانبعاثات غازات الدفيئة الوطنية في العام 2007، تلته تحديثات لاحقة في العام 2011، ما عكس التزاماً مبكراً بالسياسات المناخية المعتمدة على البيانات ورصد الانبعاثات. وشمل هذا الجرد الأولي ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، ونُشر في بلاغ قطر الوطني الأولي المقدّم إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ. وقد بذلت قطر جهوداً حثيثة لدفع إطار سياساتها المناخية قدماً من خلال إنشاء لجنة التغيّر المناخي والتنمية النظيفة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2011 الذي كلّف الجهات المختصّة بوضع سياسات لخفض غازات الدفيئة وتنفيذ خطط العمل وإعداد قواعد للبيانات طبقاً لمتطلّبات الاتفاقية الإطارية للتغيّر المناخي وبروتوكول كيوتو. غير أنّ التحدّيات التي طرأت في أثناء عملية التنفيذ قوّضت فعالية المبادرة، لا سيّما بسبب ضعف آليات التنفيذ ومحدودية الامتثال المؤسّسي. وفشلت جهات متعدّدة في الامتثال للتوجيهات بشكلٍ كامل، ما أدّى إلى تشتّت في عملية جمع البيانات وتنفيذ السياسات. وفيما بدأت قطر للطاقة وشركات معيّنة بتضمين بيانات الانبعاثات في تقاريرها حول الاستدامة، ظلّ الافصاح غير المتّسق عن البيانات في مختلف الصناعات عائقاً كبيراً أمام تحقيق نظام متماسك وشفّاف لرصد الانبعاثات.24
في البداية، أدّى غياب الإلزام القانوني للإفصاح عن انبعاثات الكربون إلى اعتماد الشركات على الطوعية، ما نتج عنه ممارسات غير متّسقة للإفصاح. بيد أنّ الحرص على الشفافية اكتسب زخماً في العام 2011 في ظلّ المبادرة التي أطلقتها قطر للطاقة بشأن الصحّة والسلامة والبيئة (QP HSE) بهدف نشر البيانات المتعلّقة بانبعاثات غازات الدفيئة، ما دفع شركات متعدّدة إلى أن تحذو حذوها، فأدرجت بيانات الانبعاثات في تقاريرها السنوية حول الاستدامة. لكن على الرغم من هذا التقدّم، لا تزال الشفافية في البيانات غير مكتملة، إذ يواصل عدد من الشركات حجب المعلومات في ظلّ غياب شروط إلزامية للإفصاح.25على الرغم من هذه التحدّيات، لفت انخراطُ قطر في أسواق الكربون الانتباهَ الدولي عندما اشترت اللجنة العليا للمشاريع والإرث أرصدة كربون للتعويض عن الانبعاثات من كأس العالم لكرة القدم للعام 2022، الذي وصفته بأنّه حدث “محايد كربونياً”. جعلت هذه الخطوة من قطر رائداً إقليمياً من حيث تعويض الكربون الطوعي وشجّعت مشاركة الدول الخليجية في أسواق الكربون على نطاقٍ أوسع. ومن خلال إدماج الآليات القائمة على السوق في إستراتيجياتها المناخية، ساهمت قطر في زيادة الطلب على التعويضات وتطوير المشاريع المنخفضة الكربون في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا تزال الشفافية والمصداقية والفعالية المرتبطة بهذه التعويضات موضع تساؤل، ما يثير الشكوك حول دورها في تحقيق تخفيضٍ حقيقي للانبعاثات.
يجب أن تولي قطر، في مسارها نحو خفض الانبعاثات، الأولويةَ لإطارٍ تنظيمي قائم على نهج القيادة والسيطرة (CaC) بدلاً من نظام تسعير الكربون قائم على السوق. ويتماشى هذا الخيار الإستراتيجي مع عددٍ من خصائص المشهد الاقتصادي والسياسي والحوكمة في قطر. أولاً، يتيح النظام الإداري المركزي والانسيابي في قطر اعتماد نهجاً تنظيمياً من أعلى إلى أسفل، يساهم في سرعة اتّخاذ القرار وتنفيذ المهام بوضوح.26 خلافاً للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لا يتعيّن على قطر التعامل مع مجموعة واسعة من الصناعات ذات المصالح المتشابكة التي تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن. بالتالي، قد يتماشى نموذج القيادة والسيطرة مع إستراتيجيتها في تنفيذ مبادرات إزالة الكربون في قطاعات محدّدة، ويُسرّع عملية وضع معايير الانبعاثات وآليات الامتثال وإجراءات التنفيذ بحسب كل قطاع. علاوة على ذلك، يمثّل قطاع الهيدروكربونات في قطر، الذي تهيمن عليه شركات مملوكة للدولة، سياقاً مثالياً لاعتماد هذا النهج. إذ يتيح نموذج القيادة والسيطرة للحكومةَ تحديد أهداف طموحة لخفض إنبعاثات هذه الكيانات بشكلٍ مباشر، والزامها باعتماد التحديثات التكنولوجية الضرورية، وتخصيص الموارد اللازمة لدعم جهود الامتثال.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل خبرة قطر المؤسّسية المحدودة في آليات التسعير المالية المتقدّمة تحدّيات محتملة. فخلافاً للاقتصادات التي تتميّز بمتانة قطاعاتها المالية، مثل دبي أو السعودية، حيث تساهم مراكز مالية متطوّرة مثل مركز دبي المالي العالمي (DIFC) والسوق المالية السعودية “تداول” في تسهيل إدماج أدوات التداول المعقّدة، بما فيها تسعير الكربون، لا تزال البنية التحتية المالية القطرية في مراحلها الأولى نسبياً. على سبيل المثال، تنخرط بورصة قطر (QSE) في تداول الأسهم التقليدية والأوراق المالية ذات الدخل الثابت بشكلٍ أساسي، والأدوات المالية المشتقّة أو السلع المعقّدة بشكلٍ محدود. علاوة على ذلك، تتوفّر معاهد التدريب المالي المتخصّصة والكوادر البشرية المتمرّسة في إدارة الآليات المالية المعقّدة بشكل أكبر في دُبي والمملكة العربية السعودية مقارنةً بقطر. بالتالي، قد تُعيق هذه الفجوات في القدرات المؤسسية قدرةَ قطر على تطوير سوق كربون فعّال وعالي الكفاءة في وقت سريع. ومن هذا المنطلق، وكما أثبتت الإجراءات التنظيمية الصارمة التي طبّقتها اللجنة العليا للمشاريع والإرث في كأس العالم لكرة القدم للعام 2022، فإنّ اعتماد إطار تنظيمي يوفّر لقطر مساراً تعرفه أكثر وقابلاً للتنفيذ الفوري من أجل تحقيق خفض ملموس في الانبعاثات بشكلٍ ملموس.
بالإضافة إلى ذلك، يفرض اقتصاد قطر الأصغر نسبياً والأقل تنويعاً قيوداً على التطبيق الفعّال لإطار تحديد الحدّ الأقصى للانبعاثات وتداولها تجارياً (CaT). في الواقع، لا تملك قطر عدداً كافياً من المشاركين (الجهات المصدّرة للانبعاثات وغير المصدّرة لها) لتوليد سوق كربون عميقة وسائلة، ما قد يؤدّي إلى تقلّبات في الأسعار ويعيق آليات اكتشاف الأسعار الفعالة. كما وأنّ اعتماد قطر على صناعة الهيدروكربونات بشكلٍ رئيسي قد يسفر عن نقصٍ في التنوّع بين الجهات الرئيسيّة المصدّرة للانبعاثات، ما يحدّ من فعالية نظام تحديد الحدّ الأقصى للانبعاثات وتداولها تجارياً بشكلٍ عام، إذ أنّ إمكانية خفض الانبعاثات في قطاعٍ واحد محدودة. وأخيراً، لطالما اتّسمت إستراتيجية التنمية القطرية بدورٍ قوي للحكومة في توجيه الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات الإستراتيجية. وهذا يتماشى تماماً مع نهج القيادة والسيطرة، ويتيح تخصيص التمويل العام الموجّه لتحفيز الابتكار التكنولوجي وتحديث البنية التحتية والبحث والتطوير دعماً لأهداف خفض الانبعاثات.
مع ذلك، يمكن لقطر الاستفادة إستراتيجياً من بعض آليات السوق الدولية المنصوص عليها في المادة 6 من اتفاق باريس لاستكمال إطار القيادة والسيطرة المحلّي. وتقدّم المادتان 6.2 و6.4 بالتحديد فرصاً لقطر من أجل السعي إلى إبرام اتفاقات ثنائية تتعلّق بالمناخ، ما قد يجذب الاستثمارات الدولية إلى المبادرات المتعلّقة بكفاءة الطاقة والطاقة المتجدّدة والتنويع الاقتصادي. وتعزّز الاستعانة بهذه الأحكام الدولية تجربة قطر السابقة في مشاريع آلية التنمية النظيفة وترسّخ مصداقيتها في المنتديات الدولية المعنيّة بالمناخ، ما قد يمهّد الطريق لاندماج أسواق الكربون العالمية والإقليمية في المستقبل.
نظراً لهذه القيود، يوفّر نهج القيادة والسيطرة مساراً أسرع وأبسط يسمح لقطر بخفض الانبعاثات في الأجلين القصير والمتوسّط. وفي حين تبقى القدرات الطويلة الأمد للآليات القائمة على السوق موضع اعتبار، يسمح الإطار التنظيمي الحالي لقطر بإحراز تقدّم سريع وملموس نحو تحقيق أهدافها بخفض الانبعاثات. لكن يقرّ هذا التحليل بطبيعة أسواق الكربون الديناميّة في منطقة الخليج. ويُشير تطوّر الأسواق المستمر في الدول المجاورة، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تعزيز البيئة الإقليمية من أجل سوق الكربون خليجية مستقبلية محتملة. من شأن اعتماد قطر المبكر نهج القيادة والسيطرة أن يمهّد لقاعدة صلبة، عبر تطوير أنظمة لرصد الانبعاثات ووضع معايير تكنولوجية تُسهّل اندماجها لاحقاً ضمن إطارٍ سوق إقليمية أوسع. استناداً إلى العوامل المذكورة أعلاه، يمكن أن تُباشر قطر بتطبيق إطار متين لنهج القيادة والسيطرة لتحقيق أهدافها الوطنية لإزالة الكربون وخططها للنمو الاقتصادي وتعهّداتها تجاه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ من خلال مقاربة مبسّطة على مرحلتَين.
تتطلّب المرحلة الأولى من نهج القيادة والسيطرة لخفض الانبعاثات، والتي قد تستغرق بين 3 و4 سنوات تقريباً، إرساء قاعدة متينة للمبادرات اللاحقة تؤدّي فيها وزارة البيئة والتغيّر المناخي دوراً أساسياً. وتشمل المجالات الرئيسية الأربعة التالية:
1. بناء نظام موحّد للإبلاغ عن الانبعاثات
بإمكان وزارة البيئة والتغيّر المناخي، بالتعاون مع وزارات وجهات معنيّة أخرى، أن تتولّى قيادة جهود إعداد إطار قانوني شامل يُلزم بالإبلاغ الموحّد عن انبعاثات غازات الدفيئة في شتى قطاعات الاقتصاد القطري. وبإمكان هذا الإطار أن يعالج عدداً من العناصر الأساسية لضمان اتّساق البيانات ودقّتها، على أن يحدّد الإطار التوجيهي تواتر عملية الإبلاغ عن الانبعاثات (مثلاً سنوياً أو نصف سنوياً)، بالإضافة إلى أنواع الانبعاثات المحدّدة التي ينبغي تضمينها (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز). ويُحدّد الإطار كذلك منهجية موحّدة لقياس الانبعاثات والإبلاغ عنها.
وقد يشمل ذلك اعتماد بروتوكولات دولية قائمة، على غرار تلك التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ (IPCC)، لضمان اتساق البيانات وإمكانية المقارنة بين مختلف الكيانات. وبهدف تسهيل تقديم البيانات بفعالية، سيتطلّب الإطار إرساء بنية تحتية مركزية لجمع البيانات، قد تتضمّن بوابة إلكترونية مخصّصة للإبلاغ أو استخدام أدوات وبرمجيات متخصّصة، مثل برنامج الجرد الخاص بالهيئة وأدوات بروتوكول غازات الدفيئة للقطاع المؤسّسي، وغيرها. ويتمثّل هدف هذه المبادرة الرئيسي بوضع خطّ أساس واضح وشامل لانبعاثات غازات الدفيئة في قطر ليشكّل مرجعاً أساسياً لقياس التقدّم المحرَز نحو تحقيق الأهداف الوطنية لخفض الانبعاثات.
2. مركزية إدارة البيانات ورصدها
ستتولّى وزارة البيئة والتغيّر المناخي دور القاعدة المركزية لجميع بيانات انبعاثات غازات الدفيئة، وستؤدّي دوراً محورياً في تخزين البيانات وتحليلها ونشرها. ومن أجل ضمان دقّة البيانات المُجمعة ونزاهتها وأمنها، ستُنشئ الوزارة نظاماً متكاملاً لإدارة البيانات، وتُشرف على الامتثال للإطار القائم للإبلاغ عن الانبعاثات، من خلال تنفيذ إجراءات لمراجعة البيانات والتحقّق من دقّتها (متل التدقيق العشوائي أو التعاون مع هيئات مستقلّة للرقابة). بالإضافة إلى ذلك، قد تقوم الوزارة بإعداد تقارير دورية لرصد مستوى الالتزام بهدف تحديد الكيانات التي تستوفي متطلّبات الإبلاغ وتلك التي لا تستوفيها. وقد تقوم الوزارة كذلك بالتعاون مع الجهات المختصة لفرض العقوبات على المخالفين، والتي قد تشمل غرامات مالية أو سحب تراخيص التشغيل في حال تكرار المخالفة. بالإضافة إلى إجراءات الردع، قد تُطلق الوزارة مبادرات لبناء القدرات وبرامج تدريبية موجّهة لضمان فهم الشركات التام لشروط إزالة الكربون المنصوص عليها في الإطار التنظيمي لنهج القيادة والسيطرة وقدرتها على الالتزام بها بفعالية. تُعزّز هذه المقاربة المركزية الشفافيةَ والمساءلة وتضمن الالتزام بالتنظيمات المعمول بها.
3. وضع معايير تكنولوجية ومقاييس واضحة للانبعاثات
ومن خلال التعاون الوثيق مع خبراء في هذا القطاع والاختصاصيين في التكنولوجيا، بإمكان وزارة البيئة والتغيّر المناخي أن تعمل على تحديد المعايير التكنولوجية ومقاييس الانبعاثات لمختلف قطاعات الاقتصاد القطري. وستشكّل هذه المعايير خارطة عملية لتحقيق أهداف قطر الوطنية لخفض الانبعاثات. و من أبرز الجوانب التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند وضع هذه المعايير: فرض اعتماد أفضل التقنيات المتاحة (BAT) أي استخدام التكنولوجيا المثبّتة والعملية تجارياً، والتي تبرهن على قدرتها على تقليص من انبعاثات غازات الدفيئة بشكلٍ واضح في عمليّات صناعية محدّدة. علاوة على ذلك، ستشجّع هذه المعايير على التطبيق التدريجي للتقنيات المنخفضة الكربون المتقدّمة، مثل مصادر الطاقة المتجدّدة والبنية التحتية عالية الكفاءة في استخدام الطاقة، وفق جداول زمنية محدّدة. وأخيراً، يجب أن تُحدَّد أهداف واضحة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة لكل قطاع، بما يتماشى مع بصمته الكربونية وقدراته الفعلية على تحقيق التخفيضات المنشودة.
4. إنشاء صندوق لتخفيف آثار غازات الدفيئة
بإمكان وزارة البيئة والتغيّر المناخي أن تتولّى قيادة جهود إنشاء صندوق وطني للحدّ من آثار غازات الدفيئة برعاية الحكومة، بهدف تحفيز جهود إزالة الكربون وتسريع وتيرتها. وسيشكّل هذا الصندوق مصدراً أساسياً للموارد المالية المخصّصة للمبادرات الإضافية في هذا المجال. أولاً، سيدعم الصندوق مبادرات البحث والتطوير المرتكزة على التقنيات المبتكرة في مجال الطاقة النظيفة، وأنظمة احتجاز الكربون وتخزينه، والمنهجيّات المتقدّمة للحدّ من الانبعاثات. ثانياً، سيقدّم مِنحاً أو إعانات لتسهيل نشر التقنيات المنخفضة الكربون في شتى قطاعات الاقتصاد القطري. ثالثاً، يُخصّص الموارد لمبادرات بناء القدرات، مثل برامج التدريب التي تُجهّز الصناعات بالخبرات اللازمة لتطبيق الإستراتيجيات الفعّالة لخفض الانبعاثات. من خلال بناء هيكلية متينة للحوافز المالية وربما إقامة شراكة مع المؤسّسات المحلّية، مثل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI) وجامعة قطر، أو مع الهيئات الصناعية، مثل قطر للطاقة. ويمكن أن يضطلع الصندوق بدورٍ رئيسيّ في تشجيع الابتكار التكنولوجي وتسريع اعتماد حلول منخفضة الكربون وتعزيز ثقافة خفض الانبعاثات على نطاق أوسع في الاقتصاد القطري.
تقوم المرحلة الثانية من نهج قطر للعمل المناخي على الأسس التي أُرسيَت في المرحلة الأولى، وستركّز على توظيف بيانات انبعاثات غازات الدفيئة الواسعة لتحفيز الإجراءات الموجّهة وبناء القدرات وتعزيز الانخراط الإستراتيجي في مبادرات التمويل المناخي العالمية.
1. إزالة الكربون المعتمدة على البيانات
ستقود وزارة البيئة والتغيّر المناخي ضمن هذه المرحلة تحليلاً شاملاً لبيانات الانبعاثات الواسعة النطاق التي جُمعَت في المرحلة الأولى. وسيُحدّد هذا التحليل المعمّق القطاعات الأعلى من حيث الانبعاثات، فضلاً عن الجهات الرئيسية المصدّرة لها ضمن هذه القطاعات، وكذلك العمليات الصناعية المحدّدة التي نتج عنها أكبر نسبة من انبعاثات غازات الدفيئة. ويُعدّ تحديد هذه المصادر الرئيسية خطوة أساسية لوضع إستراتيجيات موجّهة وفعّالة للحدّ من آثار الانبعاثات. استناداً إلى نتائج تحليل الانبعاثات، تضع وزارة البيئة والتغيّر المناخي خططاً لتخفيف آثار الانبعاثات مخصّصة للشركات الأكثر تصديراً للانبعاثات. وتحدّد هذه الخطط المهام المعيّنة التالية: ينبغي على الشركات استبدال الآلات والعمليات غير الفعّالة بتقنيّات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. وبهدف تحقيق التوازن بين أهداف الطاقة والوقائع الاقتصادية، يجري هذا التحوّل على مراحل في إطارٍ زمني محدّد. علاوة على ذلك، تُنفَّذ برامج صارمة للكشف عن تسرّبات الميثان وإصلاحها في الصناعات كافة، لا سيّما في قطاع الطاقة، ومن المرجّح أن تشتمل على تحديثٍ إلزامي للمعدّات، وجداول منتظمة للرقابة وعقوبات صارمة على التسرّبات الكبيرة. وأخيراً، يجب تطبيق سياسات الصارمة من قِبَل الوزارة للقضاء على الحرق نهائياً من خلال تكثيف المراقبة وزيادة الغرامات في حال عدم الامتثال والتعاون مع المنظمات الدولية لتطبيق التقنيات المتقدّمة لكشف عمليّات الحرق.
2. تطوير الخبرات التقنيّة وبناء القدرات
لربط بيانات الانبعاثات الأساسية والأهداف المناخية الإستراتيجية وإجراءات إزالة الكربون بفعالية، يمكن لقطر الاستفادة من مركز التميّز في العمل المناخي (CACE) الذي أسّسته المنظمة الخليجية للبحث والتطوير (GORD) في أثناء انعقاد مؤتمر الأطراف (COP28). ويوفّر هذا المركز الدعم التقني الضروري لتسهيل الوصول إلى أسواق الكربون، ويُعزّز التعاون الدولي بموجب المادة 6 من اتفاق باريس، ويدعم مشاريع خفض الانبعاثات من خلال مبادرات موجّهة لبناء القدرات. ولكن من أجل تحقيق الأهداف المناخية الطموحة التي وضعتها قطر بالكامل، لا بدّ من توسيع قدرات المركز الحالية، لتشمل على وجه الخصوص تعزيز دوره في تسهيل التعاون البحثي المبتكر مع الجامعات والمؤسّسات البحثيّة الدولية، وتنسيق المشاريع التجريبيّة على أرض الواقع لتقديم حلول قابلة للتطوير في مجال إزالة الكربون، وتوسيع نطاق برامج التدريب المخصّصة للمهنيين في القطاعين الحكومي والصناعي. ومن خلال هذا التوسيع، سيتمكّن المركزُ من ترسيخ مكانة قطر كقوة رائدة إقليمية في مجال الابتكار المستدام وإستراتيجيات خفض الانبعاثات.
3. التمويل المناخي الإستراتيجي
بناءً على الخبرات التقنية والرؤى المستقاة من المرحلتين الأولى والثانية، ستحتلّ قطر مكانة إستراتيجيّة في مشهد التمويل المناخي الإستراتيجي. ويُرسي إطارُ التمويل الأخضر السيادي الذي أنشأته وزارة المالية القطرية ركيزةً مؤسسية مثالية لهذه الإستراتيجية. ومن خلال توسيع هذا الإطار، بإمكان قطر تطوير أدوات مالية موجّهة، مثل القروض الميسّرة لمشاريع الطاقة المتجدّدة والبنى التحتية منخفضة الكربون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي الدول النامية. وتعكس هذه المقاربة النموذج الذي تتبنّاه الصين في تمويل البنية التحتية، مثل مبادرة الحزام والطريق التي تسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف اقتصادية وتوسيع نفوذها الجيوسياسي في آنٍ معاً. وفي حال اعتمدت قطر هذا النموذج، ستتمكّن من تحقيق الإيرادات وتعزيز الجهود الإقليمية لإزالة الكربون وترسيخ نفوذها الجيوسياسي من خلال برامج استثمار مناخية موجّهة.
4. الخاتمة: بناء إرث قطر منخفض الكربون: خارطة الطريق للتحوّل
يمثّل نهج القيادة والسيطرة المكوّن من مرحلتين خارطة طريق فعّالة تمكّن قطر من تحقيق أهدافها الطموحة لإزالة الكربون. تبدأ المرحلة الأولى بوضع إطار مؤسّسي متين يتضمّن الإبلاغ الموحّد عن الانبعاثات وأنظمة دقيقة لجمع البيانات ورصدها، ومعايير واضحة التكنولوجيا والانبعاثات، إلى جانب حوافز مالية موجّهة بعناية. واستناداً إلى هذه الأسس، تنتقل المرحلة الثانية إستراتيجياً من التخطيط إلى التنفيذ، بحيث يساهم التحليل القائم على البيانات في تحديد المجالات الأكثر تأثيراً في الانبعاثات، ما يتيح إعداد خطط لخفض الانبعاثات موجّهة للقطاعات الأعلى إصداراً لها. وفي الوقت نفسه، ستوظّف قطر المعارف والخبرات التي راكمتها لتتبوّأ موقع الريادة إقليمياً في جهود إزالة الكربون.
تساهم المنظمات التي تعنى بالبحوث المناخية والمدعومة بشراكات دولية إستراتيجية، في تحفيز الابتكار والإشراف على الاختبارات التجريبية الصارمة للتقنيات الناشئة، وتيسير مبادرات شاملة لبناء القدرات تمكّن الصناعات المحلّية من اكتساب المهارات والموارد اللازمة لتحقيق تحوّل جذريّ. وعلاوة على ذلك، تساهم مبادرات التمويل المناخي الموجّهة في تسريع عملية إزالة الكربون في مختلف أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتُعزّز في الوقت نفسه مكانة قطر الجيوسياسية ونفوذها على الساحة الدولية. وبينما يُقدّم نهج القيادة والسيطرة المقترَح مساراً منظّماً وفعّالاً، فإنّ استمرارية النجاح تتوقّف على عددٍ من العوامل الحاسمة/ في مقدّمتها القدرة على التكيّف. لذا، من الضروري إجراء تقييمات وتحديثات بشكل منتظم ومتواصل على إطار القيادة والسيطرة المقترَح في مرحلة التنفيذ لضمان تماشيه مع التقنيات المتطوّرة والتغيّرات الاقتصادية وأفضل الممارسات الناشئة.
لا بدّ أيضاً من تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتوثيق التعاون بين الحكومة والقطاع والمؤسّسات البحثية من أجل تسريع الابتكار وترشيد اعتماد التقنيات المنخفضة الكربون الأكثر تقدّماً. أخيراً، يوفّر الانخراط الفاعل في المنتديات المناخية العالمية منصّةً تمكّن قطر من مشاركة تجاربها والاستفادة من خبرات الآخرين، فضلاً عن المساهمة في صياغة المعايير الدولية بما يخدم مسار تحوّلها وإستراتيجياتها للاقتصاد الكلي بشكلٍ مباشر. ومن خلال تبنّي هذه الإستراتيجيات، تستطيع قطر ترسيخ مكانتها كنموذجٍ يُحتذى به للاقتصادات الأخرى المعتمدة على الهيدروكربونات والطامحة إلى بناء مستقبلٍ منخفض الكربون يقوم على النمو المستدام.