السياسات الصناعية الخليجية

في اقتصاد عالمي متغيّر

ورقة سياسات، أكتوبر 2025
زميل أوّل غير مقيم

زميل أول زائر

زميل غير مقيم

28 أكتوبر، 2025

ملخّص

 

في أعقاب سنوات من التراجع، بدأت السياسات الصناعية، أيّ الجهود الاستباقية التي تبذلها الحكومات لدعم الصناعات الإستراتيجية، تستعيد زخمها على الساحة العالمية. واللافت أنّ هذه السياسات، على الرغم من فتور الاهتمام العالمي بها في مراحل سابقة، حافظت على دورها المحوري في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهمت في إرساء أسس فعّالة لتحقيق أهداف التنمية والتنويع الاقتصادي. فقد ساعدت في التخفيف من الطابع الريعي لاقتصادات الخليج التي تعتمد على النفط والغاز إلى حدّ كبير، وعالجت أوجه القصور التي تُعيق استثمارات القطاع الخاص في الصناعات الموجَّهة نحو التصدير، كما سهّلت إعادة توزيع عوائد النفط والغاز التي كانت شديدة المركزية في السابق.

 

واليوم توظّف الدول الخليجيّة سياساتها الصناعية في مساعٍ أكثر ديناميّة ترمي إلى تحقيق النموّ والتوسّع الاقتصاديين، لا سيّما في مجالات التكنولوجيا المتقدّمة حيث يُعدّ انخفاض كلفة مدخلات الطاقة، إلى جانب استثمارات القطاع العام في الخليج، من عوامل التمكين الرئيسية. ومع ذلك، تواجه السياسات الصناعية في المنطقة مجموعة من التحديات، من بينها تأثير أصحاب المصالح الخاصة، وتسييس القرارات الاقتصادية، وتزايد حالة عدم اليقين الناتجة عن التحوّلات الأخيرة في الاقتصاد العالمي. ولتحقيق نموّ مستدام وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة هذه التحدّيات، يتعيّن على صنّاع القرار في الخليج إظهار حنكة أكبر في اختيار القطاعات والأدوات المناسبة لتدخّلاتهم في توجيه السياسات. كما يتوجّب عليهم فصل القرارات المتعلّقة بالاستثمارات الصناعية عن الاعتبارات غير الاقتصادية.

 

التوصيات الرئيسيّة

 

  • دعم القطاعات لا الشركات: لكي تحقّق السياسات الصناعية الخليجية أقصى قدر من التأثير، يجب أن تدعم قطاعات متعدّدة من خلال تعزيز التعليم وتطوير البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام، بدلاً من تقديم دعم حكومي مباشر لشركات أو مبادرات محدّدة.

 

  • اعتماد أهداف استثمارية قائمة على القواعد: لا بدّ من أن تضع الحكومات الخليجية أهدافاً واضحة لأداء الشركات المملوكة بالكامل أو بالأغلبية من الدولة، مع المحافظة على عقلية شبيهة بعقلية الرأسماليين المُخاطرين، بدلاً من الاستمرار في دعم الشركات الخاسرة وغير المنتجة إلى أجل غير مسمّى.

 

  • التوصّل إلى تمييز مفاهيمي وعملي أوضح بين المجالين العام والخاص: لا بدّ من أن تشجّع الدول الخليجية مشاركة القطاع الخاص في جهود التنويع عبر الشراكات والحوافز المرتبطة بالسياسات، مع اتخاذ إجراءات مكمّلة مثل تعزيز سياسة المنافسة.

 

  • إحياء التعاون والتنسيق الإقليميين: لا بدّ من أن تعزّز الحكومات الخليجية المواءمة بين السياسات الصناعية والاستثمارات الإقليمية في مجالي النقل واللوجستيات، بما يتيح لها تجنّب الاستثمارات المكرّرة والمتداخلة، ويسهّل في الوقت نفسه المنافسة البنّاءة.

 

المقدّمة

 

حدّت السياسات الاقتصادية العالمية في الثمانينات من تدخّل الحكومات، وركّزت على التجارة الحرّة والتنمية القائمة على السوق، ما أتاح للدول تحقيق مكاسب غير مسبوقة في التنمية والحدّ من الفقر، مستفيدةً من المجالات التي تشكّل “ميزة نسبية” لها، فيما رسّخت الشركات مكانتها الإستراتيجية ضمن سلاسل الإمداد الدولية. لكن في السنوات الماضية، عادت دول متعدّدة إلى تبنّي السياسات الصناعية التي تشمل استخدام أدوات مثل الحوافز الضريبية، والإعانات، والرسوم الجمركية، والمشتريات الحكومية، والمِنَح، والاستثمار العام المباشر، من أجل تعزيز بعض القطاعات في خدمة أهداف اقتصادية واجتماعية أوسع. تقود عوامل متعدّدة هذا التوجّه المتجدّد نحو تدخّلٍ حكومي أكثر استباقاً، من أبرزها: قيود سلاسل الإمداد التي ظهرت خلال جائحة فيروس كورونا المستجدّ، وتغيّر المناخ، والتحوّل نحو اقتصادات أكثر مراعاة للبيئة، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية والضغوط المتزايدة نحو الحمائية في عدد من دول منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

 

وعلى الرغم من أنّ دول الخليج أعطت الأولويّة لتنمية القطاع الخاص في العقدين الماضيين، فإنّ حكوماتها لم تتخلَّ يوماً عن السياسات الصناعية1. فقد حافظت على مستوى من التخطيط المركزي، مستندةً إلى خطط التنمية الوطنية الخمسية واستراتيجيات التنمية الصناعية، التي شكّلت ركائز ثابتة لجهود التنمية منذ الستينات على الأقل. وقد أتاح هذا النهج للحكومات إعادة توزيع عائدات صادرات النفط والغاز بما يخدم أهداف تنويع الاقتصاد، وتسريع وتيرة تطوير البنية التحتية، وتعزيز مستويات الرفاه العام. واليوم، تتّجه كل دولة من دول الخليج نحو تبنّي إستراتيجيات أكثر طموحاً عبر رؤى وطنية للفترة بين 2020 و2030، تحدّد أهدافاً موسّعة للتصنيع المحلي، إلى حانب مجموعة واسعة من القطاعات ذات الأولوية للدعم الحكومي، مع رسم مسارات أكثر تفصيلاً لتحقيق التقدّم في هذا المجال.

 

مع ذلك، تواجه الدول الخليجية اليوم مخاطر تهدّد هذه الجهود. بعضها ملازم لأيّ تدخّل حكومي في الاقتصادات عامةً، بينما يعكس البعض الآخر التحدّيات الفريدة المرتبطة بالتنويع في الاقتصادات الغنية بالموارد، والضغوط للحدّ من البصمة الكربونية العالمية، والتحوّلات الكبرى الجارية في النظام الاقتصادي الدولي. لكن في المقابل، تبرز أيضاً فرص للاستفادة من الثروة النفطية بطرق مبتكرة تعالج نقاط الضعف المزمنة وتعزّز الاستثمار في القطاعات المستقبلية.

 

تستعرض هذه الورقة سُبل تبنّي الدول الخليجية سياسات صناعية فعّالة في ظلّ ظروف غير مستقرّة تخيّم عليها حالة من عدم اليقين. وتقدّم مراجعة لتاريخ السياسات الصناعية في الخليج حتى اليوم، وتحدّد الأولويات القطاعية في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى المخاطر ونقاط الضعف. كما تقترح الورقة إستراتيجيات لصنّاع السياسات تهدف إلى الحدّ من السلبيات المحتملة وتحقيق المكاسب القصوى من سياساتهم الصناعية المستقبلية.

 

 

تاريخ السياسات الصناعية في الدول الخليجية

 

أحدث تصدير المنتجات النفطية ومشتقّاتها تحوّلاً سريعاً في هذه المنطقة التي كانت يوماً فقيرة، لكنّه أرسى في الوقت نفسه اعتماداً عميقاً على إنتاج النفط والغاز يصعب التخلّص منه. يعكس ذلك الطابع الريعي للاقتصاد النفطي وما يُعرف بـ”المرض الهولندي”، وهو ما تعزّزه الطبيعة المركزية لعائدات شركات النفط الوطنية.2 وقد حفّزت هذه العوامل مجتمعة المستثمرين في القطاع الخاص على تركيز أنشطتهم على استيراد السلع المصنَّعة، وعلى قطاعات الإنشاءات والعقارات والخدمات، بدلاً من تحمّل المخاطر الأكبر المرتبطة بالتصنيع الموجَّه نحو التصدير والتوسّع الصناعي.

 

لطالما أدرك القادة الخليجيون أهمية تنويع اقتصاداتهم لضمان نموّ مستدام، وخلق وظائف ذات جودة أعلى للقوى العاملة الوطنية المتنامية، وتمكين الدول من التحوّط ضدّ تقلّبات سوق النفط العالمية. وقد سعوا إلى تحقيق طموحاتهم من خلال خطط اقتصادية خمسية أو مؤسّسات مملوكة من الدولة أو استثمارات حكومية تهدف إلى توسيع نطاق التصنيع المحلّي، مع الحرص على تعزيز النمو في الخدمات المرتبطة بالأسواق العالمية مثل السياحة واللوجستيات.

 

كانت البحرين أوّل دولة خليجية تطلق خطة تنمية خمسية تتضمّن إستراتيجية للتصنيع والتنويع الاقتصادي.3 وقد ركّزت هذه الخطة التي أطلقتها المنامة عام 1968 على إيجاد بديل للنفط في بلد كان قد بدأ يدرك تراجع احتياطاته النفطية. وفي العام نفسه، أطلقت الحكومة مشروع “ألمنيوم البحرين”، وهو مشروع مشترك بين الحكومة وشركاء دوليين. وفي العام 1977، أنشأت البحرين “الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن” (أسري) بمساهمات كبرى من الحكومات الخليجية كافة.4 وقد ساهمت أولى هذه المؤسسات التي تملك الدولة فيها حصّة الأغلبية في توفير القدرات اللازمة للمدخلات الصناعية والخدمات القابلة للتصدير التي يحتاج إليها الاقتصاد الخليجي الأوسع، إلى جانب خلق فرص عمل للمواطنين البحرينيين.

 

ركّزت دبي والإمارات الشمالية أيضاً على التصنيع المدعوم من الدولة. ففي العام 1970، بدأت دبي بناء ميناء راشد ومركز التجارة العالمي، في خطوة أولى نحو إقامة مركز دولي للتجارة والاستثمار، كما أسّست شركة “دبي ألومنيوم” (دوبال) في العام 1979. أمّا إمارة رأس الخيمة فقد أسّست شركة “سيراميك رأس الخيمة” (RAK Ceramics)، بينما بنت الشارقة ميناء بحرياً واستثمرت في صناعة الدهانات. أمّا عُمان فركّزت جهودها على تحفيز وتيرة النمو وتطوير سلاسل القيمة في القطاعات التقليدية مثل الزراعة وصيد الأسماك، إلى جانب تطوير قطاع النفط والاستثمار في البنية التحتية التجارية.5 وقد تمكّنت هذه الدول كافة من تعزيز قدراتها الصناعية الأوسع من خلال الاستثمار العام في المناطق الصناعية واعتماد لوائح المشتريات الحكومية الداعمة للصناعة.

 

تركّزت السياسات الصناعية المبكرة في كلٍّ من أبو ظبي والكويت والسعودية وقطر على تعزيز القيمة المضافة في قطاع النفط، مستفيدةً من انخفاض تكلفة المواد الأوّلية لبناء ميزة تنافسية في إنتاج الوقود المكرّر والبتروكيماويات والبلاستيك. ففي العام 1976، أطلقت المملكة العربية السعودية “الشركة السعودية للصناعات الأساسية” (سابك) لقيادة التنمية الصناعية في مجالات التصنيع الكثيف الاستهلاك للطاقة والأسمدة والبتروكيماويات.6 علاوة على ذلك، وسّعت “شركة بترول أبو ظبي الوطنية” (أدنوك) أنشطتها في مراحل التصنيع اللاحقة مثل إنتاج الأسمدة والمنتجات المكرّرة.7 واتّبعت الكويت وقطر نهجاً مماثلاً، فاستخدمتا الاستثمار العام لإنشاء صناعات أساسية مثل الإسمنت والفولاذ والصناعات الغذائية. غير أنّ هذه الجهود ظلّت معتمدة بدرجة كبيرة على الاستثمار الحكومي. ومع تراجع أسعار النفط العالمية وموازنات الحكومات في منتصف الثمانينات، تقلّص الاستثمار العام في مجال التصنيع، بل توقّف في بعض الحالات.

 

في الثمانينات والتسعينات، اعتمدت البحرين ودبي على دور الحكومة القيادي في الاقتصاد. فركّزت البحرين على القطاع المالي، ساعيةً لتحلّ مكان بيروت كمركز إقليمي للتمويل والمصارف، وأصبحت من أوائل روّاد التمويل الإسلامي.8 أمّا دبي فتَمحور تركيزها حول التجارة والخدمات اللوجستية والتنمية التجارية،9 وأنشأت في العام 1985 “المنطقة الحرة بجبل علي” (جافزا) لتوفّر للمستثمرين المحلّيين والدوليين منصّة متميّزة للتصنيع والتجارة. واستلهمت هذه التجربة من نماذج مثل سنغافورة وهونغ كونغ، فسدّت فجوة لوجستية مهمة في شبكات التجارة العالمية. وبعد ذلك، وسّعت دبي نموذج المناطق الحرّة لتطوير مراكز متخصّصة بحسب القطاعات، مثل “مركز دبي المالي العالمي” و”مدينة دبي الطبية”.

 

وفي كلٍّ من البحرين ودبي، شكّلت استثمارات الشركات العامة وشبه العامة مصدراً أساسياً لدعم مسار التنمية. غير أنّ الخطط اعتمدت بدرجة كبيرة على استقطاب الاستثمارات الخاصّة المحلّية والأجنبية عبر وسائل متعدّدة، من بينها نقل الأراضي بشروط محدّدة، ومنح عقود إيجار طويلة الأجل، وتخفيف القيود التنظيمية، فضلاً عن إلغاء متطلّبات الملكية المحلية أو تسهيلها. كما أنشأت كلّ من الحكومتين هيئات عامة جديدة للإشراف على تنفيذ السياسات، مثل “مجلس التنمية الاقتصادية البحرين” و”المكتب التنفيذي لإمارة دبي”.

 

خلال هذه الفترة، أعادت الدول الخليجية توجيه سياساتها الصناعية في ظلّ تراجع عوائد النفط، بهدف تحفيز الاستثمار المحلّي الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وعملت كذلك على توسيع النظم البيئية الصناعية، لا سيما في مجال البتروكيماويات، وأدرجت الشركات الكبرى المملوكة من الدولة في الأسواق المالية المحلية والدولية. كما خصّصت تمويلاً كبيراً لدعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال المِنح والحوافز لتأسيس الشركات الناشئة. واتّخذت الحكومات أيضاً خطوات لتبسيط القوانين والإجراءات التجارية،10 وساندت الشركات المحلية والقطاع الخاص في توظيف المواطنين عبر دعم مدخلات الإنتاج والمشتريات الحكومية.11

 

السياسات الصناعية الحالية في الخليج

 

تشمل السياسات الصناعية الخليجية المعاصرة مجموعة أوسع من الصناعات، مع تخطيط أدقّ لكيفية توظيف الأساليب التكميلية، كما تنظر في كيفية البناء على نقاط القوّة القائمة لضمان نجاح الاستثمارات في الصناعات الناشئة. ويمكن تصنيف هذه السياسات ضمن ثلاث فئات: 1- القطاعات الإستراتيجية التقليدية والأولويات؛ 2- القطاعات القابلة للنمو؛ 3- المشاريع الأكثر مجازفة وطموحاً.

 

تشمل الفئة الأولى المجالات التي تشكّل الميزة التنافسية الأساسية لدول خليجية متعدّدة، مثل الطاقة ومشتقات النفط، إضافةً إلى المجالات التي استثمرت فيها دول أخرى تقليدياً، مثل الدفاع والأمن الغذائي، والتي تُحفَّزها اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية وإستراتيجية. أمّا الفئة الثانية فتضمّ المجالات ذات الميزة التنافسية المحتملة، مثل الرعاية الصحية والنقل والخدمات اللوجستية. ومن خلال إقران السياسات الذكية بتنفيذ فعّال، قد تتمكّن بعض الدول الخليجية من المنافسة بنجاح على المستوى العالمي في هذه القطاعات، لا سيما تلك التي تحظى بأفضلية “المبادر الأول”، في حين أنّ البعض الآخر قد لا يحقّق النجاح نفسه. أمّا الفئة الأخيرة، التي تشمل التكنولوجيا، فتنطوي على قدر أكبر من المجازفة. فعلى الرغم من أنّ بعض الدول الخليجية تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي وتصنيع الرقائق ومراكز معالجة البيانات الضخمة، فإنّ نجاحها في هذه المجالات لا يزال بعيد المنال.

 

في ما يلي مناقشة موجزة لأدوات السياسات الصناعية المتغيّرة في دول مجلس التعاون الخليجي.

 

القطاعات الإستراتيجية التقليدية والأولويات:

 

الطاقة: يظلّ قطاع الطاقة عنصراً محورياً في السياسات الصناعية الخليجية، لا بصفته محرّكاً للإيرادات فحسب، بل أيضاً كمنصة لدفع التنويع الاقتصادي الكلّي قدماً. وبينما تواصل الهيدروكربونات الهيمنة على اقتصادات كلّ من السعودية والإمارات وقطر، تبذل هذه الدول جهوداً حثيثة لتعظيم الثروة من خلال المشاريع اللاحقة ما بعد الاستخراج، والتصنيع الصناعي المتقدّم، والصناعات المشتقة الأخرى.

 

يعتمد توجّهها هذا على نهج ثنائي المسار. أولاً، تسعى الدول الخليجية إلى تحقيق عوائد من الهيدروكربونات تتجاوز صادراتها الخام، مثل النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، بهدف تحفيز النموّ في قطاعات البتروكيماويات والكيماويات المتخصّصة. ثانياً، تستخدم هذه الدول الشركات الوطنية الرائدة، مثل “أرامكو” و”أدنوك” و”قطر للطاقة”، كنقاط ارتكاز لتعزيز النموّ الصناعي على نطاق أوسع. فتعمل شركات الطاقة هذه المملوكة من الدولة على إعادة هيكلة نفسها لتصبح مجموعات صناعية متكاملة، عبر التوسّع الدولي، وتحديث العمليّات، وطرح أسهمها في الاكتتابات الأوّلية العامة، وإقامة شراكات إستراتيجية مع شركات عالمية. ولا يزال توسيع قطاع البتروكيماويات يحظى بالأولوية، كما يتّضح في إستراتيجية البوليمرات المتقدّمة لشركة “سابك” و”مجمّع الرويس الصناعي” التابع لـ”أدنوك”. مع ذلك، يحمل هذا النهج في طيّاته مخاطر كبيرة، إذ إنّ تخمة محتملة في سوق البتروكيماويات العالمية، مقرونة بالمخاوف البيئية والصحية المرتبطة بإنتاج البلاستيك، قد تقوّض العوائد الطويلة الأجل.

 

إلى جانب قطاع الهيدروكربونات، تعمل الدول الخليجية على توسيع منصّات الطاقة المتجدّدة والبديلة، حيث تقود شركتا “مصدر” و”أكوا باور” مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المنطقة وخارجها. كما تساهم المنشآت النووية، مثل “محطة براكة للطاقة النووية” في دولة الإمارات، في تحقيق أهداف الدولة المتعلّقة بخفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز أمن الطاقة. وتسعى السعودية بدورها إلى تطوير برنامج نووي، غير أنّ هذا المسار واجه تأخيرات وتحدّيات جيوسياسية. وتعكس هذه التطوّرات تحوّلاً إستراتيجياً طويل الأجل يهدف إلى إعادة تحديد دور المنطقة من مجرّد مُصدّر لموارد الطاقة الخام إلى مركز طاقة ذي قيمة مضافة، قادر على توفير سلع إستراتيجية أنظف وأكثر تنوّعاً في الأسواق العالمية. ويبقى الهدف النهائي لصنّاع السياسات في الخليج المحافظة على ريادة المنطقة في مجال الطاقة مع إرساء أسس متينة للمنافسة المتوافقة مع الأهداف المناخية في عالم “ما بعد النفط”.

 

الدفاع: يحتلّ قطاع الأمن والدفاع موقعاً بارزاً في السياسات الصناعية لدول متعدّدة، بما فيها الدول الخليجية. غير أنّ السعودية والإمارات هما الوحيدتان من بين دول مجلس التعاون الخليجي اللتان تتبنّيان هذا القطاع بهدف التصدير. ولكلّ منهما تاريخٌ طويل في استخدام ترتيبات “الأوفْسِت” (التعويض الصناعي)، وهي آليات تقوم عادةً على تعاون شركات الدفاع الأجنبية مع المورّدين المحلّيين بغية تسهيل نقل التكنولوجيا، وتوفير فرص عمل محلية أو تنفيذ مشاريع إنتاج مشتركة.

 

في الإمارات، كُلِّف مجلس التوازن الاقتصادي في العام 2021 بالإشراف على عمليّات المشتريات الخاصة بالقوات المسلّحة الإماراتية وشرطة أبو ظبي، بهدف تطوير قطاع الدفاع وإنتاج صادرات عالية القيمة، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للمواطنين الإماراتيين.12 وتشمل أبرز أولويّاته الفضاء الجوي، والذخائر والأسلحة، والأنظمة الذاتية التشغيل، والمعادن والمواد المتقدمة، فضلاً عن أنظمة القيادة والسيطرة، وغيرها. وتتميّز الإمارات، على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بنشاطها في مجال استكشاف الفضاء،13 إذ أطلقت بالتعاون مع اليابان والولايات المتحدة “مسبار الأمل” إلى كوكب المريخ عام 2020، وتعمل حالياً على تطوير مركبة “راشد” الجوّالة، أوّل مستشكف عربي، لاستكشاف سطح القمر.

 

وفي الإطار نفسه، تسعى المملكة العربية السعودية إلى الاستفادة القصوى من برامج “الأوفْسِت” القائمة لبناء صناعة دفاعية على مستوى عالمي.14 ففي العام 2017، أنشأت المملكة الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI)  للإشراف على التعاون مع الشركات الدفاعية العالمية بهدف إنتاج المعدّات محلياً لتلبية احتياجات القوات المسلّحة السعودية والتصدير إلى الأسواق الدولية. وفي العام نفسه، أسّس صندوق الاستثمارات العامة “الشركة السعودية للصناعات العسكرية” (SAMI)، وهي شركة مملوكة بالكامل من الصندوق، لتتولّى إدارة عمليّات الإنتاج العسكري. وقد ارتفعت نسبة الإنتاج المحلّي للمعدّات العسكرية من 2 في المئة عام 2016 إلى 8 في المئة عام 2020.15 وتشمل الأولويات الرئيسيّة الطيران، والأسلحة، والإلكترونيات الدفاعية، فضلاً عن التقنيات الناشئة. وتطمح الشركة السعودية للصناعات العسكرية إلى أن تصبح من بين أكبر 25 شركة دفاعية على مستوى العالم بحلول العام 2030.

 

الأمن الغذائي: على الرغم من أنّ دول مجلس التعاون الخليجي ليست مهدّدة بانعدام الأمن الغذائي بالمعنى التقليدي للكلمة، إلّا أنّها تواجه مخاطر نتيجة ضعف قدرتها الإنتاجية المحلّية واعتمادها الكبير على الواردات الغذائية. تستورد الدول الخليجية نحو 85 في المئة من غذائها، بما في ذلك نحو 93 في المئة من الحبوب، و62 في المئة من اللحوم، و56 في المئة من الخضروات.16 ولمواجهة هذه التحدّيات، تتبنّى مجموعة متنوعة من الإستراتيجيات لحماية سكّانها، يتركّز معظمها على تحسين الإنتاج الزراعي المحلّي وزيادة الإنتاجية باستخدام المحاصيل المعدّلة وراثياً، والزراعة الدقيقة والزراعة المائية، وتقنيّات حديثة أخرى لزيادة المردودية. كما تستثمر بكثافة في البنية التحتية، لا سيّما مرافق التخزين، بالإضافة إلى تطوير أنظمة المعلومات لتحسين كفاءة سلاسل الإمداد. وتسعى أيضاً إلى تعزيز قدراتها في مجال الأمن الغذائي والمائي، على الرغم من محدودية الموارد المائية، إلى جانب تنويع سلاسل الإمداد العالمية وتبسيط إجراءات الاستيراد لتذليل العقبات.

 

تعتمد الدول الخليجية على الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم عدد من هذه المبادرات. فبتمويل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، تهدف المملكة إلى توطين 85 في المئة من عمليّات تصنيع الغذاء من خلال 11 مجموعة صناعية متخصّصة بحلول العام 2030،17 التي توفّر مرافق جاهزة للمصنّعين، ومقدّمي الخدمات، والخدمات اللوجستية، والمختبرات ضمن شراكة بين القطاعين العام والخاص تدعمها “الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية” (مدن).18 وفي الإمارات، يمثّل مشروع “وادي تكنولوجيا الغذاء” مركزاً تكنولوجياً لتطوير منتجات غذائية وزراعية نظيفة وقائمة على التكنولوجيا في إطار الجهود الآيلة إلى مضاعفة الإنتاج الغذائي ثلاث مرات.19 أمّا عُمان فتخطّط لبناء مدينة زراعية بقيمة 4,2 مليار دولار تستفيد من التقنيات المتقدّمة، مثل الزراعة المائية والهوائية وتربية الأسماك، من أجل الحدّ من الاعتماد على الواردات الغذائية.20

 

القطاعات القابلة للنمو:

 

الرعاية الصحية والسياحة الطبية: يُعدّ قطاع الرعاية الصحية من المجالات القليلة التي التزمت جميع الدول الخليجية بتطويرها، إذ أكّدت كلّ منها عزمها على توفير خدمات صحية عالية الجودة لمواطنيها. وقد ذهبت قطر والسعودية والإمارات أبعد من ذلك، إذ اعتمدت السياحة الطبية كقطاع واعد للنموّ، ساعيةً إلى أن تصبح وجهات عالمية للرعاية الطبية المتخصّصة. ويُنظر إلى هذا التوجّه على أنّه أساسي لتعزيز القدرة على الصمود وجذب أبرز الخبراء العالميين في مجالات مثل الطب الدقيق المعتمد على الذكاء الاصطناعي (في الإمارات) وعلوم الجينوم (في قطر). وتتوقّع السعودية أن تزيد حصّتها من سوق السياحة الطبية أكثر من ثلاثة أضعاف في الفترة بين 2024 و2030 لتصل إلى 680 مليون دولار،21 مع التركيز على تقديم رعاية متخصّصة في أمراض القلب، وجراحة العظام، وزراعة الأعضاء، وعلاج السرطان. ولهذا الغرض، تستثمر الرياض بكثافة في البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والتقنيات الرقمية، وتعمل على تبسيط إجراءات التأشيرات، والترويج النشط للمملكة كوجهة للسياحة الطبية، وتعزيز شراكاتها مع مقدّمي الرعاية الصحية من القطاع الخاص.22

 

النقل والخدمات اللوجستية: بناءً على الاستثمارات السابقة في شركات الطيران الوطنية، والبنية التحتية للنقل، والمناطق الحرّة، أصبحت الحكومات الخليجية رائدة في تطوير قدرات التجارة والخدمات اللوجستية. ويُعزى ذلك إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي تتمتّع به المنطقة، وأهمية مواردها من الطاقة على المستوى العالمي، فضلاً عن سعيها إلى توسيع نطاق دورها في ظلّ التحوّلات الجذرية في الاقتصاد العالمي. ويسمح تعزيز القدرات اللوجستية لهذه الدول بالاضطلاع بدورٍ محوري في تجاوز نقاط الاختناق الأمنية والملاحية، مثل البحر الأحمر وقناة السويس، وربط سلاسل الإمداد الصناعية الناشئة بين أوروبا وجنوب وشرق آسيا، بالإضافة إلى المراكز الصناعية الإقليمية الصاعدة مثل تركيا.

 

المشاريع الأكثر مجازفة وطموحاً

 

التكنولوجيا: تسعى الدول الخليجية إلى حجز مواقع إستراتيجية على خريطة التصنيع العالي التقنية والخدمات المتقدّمة، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات، وتخزين البيانات، والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تصنيع الرقائق الإلكترونية، والتطبيقات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الزراعية، والتكنولوجيا البيولوجية. بيد أنّ الإعلانات الأولى في هذا المجال قوبلت بشيء من التحفّظ والشكّ، إذ تفتقر المنطقة حالياً إلى ميزة تنافسية في هذه المجالات، لا سيما من حيث توفّر الكفاءات المتخصّصة أو الجامعات البحثية الرائدة. مع ذلك، يمكن للحكومات الخليجية تزويد الشركاء المحتملين برؤوس أموال ضخمة هي قادرة على تحمّل مخاطرها، معوّلةً على موقعها الجغرافي الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، في الوقت الذي تعيق فيه الهواجس الأمنية المتبادلة تدفّق الاستثمار، وتدفع الشركات والحكومات إلى البحث عن حلول مبتكرة لضمان استمرار نموّ قطاع التكنولوجيا العالمية. ولعلّ الأهم أنّ الدول الخليجية توفّر لشركات التكنولوجيا العالمية طاقة منخفضة الكلفة تناسب التقنيات التي يزداد استهلاكها للكهرباء. وهنا يبرز دور الحكومات المحوري، ليس في توفير رأس المال ومدخلات الطاقة فحسب، بل أيضاً في إدارة العلاقات الإستراتيجية مع الشركات المتعدّدة الجنسيات.

 

الديناميات المتغيّرة للسياسات الصناعية في الخليج

 

طوّرت الدول الخليجية في السنوات الأخيرة المقاربات والأدوات التي تعتمدها في مسعاها لتحقيق النموّ والتنويع الاقتصاديين. ففيما استندت السياسات الصناعية في الخليج على مرّ التاريخ إلى الشركات المملوكة من الدولة، باتت الحكومات الخليجية تُشرك المستثمرين المحليين والأجانب في مشاريع محدّدة، في ظلّ احتفاظ الكيانات الحكومية بدورٍ رئيسي كمستثمر أساسي. إلى ذلك، تستثمر الكيانات المالية الحكومية وصناديق الثروة السيادية في صناعات وشركات أجنبية أيضاً، ما يوفّر للحكومات الخليجية عوائد استثمارية من مصادر متنوعة ويسهّل في الوقت نفسه نقل التكنولوجيا. وتضطلع الحكومات أيضاً بدور محوري في تطوير المنظومات الصناعية المتخصّصة ومراكز التصنيع وتوسيع إطارها، وتستقطب الاستثمارات الخاصّة عبر حزمةٍ من الحوافز تشمل منح الأراضي، وتيسير الإجراءات التنظيمية، وتخفيض الرسوم، وتأمين التمويل. كما تتيح البورصات المحلية للحكومات الخليجية توسيع قاعدة ملكية الشركات، وفي الوقت نفسه زيادة رأس المال المتاح لدعم النموّ الصناعي والتنويع الاقتصادي.

 

المخاطر ونقاط الضعف في السياسات الصناعية الخليجية

رغم توسيع الحكومات الخليجية لأساليب مقاربتها للسياسات الصناعية، فإنّها لا تزال تواجه مجموعة معقّدة من المخاطر ونقاط الضعف التي تعيق عمليّة التنفيذ، وفي مقدّمتها التساؤل عما إذا كان صنّاع السياسات في الخليج في موقع أفضل من المستثمرين وروّاد الأعمال من القطاع الخاص لتحديد الصناعات الواعدة وتطويرها. لطالما أشار اقتصاديون كُثر إلى أنّ كفاءة السوق تتيح تحقيق النموّ الأمثل وضمان الاستخدام الأفضل للموارد. بيد أنّ صنّاع السياسات معرّضون لاتخاذ قرارات غير صائبة، بسبب محدودية المعلومات المتوفّرة عن السوق، فضلاً عن الضغوط المرتبطة بضرورة تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية بالتوازي مع الأهداف الاقتصادية.

 

كذلك تواجه الدول الخليجية مجموعة من التحديات الداخلية المترابطة التي يفرضها الطابع الريعي لاقتصاداتها. فهي تخضع لضغوط شديدة بغية تأمين الوظائف وضمان الحماية للمواطنين، إضافة إلى حماية المستثمرين المحلّيين من المخاطر. إلا أنّ هذه الضغوط مجتمعةً تفضي إلى ما يُعرف بمخاطر أخلاقية، إذ تشجّع على التهوّر المالي، حيث غالباً ما تتمسّك الحكومات باستثمارات متعثّرة، أو تتدخّل لإنقاذ مستثمرين من القطاع الخاص اتّخذوا قرارات استثمارية خاسرة. ورغم انخفاض كلفة الإنتاج، تقدّم الحكومات الخليجية دعماً واسعاً لأسعار الطاقة، لا سيما في القطاعات التي تُعَدّ أولوية ضمن أهداف السياسات الصناعية. غير أن تقلّب أسعار النفط لطالما شكّل عاملاً مؤثّراً في حجم الاستثمارات الحكومية في مشاريع التصنيع، إذ يتعزّز دعم المبادرات الصناعية في فترات ارتفاع أسعار النفط، وسرعان ما يتراجع عند انخفاض الإيرادات، ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى تأجيلٍ مكلف للمشاريع أو إلغائها.

 

أمّا التحدّي الأخير أمام اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي فيتمثّل باعتمادها المستمر على صادرات النفط، أي التركيز على قطاع واحد للتصدير يحقّق عوائد تفوق بكثير ما يمكن تحقيقه من قطاع التصنيع على أرض الواقع. ففي العام 2024 مثلاً، حقّقت مبيعات النفط والغاز في قطر متوسّط نصيب فردي من الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 28595 دولار. في المقابل، لم يتجاوز نصيب الفرد من قطاع التصنيع في ألمانيا نحو 12165 دولار، رغم كونها من أكبر الاقتصادات الصناعية في العالم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.23 وعليه، من شبه المستحيل أن يتمكّن قطاع التصنيع في معظم الدول الخليجية من أن يحلّ محلّ الإيرادات الضخمة التي توفّرها صادرات النفط والغاز.

 

المخاطر الخارجية وحالة عدم اليقين

تشهد الأنظمة العالمية التي قامت السياسات الصناعية في الدول الخليجية على أساسها تحوّلات متسارعة على الأصعدة الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية كافة، ما يتطلّب التحلّي بمرونة ومهارة وقدرة سريعة على الاستجابة، وهي سمات عادة ما تفتقر إليها المقاربات التقليدية إزاء السياسات الصناعية. وسيؤدي القلق المتزايد من تغيّر المناخ والالتزام العالمي المتصاعد بأهداف الحياد الكربوني إلى التراجع التدريجي في الطلب العالمي على المنتجات الهيدروكربونية، الأمر الذي سيضاعف الضغوط على دول مجلس التعاون لتسريع وتيرة تنويع اقتصاداتها. وعلى الرغم من أنّ عملية التنويع بدأت منذ سنوات، فإنّها لم تُفضِ سوى إلى نتائج محدودة. وكما أُشير أعلاه، تواجه هذه الدول مَهمة صعبة تتمثّل بمحاولة زيادة عائدات النفط والغاز الحالية إلى أقصى حد، والعمل في الوقت نفسه على التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون. ويبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت جهودها للتحوّل إلى منتجات ذات قيمة مضافة أعلى وبصمة كربونية أقلّ ستتكلّل بالنجاح في نهاية المطاف.

 

أمّا التحدّي الثاني ذو الأبعاد العالمية فيرتبط بحالة عدم اليقين التي تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي الدولي، إذ يبدو أنّ التوجّه نحو التجارة الحرّة غير المقيّدة يشارف على نهايته، تحت وطأة تنامي النزعة الشعبوية والحمائية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وعلى الرغم من أنّ معالم النظام الاقتصادي العالمي الناشئ لم تتبلور بعد، يُستبعد أن يُشكّل نموذج التصنيع المدفوع بالتصدير، الذي قامت عليه نهضةُ دول شرق آسيا، خياراً مطروحاً بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي في ظلّ تقلّص الحيّز المتاح لهذا النموذج واشتداد حدّة المنافسة.

 

إلى جانب الحواجز الجمركية وتصاعد السياسات الحمائية، تواجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من القيود الهيكلية. فأسواق العمل مرتفعة الكلفة، و”أجور التحفّظ” –أي الحدّ الأدنى الذي يقبل به الفرد للالتحاق بالعمل– مرتفعة نسبياً، ما يُضعف قدرة هذه الاقتصادات على المنافسة في قطاعات التصنيع المنخفضة الأجور. ويُضاف إلى ذلك النموّ البطيء في إنتاجية العمل.24 كما أنّ النقص في المهارات المتخصّصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يُقوّض قدرة الدول الخليجية على تحقيق طموحاتها في الابتكار والنموّ القائم على التكنولوجيا. وباستثناء السعودية ربما، فإنّ صغر حجم الأسواق المحلية، إلى جانب شروط التملّك المحليّ، يقلّص من جاذبية المنطقة كوجهة للاستثمار بالنسبة إلى الكثير من الشركات العالمية. ومع أنّ قطر والإمارات نجحتا في توظيف موقعهما الجغرافي عند ملتقى أوروبا وآسيا وأفريقيا لترسيخ مكانتهما كمراكز للنقل والخدمات اللوجستية (أو محاور مالية واستشارية إقليمية)، غير أنّ أسبقيّتهما تمنحهما الأفضلية وتُصعّب على دول أخرى في المنطقة تكرار تجربتهما الناجحة.

 

لقد تفاقمت حالة عدم اليقين بسبب الدور الذي تضطلع به المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، والممرّات التجارية الناشئة، على غرار ممرّ الاقتصادي الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) ومشروع طريق التنمية في العراق الذي تدعمه تركيا، ما يطرح تساؤلات حول تأثير هذه الرؤى المتنافسة في القرارات المتعلّقة بالسياسات الصناعية في دول الخليج. وفي هذا الإطار، قد يشكّل تعميق التكامل الإقليمي ضمن مجلس التعاون الخليجي الخيار الأنسب في مواجهة تراجع نظام التجارة الحرّة في العالم. فمنذ العام 2000 على الأقل، يدعم المجلس تعزيز التكامل في السياسات الصناعية الوطنية من خلال دعوته إلى اعتماد “الإستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية”.25 وكان قد أنشأ باكراً، وتحديداً عام 1976، “منظمة الخليج للاستشارات الصناعية” بهدف تعزيز التعاون الصناعي بين الدول الأعضاء. وفي الآونة الأخيرة، عملت المنظمة على إطلاق “منصّة المشاريع الصناعية الخليجية”، التي تسعى إلى تعزيز التكامل الصناعي بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر تسهيل تبادل البيانات من خلال منصّة إلكترونية مخصّصة للمشاريع الصناعية الخليجية.26

 

مع ذلك، يواجه مجلس التعاون الخليجي عدداً من مواطن الضعف التي تحول دون تحوّله إلى المنتدى الأمثل للتنسيق الإقليمي، إذ لا يمتلك صلاحيات تخوّله فرض الالتزامات على الدول الأعضاء. كما تراجعت الثقة بين هذه الدول تراجعاً خطيراً خلال فترة حصار قطر بين عامي 2017 و2021، وسيستغرق رأب الصدع وقتاً طويلاً.27 تضاف إلى ذلك مشاكل أعمق، من بينها مخاوف الدول الخمسة الأصغر من هيمنة السعودية، والتشابه الكبير في الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء، ما يحدّ من فرص تحقيق مكاسب فعليّة من التجارة والتكامل داخل التكتّل؛ كما أنّ الطابع الشخصي لصنع القرار في الدول الخليجية ولّد تحفّظاً مستمراً على نقل الصلاحيات إلى المؤسّسات المتعدّدة الأطراف.28 ورغم هذه التحديات، حقّق المجلس بعض الإنجازات الملحوظة، أبرزها إنشاء الاتحاد الجمركي في العام 2003، وإطلاق السوق الخليجية المشتركة في العام 2008، بالإضافة إلى خطوات متقدّمة نحو إدماج عدد من اللوائح الاقتصادية والصناعية. إلا أنّ مبادرات أوسع النطاق، مثل الاتحاد النقدي الذي طُرح في العام 2009، لم يُكتب لها النجاح، فيما لا تزال جهود تطبيق ضريبة القيمة المضافة الموحّدة، التي أُقرّت في العام 2016، تراوح مكانها حتى اليوم.29

 

لكن إذا توفّرت الإرادة السياسية، يمكن تجاوز هذه التحديات. فلا يزال من الممكن تحقيق مستوى أعلى من التكامل، خصوصاً في قطاعات معيّنة مثل شبكة الكهرباء الخليجية الموحّدة، أو مشاريع الإنتاج المشترك للموارد الهيدروكربونية، أو على مستوى العلاقات الثنائية بين الدول كما في مشروع ربط السكك بين عُمان والإمارات. ومع ذلك، فإنّ سِجِل مجلس التعاون حتى اليوم لا يوحي بإمكانية تحقيق أكثر من تقدّم تدريجي ومتواضع على المدى الطويل. وتبدو التحديات أكثر تعقيداً حين يتعلّق الأمر بالممرّات الإقليمية المقترحة، مثل الممرّ الاقتصادي الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أو مشروع طريق التنمية في العراق، حيث لا تزال هذه المبادرات في مراحلها التمهيدية.30

 

 

تعزيز مرونة السياسات الصناعية الخليجية

 

في ظلّ التحديات الراهنة، من الطبيعي أن تفضّل دول مجلس التعاون الخليجي التمسّك بسياساتها الصناعية القائمة من دون إجراء تغييرات جذرية، وذلك لأسباب متعدّدة. نظراً لتعدّد العوامل الخارجية المجهولة، يصبح من الصعب وضع نماذج أو خطط دقيقة للمستقبل. هل الاندفاع العالمي الحالي نحو الرسوم الجمركية والحمائية نزعة مؤقتة أم سيصبح سمة دائمة في النظام الاقتصادي الدولي؟ هل ستسود رؤية الهند أم تركيا بشأن الممرّات التجارية الجديدة؟ كيف ستؤثر التقنيّات الخضراء في رسم مسار أسواق الهيدروكربونات في نهاية المطاف؟ وهل سيتبنّى المستهلكون بعد عقدين من الزمن التحوّل إلى منتجات نفطية أقل انبعاثاً للكربون، أم سينظرون إليها باعتبارها غير كافية؟ نظراً للوقت الطويل الذي تستلزمه دورات التخطيط اللازمة لصياغة وثائق الرؤى الوطنية وخطط التنمية، وما تتطلّبه من استثمارات سياسية وبشرية ومالية ضخمة، قد يكون من الأنسب ترك التطورات تتبلور تدريجياً، مع إدخال تعديلات طفيفة عند الحاجة، عوضاً عن المضي قدماً في عملية إعادة توجيه جذرية للسياسات، لا سيما في ظلّ الضبابية التي تكتنف المسار المستقبلي.

 

لا شكّ في أن ثمّة أخطاء قد ارتُكبت، ومليارات أُهدرت على مشاريع كبرى مثل مركز الملك عبدالله المالي، في حين دُفعت ملايين أخرى لشركات استشارية لقاء تحليلات وتوصيات لم تُثبت جدواها في نهاية المطاف. ومع ذلك، سواء عن قصد أو بحكم الأمر الواقع، نجحت الدول الخليجية في تحقيق الكثير من الإنجازات. فالاستثمارات في تحسين بيئة الأعمال العامة، وتشييد بنية تحتية بمعايير عالمية، وبناء شراكات مع مؤسّسات تعليميّة مرموقة لإعداد كوادر وطنية ماهرة، كلّها خطوات تنسجم مع أحدث التوجّهات العالمية في صياغة السياسات الصناعية الفعّالة.

 

وفي الوقت نفسه، تبرز جملة من التدابير الإضافية التي يمكن أن تتبنّاها الدول الخليجية لتعزيز فعالية إستراتيجيّاتها الصناعية:

 

أوّلاً، كما يؤكّد الاقتصادي داني رودريك وآخرون، ينبغي أن تستهدف تدخّلات السياسات الصناعية الأنشطة لا القطاعات، بما يجعلها قابلة للتطبيق على امتداد مختلف المجالات، ويحقّق آثار إيجابية أوسع.31 يحدّ هذا النهج من مخاطر المراهنة على شركة واحدة أو قطاع واحد. ورغم التحديات الفريدة التي تفرضها الخصوصية الاقتصادية للدول الريعية، يتعيّن على الدول الخليجية الاستمرار في تنفيذ إصلاحات واسعة واستثمارات شاملة في قطاعات متعدّدة، بحيث تدرّ عوائد ملموسة في معظم السيناريوهات المستقبلية.

 

ثانياً، على الدول الخليجية أن ترسّخ تمايزاً أوضح، على المستويين المفاهيمي والعملي، بين المجالين العام والخاص. صحيحٌ أنّ التدخّل الحكومي في قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والدفاع والأمن الغذائي مبرّر كما أُشير أعلاه، إلا أنّ بعض القطاعات الأخرى تظل محلّ جدل، فيما تنطوي مجالات معيّنة على مخاطر عالية. ومع ذلك، غالباً ما يتجاوز التدخّل الحكومي هذه الحدود. وفي حين لا يمانع كثيرون داخل دول مجلس التعاون نموذج رأسمالية الدولة، فإنّ الحدود الفاصلة بين القطاعين العام والخاص تظلّ أكثر ضبابية ممّا هو سائد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على سبيل المثال. ومن شأن وضع معايير أكثر صرامة لتحديد نطاق تدخّل الدولة أن يُساهم في تجنّب مزاحمة الحكومات الخليجية للاستثمار الخاص، ولو عن غير قصد.

 

ثالثاً، من شأن اتخاذ خطوة مكمّلة في هذا السياق أن تدفع نحو إعداد سياسة متينة تحكم المنافسة وتطبيقها بفعاليّة. فالمنطقة العربية عموماً تمتلك إرثاً راسخاً من التدخّل الاقتصادي، وتُعدّ قوانين المنافسة فيها ظاهرة حديثة نسبياً. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تحرّكات لافتة لتحسين التشريعات المتعلّقة بالمنافسة في عدد من الدول الخليجية، حيث أصدرت كلّ من الكويت وعُمان والسعودية والإمارات تشريعاتها الخاصة بالمنافسة أو عزّزتها منذ العام 2020.32 وأشار تقييم مستقلّ مؤخراً إلى أن “تطوّر أنظمة المنافسة في الشرق الأوسط يعكس، في المجمل، تقارباً متزايداً مع المعايير العالمية خلال السنوات الستّة الماضية… مدفوعاً بزيادة النشاط الاقتصادي، ورغبة واضحة، لا سيما لدى دول مجلس التعاون، في جذب الاستثمارات الأجنبية”.33 وعلى الرغم من الترحيب بهذه الخطوات، فإنّ تطوير سياسات منافسة متينة وتفعيلها سيبقى تحدياً كبيراً على مستوى المنطقة. ففي حين حقّقت دول مثل السعودية تقدّماً ملموساً،34 قُيّمت دول أخرى مثل البحرين وعُمان وقطر بأنّها لا تزال تطبّق هذه السياسات بحدّها الأدنى.35

 

رابعاً، ينبغي على الدول الخليجية اتّخاذ خطوات فعّالة للتخفيف من الطبيعة الدورية لتقلّبات أسعار النفط وتأثيرها في تدفّقات الاستثمار، بما يضمن استمراريّة الإنفاق على التنمية الصناعية، ويحول دون انقطاع الاستثمارات كما حصل في فترات هبوط الأسعار في السابق. وفي هذا السياق، يمكن توظيف الاحتياطيات المالية والصناديق السيادية وأدوات الاقتراض الحكومي، لتجاوز تلك التقلّبات وتمويل الاستثمارات المخططة عند تصاعد الضغوط على المالية العامة. غير أنّ ذلك يتطلّب ضمان التزام هذا التمويل بأهداف إنفاق قائمة على قواعد محددّة.

 

خامساً، على الحكومات الخليجية أن تضع أهدافاً واضحة نصب أعينها وتلتزم بها عند تقييم جدوى الاستثمارات التي تملك فيها حصّة الأغلبية، خصوصاً في القطاعات العالية المخاطر مثل تكنولوجيا المعلومات. ففي كثير من الأحيان، تميل الحكومات إلى الإبقاء على السيطرة على الشركات الضعيفة الأداء بدافع حماية الوظائف أو تفادي الاعتراف بالخسائر الغارقة المرتبطة بتلك الاستثمارات. وترى شركة الاستشارات “Strategy&” أنّ على الحكومات المستثمرة في مشاريع التصنيع والتنويع أن تتبنى منظوراً مشابهاً لمستثمري رأس المال المخاطر، بحيث تكون مستعدّة لتحمّل مخاطر المشاريع الريادية، ولكن أيضاً قادرة على إغلاق الشركات غير المجدية أو بيعها أو تفكيكها عند الحاجة.36 ومن شأن التطبيق الحازم لسياسات المنافسة أن يُخضع هذه الكيانات لانضباط السوق منذ المراحل الأولى لنشأتها.

 

سادساً، على الرغم من الدور المحوري الذي تؤدّيه الحكومات الخليجية كمستثمرٍ رئيسي في السياسات الصناعية، فإنّ تحقيق نتائج أكثر استدامة ونموّاً أكثر تنوّعاً يتطلّب موازنة هذا الدور مع جهود فعلية لتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص واستقطاب المستثمرين في المراحل المبكرة من المشاريع. فبدلاً من مزاحمة الاستثمار الخاص، ينبغي على السياسات الصناعية الخليجية أن تحتضنه عبر تنسيق الاستثمارات معه، وتحفيز الطلب من خلال الإنفاق الحكومي، وتوجيه الأولويات الاستثمارية نحو القطاعات الواعدة.

 

أخيراً، يُعدّ التنسيق بين الدول الخليجية بالغ الأهمية. فقد بات مجلس التعاون الخليجي يحتل موقعاً متقدّماً كمنصّة لصياغة أجندات مشتركة ودفعها قدماً، كما تجلّى في الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة. من هذا المنطلق، من الضروري إيجاد آلية فعّالة للتعاون بين دول المجلس في ما يتعلّق بالسياسات الاقتصادية والصناعية بما يضمن تناغم المصالح ويبقي المنافسة بينها بنّاءة. إلى ذلك، ثمّة مجال واسع لتعزيز التخصّص، والحدّ من تكرار الاستثمارات وتداخلها. كما أنّ بلورة مسارات قطاعية تتيح التعاون على نطاق أوسع، مثل مشاريع ربط شبكات الكهرباء الجارية حالياً، إلى جانب تنسيق الاستثمارات في المشاريع الإقليمية، من شأنه أن يعود بالفائدة على الجميع. ويمكن القول إن ثمة مجال، لا بل حاجة فعلية إلى التعاون في بعض المشاريع الكبرى التي تتطلّب رؤوس أموال ضخمة والتي تطرحها دول الخليج اليوم.

 

لطالما شكّلت السياسات الصناعية ركيزة أساسيّة في مسار التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل في الدول الخليجية، وستستمرّ في الاضطلاع بهذا الدور المحوري في المستقبل. فالحكومات تُعدّ لاعباً اقتصادياً أساسياً في إعادة توزيع عائدات صادرات النفط والغاز من خلال الإنفاق الرأسمالي على مشاريع التصنيع وجهود التنويع الاقتصادي.

 

كما تؤدّي دوراً رئيسياً في تطوير الإستراتيجيات الصناعية، عبر توفير الأُطر التنظيمية للمستثمرين من القطاع الخاص، وتوجيه الاستثمارات نحو الصناعات والقطاعات ذات الأولوية. وفي ظلّ سعي الحكومات الخليجية إلى تحقيق أهداف تنموية صناعية أوسع وأكثر ديناميّة، لا سيما في القطاعات العالية المخاطر مثل التكنولوجيا المتقدّمة، لا بدّ من أن تركّز في الدرجة الأولى على ضمان مساهمة مقارباتها للسياسات الصناعية في تعزيز الصمود في مواجهة المخاطر الاقتصادية، وتعظيم فرص النجاح، وتفادي هدر مبالغ بالمليارات في استثمارات غير منتجة.

 

ونعتقد أنّ التجربة التي راكمتها دول الخليج حتى اليوم، إذا ما جرى تحليلها واستيعابها بشكلٍ سليم وتوظيفها في رسم سياسات رشيدة تُنفّذ بفعالية، تُرسي أساساً متيناً يمكن البناء عليه في المستقبل.

 


الهوامش
1 تركّز هذه الورقة على الدول الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي: البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
2 يشير مصطلح “المرض الهولندي” (Dutch Disease) إلى الحالة التي يؤدي فيها تركيز الصادرات في قطاع واحد إلى تراجع تنافسية القطاعات التصديرية الأخرى وإلى انخفاض تكلفة الواردات.
3  Omar Al-Ubaydli, “From hands off to hands on: the evolution of Bahrain’s industrial policy during the 21st century,” Journal of Business and Socio-economic Development 4, No. 3 (June 2024): 222-240, https://doi.org/10.1108/JBSED-10-2023-0080.
4  “Arab Shipbuilding and Repair Yard Company,” Organization of Arab Petroleum Exporting Countries (OAPEC), accessed July 31, 2025, https://www.oapecorg.org/Home/About-Us/Sponsored-Ventures/ASRY.
5 Robert E. Looney, “An Economic Assessment of Oman’s Industrial Diversification Efforts,” Orient 32, no. 2 (1991): 217-234, https://core.ac.uk/download/pdf/36732958.pdf.
6 Alexander H. Tullo, “First the Kingdom, Then the World,” Chemical & Engineering News, November 19, 2007, https://cen.acs.org/articles/85/i47/First-Kingdom-World.html.
7 Tullo, “First the Kingdom.”
8  Amer Ziab Al-Tamimi, “How Lebanon’s civil war helped Bahrain become a regional finance hub,” Al Majalla,  November 1, 2024, https://en.majalla.com/node/322873/business-economy/how-lebanons-civil-war-helped-bahrain-become-regional-finance-hub.
9 James Gavin, “A tale of two centres,” The Banker, January 5, 2024,  https://www.thebanker.com/content/c86da2ac-a5f5-5c1b-a9a6-84f8db4a317e.
10 The International Monetary Fund (IMF), Economic Diversification in Oil-Exporting Arab Countries, (Bahrain, Manama: IMF, April 2016), https://www.imf.org/external/np/pp/eng/2016/042916.pdf.
11  Sunil Thakur, “Insight: How Jafza is Powering the Growth of Trade and Logistics in Dubai,” Transport & Logistics, June 14, 2023, https://www.transportandlogisticsme.com/smart-logistics/insight-how-jafza-is-powering-the-growth-of-trade-and-logistics-in-dubai.
12  “United Arab Emirates Country Commercial Guide – Defense,” United States of America Department of Commerce – International Trade Administration, last edited on November 25, 2023, accessed July 31, 2025, https://www.trade.gov/country-commercial-guides/united-arab-emirates-defense.
13  “Space Exploration,” UAE Space Agency, July 31, 2025, https://space.gov.ae/en/projects-and-initiatives/space-exploration.
14 Robert Czulda, “Saudi Goals of Developing an Indigenous Arms Industry are Ambitious,” Stimson Center, March 11, 2024, https://www.stimson.org/2024/saudi-arabia-to-develop-ambitious-indigenous-arms-industry/.
15 General Authority for Military Industries (GAMI), Saudi Military Industries Highlights: H1 2021, (Riyadh, Saudi Arabia: GAMI, 2021), 4, https://www.gami.gov.sa/sites/default/files/2023-03/GAMI%20H1-2021-ENG_0.pdf.
16 Salim Ghazaly, Roger Rabbat, and Ahmed Mokhtar, “How GCC countries can ensure their food security,” Strategy& Middle East, August 2020, https://www.strategyand.pwc.com/m1/en/articles/2020/how-gcc-countries-can-ensure-their-food-security.html.
17  “Saudi Arabia aims to localize 85% of food industry,” Saudi Gazette, October 21, 2022, https://www.saudigazette.com.sa/article/626185.
18 Gavin Gibbon, “Saudi opening food clusters to boost homegrown supplies,” Arabian Gulf Business Insights (AGBI), February 24, 2023, https://www.agbi.com/manufacturing/2023/02/saudi-opening-food-clusters-to-boost-homegrown-supplies/.
19 Wael Al Mubarak, “The GCC imports 85% of its food – here’s how it is increasing food security through innovation,” World Economic Forum, February 14, 2025, https://www.weforum.org/stories/2025/02/gulf-food-security-innovation/.
20 “Saham Agricultural City: A Lifeline for Oman’s Farmers,” IFP Info, September 27, 2024, https://www.ifpinfo.com/saham-agricultural-city-a-lifeline-for-omans-farmers/.
21  Research and Markets, “Saudi Arabia Medical Tourism Market Report 2025-2030,” Global Newswire, May 13, 2025, https://www.globenewswire.com/news-release/2025/05/13/3080380/0/en/Saudi-Arabia-Medical-Tourism-Market-Report-2025-2030-Rising-Demand-for-Specialized-Treatments-Drives-Boom-Inbound-Segment-Dominates-with-Expanding-Influence.html.
22 “Advanced Care, Affordable Costs: Medical Tourism in Saudi Arabia,” Public Health 360, November 26, 2024, https://www.publichealth360.com/2024/11/advanced-care-affordable-costs-medical.html; “Saudi Arabia Plans to Diversify Into Medical Tourism,” Medical Travel Market, June 3, 2024, https://www.publichealth360.com/2024/11/advanced-care-affordable-costs-medical.html.
23 المصدر: حسابات المؤلفين استناداً إلى قاعدة بيانات البنك الدولي, “World Development Indicators,” accessed August 20, 2025, https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators. We are indebted to Frederic Schneider for his insights in framing the analysis.
24 World Bank Group, Global Economic Prospects, January 2020: Slow Growth,
Policy Challenges, Flagship Report, (Washington, DC: World Bank Group, January 2020), 117-123, https://hdl.handle.net/10986/33044.
25 Secretariat General of the Cooperation Council for the Arab States of the Gulf, Unified Industrial Development Strategy for the Arab States of the Gulf Cooperation Council (Revised Version), (Riyadh, Saudi Arabia: Secretariat General of the Cooperation Council for the Arab States of the Gulf, 2000), https://www.gcc-sg.org/en/MediaCenter/DigitalLibrary/Documents/1274261628.pdf.
26 Gulf Organization for Industrial Consulting (GOIC), “GOIC Holds Coordination Meeting to Establish the Gulf Industrial Projects Platform (GIP),” press release, February 19,2025, https://www.goic.org.qa/GOICCMS/WebsiteNews_345_EN.html.
27 Samuel Ramani, “The Qatar Blockade Is Over, but the Gulf Crisis Lives On,” Foreign Policy, January 27, 2021, https://foreignpolicy.com/2021/01/27/qatar-blockade-gcc-divisions-turkey-libya-palestine/.
28 Kristian Coates Ulrichsen, “Missed Opportunities and Failed Integration in the GCC,” Arab Center DC, June 1, 2018, https://arabcenterdc.org/resource/missed-opportunities-and-failed-integration-in-the-gcc/.
29 “Gulf Cooperation Council VAT Agreement,” VAT Registration UAE, January 10, 2025, https://vatregistrationuae.com/gcc-vat-agreement/.
30 Hasan Alhasan and Viraj Solanki, “Obstacles to the India–Middle East–Europe Economic Corridor,” International Institute for Strategic Studies (IISS), November 16, 2023, https://www.iiss.org/online-analysis/online-analysis/2023/11/obstacles-to-the-india-middle-east-europe-economic-corridor/.
31 Danie Rodrik, “Industrial Policy for the Twenty-First Century,” Social Science Research Network, November 9, 2004, https://dx.doi.org/10.2139/ssrn.617544.
32 United Nations Economic and Social Commission for Western Asia (UNESCWA), The Arab Business Legislative Frameworks, Summary Report (Beirut, Lebanon: UNESCWA 2023), https://www.unescwa.org/sites/default/files/pubs/executive-summary/arab-business-legislative-frameworks-2023-summary-english.pdf.
33 Isabel Rooms, Chris Macbeth, and Daniela Weerasinghe, “How are Competition Laws Heating Up in the Middle East? An Insider’s Guide to the Recent Surge in Legislation and Enforcement,” Kluwer Competition Law Blog, December 11, 2024, https://competitionlawblog.kluwercompetitionlaw.com/2024/12/11/how-are-competition-laws-heating-up-in-the-middle-east-an-insiders-guide-to-the-recent-surge-in-legislation-and-enforcement/.
34 Saudi Arabia Makes Major Strides in Competition Regulations, Gets Highest Score in ABLF 2023,” Saudi Press Agency, May 8, 2024, https://spa.gov.sa/en/N2098176
35 Rooms, Macbeth, and Weerasinghe, “Competition Laws.”
36 Steffen Hertog, Yahya Anouti, Shadi N. Moujaes, and Dima Sayess, Potential and pitfalls in industrial policy, (Dubai and Beirut: Strategy& Middle East, 2023), https://www.strategyand.pwc.com/m1/en/strategic-foresight/sector-strategies/public-sector/industrial-policy/industrial-policy.pdf.  لغايات الشفافية: سبق لروبرت بيشيل أن تعاون مع شركة Strategy&  في مهام لا تتعلّق بالسياسات الصناعية.