يحتلّ العراق المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول الأكثر تأثّراً بمفاعيل تغيّر المناخ، بما في ذلك انعدام الأمن المائي والغذائي. 1لكن يتداخل هذا التهديد مع مجموعة من التحديات الأخرى، ممّا يولّد تأثيراً مضاعِفاً محتملاً يمكنه أن يفاقم التحديات الاجتماعية الاقتصادية ويؤدّي إلى انتشار المجموعات المسلّحة ويثير حالات من الفوران الجيوسياسي يمكنها أن تتسبّب بخلق موجات جديدة من الصراعات في دولة لا تزال تكافح للمحافظة على هزيمتها للمجموعات الإرهابية، على غرار تنظيم الدولة الإسلامية والميليشيات المسلّحة التي تدعمها إيران. وسوف تتطلّب معالجة التحديات التي يسبّبها المناخ جهوداً مضاعَفة بغية تطبيق إصلاحات ملحّة وعاجلة في القطاع العام، فضلاً عن التوصّل إلى تسوية مع إيران وتركيا بشأن الخلافات العالقة منذ زمن حول المياه التي لها تداعيات جيوسياسية أوسع على السلام والأمن.
لا يغفل العراقيون والنخبة الحاكمة في العراق عن المعاناة التي سيسبّبها تغيّر المناخ، لكنّه يشكّل أيضاً جزءاً من لائحة طويلة من الأزمات والتحديات اليومية التي تَغرق الطبقةُ الحاكمة والهيكلياتُ الإدارية في وحولها، بما في ذلك التهديد الآتي من المجموعات المسلّحة والإرهابية والتحديات الاقتصادية والإنسانية والجائحة العالمية. وقد أضعف ذلك الإرادة السياسية لمعالجة التحديات المرتبطة بالمناخ، التي لا ترد في الوقت الراهن إلّا على هامش النقاشات بشأن السياسات المتعلقة بالتنوّع الاقتصادي واعتماد البلاد على الهيدروكربونات. بيد أنّ حصر تغيّر المناخ بضرورة تنويع الاقتصاد لا كتحدٍّ بحدّ ذاته بعيدٌ البعد كلّه عن وضع اجتماعي اقتصادي رديء ويشهد على عوامل تسبّب عدم الاستقرار بفعل المناخ وسْط تزايد في أعداد الشباب وقطاع عام متضخّم وحوكمة مختلّة وظيفياً.
ويمكن أن يسبّب تغيّر المناخ تداعيات واسعة النطاق إن لم تتمّ معالجته كجزء من أجندة سياسات شاملة مصمّمة لمعالجة الشوائب في الحوكمة الرشيدة. والإحجام عن القيام بذلك يمكن أن يجعل تغيّر المناخ ومفاعيله عنصراً مساهماً في انتشار المجموعات المسلّحة عبر زيادة حدّة الصراعات حول الموارد الطبيعية والمياه والأراضي الصالحة للزراعة التي تزداد ندرتها ويمكنه أن يوسّع رقعة التجنيد للمجموعات الإرهابية بسبب الزيادات في الفقر بفعل المناخ. ولا ينبغي استبعاد تزايد الصراعات ضمن الدولة، إذ تتناحر المجموعات المسلّحة المتفرّقة للسيطرة على الأراضي الصالحة للزراعة وموارد المياه. ومع أنّ احتمال نشوب صراع بين العراق وتركيا أو بين العراق وإيران من أجل الوصول إلى المياه بعيدٌ، حالات الفوران الجيوسياسية التي نشأت حتّى الآن نتيجة حدّ تركيا وإيران من تدفّق المياه نحو العراق يمكن أن تسبّب هجمات متزايدة على قوّاتهما تفاقِم الصراعات العنيفة الجارية بين المجموعات المسلّحة المتناحرة والفصائل المختلفة.
ولمعالجة هذه المشكلة، ينبغي على الحكومة العراقية اعتبار التهديد الذي يشكّله تغيّر المناخ مسألة سياسة عامة وتهديداً تتداخل فيه تحديات أخرى تتضافر فتضفي على تغيّر المناخ تأثيره المضاعِف. وسوف يتطلّب ذلك جهداً مضاعَفاً لتقديم الخدمات وموازنة الشكاوى الاقتصادية القصيرة الأمد مع ضرورة اتّخاذ إجراءات تقشّف وإصلاحات الحوكمة الرشيدة على المدى الطويل. وسيتطلّب أيضاً جهداً مضاعَفاً للوصول إلى حلّ مع تركيا وإيران يعالج إمكانية نشوب صراع موسّع ضمن الأراضي العراقية ستكون له تداعياته ضمن الأراضي التركية والإيرانية. وسوف تؤدّي هذه المقاربة إلى سياسات قابلة للتطبيق يمكنها الحدّ من التوتّرات الجيوسياسية مع إيران وتركيا، فتنشئ مقاربة مقنعة وموحّدة أكثر لدى الجهات الفاعلة السياسية العراقية المختلفة التي لها صلات متفاوتة بالجهات الفاعلة الإقليمية.
الإشارات التي تدلّ على تداعيات حادّة قريبة المدى على الاستقرار الوطني موجودة حالياً في العراق. فالعراق من الدول الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ في العالم، وقد سلّطت الأمم المتّحدة الضوء على التداعيات المدمّرة التي يمكن أن يسبّبها لإمدادات المياه وأنظمة إنتاج الغذاء وعلى قدرته على تشكيل أرض خصبة للإرهاب والتطرّف 2العنيف. ويزداد متوسّط درجات الحرارة في العراق بمعدّل أسرع بضعفين إلى سبعة أضعاف من المتوسّط العالمي4. ويطال التصحّر 39 في المئة من البلاد وتدهورت نوعية 54 في المئة من الأراضي الزراعية بسبب التمليح التدريجي الذي يسبّبه تدفّق المياه المتضائل في نهرَي دجلة والفرات.
وتتدّفق قرابة 70 في المئة من موارد العراق المائية من الدول المجاورة إلى نهرَي دجلة والفرات5، اللذين يعبران تركيا، علماً أنّ 80 في المئة من المياه في العراق تخصّص 6للزراعة. وتلوح حالات الفوران الجيوسياسية في الأفق منذ ديسمبر 2020، حين خفّضت السدود التركية من مجرى مياه الفرات إلى الدول المجاورة بنسبة 60 في المئة، ممّا أدّى إلى نقص في الغذاء والطاقة7. وتبرّر تركيا تشييد السدود، على غرار سدّ إليسو، بحجّة أنّه يؤمّن مصدراً حيوياً للطاقة الكهرمائية التي تعتبر أساسية لإدارة المياه والري لديها، لكنّها في المقابل تسبّبت بأزمة مياه يمكنها أن تحرم سبعة ملايين عراقي على الأقل من قدرة الوصول إلى المياه8. وتتحكّم تركيا بأكثر من 90 في المئة من المياه التي تتدفّق في الفرات و44 9في المئة من المياه التي تتدفّق في دجلة، لكنّها تعرّضت لاتّهامات بأنّها استخدمت إمدادات المياه كسلاح في خضمّ محاولتها للتعامل مع الصراع في سوريا ومع حزب العمّال الكردستاني.
في السياق ذاته، أدّت السدود في إيران إلى تقليص روافد دجلة، فقطعت مجرى المياه في نهر ديالى في شمال شرق العراق. وفقدت بحيرة حمرين، مورد المياه الأساسي لمحافظة ديالى، قرابة 80 في المئة من مياهها، ممّا أغرق تلك المحافظة في كارثة إنسانية وبيئية على حدّ سواء10. وقد اتّهمت حكومة إقليم كوردستان ووزارة الموارد المائية العراقية إيران بتحويل مجرى دجلة في الشمال وانتقدتها بشدّة لانتهاكها القانون الدولي، بيد أنّ الردّ من وجهة نظر إيران هو أنّها تحدّ من تدفّقات المياه التي تنبع من إيران وليس من منطقة كوردستان11. وترتكز دوافع إيران لبناء السدود حول احتمال تعرّض البلاد لنقص كبير في المياه بحلول العام 2036 ولأنّ ثلثَي كمّية المياه الإيرانية التي تخرج من البلاد والتي تبلغ 10,2 مليار متر مكعّب يتدفّقان نحو 12العراق.
وبادر إقليم كوردستان، بقبول ضمني من بغداد، إلى بناء مشاريع سدود كردّ مباشر على ذلك، بحجّة أنّ عدم بناء السدود سيؤدّي إلى انخفاض مجرى النهر بنسبة 50 في المئة على الأقلّ في خلال العقد القادم13. وسوف تولّد السدود الطاقة وتؤمّن المياه للريّ والسياحة، بيد أنّ المجموعات التي تقدّم المساعدات قد حذّرت أنّ هذا ليس حلاً طويل الأمد لأنّ تطبيق المشروع بأكمله غير مرجّح. وسوف تزداد حالات الفوران هذه أيضاً بسبب المصالح الراسخة لدى المجموعات والأفراد الأقوياء التابعين للحرس الثوري الإيراني في المشاريع التجارية المربحة بمحاذاة الحدود، وهي مشاريع تطوير لطالما أدارتها ونفذتها شركات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني14. وتعني هذه المصالح أنه على الأرجح أن تبدي السلطات أو الجهات الفاعلة غير الرسمية في العراق، في بغداد وإقليم كوردستان على حدّ سواء، بعض التواطؤ، فالنظام الإيراني يضغط على الجهات الفاعلة للحرص على استمرار تطوير هذه المشاريع من دون عراقيل أو لمنع الحكومتين في بغداد وأربيل من القيام بأيّ جهود سياسية أو دبلوماسية لتقويضها.
فيما نالت تداعيات تغيّر المناخ قسطاً وافياً من التقارير، تبقى الدراسات حول تداعياته على البيئة الأمنية غير كافية ودون المستوى، ولا سيّما عندما يتعلّق هذا الأمر بالمجموعات المسلّحة. ففي العام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على البنية التحتية للمياه، ممّا سمح له بكسب شرعية أو بمعاقبة أعدائه والمجتمعات التي تقع تحت سيطرته. وفي بعض الحالات، فرض ضريبة على قدرة الوصول إلى المياه، فيما استغلّها في بعض الحالات لطرد السكّان من منازلهم. وفي ديسمبر 2014، وردت تقارير أنّ التنظيم قد سمّم مياه الشرب بواسطة النفط الخام15. وعلى نحو مماثل، وتبعاً لبعض المقابلات، عزّزت الميليشيات الشيعية مواقعها للحرص على أن تحظى بسيطرة تامّة على البنية التحتية للمياه في الشمال، ممّا ولّد حالات من الخوف والاستنكار لدى المجتمعات العربيةالسنّية ومجموعات الأقلّيات المحلّية، التي تخشى من أنّ الميليشيات يمكنها أن تلجأ إلى تكتيكات الدولة الإسلامية ذاتها لفرض سيطرتها ونفوذها16.
وفي العام 2019، أفادت المنظّمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أنّ 21314 عراقياً قد نزحوا داخل البلاد بسبب النقص في مياه الشفة17، ومن المتوقّع أن يرتفع هذا الرقم بشكل مضطرد لأنّ العراق سيعاني نقصاً في المياه قدره 10,8 مليار متر مكعّب بحلول العام 182035، فيما نسبة 54 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق مهدّدة بسبب التمليح التدريجي19. بعبارة أخرى، تولّد الأزمة أرضاً خصبة للميليشيات وللعصابات الإجرامية لتزيد من أعدادها وسيطرتها على مجتمع سيصبح يائساً ومحروماً أكثر فأكثر. ونظراً إلى هذا الضغط وإلى الطلب المتزايد على المياه، سبق أن بدأ التوتّر بين القبائل بالتفاقم. وتفيد الأمم المتّحدة أنّ بغداد ومحافظات أخرى على غرار ميسان وذي قار تواجه بشكل منتظم صراعات تنتج عن الجفاف ونقص المياه. ومن المتوقع نشوب المزيد من الاشتباكات بين المجتمعات وبروز المزيد من التصدّعات داخل المجتمع. فقد اتّهمت المجالس المحلّية في ميسان والمثنّى مثلاً المحافظات الشمالية بأخذ أكثر ممّا تستحقّه من المياه20،21 مشيرة إلى أنّ المياه، شأنها شأن النفط، يمكن أن تصبح سبباً أساسياً للاستياء والاضطرابات.
على الصعيد الجيوسياسي، أفضى قرار تركيا بملء سد إليسا عند منابع نهر دجلة في يونيو 2018 إلى احتجاجات واسعة في فترة من الحرّ الشديد وأطلق عبارات الاستنكار لدى الطبقة الحاكمة الشيعية، وكان داعمو مقتدى الصدر وقوّات الحشد الشعبي من المعارضين الصريحين للخطوات التي اتّخذتها تركيا22. وقد تزايد عدد عناصر الميليشيات منذ أن واجه العراق أزمات مرتبطة بالمناخ. مثلاً، كان الآلاف من مقاتلي الميليشيات قد تركوا في السابق قوّات الحشد الشعبي للعودة إلى قراهم ومدنهم في الأطراف والمناطق الداخلية، لكنّ هذه المناطق باتت منكوبة بفعل الجفاف وشحّ المياه، فما بقي أمام هؤلاء المقاتلين سوى الانضمام من جديد إلى قوّات الحشد الشعبي وفصائلها الميليشياوية23. علاوة على ذلك، أنشأت الهجرة المرتبطة بتغير المناخ أحياءَ فقيرة في المدن، ممّا منح الفرصة للميليشيات 24والشبكات الإجرامية لكي تنمو.
على نحو مماثل، قد يكون هدف تركيا من بناء السدود طردَ الأكراد من المناطق الريفية ومن المناطق الداخلية في جنوب شرق تركيا، فتحرم بالتالي حزب العمال الكردستاني وفروعه من الأراضي والمتطوّعين الذين يسمحون له بمتابعة حرب العصابات التي يجريها. لكن بسبب الغضب الذي ولّدته تركيا وعصيان المجتمعات المحلّية، زادت الخطوات التركية من شعبية حزب العمال الكردستاني ومن قدرته على جذب المقاتلين، بما في ذلك تجييش المقاتلين في شمال العراق. وما يزيد من تقلقل الظروف الأمنية هو أنّ السنة المنصرمة قد شهدت زيادة في الهجمات، التي كان بعضها غير مسبوق، على القوّات التركية. فقد استفادت الميليشيات المتحالفة مع إيران من الاستياء المتزايد إزاء تركيا واستهدفت عناصر أتراكاً في شمال العراق في خضمّ توتّرات متزايدة حيال مستقبل سنجار والتدخّلات التركية 25لتخليص المنطقة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وقد لاقت الميليشيات المتحالفة مع إيران الدعم بفضل الزيادة في المشاعر المناهضة لتركيا في البلاد، مما سمح لها بوضع نفسها في مكانة الجهات القومية. ومع نمو التحديات المرتبطة بالمناخ، سوف تستغلّ مجموعات كهذه تورّط تركيا في الأزمات مثل الأزمة حيال إمدادات المياه، فتشكّل ذريعة لشنّ هجمات متّصلة بأهداف محلّية وجيوسياسية أخرى. في المقابل، في وسع الحكومة العراقية، التي لا تتّفق في الوقت الراهن مع إيران وحلفائها في العراق، البدء بدعم الهجمات التي تشنّها المجموعات الكردية الإيرانية المتمرّدة على القوّات الإيرانية المتمركزة على الحدود مع العراق أو على الجهات الوكيلة لها في العراق أو بالقبول بها ضمنياً أو بالرضوخ لها، في حال رفضت طهران الإقلاع عن سياسة المياه التي تنتهجها إزاء العراق26. وتشير هذه الديناميات والاتّجاهات إلى قدرة الصراعات القائمة والقديمة على التسبّب بتأثيرات من الدرجة الثانية والثالثة يمكن أن تسبّبها الأزمات المتعلّقة بالمناخ والمياه.
يستهلك الفرد في العراق 392 ليتراً من المياه يومياً، فيما يبلغ المتوسط العالمي مئتَي ليتر للفرد الواحد27. ويعني ذلك أنّ النقص في إمدادات المياه والاستهلاك المفرط لها سيكونان مسؤولَين بشكل مباشر عن الاضطرابات وعدم الاستقرار. استخدمت بعض النخب الحاكمة أزمة المناخ لتحسين سمعتها، مع إطلاق الرئيس العراقي برهم صالح مبادرة مشروع إنعاش بلاد الرافدين التي تهدف، على الورق، إلى أن تكون الإطار لوضع استراتيجية بيئية عبر تحديث إدارة مياه نهرَي دجلة والفرات وتوليد الطاقة النظيفة والتشجيع على الاستثمار من خلال صندوق المناخ الأخضر28 .لكن عدا ممارسات الشؤون العامة هذه، ما من التزام حقيقي بالتعامل مع الأزمة كأزمة بحدّ ذاتها، بل عوضاً عن ذلك، يتم التعامل مع التحديات المرتبطة بالمناخ كمجموعة فرعية من التحديات الاجتماعية الاقتصادية العالقة.
على الصعيد الجيوسياسي، تقدّمت الحكومة العراقية في السابق بشكوى رسمية إلى الأمم المتّحدة للطعن بالسياسات المائية التي تنتهجها إيران وتركيا29 . بيد أنّه لم تتمّ متابعة الشكوى، وعلى الأرجح أنّ الشكاوى الأخرى ستشهد المصير نفسه لأنّ السياسة الخارجية العراقية ليست مركزية أو من تطبيق المؤسّسات بل تطبّقها النخب الحاكمة التي لها صلات متفاوتة بالقوى الإقليمية.
مع ذلك، ما زالت الحلول متاحة. فمع أنّ معالجة التحديات البنيوية والإدارية التي تحول دون معالجة العراق كلّ التحديات المرتبطة بالمناخ قد تتطلّب بعض الوقت، في وسع الجهات الفاعلة العراقية والدولية تركيز جهودها على الحؤول دون تأزّم الوضع بشكل كبير محلّياً وإقليمياً. ويتم ذلك أولاً عبر إدراج أزمات المناخ والمياه في حوارات الوساطة لحلّ الصراع التي تركّز حالياً على التوتّرات الجيوسياسية، على غرار الحوارات الجارية بين إيران والعالم العربي؛ وثانياً، عبر إدراج أزمة المياه في المفاوضات مع تركيا حيال مستقبل سنجار وانتشار مقاتلي حزب العمّال الكردستاني في العراق؛ وأخيراً، عبر تأسيس منتدى يعمل بشكل جماعي يمكن من خلاله معالجة التهديدات الراهنة والمتغيّرة.
وينبغي أن ترتكز هذه الجهود على التداعيات العابرة للحدود التي ستّتسم بها مصائب المياه والشكاوى الاجتماعية الاقتصادية بفعل المناخ في العراق. فوجود هيكليات إدارية ضعيفة جداً في أربيل وبغداد لا يعود بالنفع على إيران وتركيا على حدّ سواء، إذ سيوسّع ذلك المجال الذي تزدهر فيه المجموعات المسلّحة والتنظيمات المحاربة وتزيد من أعداد عناصرها، ولا سيّما الجهات الفاعلة المنخرطة في الوقت الراهن في صراع مع تركيا وإيران. علاوة على ذلك، ما زالت لتركيا وإيران مصالحُ استراتيجية حيوية في العراق، بما فيها العناصر العسكريين الأتراك، ستصبح ضعيفة إزاء الاستياء الشعبي والعداء الذي تبديه القوى الأمنية التقليدية وغير التقليدية التي يمكنها أن تعتمد إجراءات إكراهية لمعاقبة الدول المجاورة للعراق ردّاً على سياساتها المائية. بعبارة أخرى، يمكن أن يكون لحالات الفوران العنيفة الناتجة عن الخلاف تداعياتٌ أمنية قومية فورية على تركيا وإيران، وهذا يعطيهما ما يكفي من الحوافز والأسباب للانخراط في حوار وللعمل على إيجاد حلّ دائم للأزمة.