يشهد المشهد الاقتصادي تحوّلاً جذرياً مع تسارع وتيرة شراكة مزدهرة بين مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات الآسيوية الدينامية. فالعلاقة التي كانت تقتصر في السابق على النفط مقابل اليد العاملة، توسّع نطاقها اليوم لتشمل قطاعات البناء ومصادر الطاقة المتجدّدة والتمويل والسياحة والتكنولوجيا. تنعكس هذه العلاقة المتنامية في نمو التجارة بين المنطقتين. ففي العام 2022، قفزت تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع آسيا الناشئة إلى 516 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 34,7 في المئة عن العام السابق.1 ولا تُظهر هذه الوتيرة أي علامات على التباطؤ، مع توقّعات تشير إلى أنّ هذا الرقم قد يصل إلى 757 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030، أي نحو ضعف القيمة في العام 2021. الجدير بالذكر أنّ هذا التحوّل شرقاً يحدث بوتيرة تفوق سرعة نمو تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع الشركاء الغربيين التقليديين. فبينما نمت التجارة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو أيضاً، كانت وتيرتها أكثر تواضعاً بنسبة 32 في المئة في الفترة نفسها.2 يُبرز هذا الأمر إعادة توجيه كبيرة في أولويات دول مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية، حيث من المقرّر أن تتجاوز آسيا الناشئة الاقتصادات المتقدّمة كشريك تجاري رئيسي بحلول العام 2026. وعلى الجانب الخليجي، تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة المشهد، من خلال تجارة نشطة مع فيتنام وتايلاند وسنغافورة.3 وتحذو قطر حذوها، مُظهِرةً تطوّرات واعدة في ديناميات تجارتها مع زيادات كبيرة في حجم الصادرات إلى تايلاند وإندونيسيا وسنغافورة.4
ينبئ هذا التوجّه بتبعات عالمية كبرى، بما أنّه يعكس تحوّلاً في المشهد التجاري وفي التعاون بين دول الجنوب، ما ستكون له انعكاسات على جهّات فاعلة أخرى، منها الاتحاد الأوروبي الذي كان حتى وقت قريب الشريك التجاري الرئيس لمجلس التعاون الخليجي، إلى أن تجاوزته الصين مؤخّراً، في مؤشر واضح على أنّ التجارة العالمية أصبحت متعدّدة الأقطاب. يواجه الاتحاد الأوروبي سؤالاً مصيرياً: هل يمكنه استعادة مكانته كشريك تجاري رئيسي لمجلس التعاون الخليجي، أم أنّ الخارطة التجارية تغيّرت إلى غير رجعة؟ المطلوب منه الآن تبنّي سياسة أكثر توافقاً مع الواقع الجديد وتعزيز علاقاته مع الدول الخليجية والقوى الآسوية، وإلّا سيخاطر بانحسار دوره. إنّ قدرة الاتحاد الأوروبي على التأقلم وإقامة شراكات تحقّق المنفعة المتبادلة شرطان أساسيّان لنجاحه في مواكبة هذا المشهد المتغيّر.
يقدّم موجز القضية هذا تحليلاً للتحدّيات التي تعترض الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على نفوذه داخل مجلس التعاون الخليجي، في ظلّ تنامي الشراكة الخليجية الآسيوية وصعود الصين. ويشير إلى أنّ العلاقة المعقّدة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وتشابكه مع الصين، والخلافات الداخلية، تحدّ من قدرته على المنافسة الفعّالة.
يواجه الاتحاد الأوروبي عقبات كبيرة تحول دون استعادة نفوذه داخل مجلس التعاون الخليجي في ظلّ التقارب الخليجي الآسيوي. تتمثّل العقبة الأولى في العلاقة المعقّدة بين الاتحاد والدول الخليجية والتوتّرات التاريخية التي شهدتها، فضلاً عن غياب نهج أوروبي موحّد. أمّا العقبة الثانية، فتتمثّل في تصادم الاتحاد الأوروبي مع الصين، حيث تتشابك العلاقات الاقتصادية العميقة مع المنافسة الإستراتيجية بين الطرفين. وأخيراً، يعاني الاتحاد الأوروبي مشكلات داخلية وفقدان المصداقية، ما قد يعيق قدرته على بناء شراكات فعّالة مع مجلس التعاون الخليجي والقوى الآسيوية الأخرى.
العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي: انطلاقة خاطئة وأساس هشّ
يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة كبرى في استعادة مكانته الرائدة في مجلس التعاون الخليجي، نظراً لعلاقته الضعيفة تاريخياً مع التكتّل وتنامي المنافسة مع الدول الآسيوية. فرغم المصالح المشتركة بين الطرفين في ما خصّ قضايا الأمن والطاقة والتعاون الاقتصادي، استمرّت العراقيل البيروقراطية والخلافات الجيوسياسية والتناقضات الإستراتيجية في إعاقة هذا التقدّم.
وقّع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي اتفاقية التعاون في العام 1988 في زمن كان يطغى فيه البعد الاقتصادي على السياسي. وكان من المتوقع أن تُفضي هذه الاتفاقية إلى إبرام اتفاقية تجارة حرّة، من شأنها ضمان إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي وفتح المزيد من الأسواق له، فيما يستفيد مجلس التعاون الخليجي من زيادة التبادل التجاري والحصول على موطئ قدم في أسواق التصدير وضمان تدفّق رأس المال الأوروبي للمساهمة في التنويع الاقتصادي. ولكن رغم مرور 37 عاماً على بدء المفاوضات، لم تُبرم اتفاقية التجارة الحرّة بعد.كان من الممكن أن تكون اتفاقية التجارة الحرّة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأولى من نوعها. لكن أبرمت تكتّلات أخرى اتفاقات مماثلة بالفعل. والجدير بالذكر أنّ مجموعة ميركوسور، وهي الكتلة التجارية في أمريكا الجنوبية التي تضم الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، توصّلت إلى اتفاق من حيث المبدأ مع الاتحاد الأوروبي في يونيو 2019.
من ناحية أخرى، وقّعت كوريا الجنوبية اتفاقية تجارة حرّة مع دول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر 2023، الأمر الذي سيعزّز بشكل كبير التبادل التجاري بين المنطقتين. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الصين بنشاط إلى إبرام اتفاقية تجارة حرّة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والمفاوضات جارية حالياً. مقارنة بهذه الجهود، تبدو مساعي الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة الحرّة مع دول مجلس التعاون الخليجي أقل تقدير. يفقد الاتحاد الأوروبي مكانته التجارية التفضيلية للوصول إلى الأسواق الخليجية لصالح المنافسين الآسيويين.
تقدّم اتفاقية التجارة الحرّة مثالاً كلاسيكياً عن الفروق المؤسّسية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.5 في حين يعمل الاتحاد الأوروبي ككيان عابر للدول، تضطلع فيه المفوضية الأوروبية بصلاحية واسعة في المفاوضات التجارية، فإنّ مجلس التعاون الخليجي كيان تنسيقي بين الحكومات، تحافظ الدول الأعضاء فيه على حيّز واسع من الاستقلالية في سياساتها الخارجية والحوكمة. على مستوى مجلس التعاون الخليجي، تخشى الدول الأصغر حجماً من أن يؤدّي المزيد من التكامل إلى التنازل عن سيادتها لصالح الدولة الأقوى بين الأعضاء الستة، أي المملكة العربية السعودية.6
تعثّر مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة خير دليل على هذه التحدّيات المؤسّسية. إلى ذلك، أثار تمسّك الاتحاد الأوروبي بالاتحاد الجمركي وبإدراج بند حقوق الإنسان في الاتفاقية خلافات مع مجلس التعاون. وكان الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف انتقد في الحوار الثامن عشر لمعهد الدراسات الدولية الإستراتيجية في المنامة الذي أُقيم في نوفمبر 2022، نهج الاتحاد الأوروبي في خوض مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة، معبّراً عن استيائه من عدم تعامل الاتحاد الأوروبي مع المسألة كقضية ملحّة.7 وقد بات من المستبعد اليوم التوصّل إلى اتفاقية تجارة حرّة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي لسببين: تخطّي الصين للاتحاد الأوروبي كأكبر شريك استثماري لمجلس التعاون الخليجي، وإظهار الدول الخليجية حزماً أكبر في سياستها الخارجية، بالأخص عقب الحربَين في غزّة وأوكرانيا. فقد أصبحت في موقع أقوى يسمح لها بإعادة التفاوض على اتفاقية تجارة حرّة أكثر توافقاً مع مصالحها (إذا ومتى شاءت ذلك).
لتجاوز عقبات مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة، وسّع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي آفاق علاقاتهما عبر إنشاء مجموعات عمل تُعنى بالصناعة والطاقة والبيئة. وفي العام 1996، استحدثا مساراً “لامركزياً” لتعزيز الروابط غير الحكومية، يستند إلى نموذج “عملية برشلونة”، ويهدف إلى إشراك المجتمع المدني بشكل أكبر. إلّا أنّ هذا المسار واجه صعوبات بسبب محدودية مساحة مشاركة المجتمع المدني في بعض الدول الخليجية.
يسلّط هذا الاختلاف الضوء على التحدّي المستمرّ الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي في فهم تعقيدات منطقة الخليج، ويفاقمه التقدّم البطيء لشراكته الإستراتيجية الجديدة التي وقّعها في العام 2022. على الرغم من النجاح الأوّلي في بناء شراكة إستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في الحفاظ على دوره المؤثّر في ظلّ تنامي علاقات مجلس التعاون الخليجي مع القوى الآسيوية. فقد اعترضت عقباتٌ الشراكة الوليدة منذ عامها الأول، حيث لم تُبرم بعد اتفاقية التجارة المخطّط لها، كما أنّ المبادرات المشترَكة في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل تغيّر المناخ، تتقدّم بخطى بطيئة جداً.8
تضاف إلى هذه التحدّيات تعقيدات جيوسياسية، مثل التباين في وجهات النظر حيال الصراع في أوكرانيا، إلى جانب أزمات داخلية مثل قضيّة “قطرغيت” (Qatargate). كما أنّ المخاوف المتراكمة الناجمة عن أحكام مسبقة تسبّبت في عرقلة التقدّم على جبهات متعدّدة. بالتالي، على الاتحاد الأوروبي التغلّب على هذه التحدّيات متعدّدة الجوانب وتعزيز تعاونه مع مجلس التعاون الخليجي من أجل رسم دوره المستقبلي في المنطقة.
تصادم مع الصين وتضارب الأولويات
أمّا العقبة الثانية، فهي علاقة الاتحاد الأوروبي المعقّدة مع الصين التي أصبحت الشريك التجاري الرئيسي لمجلس التعاون الخليجي والتي يحدّ تنامي نفوذ الصين في المنطقة من اعتماد مجلس التعاون الخليجي على الاتحاد الأوروبي. أدّت مبادرة الحزام والطريق، المشروع الصيني الرائد لتطوير البنى التحتية، دوراً محورياً في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول الخليجية، عبر استثمارات في الموانئ والسكك الحديدية ومشاريع بنى تحتية أخرى، في حين وفّر مجلس التعاون الخليجي 41 في المئة من احتياجات الصين من الطاقة خلال العام 2022.
وستنعكس علاقة الاتحاد الأوروبي مع الصين على علاقاته مع كلّ من مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية. مثلاً، يعلّق الاتحاد الأوروبي أهمية كبرى على مسألة حقوق الإنسان، ويوجّه انتقادات لسجل الصين في هذا المجال، ما يخلق التوتّرات مع بعض الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي قد لا تعير قضايا حقوق الإنسان المستوى نفسه من الأهمية. كما قد تتخوّف هذه الدول من التقارب مع الاتحاد الأوروبي خشية إغضاب الصين، شريكها التجاري المهمّ. يختلف الوضع قليلاً في العلاقة مع مجلس التعاون الخليجي. صحيح أنّ بعض الدول الخليجية قد عزّزت علاقاتها مع الصين وهي تقدّر سياسات بكين القائمة على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، إلّا أنّ هذه الدول تولي في الوقت نفسه أهمية كبرى لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، ما يمنح الاتحاد الأوروبي هامشاً للمناورة.
يمكن للاتحاد الأوروبي أن يسلّط الضوء على دوره الفعّال في تعزيز الأمن البحري في المنطقة، بما فيها بعض مبادراته مثل “عملية أسبيدس” الأوروبية (EUNAVFOR Aspides) التي تهدف إلى حماية حرية الملاحة والسفن التجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي ومنطقة الخليج. إذ يشكّل هذا التعاون في مجال الأمن البحري استجابة مباشرة لبعض المخاوف الرئيسية لدى مجلس التعاون الخليجي، ما يعزّز الثقة ويظهر أهمية الاتحاد الأوروبي كشريك في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي من دون توجيه انتقادات مباشرة إلى الصين. إلى ذلك، تتّسم علاقة الاتحاد الأوروبي مع القوى الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند بمزيج معقّد من التعاون والتنافس بشأن مجلس التعاون الخليجي. فبينما تلتقي هذه الدول حول بعض المسائل الجيوسياسة، تظلّ المنافسة الاقتصادية عاملاً مؤثّراً.
يقدّم قطاع السيارات مثالاً واضحاً على هذه المنافسة. إذ كان الاتحاد الأوروبي يتنافس تاريخياً مع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على الحصص في السوق الخليجية. ولكن نشوء شركات السيارات الصينية التي تقدّم طرازات متنوّعة بأسعار تنافسية للغاية قد زاد من حدّة المنافسة. ويبرز ذلك في الارتفاع الهائل بواردات السيارات الصينية إلى السعودية، أكبر أسواق مجلس التعاون الخليجي، حيث سجّلت زيادة بنسبة 363 في المئة من حيث القيمة و275,3 في المئة من حيث عدد المركبات في خلال الفترة بين عامَي 2019 و2023، ما يعكس تنامي نفوذ الشركات الصينية وضغوطها التنافسية على كافة الأطراف، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية الأخرى.
في غضون ذلك، تسعى أوروبا والهند لطرح مشروع موازٍ لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية في المنطقة من خلال مبادرة “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)”. وعلى الرغم من أنّ المشروع يركّز بشكل أساسي على تطوير البنية التحتية، فإنّه يحمل أبعاداً جيوسياسية بارزة، نظراً لأنّه يقدّم بديلاً لمبادرة “الحزام والطريق” وقد يسهم في تقليص النفوذ الصيني. يُظهر هذا التعاون قدرة الاتحاد الأوروبي على التنسيق مع دول آسيوية ذات رؤى متقاربة، مثل الهند، في القضايا الجيوسياسية، مع مواصلة التنافس مع قوى أخرى، كالصين، في القطاعات الاقتصادية الحيوية.
يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تبنّي نهج متوازن يوفّق بين التعاون والمنافسة الاقتصادية. كما عليه مواكبة تغيّرات السوق واستكشاف فرص التعاون لضمان استمرارية دوره المؤثّر في مجلس التعاون الخليجي.
تراجع قوّة الاتحاد الأوروبي والتحدّيات الداخلية
لقد عزّزت الصين نفوذها الجيوسياسي، بالأخصّ بعد وساطتها التي أفضت إلى الاتفاق الإيراني السعودي في مارس 2023. فهذا الدور، إلى جانب موقفها من الحرب في غزّة، يؤكّد على تنامي نفوذها وتقاربها مع حلفائها العرب بشكل عام. إذ انتقد الرئيس الصيني شي جين بينغ الإجراءات التي تتّخذها إسرائيل ودعا إلى وقف لإطلاق النار ورحّب بالهدنة المؤقّتة في 24 نوفمبر 2024. عزّز هذا الموقف مكانة الصين لدى دول الجنوب العالمي، في حين ولّد الاتحاد الأوروبي انطباعاً بأنّه يتعامل مع الوضع في غزّة بمعايير مزدوجة، ما أضرّ بسمعته في العالم العربي وخارجه.
الانطباعات مهمّة. فقد أظهر استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بالتعاون مع جامعة أكسفورد أنّ العالم يرى الاتحاد الأوروبي وجهةَ جذّابة، وليس كقوّة عظمى على الساحة الدولية، فالمشاركون في الاستطلاع خارج الاتحاد الأوروبي ليسوا “منبهرين” بما يظهره من قوّة، فيما يشكّك الكثيرون في الدول غير الغربية في استدامة قيم المجتمعات الليبرالية على المدى الطويل. كشف الاستطلاع أيضاً أنّ غالبية المشاركين في الاستطلاع خارج الاتحاد الأوروبي يعتقدون أنّ روسيا ستنتصر في حرب أوكرانيا في غضون خمس سنوات، ما يعكس تشكيكهم بقدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير في مجريات الحرب. إلى ذلك، نادراً ما وصف المشاركون في الاستطلاع الاتحاد الأوروبي على أنّه “قوي” مقارنة بالولايات المتحدة والصين.[i]
تراجَع النفوذ الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي مقارنة بالقوى الأخرى مثل الصين وروسيا والهند وتركيا.[i] ويزيد من تعقيد هذا التراجع الجمودُ البيروقراطي داخل الاتحاد الأوروبي وتشرذمُ عملية صناعة القرار، ما يعيق قدرته على التكيّف والتأثير في شركائه مثل مجلس التعاون الخليجي. فسياسة الاتحاد الخارجية تتطلّب الإجماع، لكنّ الدول الأعضاء غالباً ما تتبنّى أجندات مستقلّة في علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي والشركاء الآسيويين الآخرين بناءً على مصالحها الوطنية. ويضعف هذا الافتقار إلى الوحدة موقفَ الاتحاد الأوروبي ويسبّب لبساً. تضاف إلى ذلك الانقسامات داخل الاتحاد. فللدول الأعضاء أولويات متباينة ولا تولي جميعها القدر نفسه من الأهمية لمسألة حقوق الإنسان والنزاعات على الأراضي، بالأخص في ما يتعلّق بالصين، ما يصعّب على الاتحاد الظهور كجبهة موحّدة أمام مجلس التعاون الخليجي والشركاء الآسيويين.
يقف الاتحاد الأوروبي عند مفترق طرق حرج في علاقاته مع مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان. وعليه اغتنام الفرصة لتبنّي نهج أكثر فاعلية ومتعدّد الجوانب، يمكّنه من التعامل مع هذه المنطقة الدينامية واستعادة دوره المؤثّر. يتطلّب ذلك الانتقال من الدبلوماسية التفاعلية إلى إستراتيجية تواصل مصمّمة خصيصاً للمنطقة، والانخراط مباشرة مع مجلس التعاون الخليجي ومجموعة رابطة الآسيان باعتبارهما تكتلين إقليميين. يمكن بعدها للاتحاد الأوروبي بناء الثقة وإظهار التزامه الثابت بالمنطقة من خلال تعزيز الشراكات، والبحث عن المصالح المشتركة عبر الزيارات رفيعة المستوى والحوار على المستوى الوزاري وزيادة التعاون الاقتصادي.
إلى ذلك، من الضروري تعزيز اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الموقّعة في العام 2022 مع مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التحدّيات الجيوسياسية وتعزيز التعاون الفعّال. كما أنّ تصحيح الأحكام المسبقة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يتطلّب بناء تفاهم مشترك من خلال التبادلات بين الأفراد، سواء عبر البرامج الثقافية أو التعاون الإعلامي. فيمكن لهذه المبادرات أن تسهم في ترسيخ التقدير المتبادل وتصحيح التصورات الخاطئة. وعلى الرغم من الانشغال بالحرب في أوكرانيا، ينبغي على الاتحاد الأوروبي تبنّي نهج أكثر توازناً في التعامل مع التحدّيات الدولية، مع مراعاة الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان. فالنموّ الاقتصادي المتسارع والزيادة السكانية في هاتين المنطقتين يتيحان للاتحاد الأوروبي فرصاً واسعة في مجالات التجارة والاستثمار، ما يسهم في تحقيق الازدهار الاقتصادي على المدى الطويل.
يمكن للاتحاد الأوروبي، من خلال فهم هذه الديناميات المتغيّرة وتبسيط عمليات اتخاذ القرار وتقديم نفسه كجبهة موحّدة، أن يعزّز مكانته في مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان. فمن شأن تبنيّه إستراتيجية فعّالة أن يبقي صوته مسموعاً وصدى قيمه يتردّد في عالم سريع التغيّر.