إستراتيجيات خفض انبعاثات الكربون في قطر

ملف، يناير 2025
زميل أوّل ومدير البحوث

مساعد بحوث سياسات الاستدامة في مؤسسة "إرثنا" التابعة لمؤسسة قطر
16 يناير، 2025

المقدّمة

 

في العام 2015، أقرّ اتفاق باريس، الذي اعتُمد في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين (COP21) التابع لاتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCC)، بالخطر الوجودي الذي يُمثّله تغيّر المناخ على البشرية وكوكب الأرض. وقد حدّد الاتّفاق هدفاً طموحاً يقضي بحصر ارتفاع متوسّط درجات الحرارة العالمية عند أقل من 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. غير أنّ الانبعاثات العالمية لا تزال في ارتفاع مستمرّ، ما يجعل تجاوز هذا السقف أمراً حتميّاً،i ويدفع العالم نحو أزمات بيئية متفاقمة وظواهر مناخيّة متطرّفة. بالفعل، كان العام 2024 الأكثر احتراراً على الإطلاق، حيث ارتفع متوسّط درجات الحرارة العالمية بمقدار 1,55 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

 

لا بدّ من تضافر الجهود العالمية وتنسيقها للحدّ من التأثيرات السلبية المحتملة لتغيّر المناخ، وهو تحدّ يستدعي استجابات طموحة وفاعلة. وفي هذا السياق، تملك قطر مقوّمات تمكّنها من تأدية دور قيادي في العمل المناخي. فمنذ تسعينات القرن الماضي، كانت قطر سبّاقة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصديره، والذي يُعدّ وقوداً انتقالياً أنظف من الفحم والنفط من حيث انبعاثات الاستخدام النهائي. وقد أثمر هذا للتوجّه، إذ حلّ الغازُ الطبيعي بديلاً للفحم الأكثر تلويثاً في الكثير من الدول حول العالم، ما أسهم في الحدّ من الانبعاثات العالمية، وأتاح لقطر تحقيق ازدهار اقتصادي جعلها من بين أغنى دول العالم. واليوم، تجد قطر نفسها في موقع فريد يمكّنها من الإسهام في دفع الجهود الدولية الرامية إلى خفض الانبعاثات ومواجهة تحدّيات المناخ.

[]

استناداً إلى ثروة الخبرات المحلّية، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة و”إرثنا” ورشة عمل لاستكشاف سياسات عمليّة تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون والحدّ من تداعياتها، بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 والسياق الاجتماعي والاقتصادي، ويتوافق مع الاعتبارات البيئية. وقد ضمّت ورشة العمل مجموعة متنوّعة من الباحثين المتخصّصين في دراسة إستراتيجيات إزالة وخفض الانبعاثات في قطر، ناقشوا تأثير بحوثهم على مستوى السياسات. وشاركت في المناقشات مجموعةٌ من الخبراء المتخصّصين والمستشارين من وزارة البيئة والتغيّر المناخي و”مؤسّسة قطر” و”مؤسّسة العطية”، وغيرها من الجهات المعنية.

في ختام ورشة العمل، اتّفق عددٌ من المشاركين على التعاون لإعداد ملف شامل يرتكز على إستراتيجيات فعّالة لخفض انبعاثات الكربون في قطر. وقد انضمّ إلى هذا الجهد عشرون خبيراً متخصّصاً، ليقدّموا مجموعةً من عشر موجزات السياسات تندرج ضمن أربعة أقسام رئيسية، بما يساهم في تشكيل إطار عمل مبتكر وملموس لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية في الدولة.

قراءة المزيد

 

 

المقدّمة : فهم مقاربة قطر للحدّ من تداعيات انبعاثات الكربون وتغيّر المناخ – نادر القبّاني ومعزّ علي

 

القسم الأول: الاقتصاد القطري والنقاش حول خفض انبعاثات الكربون  

 

القسم الثاني: بدائل الكربون والتقنيّات المنخفضة الكربون في قطر 

 

القسم الثالث: أسواق الكربون في قطر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

 

حقوق النشر محفوظة © 2025 لمجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية
إنّ الآراء الواردة في هذا الملف تخصّ المؤلّفين حصراً ولا تعكس رأي مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية.

فصول الملف

في العام 2015، أقرّ اتفاق باريس، الذي اعتُمد في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين (COP21) التابع لاتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCC)، بالخطر الوجودي الذي يُمثّله تغيّر المناخ على البشرية وكوكب الأرض.
نادر القباني، معز علي
على مدى العقدَين الماضيين، ازداد اعتماد الغاز الطبيعي كبديلٍ عن أنواع الوقود الأكثر كثافة في الكربون. وقد أدّى ذلك، مقروناً بانخفاض الأسعار والتطوّر التكنولوجي وتوسيع البنى التحتيّة، إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، بما فيه الغاز الطبيعي المسال. بالتالي، من المتوقّع أن تؤدّي هذه الأنواع من الوقود دوراً بارزاً في مستقبل أنظمة الطاقة العالمية. وفيما أشارت دراسات متعدّدة إلى الآثار السلبيّة المحتملة لزيادة استخدام الغاز الطبيعي، توحي الأدلّة بمعظمها بأنّ الغاز الطبيعي المسال يُنتج كميّة من انبعاثات غازات الدفيئة لكلّ وحدة من الطاقة أقل من تلك الصادرة عن أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، مثل الفحم والهيدروكربونات الثقيلة الأخرى.
معز علي، عبد الفتاح حامد علي، غونزالو كاسترو دي لا ماتا، أليكس أماتو
ظبية المهندي أستاذة مساعدة، بيفرلي ميلتون-إدواردز
قطر هي دولة ذات دخلٍ مرتفع وغنيّة بالموارد، ويرتكز اقتصادها على احتياطها الهائل من الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي بالذّات. ونتيجةً لتطوّر قطاع الغاز الطبيعي المسال وغيره من القطاعات الكثيفة الاستهلاك للوقود الأحفوري الذي بدأ في التسعينات، ارتفع الناتج المحلّي الإجمالي القطري من 18 مليار دولار إلى 236 مليار دولار (بالدولار الأمريكي في العام 2024) بين عامَي 2000 و2022 (أي أكثر من عشرة أضعاف) .
مارسيلو كونتستابيلي، كارلوس منديز، بانكاج كومار، مروة بن لحرش
يُعزى صعود قطر الاقتصادي السريع إلى استغلالها حقل الشمال، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، ما جعلها أحد أبرز مصدّري الغاز الطبيعي المسال. في مشهد الطاقة المتوتّر الذي ساد في أوائل العقد 2020، والذي أجّجته الاضطرابات الجيوسياسيّة في أعقاب اجتياح روسيا لأوكرانيا وبؤر التصعيد الإقليميّة الأخرى، ارتفعت عائدات قطر من تصدير الغاز إلى 132 مليار دولار.
جاستين دارغين
يتّسم قطاع تحلية المياه في قطر بكفاءة نسبيّة، كما وأنّ مرافق تحليّة المياه بمعظمها تندمج في محطّات الطاقة، مثل المحطّات الواقعة في راس أبو فنطاس (التي تُسمّى محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة أو "IWPPs")، ما يحدّ من استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون بشكلٍ كبير عبر توجيه تصريف الحرارة الناتجة عن توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي نحو منشآت التقطير الومضي المتعدّد المراحل (MSF) أو التقطير المتعدّد التأثيرات (MED)، وكلاهما يستخدم العمليّات الحرارية.
ديما المصري، محمد أبو هواش
يواجه العالم تحدّياً كبيراً في سعيه إلى مكافحة تغيّر المناخ، يتمثّل بسدّ الفجوة بين اعتماده الحالي على الوقود الأحفوري وخفض انبعاثات غازات الدفيئة من أجل الحدّ من الاحتباس الحراري إلى 1,5-2,0 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. لهذه الغاية، من الضروري إجراء تحوّل عميق من أجل خفض انبعاثات الوقود الأحفوري من جهة، وتعزيز استخدام مصادر الطاقة النظيفة بسرعة من جهة ثانية.
عائشة السريحي
يشجّع اتفاق باريس التعاونَ الطوعي بين الأطراف في تنفيذ مساهماتها المحدّدة وطنيّاً "لإتاحة مستوى أعلى من الطموح في إجراءاتها المتعلّقة بالتخفيف والتكيّف وتعزيز التنمية المستدامة والسلامة البيئيّة". وقد أدّى هذا الالتزام إلى خلق أسواق كربون جديدة بموجب المادة 6 من اتفاق باريس.
ألكسندرا سويزر
بقي أمام العالم نحو عقد من الزمن لتفادي آثار تغيّر المناخ التي لا رجعة عنها، وهذا بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ (IPCC). سيتطلّب تحقيق مستقبل أكثر استدامةً تمويلاً كبيراً واستثمارات موجَّهة وتعاوناً عالمياً لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. ويمكن أن تؤدّي أسواق الكربون دوراً في تحقيق هذه الأهداف، لكن عليها أولاً أن تصبح أكثر متانةً ومصداقية. وعلى الرغم من التطوّر السريع الذي شهدته سوق الكربون العالمية على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة،2 لا تزال السوق مجزّأة بين أُطر ومقاربات مختلفة، ما يُعيق تسريع عمليّة إزالة الكربون على نطاقٍ واسع.
ﻧﻴﺸﺎد ﺷﺎﻓﻲ
يُصنَّف اقتصاد قطر، التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، ضمن الاقتصادات كثيفة الكربون، حيث سجّلت انبعاثاتها السنوية من غازات الدفيئة 120 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (MtCO2e) في العام 2021.
عمر آقجا، أحمد أيسان
حرصت قطر على تحقيق توازن دقيق بين متطلّبات التنمية المستدامة والتزاماتها البيئيّة، فوضعت هدفاً طموحاً بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة (مقارنة بمستوياتها الإعتيادية) بحلول العام 2030. وانطلاقاً من هذا الالتزام، نظّم مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدوليّة و"إرثنا مركز لمستقبل مستدام" في سبتمبر 2024 ورشة عمل جمعت نخبة من الباحثين المتخصّصين وخبراء السياسات المرموقين لاستكشاف أثر البرامج التنموية والبيئية في قطر على صناعة السياسات
نادر القباني، معز علي