تقييم سياسة تركيا الخارجية في المنطقة:

العوامل الداخلية والمؤثرات الخارجية

مايو 09، 2012

الأربعاء، مايو 09، 2012

22:00 PM

الأربعاء،مايو 09، 2012

23:30 PM
مركز بروكنجز الدوحة ، الدوحة ، قطر

ملخص

في 9 مايو 2012، عقد مركز بروكنجز الدوحة مناقشة سياسية مع بيرول باسكان، الأستاذ المساعد بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون في قطر وطوران كايا أغلو الزميل الزائر بمركز بروكنجز الدوحة – جامعة قطر وسنان معروف أغلو، أستاذ التاريخ المشارك بقسم الدراسات الإنسانية بجامعة قطر. ركز المشاركون على مكونات السياسة الداخلية والخارجية التي أثرت على تحركات تركيا في الشرق الأوسط. رأس سلمان شيخ مدير مركز بروكنجز الدوحة المناقشة وحضرتها شخصيات من الأوساط الأكاديمية والتجارية والإعلامية والدبلوماسية في قطر.

بدأ سنان معروف أغلو المناقشة بالحديث عن دور تركيا التاريخي في المنطقة. وذكر أن التاريخ الطويل للحكم العثماني للعالم العربي قد أعطى الأتراك معرفة عميقة وتفصيلية بمجتمع الشرق الأوسط وسياسته. وطوال وقت طويل من التاريخ الحديث، كانت الإمبراطورية العثمانية الضامن للأمن الإقليمي ضد تهديدات كل من الشرق والغرب.

وأضاف معروف أغلو قائلا: في عهد ما بعد الإمبراطورية العثمانية، مالت تركيا إلى التوجه الغربي، ونأت بنفسها قدر الإمكان عن الشرق الأوسط. ومع ذلك، عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، ظهر “ربيع تركي” يشبه “الربيع العربي” اليوم. فلقد شهدت هذه الفترة تغييرات جوهرية في السياسات في عهد رئيس الوزراء أردوجان حيث أعادت حكومته صياغة علاقاتها من خلال سياسة “تصفير المشاكل”.

واستطرد معروف أغلو قائلا أن الشرق الأوسط لا يزال يمر بمرحلة انتقالية وأكد أننا لم نر بعد سياسة خارجية تركية متوازنة جديدة. وأوضح أن هناك كادرا سياسيا في تركيا يعمل “على الترويج للسلام وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية مع المنطقة”. ومع ذلك، تعارض هذا الجهد مع علاقات تركيا القديمة مع بعض الأنظمة الاستبدادية. وتجلى ذلك في حالة سوريا، حيث أنه على الرغم من أن جهودا كانت قد بذلت لإقامة علاقة سياسية وتوسيع العلاقات التجارية، إلا أن أنقرة انقلبت على نظام الأسد. وفي النهاية، أوضح معروف أغلو أن السياسة الخارجية التركية تسعى إلى الابتعاد عن الأزمات، إلا أن التوتر مع إيران وإسرائيل يجعل من ذلك مستحيلا.

وتحدث بيرول باسكان عن أثر السياسة الداخلية التركية على سياستها الخارجية. وبدأ بالحديث عن هيكل الحكومة التركية، مشيرا إلى أن أردوجان قد منع من لعب دوره كرئيس للوزراء في عام 2003 بعد الفوز بالانتخابات. وقال باسكان أن هذه الحادثة أبرزت غرابة البيئة السياسية التركية التي تتسم بانقسام عدائي بين الجيش والقضاء العلمانيين من جانب والمسؤولين المنتخبين من جانب آخر. وعلى الرغم من خصومة النخبة العسكرية، حظي أردوجان بشعبية كبيرة، حيث فاز بجولتين انتخابيتين متتاليتين مع حصوله على نسبة آخذة في الزيادة من الأصوات. وقال باسكان تجلى النفوذ المتضائل للجيش في الدعوى القضائية التي رفعت ضد المخططين لانقلاب عسكري فاشل – وهذه هي أول مرة يتم فيها رفع دعوى من هذا القبيل.

وأوضح باسكان أنه نتيجة لذلك انخفضت معنويات الجيش ولذلك فمن المستبعد أن يدعم السياسة الخارجية لأردوجان على الأرض من خلال الوسائل العسكرية. وأطلق باسكان على تركيا “ذئب لا أسنان له” – فهي لاعب دبلوماسي قوي ولكن لا يمكنها استعراض أي قوة خشنة حقيقية. ويرى باسكان أن تركيا “لا تستطيع استعراض عضلاتها لحمل الآخرين على احترام مطالبها”. وعلى الرغم من تحسن العلاقات المدنية العسكرية، إلا أن تركيا لا تزال تواجه مشكلة الموكل والوكيل: فلا يستطيع اللاعب السياسي الرئيسي الاعتماد على الجيش في تحقيق ما يتمنى. ومما ضاعف من المشكلة أن أردوجان جعل من نفسه سياسيا عالميا مما أحدث انفصاما خطيرا بين الشخص والدولة. وقال باسكان: هذا يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل ستنحسر شعبية تركيا بانحسار شعبية أردوجان؟

وبدأ طوران كايا أغلو كلامه بوصف سياسة “تصفير المشاكل” التي تنتهجها تركيا. وأوضح أن الربيع العربي قد غير هذه الرؤية، حيث أن تركيا الآن تهدف إلى الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. وذكر كايا أغلو وصف طارق أوغوزلو السياسة الجديدة بأنها “النسخة الثانية من سياسة تصفير  المشاكل”: فبدلا من تجنب المشاكل مع حكومات المنطقة، ستحاول تركيا تجنب المشاكل مع شعوب المنطقة. وأشار كايا أغلو إلى ملخص سياسات نشره وزير الخارجية أحمد داود أغلو في أبريل ورسم فيه ملامح “السياسة الخارجية الموجهة حسب رؤية تركيا”. وشبه كايا أغلو هذه السياسة الجديدة بأفكار بوش الخاصة بالحاجة للترويج للديمقراطية في المنطقة.

ومع ذلك، حاول كايا أغلو أن يبرهن أن تركيا ليس لديها الرصيد السياسي أو الفكري اللازم لإحداث دفعة كبيرة مؤيدة للديمقراطية. وفي الواقع، اعتمدت سياسة تصفير المشاكل على القوة الاقتصادية لتركيا وليس رصيدها السياسي أو الفكري. وأشار كايا أغلو إلى أن الأتراك يحتاجون إلى معرفة الكثير عن الشرق الأوسط إن كانوا يرجون الترويج للديمقراطية هناك، مدعيا أنهم يميلون إلى الاعتماد على المصادر الغربية في التعرف على الشرق الأوسط. وقال إن أغلب بيوت الخبرة في تركيا تابعة للحكومة أو متأثرة بسياسة الحكومة. وليس هناك جهد حقيقي لفهم المنطقة. وذكر أن البعض يرى مشكلاتها نوعا من الانتقام الرباني لرفضها الحكم العثماني. وقال أن الرؤية التركية للعالم العربي تزداد تعقيدا بتوجهاته الفكرية.

وأوضح كايا أغلو أنه بالرغم من أن تركيا تحتل المركز السابع عشر على مستوى العالم من حيث القوة الاقتصادية، إلا أن تصنيفاتها ليست بنفس التقدم من حيث الالتزام بحقوق الإنسان أو الديمقراطية. وقال إذا كانت كذلك، فليس لها أن ترجو أن تكون مروجة القيم الديمقراطية. وقال إنه بالرغم من أن كايا أغلو أشار إلى إصلاحات داخلية محدودة، إلا أنه لابد من المزيد من التغيير. فعلى سبيل المثال، لا يزال القانون التركي يعاقب على الإساءة إلى التركية والإسلام. ويصنف المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2011 تركيا في المركز المائة والاثنين والعشرين من بين 135 دولة. ووفقا لمؤسسة فريدم هاوس، على الرغم من تحسن الحقوق السياسية والحريات المدنية في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، لا تزال تركيا بلدا حرا جزئيا. وحاول كايا أغلو أن يبرهن أن هذه الإحصائيات لا توحي بأن تركيا يمكن أو ينبغي أن تكون مروجة الديمقراطية في الشرق الأوسط.

واعترض السفير التركي لقطر إمري يونت على كلام كايا أغلو، واعتبره هجوما من جانب واحد وحاول أن يبرهن أن جانب الحكومة ينبغي أن يكون ممثلا في الحديث. وأضاف أن الجيش التركي ملتزم قانونا بتنفيذ أوامر الحكومة وأن تركيا كأحد الأعضاء بحلف الناتو لديها مقدار كبير من القوة الخشنة. وذكر أن تركيا لا تقحم نفسها في سوريا لأنه لا يليق بمكانة تركيا أن تستخدم جيشها لتغيير الأنظمة. كما أشار يونت أيضا إلى شعبية أردوجان الكبيرة في المنطقة كدليل على النفوذ التركي هناك.

ثم قلل الرئيس سلمان شيخ من أهمية افتقار تركيا المزعوم للقوة الخشنة، قائلا أنه يمكن القول بأن القوة الناعمة أهم في عالم اليوم. فرد باسكان باعتباره واقعيا بأنه يؤمن بأنه لا يمكن إحداث أي تأثير بدون القوة الخشنة. كما سأل عن النتائج المادية التي تحققت من خلال القوة الناعمة التركية. وأكد أن شعبية القيادة ليست كافية. وذكر باسكان أن قطر ربما كانت أكثر نجاحا من حيث نفوذها في المنطقة حيث أنها لعبت دورا في حل المشاكل في السودان ولبنان نظرا لعدم وجود قيود مالية لديها.

ولقد طرح سؤال آخر يتعلق بما إذا أثرت طموحات الاتحاد الأوربي لدى تركيا على رؤيتها لسياستها الخارجية أم لا. فأجاب معروف أغلو بأن إستراتيجية السياسة الخارجية التي يتبعها داود أغلو تعتمد على علاقتها بكل من الشرق والغرب. فعندما تتوجه تركيا إلى الشرق وتحسن علاقاتها هناك، فستزداد قوتها وسيأخذ الاتحاد الأوربي طلبها لعضويته على محمل الجد.