إزالة الكربون والتنويع الاقتصادي في قطر: التحدّيات والفرص

يناير 2025
عالم اقتصاد رئيسي، معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI) وأستاذ مساعد مشارك، كلية
باحث مشارك في معهد قطر لأبحاث البيئة والطاقة
زميل بحوث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI)
باحثة مشاركة، معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI)
16 يناير، 2025

التحدّيات المتعلّقة بالحدّ من آثار تغيّر المناخ والتنويع الاقتصادي في قطر

قطر هي دولة ذات دخلٍ مرتفع وغنيّة بالموارد، ويرتكز اقتصادها على احتياطها الهائل من الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي بالذّات. ونتيجةً لتطوّر قطاع الغاز الطبيعي المسال وغيره من القطاعات الكثيفة الاستهلاك للوقود الأحفوري الذي بدأ في التسعينات، ارتفع الناتج المحلّي الإجمالي القطري من 18 مليار دولار إلى 236 مليار دولار (بالدولار الأمريكي في العام 2024) بين عامَي 2000 و2022 (أي أكثر من عشرة أضعاف) . 1وقد مكّن هذا النمو الاستثنائي الدولةَ من تحقيق تنمية مجتمعيّة سريعة ومستويات معيشيّة عالية لمواطنيها، غير أنّ اعتماد قطر على عائدات صادرات الوقود الأحفوري جعلها عرضةً لتقلّبات أسعار الوقود الأحفوري في الأمد القريب وللضغوط الدوليّة للابتعاد عن الوقود الأحفوري في الأمد البعيد2 علاوة على ذلك، يرتبط نموذج قطر الاقتصادي، الذي تهيمن عليه الصناعات الاستخراجيّة والكثيفة الاستهلاك للطاقة، بمستويات عالية من انبعاثات غازات الدفيئة والمواد الملوِّثة التي تؤثّر بشكلٍ كبير في جودة البيئة في قطر.

 

أقرّت الحكومة القطرية صراحةً بالضغوط التي يلقيها تغيّر المناخ العالمي والقضايا البيئيّة الأخرى على النموذج الاقتصادي القطري الحالي، منذ أن أطلقت قطر رؤيتها الوطنيّة 2030 (QNV2030) في العام 2008.3 وقد دعت رؤية قطر الوطنيّة 2030 إلى وضع إستراتيجيّات لتنويع الاقتصاد القطري وتحويله إلى اقتصاد أكثر استدامةً واعتماداً على الإنتاج المعرفي والعلمي في ظلّ السعي إلى احترام البيئة. ويتمحور تنفيذ رؤية قطر 2030 حول ثلاث إستراتيجيّات متتالية للتنمية الوطنية أُطلقت منذ ذلك الحين؛ وهي وثائق تحدّد الإجراءات التي تلتزم دولة قطر باتّخاذها في سبيل تحقيق الرؤية الوطنية 2030.

 

بذلت دولة قطر جهوداً حثيثة منذ العام 2008 سعياً منها إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن الصادرات الهيدروكربونية والقطاعات الكثيفة الاستهلاك للوقود الأحفوري، وإلى حماية البيئة. وسبق أن تجلّى التزام قطر بالعمل المناخي العالمي في العام 2012 حين استضافت الدورة الثامنة عشر لمؤتمر الأطراف (COP18)، ووقّعت قطر على اتفاق باريس في العام 2016 وأحالت إلى اتفاقيّة الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغيّر المناخ في العام 2021 نسخةً محدّثة من مساهمتها المحدّدة وطنياً،4التي تضمّنت للمرّة الأولى أهداف بشأن خفض انبعاثات غازات الدفيئة. وتُلزم المساهمة المحدّدة وطنيّاً على وجه الخصوص دولة قطر بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030، بحسب سيناريو خطّ الأساس الذي ينصّ على عدم إدخال أيّ إجراء جديد للحدّ من آثار غازات الدفيئة بعد العام 2019. وفي العام 2021، أطلقت قطر أوّل خطّة عمل وطنية لتغيّر المناخ،5حدّدت فيها مجموعة التدابير التي ستُتّخَذ لتحقيق أهداف الحدّ من آثار غازات الدفيئة الواردة في المساهمة المحدّدة وطنيّا المحدّثة.

 

أُطلقت إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة والأخيرة في العام 2024،6التي تحدّد إستراتيجيّةً وخطوات معيّنة استكمالاً لتنفيذ رؤية قطر الوطنيّة 2030. واعترفت إستراتيجيّة التنمية الوطنية الثالثة بوضوح بفشل الاقتصاد القطري في التنويع رغم الجهود الحثيثة المبذولة، إذ بقي يعتمد بشكلٍ كبير على وقوده الأحفوري والقطاعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة. لهذا السبب دعت إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة إلى تكثيف الجهود الآيلة إلى توسيع القطاعات القائمة بعيداً عن النفط والغاز وتطوير قطاعات جديدة. وفي هذا الصدد، تُعدّ إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة أكثر دقّةً من إستراتيجيات التنمية السابقة بحيث تُحدّد ثلاث قطاعات ذات أولويّة ستُركّز قطر عليها: الصناعات التحويليّة والخدمات اللوجستيّة والسياحة. وفقاً لخطط صانعي السياسات، من المتوقّع أن تُحفّز هذه القطاعات نمواً اقتصادياً أسرع، إذ تضع إستراتيجيّة التنمية الوطنية الثالثة هدف تحقيق نسبة 4 في المئة من حيث النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أعلى من الهدف السابق الذي كان 3 في المئة. وتتطرّق هذه الإستراتيجيّة أيضاً إلى قضيّتي حماية البيئة المحلّية وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وتُشير إلى الإجراءات الواردة في خطة العمل الوطنية لتغيّر المناخ من أجل تحقيقهما. وأخيراً، تدعو إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة إلى تجديد الجهود لتشجيع الابتكار الذي يُعتبَر حاسماً لخلق اقتصاد يعتمد على المعرفة ولاستدامة تنافسيّة الصناعات المحلّية في آن معاً.

 

تجدر الإشارة إلى أنّه في ظلّ ثبات العوامل الأخرى، يعكس نموٌّ اقتصادي أسرع زيادةً في انبعاثات غازات الدفيئة. لذا لا بدّ من اتّخاذ إجراءات إضافية لتحقيق هدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030 مقارنة مع التدابير المذكورة في خطة العمل الوطنية لتغيّر المناخ، وحتى ما بعد 2030 حين يزداد تأثير النمو الأسرع على انبعاثات غازات الدفيئة بشكلٍ تدريجي. من الواضح أنّ نوع الإجراءات المطلوبة سيعتمد على القطاعات التي تنتج انبعاثات غازات الدفيئة الإضافية. بالتالي، من الضروري أن تكون إستراتيجيات الحدّ من آثار غازات الدفيئة وتخطيط البنى التحتية في الأمد البعيد متينة في ظلّ حالة عدم اليقين التي ستطرأ نتيجةً للتغييرات في بنية الاقتصاد القطري.

تقييم التداخل بين التنويع الاقتصادي والحدّ من آثار غازات الدفيئة

من أجل تقييم الآثار المحتملة في الأمد الطويل لسُبل التنويع الاقتصادي المختلفة على جهود قطر للحدّ من آثار غازات الدفيئة واستخلاص العِبَر المتعلّقة بالسياسات، استخدمنا نظام “قطر تايمز” (Qatar Times). هو نموذجٌ حاسوبي لأنظمة الطاقة في قطر وضعه معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بالتعاون مع “إمبريال كوليدج لندن” والمؤسّسة العامة القطريّة للكهرباء والماء “كهرماء” بتمويلٍ من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، من خلال منحة (NPRP13S-0204-200250)، وبدعمٍ من مركز “إرثنا” ومؤسّسة العطية. وصمّم هذا النظام خصّيصاً لدولة قطر باستخدام إطار النمذجة “تايمز” (TIMES)،7الذي طُوِّر في الأصل في الوكالة الدوليّة للطاقة ويستخدمه عددٌ من حكومات الدول المتقدّمة والنامية لإجراء تحليلات تهدف إلى توجيه سياساتها في مجال الطاقة والبيئة.8ويمكن لـهذا النظام تحديد مسارات التكنولوجيا الفعّالة من حيث التكلفة من أجل تحقيق أهداف الحدّ من آثار غازات الدفيئة في الأمد الطويل والعمل بشكلٍ عكسي من هذه المسارات بواسطة مقاربة تُعرف بالتنبؤ الرجعي، بالإضافة إلى استكشاف السياسات التي قد تكون ضروريّة لتمكين هذه المسارات.

 

في دراستنا لسياسة الحدّ من آثار غازات الدفيئة في قطر بواسطة نظام “قطر تايمز”، حدّدنا واستكشفنا ثلاثة سيناريوهات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة: خطّ الأساس، والمساهمة المحدّدة وطنيّاً، والاتّساق مع اتفاق باريس؛ ويرد وصفُها في الجدول 1. كما واختبرنا تأثّرها بالطرق المختلفة التي قد تتطوّر بها بنية الاقتصاد نتيجةً لجهود الحكومة الرامية إلى تنويعها؛ لهذا الغرض، نظرنا في ثلاثة متغيّرات للسيناريو: خط الأساس والمساهمة المحدّدة وطنياً، وإستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة المدفوعة بالصناعات التحويليّة، وإستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة المدفوعة بالخدمات. ويشرح الجدول 1 أدناه هذه السيناريوهات.

 

الجدول 1: سيناريوهات الحدّ من آثار غازات الدفيئة ومتغيّرات النمو الاقتصادي المُنمذَجة بواسطة “قطر تايمز”

السيناريوهات المنمذجة للحدّ من آثار غازات الدفيئة وصف السيناريو متغيّرات النمو الاقتصادي المُنمذَجة وصف المتغيّر
خط الأساس لم يُدرَج أي إجراء للحدّ من آثار غازات الدفيئة بعد العام 2019 النمو الاقتصادي لخط الأساس والمساهمة المحدّدة وطنياً نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 في المئة حتى العام 2060

 

NDC

المساهمة المحدّدة وطنياً

خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة عن مستويات خط الأساس بين عامي 2030 و2060 النمو الاقتصادي المدفوع بالصناعات التحويليّة في إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة نمو بنسبة 4 في المئة لقطاع الصناعة حتى العام 2035؛ نمو بنسبة 3 في المئة بين عامي 2035 و2060.

نمو بنسبة 3 في المئة في كل القطاعات الأخرى.

الاتّساق مع اتفاق باريس خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة عن مستويات خط الأساس بحلول العام 2030. خفض خطّي لانبعاثات غازات الدفيئة بين عامي 2030 و2060 للوصول إلى الحياد الكربوني في العام 2060

 

النمو الاقتصادي المدفوع بالخدمات في إستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة نمو بنسبة 4 في المئة لقطاع الخدمات حتى العام 2035؛ نمو بنسبة 3 في المئة بين العامين 2035 و2060.

نمو بنسبة 3 في المئة في كل القطاعات الأخرى.

 

أمّا سبب وجود متغيّرَين لإستراتيجيّة التنمية الوطنيّة الثالثة هو أنّه بينما تحدّد هذه الإستراتيجيّة القطاعات الثلاثة المذكورة آنفاً -أي الصناعات التحويليّة والخدمات اللوجستيّة وقطاع الخدمات- التي يجب إعطاؤها الأولويّة، إلّا أنّ الإجراءات الرامية إلى دعمها لم توضع بعد وسيكون لها أثرٌ كبير على مدى تطوّر كل قطاع وسرعته.

 

يستخدم نظام “قطر تايمز” سيناريوهات خارجيّة للطلب على خدمات الطاقة في القطاعات الاقتصادية كافة ضمن المهلة الزمنيّة قيد النظر التي تمتدّ حتى العام 2060. تُعدّ خدمات الطاقة، على غرار إضاءة المباني وتبريدها ونقل الركّاب والشحن ودرجات عالية من الحرارة للصناعة، مدخلات لإنتاج السلع والخدمات؛ وبالتالي يرتبط الطلب على خدمات الطاقة بالناتج المحلّي الإجمالي للدولة. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الطلب على خدمات معيّنة في مجال الطاقة على بنية الاقتصاد. لذا يمكننا استخدام سيناريوهات الطلب على خدمات معيّنة في مجال الطاقة كمدخل إلى “قطر تايمز” لاختبار تأثير مسارات التنويع والنمو الاقتصاديين المختلفة على تطوّر نظام الطاقة وعلى التقنيّات الضروريّة لخفض انبعاثات غاز الدفيئة.

 

أمّا فيما يتعلّق بالسيناريوهات الثلاثة المنمذجة للحدّ من آثار غازات الدفيئة، فلم يحدّد سيناريو خطّ الأساس أيّ هدف كمّي لخفض الانبعاثات. في سيناريو المساهمة المحدّدة وطنياً، نُطبّق هدف خفض انبعاثات غاز الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030 وفقاً لسيناريو خط الأساس كما جاء في المساهمة المحدّدة وطنياً المحدّثة للعام 2021 ونمدّده حتى العام 2060؛ لا شكّ في أنّ هذا لا يتماشى مع متطلّبات اتفاق باريس الذي يدعو إلى تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بشكلٍ تدريجي، وبالتالي يمكن اعتباره سيناريو أسوأ الافتراضات للعمل المناخي في قطر. أخيراً، يتميّز السيناريو المتّسق مع اتفاق باريس بطموحه المطّرد: فانطلاقاً من هدف 25 في المئة للعام 2030، تُقلَّص انبعاثات غازات الدفيئة بشكلٍ أكبر في العقود التالية حتى يتحقّق الحياد الكربوني في نهاية المطاف. يوضح الرسم البياني 1 ملامح انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالسيناريوهات الثلاثة.

 

الرسم البياني 1: مسارات انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالسيناريوهات المنمذجة الثلاثة: خط الأساس، المساهمة المحدّدة وطنيّاً والاتّساق مع اتفاق باريس.

 

في سيناريو المساهمة المحدّدة وطنيّاً، يمكن تحقيق غالبية أهداف خفض انبعاثات غاز الدفيئة المطلوبة من خلال تدابير تستهدف صناعة النفط والغاز وقطاع الصناعات التحويلية، بحيث تتماشى مع الإجراءات المذكورة في خطة العمل الوطنية لتغيّر المناخ للعام 2030. لكنّ وضع قطر على مسار الحياد الكربوني يستلزم مقاربة مختلفة جداً تتطلّب عملاً حاسماً لخفض الانبعاثات الناتجة عن كل القطاعات بالتزامن؛ ما يستوجب اتّخاذ مجموعة من التدابير أكثر شمولاً وحزماً بكثير.

 

يتميّز متغّيرا التنويع الاقتصادي قيد النظر، أي النمو المدفوع بالصناعات التحويليّة والنمو المدفوع بالخدمات- بمستويات مختلفة من الطلب على الطاقة. يستهلك تصنيع المواد الكيميائية والمعادن طاقةً أكثر من تأمين الخدمات ويتطلّب كذلك أنواع مختلفة من خدمات الطاقة، مثل الحرارة العالية الدرجة ونقل البضائع الثقيلة، خلافاً لإضاءة المباني التجاريّة وتبريدها ونقل الركاب (الضروريّة لقطاع الخدمات). وعند اختبار متغيّرات السيناريوهات هذه بواسطة “قطر تايمز”، نجد أنّ تكاليف الحدّ من آثار غازات الدفيئة تتأثّر جداً بعدم اليقين الذي يُخيّم على مسارات التنويع الاقتصادي المستقبليّة، إذ يمكن أن تؤدّي تغيّرات طفيفة نسبياً في بنية الاقتصاد إلى تكاليف مختلفة للغاية في ما يتعلّق بالحدّ من آثار غازات الدفيئة. وهذا ما يُبيّنه الرسم البياني 2.

 

الرسم البياني 2: تكاليف خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وفقاً لسيناريو خط الأساس، في ما يتعلّق بسيناريوهَي المساهمة المحددة وطنياً والاتساق مع اتفاق باريس وتأثّرها بمسارات التنويع الاقتصادي المختلفة (المدفوعة بالصناعات التحويليّة والخدمات).

 

وكما يُظهر الرسم البياني 2، يتغيّر تأثير مسارات التنويع الاقتصادي المستقبلي المختلفة على تكاليف الحدّ من آثار غازات الدفيئة مع مرور الوقت أيضاً. وينطبق هذا بشكلٍ خاص على السيناريو المتّسق مع اتفاق باريس حيث ترتفع التكلفة المتعلّقة بخفض غازات الدفيئة في المتغيّر المدفوع بالصناعات التحويلية في الأمد الطويل أكثر بكثير من التكلفة في حالة المتغيّر المدفوع بالخدمات. يُعزى ذلك إلى صعوبة خفض انبعاثات الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، ما يتطلّب في نهاية المطاف استخدام تقنيّات أكثر كلفة، بما فيها التقاط الهواء المباشر، لتحقيق الحياد الكربوني. تجدر الإشارة إلى أنّ التكاليف الأعلى للحدّ من آثار غازات الدفيئة المرتبطة بالنمو المدفوع بالصناعات التحويلية لا تشكّل بحدّ ذاتها مؤشّراً على أنّ مقاربة التنويع الاقتصادي هذه أقل فائدة للدولة. غير أنّ تكاليف الاستثمار الأعلى المرتبطة بخفض انبعاثات الصناعات التحويلية ستتطلّب ميزانية مناسبة لذلك.

 

علاوة على ذلك، بافتراض نشر قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية على نطاقٍ واسع من دون استخدام أيّ مصدرٍ آخر للطاقة المتجدّدة أو المنخفضة الكربون (مثل طاقة الرياح أو الطاقة النووية)، ومن دون اتخاذ إجراءات جديدة بارزة لتحسين كفاءة الطاقة في المباني، ومن دون حدوث تحوّلات كبرى في وسائل النقل، سيعتمد المسار نحو تحقيق الحياد الكربوني في قطر إلى حدّ بعيد على نشر تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. في حالة النمو المدفوع بالصناعة، ستشتدّ الحاجة إلى تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه أكثر بكثير من حالة النمو المدفوع بالخدمات، ما يجب النظر فيه أيضاً لأغراض التخطيط. يقارن الرسم البياني 3 ضرورة تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه في سيناريوهَي المساهمة المحدّدة وطنياً والاتّساق مع اتفاق باريس، في حالة المتغيّر المدفوع بالصناعة. من الظاهر أنّه في ظلّ الظروف المبيّنة أعلاه، تشتدّ الحاجة إلى تقنيّة احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه حتى في سيناريو المساهمة المحدّدة وطنياً وتتضاعف لمرات متعدّدة في حالة سيناريو الاتّساق مع اتفاق باريس.

 

الرسم البياني 3: أحجام احتجاز ثاني أكسيد الكربون (مليون طن/سنة) المطلوبة في السيناريوهات المتوافقة مع المساهمات المحدّدة وطنياً واتفاقية باريس (المدفوعة بالصناعات التحويليّة) مفصّلة بحسب المصدر. أُخذ في الاعتبار احتجاز ثاني أكسيد الكربون من العمليات الصناعية ومن الغلاف الجوي.

العِبَر المستمدّة من تحليلنا لسياسة الحدّ من آثار غازات الدفيئة والتخطيط المتعلّق بالبنى التحتيّة في الأمد الطويل

يُظهر تحليلنا أنّه سيتوجّب على قطر في التحديثات المستقبليّة لمساهمتها المحدّدة وطنيّاً أن ترفع طموحاتها إلى حدّ بعيد في حال أرادت المضي قدماً نحو تحقيق الحياد الكربوني. علاوة على ذلك، لا بدّ من أن تقوم قطر بخطوات حاسمة في القطاعات كافة وفي الوقت المناسب، لا سيّما أنّ التحوّل الضروري في نظام الطاقة سيشهد مهلاً طويلة. هذه المهل يُمليها طول عمر البنية التحتية للطاقة والتغيّرات الكبيرة التي ستكون ضرورية في سلوك المستهلكين -على سبيل المثال ورغم إدخال حوافز قوية، قد يستلزم معظم مشتري السيارات الجديدة سنوات عديدة لاختيار اعتماد مركبات كهربائية- والتحوّلات في السياسات والإطار التنظيمي في هذا الصدد. وما يفاقم مشكلة الحدّ من آثار غازات الدفيئة في قطر في الأمد الطويل هو أنّ بنية الاقتصاد—وبالتالي مساهمة القطاعات المختلفة في إجمالي الانبعاثات- ستتغيّر أيضاً وبطريقة يصعب التنبؤ بها، ما يُعقّد مهمّة تخطيط البنى التحتيّة وصناعة السياسات للحدّ من آثار غازات الدفيئة.

 

وللتعامل بفعاليّة مع كل هذه التعقيدات، نوصي بتطوير السياسات الرامية إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة وتنويع الاقتصاد بطريقةٍ منسّقة ومن منظور طويل الأجل من خلال استخدام كل الأدوات المتاحة لتقييم آثارها على النظام برمته، بما فيه نماذج أنظمة الطاقة مثل “قطر تايمز”. ومن المهم تخصيص الموارد وتخطيط البنى التحتية مع الأخذ بعين الاعتبار هدفَي خفض انبعاثات غازات الدفيئة وتنويع الاقتصاد. وسيكون من الضروري تحديد بوضوح المستوى الذي ستبرز فيه الحاجة إلى التقنيات الأساسية، كالطاقة الشمسية الكهروضوئية وتقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، فضلاً عن توقيت هذه الحاجة والقطاع المعني والعمليات المستهدفة.

 

ويتيح ذلك تخطيطاً أكثر صلابة لنشر هذه التقنيات مستقبلاً، بالإضافة إلى تطوير البنى التحتية ذات الصلة، مثل خطوط نقل الطاقة وأنابيب ثاني أكسيد الكربون. علاوة على ذلك، ينبغي الاعتراف بأهميّة تقنيات كفاءة الطاقة والتغيرات السلوكية لدعم تحقيق هذين الهدفين: فهي لا تسهم في جعل تحقيق أهداف خفض انبعاثات غازات الدفيئة أكثر فعّالية من حيث التكلفة فحسب، بل ستُعزّز أيضاً قدرة الاقتصاد القطري التنافسية. أخيراً، ستشكّل التكنولوجيا النظيفة، ولا سيّما تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، عنصراً محورياً في جهود قطر للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، كما تمثّل مجالاً واعداً يمكن لقطر أن تُعزّز فيه ميزتها التنافسيّة. وعليه، ينبغي أن تُركّز سياسة قطر للتنويع الاقتصادي أيضاً وبشكلٍ قوي على الابتكار في مجالات التكنولوجيا النظيفة في قطاعات إستراتيجيّة، مثل تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.


الهوامش
1 World Bank Group, “GDP (current US$) – Qatar,” 2022, https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?locations=QA.
2 International Energy Agency (IEA), “World Energy Outlook 2024,” https://iea.blob.core.windows.net/assets/04f06925-a5f4-443d-8f1a-6daa31305aee/WorldEnergyOutlook2024.pdf.
3 State of Qatar General Secretariat for Development Planning, Qatar National Vision 2030, (Doha, Qatar: Planning and Statsitics Authority, July, 2008), 32, https://www.psa.gov.qa/en/qnv1/Documents/QNV2030_English_v2.pdf.
4 State of Qatar Ministry of Municipality and Environment (MME), Nationally Determined Contribution (NDC), (Doha, Qatar: MME, August, 2021), https://www.mme.gov.qa/pdocs/cview?siteID=2&docID=23348&year=2021.
5 State of Qatar Ministry of Environment and Climate Change, Khuttat Al-’mal Al-Wataniyya Liltaghayyur Al-Manakhi 2030 [Qatar National Climate Change Action Plan – 2030], (Doha, Qatar: MECC, September, 2021), https://cdn-website-prod.azureedge.net/static/wp-content/uploads/2022/09/NCCAP-Consolidated_digital-ar2.pdf.
6 State of Qatar Planning and Statistics Authority (PSA), Third Qatar National Development Strategy 2024-2030, [Doha, Qatar: PSA, January 10, 2024], https://www.psa.gov.qa/en/nds1/nds3/Documents/QNDS3_EN.pdf.
7 نظام TIMES (الاسم هو اختصار لـ The Integrated MARKAL-EFOM System) هو مولّد لنماذج المصادر المفتوحة يسمح ببناء نماذج غنيّة بالتكنولوجيا من الأسفل إلى الأعلى لأنظمة الطاقة المحلّية أو الوطنية أو المتعدّدة المناطق أو العالمية، وباستكشاف ديناميّاتها ضمن مهلة زمنية طويلة. يقدّم مستخدم النموذج تقديرات بشأن الطلب على خدمات الطاقة للاستخدام النهائي (مثل السفر بالسيارات على الطرق؛ والإضاءة السكنية؛ وشروط الحرارة في الصناعة؛ وغيرها)، بالإضافة إلى المخزونات الحالية من معدّات الطاقة في القطاعات كافة وخصائص التقنيّات الحاليّة والمستقبلية ومصادر الطاقة الأوليّة. من ثم، يحدّد النموذج كيفيّة تلبية خدمات الطاقة بأقل تكلفة إجمالية من خلال اتّخاذ قرارات بشأن استثمار معدّات الطاقة وتشغيلها ضمن المهلة الزمنية المعنية.
8 Richard Loulou, Documentation for the TIMES model, Part I. Energy Technology Systems Analysis Programme, Documentation (Paris, France: International Energy Agency, July, 2016), 9, https://iea-etsap.org/docs/Documentation_for_the_TIMES_Model-Part-I_July-2016.pdf.