على مدى العقدَين الماضيين، ازداد اعتماد الغاز الطبيعي كبديلٍ عن أنواع الوقود الأكثر كثافة في الكربون. وقد أدّى ذلك، مقروناً بانخفاض الأسعار والتطوّر التكنولوجي وتوسيع البنى التحتيّة، إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، بما فيه الغاز الطبيعي المسال. بالتالي، من المتوقّع أن تؤدّي هذه الأنواع من الوقود دوراً بارزاً في مستقبل أنظمة الطاقة العالمية. وفيما أشارت دراسات متعدّدة إلى الآثار السلبيّة المحتملة لزيادة استخدام الغاز الطبيعي، توحي الأدلّة بمعظمها بأنّ الغاز الطبيعي المسال يُنتج كميّة من انبعاثات غازات الدفيئة لكلّ وحدة من الطاقة أقل من تلك الصادرة عن أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، مثل الفحم والهيدروكربونات الثقيلة الأخرى.1
لقد استفادت قطر، كمُصدّر أساسي للغاز الطبيعي المسال، من الارتفاع العالمي في الطلب فشهدت زيادةً بمقدار عشرة أضعاف في الناتج المحلّي الإجمالي بين عامَي 2000 و2020.2 يُصدَّر القسم الأكبر من الغاز الطبيعي المسال القطري إلى آسيا، لا سيّما إلى كوريا الجنوبية واليابان والصين، حيث يسُتخدَم في الصناعة وتوليد الطاقة بشكلٍ رئيسي.3
يعرض هذا الفصل الاستنتاجات المستمدّة من تمرينٍ بحثي لتقدير التخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسبب استخدام الغاز الطبيعي المسال كبديلٍ عن أنواع الوقود الأكثر كثافة في الكربون في أسواق قطر للتصدير. وتُشير الاستنتاجات إلى أنّ الصادرات القطريّة من الغاز الطبيعي المسال عوّضت على الأرجح عن الانبعاثات العالميّة بمقدار 600 طن متري من ثاني أكسيد الكربون بين عامَي 2005 و2020، ما يوازي 40 في المئة من انبعاثات قطر الداخليّة في خلال الفترة نفسها. لكن فيما يُظهر ذلك إسهام الغاز الطبيعي المسال القطري على مرّ التاريخ في عمليّة إزالة الكربون العالمية، قد يبدو المستقبل مختلفاً. من الممكن أن يحدّ التحوّل العالمي عن الفحم في قطاعَي الطاقة والصناعة من قدرة الغاز الطبيعي المسال على التعويض عن الانبعاثات، إلّا أنّ قطر يمكنها مواصلة الإسهام في جهود إزالة الكربون العالمية بطرقٍ متعدّدة أخرى.
في العام 2019، بلغ إجمالي الانبعاثات القطريّة السنويّة من ثاني أكسيد الكربون 92 طن متري، وإجمالي انبعاثات غازات الدفيئة (الخط الأحمر المتّصل في الرسم البياني 1، اللوحة أ) 115 طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (MtCO2e). وتضاعفت انبعاثات قطر من ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة بين عامَي 2005 و2019، مع متوسّط نمو سنوي بنسبة 6,5 في المئة و6,3 في المئة على التوالي. تُعدّ نسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في قطر انبعاثات شاردة (غير مقصودة) من عمليّة إنتاج الغاز الطبيعي المسال. لكن بين عامَي 2005 و2019، انخفضت انبعاثات غازات الدفيئة القطرية غير ثاني أكسيد الكربون كنسبةٍ مئوية من الإجمالي من 22,5 في المئة إلى 19,9 في المئة بسبب المكاسب الناتجة عن زيادة الكفاءة وتماشياً مع التزامات شركة “قطر للطاقة” التابعة للدولة بخفض الانبعاثات من عمليّة إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
أطلقت قطر في العام 2023 “خطة العمل الوطنية لتغيّر المناخ”، التي تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول العام 2030. علاوة على ذلك، حدّثت شركة “قطر للطاقة” مؤخّراً إستراتيجيّتها للاستدامة، معزّزةً التزامها بتوفير غاز طبيعي مسال أنظف. تُحدّد الإستراتيجية عدداً من المبادرات الآيلة إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة، بما فيها نشر تقنيّة احتجاز الكربون لاحتجاز أكثر من 11 طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول العام 2035.4 والتزمت الشركة أيضاً بدفع التحوّل في مجال الطاقة قدماً من خلال توسيع قدرتها لإنتاج الغاز الطبيعي المسال لتبلغ 126 طن متري في السنة بحلول العام 2027،5 وأعلنت في مطلع العام 2024 عن خطط لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى 142 طن متري بحلول العام 2030.6 تُركّز الشركة على تحقيق صفر حرق روتيني بحلول العام 2030، من خلال الاستثمار في التقنيات وإجراءات الصيانة المبتكرة.
يُنسَب أكثر من 90 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة في قطر إلى استخدام الطاقة (لا سيّما من أجل التحكّم بالمناخ داخل المباني بسبب الطقس الحار للغاية) وقطاع الهيدروكربونات. سيؤثّر خفض انبعاثات غازات الدفيئة في سلسلة إمداد الغاز الطبيعي المسال في قطر على إجمالي الانبعاثات في البلاد بشكلٍ ملحوظ. وتُشير التقديرات إلى أنّ إنتاج الغاز الطبيعي المسال يستحوذ على نصف هذا الإجمالي تقريباً.7
يمكن الافتراض أنّ الغاز الطبيعي المسال القطري قد حلّ محلّ أنواع الوقود الأحفوري الأكثر كثافة في الكربون التي كان من المحتمل أن يستخدمها مستوردوها، مثل الفحم والنفط. يعرض هذا القسم، استناداً إلى البيانات التاريخية، سيناريوهات سابقة بهدف تقدير خفض انبعاثات غازات الدفيئة على الصعيد العالمي الذي يمكن أن يُعزى إلى زيادة استخدام الغاز الطبيعي المسال. ويتصوّر هذا الفصل سيناريويختفي فيه الغاز الطبيعي المسال القطري من مزيج الوقود العالمي بين عامي 2005 و2020 بهدف تقدير مساهمة صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال في تخفيضات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ثم يسأل عن كيفيّة إسهام هذه الصادرات في تخفيض هذه الابنعاثات في المستقبل، إن حصل ذلك. تتعدّد السيناريوهات المطروحة. في السيناريو الأول، يُستبدَل الغاز الطبيعي المسال في قطر بالفحم الذي يمثّل أعلى تفاوت ممكن عن الانبعاثات الفعليّة (الحد الأقصى، الرسم البياني 1، اللوحة ب)، بسبب كثافة الفحم الكربونية الأعلى بكثير مقارنة بالغاز الطبيعي المسال. وفي سيناريو ثانٍ، يُستبدَل الغاز الطبيعي المسال القطري بـأنواع أخرى من الوقود بما يتناسب مع حصّة قطر الحالية في مزيج الطاقة، بحيث يعكس ذلك الحدّ الأدنى من التخفيض المحتمل في الانبعاثات الناجمة عن صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال (الحدّ الأدنى، الرسم البياني 1، اللوحة ب). يفترض هذا السيناريو، القائم على مزيج الطاقة الحالي في أسواق تصدير الغاز الطبيعي المسال القطري، التخصيص الأكثر فعاليّة لمصادر الطاقة المختلفة بغية تلبية الطلب. قد يستدعي سيناريو آخر، حيث يُستبدَل الغاز الطبيعي المسال القطري بغاز طبيعي مسال من مُصدّرين آخرين، زيادةً سنوية بنسبة 75 في المئة في إنتاج دول مصدّرة أخرى. لذا لا يُنظر في هذا السيناريو هنا.
يُستنتَج السيناريو “الأكثر احتمالاً” من الحدَّين الأقصى والأدنى. بموجب هذا السيناريو، ما إذا كان الفحم يَستبدل الغاز الطبيعي المسال القطري (السيناريو 1) أم إذا كانت أنواع الوقود كافة تستبدله بصورةٍ تناسبيّة (السيناريو 2) يعتمد على حجم حصّة الفحم في مزيج الطاقة والزيادة في استخدام الفحم بالنسبة إلى النمو في إجمالي الاستهلاك. نتيجة لذلك، يقع التخفيض الأكثر ترجيحاً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناجمة عن صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال ما بين الحدّين الأقصى والأدنى. يُظهر الرسم البياني 2 خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وفقاً لهذا السيناريو (الخط الأزرق المتقطّع) بالنسبة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحليّة في قطر.
وفقاً لهذا السيناريو، توازي تخفيضات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناجمة عن صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال 40 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحلّية في القطر للعام 2005 (الرسم البياني 2)، وتبلغ ذروتها في العام 2011 بنسبة 90 في المئة، عندما كانت حصّة الفحم من مزيج الطاقة في أسواق التصدير ونسبة نمو استهلاك الفحم مرتفعتَين. ثم تتراجع التخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ تدريجي بعد العام 2011. بالتالي، بحلول العام 2019، يوازي خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال 36 في المئة من الانبعاثات السنوية المحلّية. بين عامَي 2005 و2020، يتوقّع هذا السيناريو خفضاً تراكمياً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بسبب صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال بمقدار 605 طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
بين عامَي 2005 و2011، يمكن أن يُعزى الارتفاع في التخفيضات إلى زيادة استهلاك الفحم على الصعيد العالمي، ما يعني أنّ زيادة استخدام الفحم الافتراضي تمّ تعويضها بصادرات الغاز الطبيعي المسال القطري. أمّا بعد العام 2011، فيمكن أن يُعزى تراجع التخفيضات، أكان مطلقاً أم بالنسبة إلى الانبعاثات المحلية، إلى عاملَين: تراجع استهلاك الفحم العالمي — وبالتالي انخفاض كميّة الفحم التي ينبغي استبدالها — وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحلية في قطر.
على أساس السيناريو “الأكثر ترجيحاً”، ستتراجع هذه التخفيضات على الأرجح ما بعد العام 2020 وحتى العام 2040. في حال سيناريو معتاد بالنسبة إلى انبعاثات قطر المحليّة بين العامين 2020 و2040، تتراجع التخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية كنسبةٍ مئوية من الانبعاثات المحلّية أسرع مما كانت عليه بين عامَي 2011 و2020. ويعود ذلك بشكلٍ رئيسي إلى الانخفاض المستمرّ في استهلاك الفحم عالمياً، الذي يبلغ في المتوسّط 5,2 في المئة سنوياً بين عامَي 2020 و2040. ويعني هذا الانخفاض أنّ صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال ستَستبدل على الأرجح التقنيات وأنواع الوقود الأقل كثافة في الكربون. بحلول العام 2040، ونظراً لزيادة اعتماد العالم على الطاقة المتجدّدة، من المرجّح أن تؤدّي صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية وليس إلى خفضها.
بالتالي، من أجل ضمان استمرار قطر في الإسهام في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من جهة والتعويض عن انبعاثاتها المحلّية من جهة ثانية، يمكن النظر في عددٍ من الخيارات. أولاً، من المهم إعطاء الأولوية لخفض الانبعاثات المحلّية من خلال إجراءات تتعلّق بكفاءة استخدام الطاقة بحيث تعزّز كفاءة استخدام الطاقة في المباني وتزيد التوعية العامة حيال هذه المسألة. ثانياً، يمكن أن تستهدف قطر قطاع النقل من خلال إصلاحات دعم الوقود الأحفوري والترويج للمركبات الكهربائية. ثالثاً، يمكن أن تفرض الحكومة لوائح تنظيمية على استيراد السلع والخدمات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأن تعتمد مبادئ الاقتصاد الدائري عبر قطاعات متعدّدة لتحفيز الاستهلاك والإنتاج بشكلٍ مستدام.
من شأن إستراتيجية أكثر استهدافاً للتصدير وضامنة لاستمرار دور الغاز الطبيعي المسال القطري في استبدال الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الكثيفة الكربون الأخرى في الأسواق التصديرية، أن تضمن أيضاً إسهام الغاز الطبيعي المسال بشكلٍ إيجابي في جهود إزالة الكربون العالمية. وقد يؤدّي التصدير إلى الدول ذات الحصّة الكبيرة من الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الكثيفة الكربون في مزيجها للطاقة، إلى زيادة قصوى في التأثير الصافي للغاز الطبيعي المسال على خفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. علاوة على ذلك، من شأن تنويع حافظة قطر المتعلّقة بخدمات الطاقة بحيث تشتمل على الطاقة المتجدّدة في الأسواق غير المستغَلّة سابقاً أن تساهم في النمو الأخضر في الخارج.
ينبغي على عددٍ من الدول النامية استيعاب حلول الطاقة اللامركزية، وهي قادرة على ذلك. خلافاً للهيدروكربونات، لا تعتمد الطاقة المتجدّدة كثيراً على نوعٍ محدّد من البنى التحتية. وفيما تفتقر الدول النامية بمعظمها إلى القدرة المالية على توسيع الشبكات القائمة لزيادة إمدادات الكهرباء، إنّ موقع قطر الفريد يخوّلها توسيع إمكانيات الوصول إلى الطاقة.
أخيراً، قد يؤدّي استكشاف أسواق جديدة، حيث يمكن أن يحلّ الغاز الطبيعي المسال القطري محلّ أنواع الوقود الأكثر كثافة للكربون، إلى إتاحة فرص تجارية في الوقت نفسه. إنّ عدداً من الدول النامية، لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تملك البنى التحتية الضرورية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال. على سبيل المثال، كانت غانا في العام 2021 أوّل دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى — والثانية في القارة بأكملها، بعد مصر في العام 2015 — تبدأ باستيراد الغاز الطبيعي المسال.8 ستستمرّ الدول النامية في الاعتماد على بنيتها التحتية القائمة التي صُمّمت على أساس أنواع الوقود الأحفوري الأكثر كثافة في الكربون، والتي لا تزال تلبّي احتياجاتها. على سبيل المثال، تعتمد دولٌ متعدّدة في أفريقيا الجنوبية على واردات الفحم من جنوب أفريقيا. قد يؤدّي تطوير البنى التحتية المتعلّقة بالغاز الطبيعي المسال في عددٍ من الدول النامية إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال وفي الوقت عينه إلى خفض الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري الأكثر كثافة في الكربون.
لطالما ساهم استبدال الفحم وغيره من أنواع الوقود الكثيفة الكربون بصادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. فبين عامَي 2005 و2020، بلغت هذه التخفيضات نحو 605 طن متري من ثاني أكسيد الكربون، ما يوازي أكثر من ثلاث سنوات من الانبعاثات في دولةٍ ذات دخل متوسّط مثل البيرو. غير أنّ هذه التخفيضات بلغت ذروتها حين كان الطلب على الفحم الأعلى في العام 2011 ثمّ انخفضت منذ ذلك الحين. من المرجّح أن يستمرّ هذا التراجع حتى العام 2040 في الوقت الذي يبتعد فيه العالم عن الفحم وغيره من الهيدروكربونات ويتّجه نحو تقنيّات وأنواع أنظف من الوقود. بالتالي، من غير المرجّح أن تزداد مجدّداً التخفيضات العالمية في الانبعاثات بسبب صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال.
من أجل ضمان استمرار مساهمات قطر في جهود خفض الكربون العالمية في المستقبل، يمكن النظر في مسارات متعدّدة. أولاً، يمكن خفض الانبعاثات المحلّية من خلال إجراءات لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وإصلاحات دعم الوقود الأحفوري، واعتماد مبادئ الاقتصاد الدائري. ثانياً، من شأن إستراتيجية تصدير تستهدف الدول ذات الحصّة الكبيرة من الفحم في مزيجها للطاقة، أن تضمن تأثيراً إيجابياً للغاز الطبيعي المسال في جهود إزالة الكربون العالمية. ثالثاً، يمكن أن يسهم الاستثمار في البنى التحتية المتعلّقة بالطاقة في أسواق جديدة للتصدير ذات آفاق مستقبلية للنمو، لا سيما في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الفقيرة بالطاقة، في دعم الانتقال من أنواع الوقود الكثيفة الكربون وتسهيل إمكانية وصول الشعوب الأقل حظاً إلى مصادر الطاقة.
الهوامش: