تحلية المياه في قطر لخفض انبعاثات الكربون

مارس 2025
زميلة بحوث، معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة
باحث مساعد أول - البحوث
20 مارس، 2025

المقدّمة

يتّسم قطاع تحلية المياه في قطر بكفاءة نسبيّة، كما وأنّ مرافق تحليّة المياه بمعظمها تندمج في محطّات الطاقة، مثل المحطّات الواقعة في راس أبو فنطاس (التي تُسمّى محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة أو “IWPPs”)، ما يحدّ من استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون بشكلٍ كبير عبر توجيه تصريف الحرارة الناتجة عن توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي نحو منشآت التقطير الومضي المتعدّد المراحل (MSF)2 أو التقطير المتعدّد التأثيرات (MED)،1 وكلاهما يستخدم العمليّات الحرارية.

 

يُسلّط هذا الفصل الضوء على قدرة قطر على خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن عمليّة تحلية المياه في الأمد القصير، والقضاء على كل الانبعاثات من تحلية المياه في المدى البعيد. ويساهم الاستثمار المبكر في تطوير تقنيات جديدة في تسريع التقدّم نحو تحقيق أهداف قطر البيئية بشكلٍ جذري 

 

في الأجل القصير، يمكن تعزيز الكفاءة في محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة من خلال تعديلات وتحسينات طفيفة في البنى التحتية الحالية. وينطبق ذلك أيضاً على العدد المتزايد لمرافق التناضح العكسي (RO) في قطر، التي تستخدم أحدث تقنيّات الترشيح والأغشية لتحلية الماء الأجاج3 ومياه البحر.

 

في الأجلين المتوسّط والطويل، وبينما يبدأ مزيج الطاقة في قطر بدمج تقنيّات الطاقة النظيفة التي لا تنتج حرارة كناتج ثانوي (مثل الألواح الشمسيّة الكهروضوئية وطاقة الرياح)، سيواجه قطاع المياه ضغوطاً لاعتماد طرق أنظف لتحلية المياه. سيتطلّب ذلك جهوداً مكثّفة في البحث والتطوير لضمان جدوى تقنيات التحلية النظيفة للاستخدامات واسعة النطاق.

 

ويمكن لقطر أن تستفيد من إستراتيجية طويلة الأمد لتكثيف الاستثمارات في البحث والتطوير في مجال تحلية المياه بشكلٍ جذري لضمان أمنها المائي في الأمد الطويل. ويشمل ذلك تحلية المياه بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين، بالإضافة إلى الاستثمار في بحوث البوليمرات، والأساليب المضادة للتكلّس والتلوّث، وحلول إدارة المحلول الملحي.

 

 

البنى التحتية لتحلية المياه في قطر

 

تُعدّ قطر دولة قاحلة وشحيحة الأمطار وذات مصادر محدودة للمياه العذبة. وقد استنزفت المياه الجوفية، التي كانت تشكّل في ما مضى المصدر الوحيد للمياه العذبة، إلى حدّ بعيد على مرّ السنين بسبب الإفراط في استخراجها، لا سيّما لأغراض الزراعة. علاوة على ذلك، يُعتبَر معدّل تجدّد المياه الجوفيّة الطبيعية بطيئاً نسبياً بسبب قلّة الأمطار وارتفاع معدّل التبخّر.4 بدأت قطر في العام 1955 بتحلية مياه البحر بهدف تلبية الطلب المتزايد. أمّا اليوم، فيُلبّى الطلب على المياه البلدية في قطر بنسبة 99 في المئة تقريباً عن طريق تحلية المياه.5

 

تعتمد تحلية المياه في قطر بشكلٍ رئيسي على التكنولوجيا الحرارية، بما في ذلك التقطير الومضي المتعدّد المراحل والتقطير المتعدّد التأثيرات. شكّلت التحلية الحرارية الطريقة المفضّلة في بادئ الأمر، بسبب توفّر الوقود المنخفض التكلفة وتناسبها مع مياه التغذية الشديدة الملوحة في الخليج. أُدخلت العمليّات القائمة على الأغشية6 على غرار التناضح العكسي7 في منتصف العقد 2010 بعد تشغيل “محطة رأس أبو فنطاس A3” لتحلية المياه. واكتسبت تقنيّة التناضح العكسي زخماً بفضل محدودية تكاليفها الرأسمالية وكمية استهلاكها للطاقة ودرجة حرارة المحلول الملحي المنخفضة، وارتفاع معدّلات الاسترجاع بشكلٍ عام، ما يؤدّي إلى خفض مخرجات8 المحلول الملحي.9

 

تُطلق تحلية المياه باستخدام الوقود الأحفوري ثاني أكسيد الكربون ما بين 4,7 و18,2 مرة أكثر من عمليات معالجة المياه السطحية التقليدية لإنتاج كميّة معيّنة من المياه الصالحة للشرب. وقد أظهرت داراسات تقييم دورة الحياة أنّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النظام الومضي المتعدّد المراحل والمتعدّد التأثيرات والتناضح العكسي تتراوح بين 9,41-25، و7,01-17,6 و1,75-2,79 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون لكلّ متر مكعّب من المياه المحلّاة على التوالي. وتختلف هذه الأرقام بشكلٍ كبير بحسب مصدر الطاقة ونوع الوقود وملوحة المياه والتقنيات المُستخدَمة في عملية تحلية المياه. ويطلق التناضح العكسي ما بين ربع وثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن التقطير الومضي المتعدّد المراحل والتقطير المتعدّد التأثيرات.10

 

تُقدّر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تحلية المياه بالتقطير الومضي المتعدّد المراحل والتقطير المتعدّد التأثيرات في قطر بأقل من المعدّلات العالمية. ويُعزى ذلك جزئياً إلى استخدام الغاز الطبيعي الذي يطلق كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون عند الاستخدام النهائي، لكلّ وحدة من الطاقة المولّدة، من أنواع الوقود الأخرى مثل الفحم. غير أنّ الاستخدام المكثّف لتوليد الطاقة المشترك، الذي يستغلّ الحرارة المتبقية من العمليّات الصناعية الأخرى، يشكّل السبب الرئيسي وراء هذه الكمية الأقل من الانبعاثات. في حالة قطر، تستخدم محطات تحلية المياه الواسعة النطاق البخارَ المنخفض الضغط من محطات الطاقة القريبة، ما يجعل من عملية تحلية المياه نتاجاً ثانوياً لتوليد الطاقة. وأشارت دراسة حول تقييم دورة الحياة أُجريت على ثلاث محطّات مختلفة للتقطير الومضي المتعدّد المراحل في قطر استخدمت توليد الطاقة المشترك، إلى أنّ الانبعاثات تراوحت بين 7,32 و12,6 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون لكلّ متر مكعّب، أي بنسبة تراوحت بين 22,2 و49,6 في المئة أقل من القيم العامة المبلغ عنها.11

 

تؤكّد إستراتيجيّة التنمية الوطنية الثالثة لقطر التزامها باستخدام التناضح العكسي لتحلية المياه من أجل الحدّ من البصمة الكربونية للبلاد.12 وقد وسّعت قطر مرافق التناضح العكسي بشكلٍ ملحوظ على مدى العقد ونصف العقد السابق. وفي حين أنّ عمليات التناضح العكسي هي أقل استهلاكاً للطاقة، إذ تستلزم ما بين 16 و20 في المئة فقط من الطاقة للتشغيل، لا تزال التحلية الحرارية تقنيّة قابلة للتطبيق في قطر.13 ويعود ذلك بشكلٍ رئيسي إلى أنّ تقنيات التحلية الحرارية أكثر موثوقيّة من غيرها في معالجة مياه البحر ذات الملوحة العالية14 والعكارة المرتفعة15 والجودة المنخفضة ودرجات الحرارة المرتفعة. علاوة على ذلك، تستلزم محطات التحلية الحرارية حدّاً أدنى من المعالجة الأوّلية واللاحقة للمدّ الأحمر16 مقارنة بتقنيّة التناضح العكسي.17

 

نظراً لمزايا التقنيّتين الغشائية والحرارية وعيوبهما المتعدّدة، قد تشكّل التكوينات الهجينة من حرارية وغشائية خياراً مستداماً للحدّ من انبعاثات الكربون وتكاليف تشغيل الطاقة. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع معدّلات الاسترجاع ونوعيّة مياه الصرف، ما يحدّ من الضغط على استهلاك الطاقة وتكاليف الإنتاج والتكلّس والتلوث.18 وتجسّد “أم الحول للطاقة”، وهي محطّة للكهرباء وتحلية المياه في قطر، مثالاً على نظام التحلية الهجين الذي يدمج بين تقنّيتي التقطير الومضي المتعدّد المراحل والتناضح العكسي، على الرغم من أنّ المصانع تعمل بشكلٍ مستقل.

 

 

تحلية المياه والحدّ من انبعاثات الكربون في الأجل القصير

 

فيما أطلقت قطر مبادرات متعدّدة لتحقيق أهدافها لإزالة الكربون، يمكن أن تسهم بعض الفرص القصيرة الأجل في قطاع تحلية المياه في تسريع خفض الانبعاثات على المدى الطويل:

 

تعزيز المحافظة على المياه وإدارة الطلب

 

تتمثّل إحدى الخطوات قصيرة الأجل في تعزيز ترشيد استهلاك المياه وإدارة الطلب. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ تدابير شاملة للحفاظ على المياه، سواءً في مراحل الإنتاج أو الاستهلاك، بهدف تقليل استخدام الطاقة والانبعاثات الكربونية المصاحِبة. على سبيل المثال، قد تشمل السياسات والمبادرات الهادفة إلى الحفاظ على المياه توعية الجمهور بأهمية ترشيد استهلاكها وفرض عقوبات على الاستخدام المفرط.

 

علاوة على ذلك، وكجزء من مبادرات المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء “كهرماء” للحد من فقدان المياه المحلاة، يمكن لقطر تحسين بنيتها التحتية للتوزيع. في أكتوبر 2024، أعلن مجلس الوزراء في قطر عن إدماج “اللائحة الفنية الخليجية لأدوات الحفاظ على استهلاك المياه” التي وضعتها هيئة التقييس لدول مجلس التعاون الخليجي، في التشريعات القطرية. وتهدف اللائحة إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه عن طريق وضع معايير لمنتجات توفير المياه وتقليل التسريبات. وترمي أيضاً إلى خفض استهلاك الفرد للمياه وزيادة المنافسة بين مورّدي تقنيات توفير المياه والأدوات العالية الجودة.19

 

دعم البحوث المتعلّقة بتحلية المياه

 

تتمثّل طريقة أخرى لتعزيز الكفاءة التكنولوجية في الأجل القصير بزيادة التمويل للبحوث والدراسات التجريبية المتعلّقة بتحلية المياه، عبر الاستفادة من استثمارات قطر الحالية في البحوث الأساسية والتطبيقية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تسريع الشراكات بين المؤسّسات البحثية والقطاع، على غرار التعاون لفترة عشرين عاماً بين معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI) شركة الكهرباء والماء القطرية (QEWC) لإنشاء مصنع تجريبي للتقطير المتعدّد التأثيرات بتقنية الامتصاص (MED-AB) في قطر. وهذه التقنية هي حلّ مبتكر لتحلية المياه طوّرها معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة من أجل الحدّ من استهلاك الطاقة وتكاليف إنتاج المياه. وتتمتّع المحطة التجريبية التي أُنشئت في مدينة دُخان (غرب قطر) بطاقة إنتاج اسميّة قدرها 25 متر مكعب في اليوم. ويمكن لهذه المحطة التجريبية تحلية مياه البحر العالية التركيز بقدر يصل إلى 57,500 جزء في المليون، وهو أعلى بكثير من متوسّط ملوحة المحيطات (من 33 ألف إلى 37 ألف جزء في المليون).20

 

وتتمثّل إحدى الطرق لتوفير التكاليف وتخفيضها من خلال التعاون مع الدول الخليجية المجاورة التي تواجه ظروفاً مناخية مشابهة لإجراء بحوث حول تقنيات تحلية المياه. ومن الأمثلة على تقنية قابلة للتكرار، محطة العُيينة السعودية لتحلية المياه بالامتصاص والتي تعتمد على التبريد باستخدام الامتصاص البلوري على نطاق صناعي، وقد أسهمت في تقليص انبعاثات المملكة من ثاني أكسيد الكربون بمقدار 3,7 مليون طن سنوياً.21 و نظراً لأزمة المناخ والحاجة الملحّة للحدّ من البصمات الكربونية، من المهم دعم مثل هذه البحوث ودمج الطاقة المتجدّدة في عملية تحلية المياه.

 

إنشاء مركز وطني للابتكار في مجال تحلية المياه

 

يتمثّل هدف آخر قابل للتحقيق في الأجل القصير بإنشاء مركز وطني للابتكار في مجال تحلية المياه الذي قد يكون بمثابة مرفق مركزي حيث يمكن للباحثين والخبراء وصنّاع القرار في مجال تحلية المياه التعاون في إنشاء مشاريع مبتكرة. وقد يشمل ذلك عقد مؤتمرات وورش عمل منتظمة بهدف تبادل المعارف وتشجيع الابتكار. ومن أجل تحفيز البحوث المحلّية والإقليمية، يمكن أن يمنح هذا المركز جائزة بحثية دولية في مجال تحلية المياه على غرار “جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه” التي تمنحها المملكة العربية السعودية.22 من شأن ذلك أن يُحفّز الابتكار والتعاون مع الباحثين المحلّيين والإقليميين، بما يتماشى مع أهداف قطر للاستدامة.

 

 

في الأجلين المتوسّط والطويل: الحاجة إلى إستراتيجيّة وطنية قطرية لتحلية المياه للفترة بين عامَي 2025 و2060

 

من شأن إستراتيجية وطنية لتحلية المياه أن تقود القطاعات العامة والخاصة وغير الحكومية في قطر نحو تقليل الانبعاثات والتكاليف على مدى 30-35 سنة قادمة. يمكن لهذه الإستراتيجية أن ترسم معالم السياسات والبحوث والاستثمارات المستقبلية في مجال التحلية، بشرط أن تتم مراقبة التقدّم بشكل دوري وتقييمه، وأن يتم تحديث أهدافها بانتظام. يمكن أن تكون الإستراتيجية موجّهة نحو ضمان الانتقال السلس إلى الجيل القادم من تقنيات التحلية في قطر، وتحويل قطر إلى رائدة عالمية في مجال البحث في تحلية المياه.

 

تُخصّص السنوات الخمسة والعشرون الأولى من هذه الإستراتيجية الوطنية لتحلية المياه للفترة بين عامي 2025 و2060 للبحث والتطوير في حين تُخصّص السنوات العشرة التالية لنشر التقنيات المطوّرة حديثاً في مجال تحلية المياه على نطاقٍ واسع بهدف استبدال البنى التحتية القديمة أو تحديثها.

 

تقدّم خطط قطر لتنويع مزيجها من الطاقة في العقود القادمة فرصةً لقطاع المياه.23 يمثّل توليد الكهرباء الحرارية بالهيدروكربونات حالياً 90 في المئة من قدرة البلاد الإجمالية.24 وبحلول العام 2030، ستمثّل مصادر الطاقة غير الحرارية الأساسية والنظيفة 18 في المئة من الإجمالي،25 ما يعني أنّ حصة الكهرباء الحرارية ستنخفض إلى 82 في المئة. تشكّل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة، مصادر بديلة محتملة للطاقة لمرافق التحلية من أجل استبدال الغاز الطبيعي.

 

غير أنّ زيادة حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من مزيج الطاقة في قطر قد تؤدّي إلى خفض انبعاثات الحرارة الناتجة عن محطات الطاقة التي تستخدم الغاز الطبيعي والتي تعتمد عليها مرافق تحلية المياه التي تلجأ إلى التقطير الومضي المتعدّد المراحل والتقطير المتعدّد التأثيرات. وتعطي إستراتيجية تحلية المياه المقترحة الأولوية للبحوث الآيلة إلى معالجة هذه المسألة.

 

خلافاً للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يُطلق توليد الطاقة الهيدروجينية كميّة معيّنة من الحرارة (التي تختلف بحسب العمليّة)، ما يجعله بديلاً محتملاً للغاز الطبيعي في محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة في قطر.26 وتُظهر الدراسات الحديثة أنّه من الممكن تكييف محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة الحالية التي تعمل على الغاز الطبيعي بحيث تستخدم الهيدروجين، علماً أنّ هذا التصوّر يتطلّب البحث والتطوير على نطاقٍ واسع.27 في هذه الحالة، تؤدّي إستراتيجية تحلية المياه المقترحة دوراً رئيسياً في تحفيز البحوث حول تحلية المياه بالطاقة الهيدروجينية، مع إعطاء الأولوية للطاقة الشمسية والرياح والحلول المنخفضة الكربون الأخرى. وقد تكون قطر رائدة في هذا المجال وتستفيد من الملكية الفكرية المكتسبة من خلال البحث والتطوير، ما يخلق عندئذ مصادر جديدة لمداخيل الصادرات. ويكمن مجال محتمل آخر للنمو في تطوير مرافق إنتاج الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه المتكاملة، بما أنّ الهيدروجين يُنتَج بفعالية أكبر عن طريق استخدام المياه المقطّرة.28

 

بالإضافة إلى الطاقة، يواجه قطاع تحلية المياه في قطر قضايا أخرى ذات أولوية، ألا وهي البحوث حول البوليمرات29 وطرق مكافحة التكلّس/التلوّث30 وإدارة استخراج المحلول الملحي.31 يشرح الرسم البياني 2 كيف يمكن إدماج هذه المسائل في إستراتيجية تحلية المياه وكيف يمكنها زيادة الكفاءة وتمديد عمر الآلات الثقيلة في مرافق تحلية المياه وتأمين مصادر معدنية ومصادر دخل.

 

 

 

 

بهدف تحقيق الأهداف الطموحة لإستراتيجية تحلية المياه، ستكون الاستثمارات العامة والخاصة ضرورية لتعزيز قاعدة البحث والتطوير وتوسيعها في قطر، ما يتطلّب زيادة تمويل مؤسّسات البحوث الحالية، التي تشمل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI)، ومركز المواد المتقّدمة التابع لجامعة قطر، والمنظمة الخليجية للبحث والتطوير (GORD). وبإمكان مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار (QRDI) تخصيص تمويل للمِنَح بهدف تسريع البحوث حول تحلية المياه بالطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين. صحيح أنّ قطر تتمتّع بميزة تفضيليّة في قطاع تحلية المياه بفضل خبرتها على مدى عقود وقوّتها العاملة الماهرة نسبياً في هذا القطاع، لكنّ الاستثمار المتواصل ضروري لضمان قدرتها التنافسيّة في الأمد الطويل.

 

قد تستدعي إستراتيجية تحلية المياه التنسيقَ بين هيئات حكومية متعدّدة، كما هو مقترَح في الرسم البياني 3. ويكون مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار مسؤولاً عن برامج تمويل المنح للبحث والتطوير في المجالات ذات الأولوية كافة، وعن إنشاء مركز وطني للابتكار في مجال تحلية المياه، وإطلاق الجوائز البحثية لجذب المواهب العالمية. من جهتها، ستمثّل شركة “كهرماء”، بصفتها المؤسّسة العامة القطرية للكهرباء والماء، الجهة الخبيرة المعنيّة الأساسيّة في هذا القطاع. كما وتمثّل وزارة البيئة والتغير المناخي القطرية و”قطر للطاقة” الجهتَين المعنيّتَين الرئيسيّتَين بفعل دورهما المركزي في تحوّل قطر في مجال الطاقة. وأخيراً، نقترح إنشاء لجنة وطنية لتحلية المياه تكون مسؤولة، بالتعاون الوثيق مع المجلس الوطني للتخطيط (NPC)، عن صياغة الإستراتيجية والتنسيق بين الجهات المعنيّة.

 

 

 

 

يمكن أن تؤدّي مؤسّسات البحوث العلمية والمتعلّقة بالسياسات، مثل المنظمة الخليجية للبحث والتطوير (GORD) ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة (QEERI) ومركز المواد المتقّدمة التابع لجامعة قطر، و”إرثنا: مركز لمستقبل مستدام” دوراً في إجراء الاستشارات ودعم تطوير السياسات. وقد يكون انخراطها في مرحلة صياغة الإستراتيجية حيوياً نظراً لاحتمال تلقّيها المِنح. في المقابل، تخضع التقنيات أو الطُرق الجديدة المُطوَّرة عبر برامج البحث والتطوير التي يُموّلها مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار (QRDI) لدراسة جدوى. في حال اتّضح أنّ أحد مشاريع البحث والتطوير واعدٌ، يمكن عندئذ أن تُحدّد شركة الكهرباء والماء القطرية (و/أو ذراعها الاستثماري الخارجي، “نبراس للطاقة”) ما إذا يجب إطلاق برنامج تجريبي لاستكشاف فرص تعزيز هذه التقنية و/أو استغلالها لأسواق تحلية المياه المحلّية والتصديرية. على سبيل المثال، إنّ الحاجة المتنامية للمياه وإمكانات الطاقة الشمسية العالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تتلقّى بين 22 و26 في المئة من إجمالي الطاقة الشمسية للأرض، تجعلها سوقاً مثالية لصادرات تكنولوجيا تحلية المياه بالطاقة الشمسية.32 أمّا في ما يتعلّق بالمرافق المتكاملة لتحلية المياه وإنتاج الهيدروجين الأخضر، فقد تتجّه قطر نحو سوق شرق آسيا حيث يزداد الطلب على الطاقة الهيدروجينية.33 ويمكن أيضاً نشر تقنيات إدارة المحلول الملحي بالرياح لدعم العملاء الذين يرغبون في الحدّ من نفايات المحلول الملحي أو استعادة المعادن القيّمة من مياه البحر.34

 

وبإمكان القطاع الخاص أيضاً الاضطلاع بدورٍ رئيسي في البحث والتطوير واختبار التقنيات الجديدة. وقد تتنافس الشركات في قطر، عن طريق الاستثمارات الخاصة، على المناقصات التي تطرحها شركة كهرماء لبناء محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة والمنخفضة الانبعاثات باستخدام تقنيات تحلية المياه الجديدة المعتمدة على الطاقة الشمسية والرياح أو الهيدروجين، ما يساهم في تقليل المخاطر ويشجّع على مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال. وقد اختبرت قطر سابقاً محطّات المياه والطاقة المستقلّة/المتكاملة التي تديرها الشركات الخاصة، والتي أثبتت قدرتها على النجاح بتكاليف أقل.35 يمكن لقطر أن تُركّز على تطوير برامج تشجّع الشركات المحلّية على المشاركة في الدراسات التجريبية ودعمها، بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية للكيانات للتعاون مع المؤسّسات البحثية واستخدام التقنيات أو العمليات التي تحدّ من انبعاثات الكربون.

 

بهدف مراقبة التقدّم المُحرز وتقييمه والبناء عليه في تحقيق الأهداف المحدّدة في إستراتيجية تحلية المياه، تتولّى اللجنة الوطنية لتحلية المياه (من الأفضل أن يكون مقرّها داخل المجلس الوطني للتخطيط) مسؤولية عقد اجتماعات مع المعنيّين، وبلورة جهود المراقبة والتقييم الدورية وإدارتها، وتلخيص أحدث النتائج والأدلّة المستخلَصة من البحث والتطوير والتنفيذ.

 

 

الخاتمة

قد يفتح الاستثمار في البحث والتطوير في مجال تحلية المياه مسارات جديدة أمام قطر في سعيها إلى تعزيز الكفاءة والحدّ من انبعاثات التحلية. هذا يعني في الأجل القصير إيجاد حلول لإدارة الطلب وتحفيز مشاركة القطاع الخاص من أجل زيادة المنافسة وتطوير الخبرات. أمّا في الأجلين المتوسّط والطويل، فيُمكن أن تستفيد قطر كثيراً من تطوير إستراتيجيةٍ طموحة ومتماسكة لتحلية المياه التي تُساهم في تحديد أولويات البحث والتطوير وفي ترشيد الاختبار التجريبي للتقنيّات الجديدة ونشرها.

 

وسيتطلّب ذلك إنشاء مركز للابتكار في مجال تحلية المياه من أجل توسيع قاعدة البحوث في البلاد. تتمتّع قطر بميزة تفضيليّة في هذا المجال بفضل خبرتها على مدى عقود في هذا القطاع. وفي إطار إستراتيجية شاملة وهادفة، يمكن أن يولّد قطاع تحلية المياه مصادر جديدة من الإيرادات، ويستفيد من سوق الطاقة الهيدروجينية الناشئ، ويدعم جهود التحلية بالطاقة الشمسية على الصعيد العالمي، ما يساهم في الحدّ من الانبعاثات الناجمة عن تحلية المياه ويخلق فرصاً تصديريّة جديدة للشركات القطرية.

 

 


الهوامش:

1 التقطير الومضي المتعدّد المراحل (MSF): عملية تحلية حرارية بتقطير مياه البحر عن طريق “ومض” الماء، أي تبخيره ثم تقليل الضغط عليه بسرعة، ومن ثم تكثيف البخار إلى ماء مقطّر على مراحل متعدّدة.
2 التقطير المتعدّد التأثيرات (MED): عملية تحلية حرارية حيث تُسخَّن مياه البحر إلى درجات حرارة منخفضة (أقل من 70 درجة مئوية) عن طريق رشّها على أنابيب تحتوي على بخار، ثم يُجمَع الماء المتبخّر في أنابيب لتسخين المياه الداخلة في المرحلة التالية أو “التأثير” التالي.
3 الماء الأجاج: مياه تحدث بشكل طبيعي وتحتوي على مستوى ملوحة يتراوح بين المياه العذبة والمياه البحرية.
4 Yasir Elginaid Mohieldeen, Elnaiem Ali Elobaid, and Rifaat Abdalla, “GIS-based framework for artificial aquifer recharge to secure sustainable strategic water reserves in Qatar arid environment peninsula,” Scientific Reports 11, no.1 (September 2021), https://doi.org/10.1038/s41598-021-97593-w.
5 Mehzabeen Mannan, Mohamed Alhaj, Abdel Nasser Mabrouk, and Sami G. Al-Ghamdi, “Examining the life-cycle environmental impacts of desalination: A case study in the State of Qatar,” Desalination 452 (February 2019): 238-246, https://doi.org/10.1016/j.desal.2018.11.017.
6 العمليات القائمة على الأغشية: تقنيات معالجة المياه أو تحليتها باستخدام أغشية شبه نفاذة لفصل الأملاح والمعادن الذائبة عن الماء. وتشمل الأمثلة على ذلك التناضح العكسي والترشيح النانوي والتحليل الكهربائي.
7 التناضح العكسي: عمليّة لمعالجة المياه بحيث تدخل مياه التغذية إلى غشاء شبه نفاذ تحت ضغط أعلى من الضغط الأسموزي، لفصل الأملاح والمعادن الذائبة.
8 Aref Shokri and Mahdi Sanavi Fard, “Techno-economic assessment of water desalination: Future outlooks and challenges,” Process Safety and Environmental Protection 169 (January 2023): 564–578, https://doi.org/10.1016/j.psep.2022.11.007.
9 المحلول الملحي: النتاج الثانوي للتحلية؛ مياه شديدة الملوحة تحتوي على الأملاح التي فُصلت عن المياه المحلّاة. وهي أكثر تركيزاً في الأملاح مقارنةً بمياه التغذية.
10 Huyen Trang Do Thi and András József Tóth, “Investigation of Carbon Footprints of Three Desalination Technologies: Reverse Osmosis (RO), Multi-Stage Flash Distillation (MSF), and Multi-Effect Distillation (MED),” Periodica Polytechnica Chemical Engineering 67, no.1 (February 2023): 1-8, https://doi.org/10.3311/PPch.20901.
11 Muhammad Mannan et al., “Examining the Life-Cycle Environmental Impacts of Desalination: A Case Study in the State of Qatar,” Desalination 452 (2019): 238, https://doi.org/10.1016/j.desal.2018.11.017.
12 Planning and Statistics Authority, Third Qatar National Development Strategy (2024-2030), (Doha, Qatar: National Planning Council, 2024), https://www.npc.qa/en/planning/nds3/Documents/QNDS3_EN.pdf.
13 Gemma Raluy, Luis Serra, and Javier Uche, “Life cycle assessment of MSF, MED and RO desalination technologies,” Energy 31, no. 13 (October 2006): 2361-2372, https://doi.org/10.1016/j.energy.2006.02.005.
14 الملوحة: كمية الأملاح الذائبة في المياه، عادة ما تُقاس بوحدات الأجزاء لكل ألف (ppt) أو غرام من الملح لكل لتر (غ/ل) من الماء.
15 العكارة: الغمامة أو الضبابية في السائل، عادة بسبب وجود جزيئات معلقة تجعل المياه تبدو أقل شفافية.
16 المدّ الأحمر: ازدهار ضار للطحالب حيث تتكاثر أنواع معينة من الطحالب، مثل الدينوفلاجيلات، في المياه الساحلية، ما يؤدّي إلى تغيّر لون المياه وإفراز السموم التي من الممكن أن تضرّ بالحياة البحرية وبصحة الإنسان.
17 Mannan et al., “Examining the Life-Cycle Environmental Impacts,” p. 239.
18 Huyen Trang Do Thi and András József Tóth, “Investigation of Carbon Footprints of Three Desalination Technologies: Reverse Osmosis (RO), Multi-Stage Flash Distillation (MSF), and Multi-Effect Distillation (MED),” Periodica Polytechnica Chemical Engineering 67, no.1 (February 2023): 43, https://doi.org/10.3311/PPch.20901.
19 “Gulf Technical Regulation to enhance sustainability of Qatar water resources,” The Peninsula, October 18, 2024, https://thepeninsulaqatar.com/article/18/10/2024/gulf-technical-regulation-to-enhance-sustainability-of-qatar-water-resources.
20 Shahzada Aly, Jasir Jawad, Husnain Manzoor, Simjo Simson, Jenny Lawler, and Abdel Nasser Mabrouk, “Pilot testing of a novel integrated Multi Effect Distillation-Absorber compressor (MED-AB) technology for high performance seawater desalination,” Desalination 521 (January 2022), https://doi.org/10.1016/j.desal.2021.115388.
21 “Adsorption Desalination Plant,” Saudipedia, accessed January 19, 2025, https://saudipedia.com/en/article/866/government-and-politics/water-and-agriculture/adsorption-desalination-plant.
22 “About GPID,” Global Prize for Innovation in Water Desalination, accessed January 12, 2025, https://gpid.net/.
23 Qatar General Electricity & Water Corporation (Kahramaa), Qatar National Renewable Energy Strategy, (Doha, Qatar: Kahramaa, August 28, 2024), 13, https://km.qa/RenewableEnergy/Documents/QNRES_Strategy_EN.pdfhttps://km.qa/RenewableEnergy/Documents/QNRES_Strategy_EN.pdf.
24 Kahramaa, Qatar National Renewable Energy Strategy, 21.
25 Ibid.
26 Olivia Bolt, “Hydrogen Energy: Working and Uses,” Energy Theory, March 4, 2024, https://energytheory.com/hydrogen-energy-work/.
27 Du Wen, Po-Chih Kuo, and Muhammad Aziz, “Novel renewable seawater desalination system using hydrogen as energy carrier for self-sustaining community,” Desalination 579 (June 2024): 117475, https://doi.org/10.1016/j.desal.2024.117475.
28 Hani Tohme et. al., Green H2 as new growth pocket for desalination – Once it takes off at scale, Article, (Dubai, UAE: Roland Berger, 2023), 7-10, https://www.rolandberger.com/publications/publication_pdf/Green-H2-as-new-growth-pocket-for-desalination.pdf.
29 Christopher M. Fellows, “What does the seawater desalination industry need from polymer scientists?”, Polymer International 74, no.2 (February 2025), 87-94, https://doi.org/10.1002/pi.6721.
30 Thomas Horseman et. al, “Wetting, Scaling, and Fouling in Membrane Distillation: State-of-the-Art Insights on Fundamental Mechanisms and Mitigation Strategies,” ACS ES&T Engineering 1, no.1 (October 2020), https://www.researchgate.net/publication/346044457_Wetting_Scaling_and_Fouling_in_Membrane_Distillation_State-of-the-Art_Insights_on_Fundamental_Mechanisms_and_Mitigation_Strategies.
31 Tomer Erfat, “From Sustainable to Self-Sustained: The Future of Seawater Desalination Merges Sustainability with Profitability,” IDE Technologies, September 5, 2023, https://ide-tech.com/en/blog/from-sustainable-to-self-sustained-the-future-of-seawater-desalination-merges-sustainability-with-profitability/.
32 World Bank, Renewable Energy Desalination: An Emerging Solution to Close the Water Gap in the Middle East and North Africa, (Washington, DC: World Bank, 2012), 81-84, https://www.doi.org/10.1596/978-0-8213-8838-9.
33 Karthik Kumar, “Green Hydrogen in Asia: A Brief Survey of Existing Programmes and Projects,” Orrick, July 26, 2023, https://www.orrick.com/en/Insights/2023/07/Green-Hydrogen-in-Asia-A-Brief-Survey-of-Existing-Programmes-and-Projects.
34 Shefaa Mansour, Hassan A. Arafat, and Shadi W. Hasan, “Brine Management in Desalination Plants,” in Desalination Sustainability: A Technical, Socioeconomic, and Environmental Approach, wd/ Hassan Arafat (Amsterdam, Netherlands: Elsevier, 2017), 220-221.
35 Qatar Electricity and Water Company (QEWC), Annual Report 2023, (Doha, Qatar: QEWC, March 2024), 14, https://www.qewc.com/qewc/en/download/annual-reports-year-2023/.