غالباً ما شكّلت منطقة البحر المتوسّط مساحةً متنازَعاً عليها تأثّرت بسقوط الإمبراطورية العثمانية وبنهاية الإمبراطوريات الأوروبية في شمال أفريقيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.1 وقد تبدّلت المصالح الأمريكيّة في الشرق الأوسط على مرّ الزمن وتمثّلت بأهداف متواضعة نسبياً: الحفاظ على إمدادات الطاقة؛ والتصدّي لانتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب والتعاون الاستخباراتي، فضلاً عن دعم الحلفاء الأساسيين مثل إسرائيل، بما في ذلك الالتزام باتفاقية كامب ديفيد والمنافسة مع القوى العظمى الأخرى. وقد دعمت الولايات المتّحدة كذلك حلّ الدولتين على مدى عقود، غير أنّ مايك هاكابي، الذي اختاره الرئيس ترامب لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل، كان قد أيّد في السابق “حلّ الدولة الواحدة”.2
منذ إعادة التوجّه الإستراتيجي الذي اعتمدته واشنطن نحو روسيا والصين في العام 2017، احتلّت الحرب في أوكرانيا والمنافسة مع الصين أولوية أكبر في السياسة الخارجية الأمريكية مقارنة بأمن شرق المتوسّط. واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. واصلت إدارة بايدن العمل بشكلٍ وثيق مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الائتلافية في خلال حملات إسرائيل العسكرية في غزة ولبنان وغيرهما، لا سيّما في نشر المزيد من القوات الأمريكية في المنطقة.3 قوّضت الحرب على غزة بشكلٍ جذري اتفاقات أبراهام التي ارتكزت على تطبيع عددٍ أكبر من الدول العربية مع إسرائيل. غير أنّ مجموعة من الاتجاهات والقضايا الأخرى انعكست على مشاريع الطاقة في المنطقة. على سبيل المثال، تراجعت الولايات المتحدة عن دعمها الأوّلي لمشروع خط أنابيب “إيست ميد” المخصّص لنقل الغاز من مصر وإسرائيل إلى قبرص واليونان ومن ثمّ إلى باقي أوروبا لأسباب اقتصادية وتجارية (بما أنّ خط الأنابيب يتجاوز تركيا وبالتالي يؤجّج التوتّرات الجيوسياسية)، فضلاً عن الاعتبارات البيئيّة في ظلّ التوجّه الحالي نحو مشاريع الطاقة الخضراء.4 وفي هذا السياق، قد يفتح منتدى الطاقة في شرق المتوسط آفاقاً جديدة للتعاون في قطاع الطاقة، خصوصاً مع إمكانية توسيع نطاقه ليشمل مصادر طاقة آخرى. غير أنّ ذلك يبقى رهناً بإنهاء الحرب في غزة.5
يُركّز هذا الفصل بشكلٍ أساسي على انخراط الولايات المتّحدة المعاصر في شرق المتوسط، الذي يشمل قبرص ومصر واليونان وإسرائيل والأراضي الفلسطينية ولبنان وليبيا وسوريا وتركيا، حيث ساهمت حالة الصراعات وتفكّك الدولة في تسهيل بعض جهود التهدئة، بالإضافة إلى دعوات محلّية لانخراط قوى خارجية بديلة، بما فيها روسيا والصين.
غالباً ما تركّزت المساعدات الثنائية الأمريكية على دولتَين إقليميّتَين فحسب، هما إسرئيل ومصر. بلغت المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لإسرائيل بين العامين 1946 و2023 حوالي 300 مليار دولار،6 في حين تخطّت المساعدات الأمريكية لمصر 150 مليار دولار في المرتبة الثانية.7 يُعدّ برنامج التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط (MERC)، الذي أطلقته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في العام 1981 أحد أقدم البرامج التي أدارتها الوكالة في المنطقة، وكان مخصّصاً لتشجيع التعاون العلمي بين مصر وإسرائيل. من جهتها، ركّزت برامج الشرق الأوسط المتعدّدة الأطراف (MEM)، التي تشكّل جزءاً من صندوق الدعم الاقتصادي والقانون الأمريكي للمساعدات الخارجية للعام 1961، على بناء التعاون التقني بين العرب والإسرائيليين. تستمرّ هذه البرامج في دعم مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه في سلطنة عُمان (MEDRC) الذي تأسّس في العام 1996 وتعتبره الولايات المتحدة جزءاً من عملية السلام في الشرق الأوسط بما أنّه يضمّ الإسرائيليين. تُعدّ المساهمة الأمريكية ضئيلة إذ لا تتعدى عادةً مليون دولار في السنة.8 وتمثّل الولايات المتحدة أيضاً مراقباً للمسرّع الضوئي الخاص بأبحاث العلوم التجريبية والتطبيقية في الشرق الأوسط (SESAME) الذي أُنشئ في الأردن في العام 2017.9 أُرسيت شراكة الشرق الأوسط من أجل السلام (MEPPA) على شكل برنامجين منافسين في العام 2021: برنامج تابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بهدف دعم المصالحة الإسرائيلية الفلسطينية، وبرنامج آخر يتمثّل بالشركة الأمريكية للتنمية الدولية بغية تعزيز القطاع المالي الفلسطيني. يُنفَق مبلغ 250 مليون دولار المخصّص للفترة بين العامين 2021 و2025 على مسار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكلٍ متزايد.10
شهدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تغيّراً جذرياً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. قادت نخبة المحافظين الجُدد في واشنطن رداً عسكرياً تمثّل بـ”الحرب العالمية على الإرهاب” وتمخّض عنه أولاً الحرب على أفغانستان (2001) ومن ثمّ العراق (2003). خلافاً لبرامج وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المتعدّدة والأصغر حجماً، تبلغ كلفة الحرب العالمية على الإرهاب حوالي 9 تريليون دولار،11 وهو عجز يمكن القول إنّه أعاد رسم معالم المشهد السياسي الأمريكي الداخلي وحدّ من طموحات الولايات المتحدة في الخارج، ما مكّن الجهات الفاعلة الأخرى من ملء الفراغ.
تُشكّل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق الأوسطية (MEPI)، التي أُطلقت في العام 2002، أحد البرامج الضخمة المخصّصة للمجتمع المدني والإصلاح الديمقراطي ويُعتبَر تأثيرها متواضعاً بعد مرور عشرين عاماً وإنفاق مليار دولار.12علاوة على ذلك، تخطّى إعلانُ الرئيس ترامب عن الاعتراف بسيادة المغرب على كامل الصحراء الغربية في العام 2020 دعمَ مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق الأوسطية لبناء قدرات المجتمع المدني في الصحراء الغربية، وتأتي هذه الخطوة في أعقاب عمليّة تطبيع المغرب مع إسرائيل بموجب اتفاقات أبراهام.13 يشكّل مشروع الشرق الأوسط الإقليمي (MER) أحد المشاريع التي تُديرها والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بهدف دعم العمل بشأن تغيّر المناخ، والأمن الغذائي والمائي، وهشاشة الدولة، والديمقراطية والحوكمة، والنمو الاقتصادي الشامل. بلغت ميزانية مشروع الشرق الأوسط الإقليمي 8 مليون دولار فقط في العام 2024 وكان الغرض منه أن يكون مكمّلاً للمساعدة الثنائية الخارجية وليس أن يحلّ مكانها.14
على الرغم من أنّ دولاً متعدّدة في المنطقة أصبحت دولاً مضيفة أو نقطة عبور أو مصدّرة (بشكلٍ متزايد) للاجئين والمهاجرين الفارّين من مناطق الحروب والفقر المدقع وانهيار الدولة، لم تعتمد الولايات المتحدة أيّ إستراتيجية شاملة في استجابتها.15 علاوة على ذلك، فقد تكرّر موضوع فقدان المصداقية من خلال مبدأ سياسة “القيادة من الخلف” التي اتّبعها الرئيس أوباما في ليبيا عام 2011،16 أو عدم التحرّك بعد تجاوز بشار الأسد “خطاً أحمر” عندما استخدم الأسلحة الكيميائية في سوريا عام 2015،17 ما شجّع روسيا، التي ضَمَن دعمُها وانخراطُها رعايةَ الأسد بالإضافة إلى الدعمٍ العسكري من حزب الله وفيلق القدس الإيراني. لقد تسبّبت محاولات الأسد لتوليد الإيرادات بوضع سوريا في قلب تجارة الكبتاغون الإقليمية. وقد حثّ ذلك، فضلاً عن محاولات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين إلى سوريا، عدداً من الدول الإقليمية وجامعة الدول العربية بشكلٍ غير متوقَّع على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطعها. تضيف الإطاحة بالأسد في مطلع ديسمبر 2024 المزيد من عدم اليقين إلى السياسة الأمريكية والمناخ الإقليمي مع انطلاق السنة الأولى من ولاية ترامب الثانية.
استمرّت الدول الخليجية في الاضطلاع بدور محوري في منطقة المتوسط في السنوات الأخيرة، أولاً من خلال مبادرة السلام العربية التي وضعت شروط التطبيع مع إسرائيل في العام 2002. لم تكن أيّ من إسرائيل أو الولايات المتّحدة، في خلال الانتفاضة الثانية والحرب العالمية على الإرهاب، مستعدّة أو راغبة في إدراج هذه المقاربة في سياساتها لأسباب سياسية داخلية بشكل عام. استمرّت قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت في تأدية أدوار رئيسة في الاقتصاد السياسي لدول متعدّدة في شمال أفريقيا والمشرق العربي قبل الربيع العربي وبعده. واكتسبت هذه الاستثمارات أهميّة خاصة بالنسبة إلى استقرار مصر الاقتصادي، إلى جانب الوساطة الإماراتية بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD). وقد نسجت الإمارات كذلك علاقات وثيقة مع قبرص واليونان. تشارك الولايات المتحدة والهند في مجموعة I2U2، إلى جانب إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومن خلال الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) الرامية إلى تحويل التركيز بعيداً عن الصين وإدماج منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكلٍ تدريجي في أوروبا من خلال شبه الجزيرة العربية. غير أنّ هذه الجهود نسفتها الحرب على غزة حتى اليوم.
وتؤدّي فرنسا كذلك دوراً أكبر في الشؤون الخليجية، ما قد يؤدّي إلى المزيد من المبادرات المشتركة في المشرق العربي حيث كان لها نفوذ عظيم في السابق ولكن يتضاءل الآن. في العام 2017، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري في الرياض لفترةٍ وجيزة احتجاجاً على دور حزب الله في السياسة اللبنانية.18 وكان الرئيس الفرنسي ماكرون، وليس الرئيس ترامب، هو من ساعد على تأمين إطلاق سراحه.
غالباً ما تكون السياسة الخارجية الأمريكية رهناً بإرادة الرئيس الأمريكي السياسية للتصرّف. في كل سانحة بادر فيها الرئيس ترامب، كان الرفض القاطع من القيادة الفلسطينية لسياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها ترامب ومبادراته المحدودة تجاه الفلسطينيين، مثل “السلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”، بسبب تحيّزها لصالح إسرائيل.19 وفي خضم الصراع المتنامي وغياب عملية سلام ناجحة، تخلق الضغوط المرتبطة باتفاقات أبراهام التي قادتها الولايات المتّحدة سلسلة من التوتّرات الداخلية والإقليمية.20
في مستهلّ فترة إدارة بايدن في العام 2021، كان تأثير السياسات في الشرق الأوسط محدوداً عمداً. قد يكون غياب الضغط الأمريكي على نطاق أوسع أدّى إلى نتائج مثل التفكّك في ليبيا وتراجع الديمقراطية في تونس منذ يوليو2021 وعدم الاستقرار السياسي المتنامي في الساحل، بما أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ركّزا على قضايا محدودة متعلّقة بالإرهاب والهجرة. شهد مسار الدبلوماسية مع إيران بطءاً وغياب العودة الفورية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ما منح إيران حرية نسبية لمواصلة تطوير برامجها النووية وصواريخها وطائراتها المسيّرة. وعلى الرغم من بعض المفاوضات الأمريكية مع دبلوماسيين سعوديين بشأن إقامة دولة فلسطينية، يبدو أنّ هذا الجهد بلغ ذروته في السادس من أكتوبر 2023.21 منذ ذلك الحين، أمضى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أشهراً متعدّدة محاولاً منع التصعيد في الحرب على غزة. بيد أنّ جهوده باءت بالفشل في نهاية المطاف واستمرّت الضربات الإسرائيلية على أهداف في سوريا وإيران ولبنان.
لا يزال الانخراط الأمريكي مع الشركاء المحلّيين، مثل تركيا ومصر، يشوبه التوتّر والاضطراب. تشهد العلاقات بين الولايات المتّحدة وتركيا توتّراً بشأن المسألة الكردية والسياسات المتعلّقة بإيران واستضافة قيادة حماس واقتناء تركيا صواريخ روسية وفرض الكونغرس قيوداً على مبيعات الأسلحة الجديدة الضخمة إلى أنقرة. إلّا أنّ تركيا تمثّل شريكاً مهمّاً في حلف الشمال الأطلسي وتبقى حيوية بالنسبة إلى عددٍ من السياسات، حتى ولو اقتصرت العلاقات الأمريكية التركية على الصفقات إلى حد ما.22 من جهةٍ أخرى، تُعتبَر العلاقات بين الولايات المتحدة وقبرص أفضل بكثير لا سيّما أنّ الدولتين انخرطتا في حوارٍ إستراتيجي في العام 23.2024
لكن في بيئة معقّدة مرتبطة بالأمن والطاقة والإرهاب، ركّزت السياسة الأمريكية على التعاون العسكري التكتيكي والتهديدات الخارجية عوضاً عن معالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلّية في بلدان متعدّدة. يُعرف تاريخ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بضعف الترابط بين البنى التحتية وبالإضطرابات والتوترات السياسية التي تؤدّي إلى تباطؤ التقدّم. حفّزت مشاريع الطاقة مع الدول الخليجية الفرص، مثل الاتفاق الثلاثي بين الإمارات وإسرائيل والأردن، إلى أن ألغاه الأردن احتجاجاً على الحرب على غزة.24 وبعيداً عن غزة، سيستمرّ تأثير قضية قبرص وترسيم الحدود البحرية بين اليونان وتركيا، رغم الانفراج القائم منذ مايو 2024،25 والحرب الأهلية الليبية.26 ويساهم التقارب بين مصر وتركيا في تعزيز التعاون بشأن ليبيا إلى حد ما، إنّما سيستغرق الأمر سنوات متعدّدة للتعافي من آثار الأضرار والفوضى في ليبيا.27
في هذه الأثناء، تدخّلت الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق بطريقةٍ أكثر فعالية من الولايات المتحدة أو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (حتى الآن)، معزّزةً التعاون في تجارة التجزئة والتمويل والتصنيع. تمثّل الصين شريكاً تجارياً مهمّاً ونفوذاً متنامياً في عددٍ من الدول الخليجية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تغطية تحليلّية نسبية لتخزين الصين المسبق للمواد ذات الاستخدام المزدوج في الموانئ حيث لديها وجود.28 لكن خلافاً لدول غربية متعدّدة، يُعدّ تأثير مبيعات الأسلحة الصينية وسياستها الخارجية ضئيل بشكلٍ عام.29 وتعزّز الصين دورها الدبلوماسي الإقليمي: فقد ساعدت في الوساطة بشأن اتفاق التطبيع السعودي الإيراني في العام 2023؛ ونقلت ممثّلين عن فتح وحماس وغيرهما إلى بكين في يوليو 2024 في خلال الحرب على غزة؛ وعارضت انتهاك إسرائيل للسيادة اللبنانية.30 منذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة، تزعزت سمعة الولايات المتّحدة بشكلٍ لافت في العالم العربي وكانت الصين المستفيد الأول.31 يرى الأردنيون واللبنانيون والموريتانيون الصين كجهةٍ أكثر حكمةً من الولايات المتّحدة في المسائل الأمنية، وحتى في الكويت التي اعتمدت على الولايات المتّحدة لطرد القوات العراقية في خلال حرب الخليج للعام 1991، ينقسم الرأي العام بالتساوي تقريباً بين الولايات المتحدة والصين.32
كان من الممكن أن يسهم الانخراط القوي للولايات المتحدة طوال فترة أحاديتها في التسعينات في تحقيق نهضة اجتماعية واقتصادية على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط قبل قمة كامب ديفيد عام 2000 وقبل أن يُظهر الربيع العربي هشاشة الدولة ويُكرّس بقاء الأنظمة لوقت طويل. ومن الواضح أنّ الحرب العالمية على الإرهاب قد أضعفت نفوذ الولايات المتحدة على خصومها، مثل إيران. كان من الممكن أن تُستخدَم تريليونات الدولارات التي أُنفِقت في الحرب العالمية في هذه الحرب لدعم مشاريع حيوية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والتصنيع في شتى أنحاء الجنوب العالمي، من كان سيؤدّي إلى مستويات غير مسبوقة من التنمية الاقتصادية والاندماج والإرادة الحسنة. لكن السياسة الأمريكية كانت ضيقّة الأفق بشكل لا يُصدّق، إذ سعت إلى تجنّب التداعيات الإقليمية لما عُرف بـ”حرب الظل” بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية – أي الحرب الإلكترونية والاقتصادية والضربات العسكرية والاغتيالات. ومع ذلك، فإنّ هذه المقاربة قد باءت بفشل ذريع. في المقابل، من الممكن أن يؤدّي تحسين التكييف بين المصالح الدولية والأقاليمية والمحلّية والمواءمة بينها، لمعالجة جذور الصراعات المدنية والإقليمية، إلى إعادة الاعتبار لقيمة “السلام الأمريكي” ((Pax Americana بالنسبة إلى الكثيرين.