في سياق المشهد الجيوسياسي المعقّد في الشرق الأوسط، تمثّل العلاقة بين إيران والعراق دراسة مقنعة للتحوّلات والمنعطفات. فقد انتقلت الدولتان عبر السنين من التنافس الشديد إلى التعاون المفاجئ. فالتجارب المروّعة لحرب الثمانينات محفورة بعمق في ذاكرتهما الجماعية.1 ومع ذلك، كشف فجر الألفية الجديدة عن تحوّل مفاجئ في الأحداث، ما جعل من إيران جهة فاعلة مؤثّرة على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي في العراق. ويحلّل هذا الفصل تزايد نفوذ إيران في العراق، مسلّطاً الضوء على القوى المتنوّعة التي تشكّل العلاقة بينهما.
يعود تاريخ العلاقات الثقافية والدينية بين إيران والعراق إلى مئات السنين. وتتشارك الدولتان حدوداً يبلغ طولها حوالي 1,599 كيلومتراً، ولطالما كانت المناطق المتجاورة، وخاصة خوزستان والبصرة، موضوع نزاعات إقليمية.2 وبشكل خاص، ساهم ترسيم حدود نهر شط العرب في تأجيج التوترات قبل الحرب العراقية الإيرانية.3 وقد سهّل الرئيس الجزائري هواري بومدين، في محاولة منه لمعالجة هذه القضايا، توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في العام 4.1975 وركّز هذا الجهد الدبلوماسي على حلّ النزاع على الحدود، وتحديداً حول ممر شط العرب المائي، الذي يتّسم بأهمية إستراتيجية لصادرات النفط.5 وبموجب هذه الاتفاقية، قرّر العراق وإيران ترسيم حدودهما المائية وفق مبدأ خط التالوك.6 بالإضافة إلى ذلك، وافقت إيران على وقف دعم المتمرّدين الأكراد في شمال العراق.7 وقد ساهمت هذه الاتفاقيّة في الحدّ من التوتّرات لفترة وجيزة. إلّا أنّها لم تعالج بشكل كامل القضايا الأعمق مثل الطموحات الإقليمية والأيديولوجية.
وشكّلت مغادرة الشاه محمد رضا بهلوي إيران في يناير 1979، يليها تأسيس الجمهورية الإسلامية تحت قيادة آية الله روح الله الخميني، تحوّلاً أيديولوجياً عميقاً في إيران.8 ولم ينطوِ هذا التحوّل على تغيير في الحكم فحسب، بل كان بمثابة إعادة توجيه جذرية لهوية البلاد السياسية والاجتماعية والدولية، من نظام ملكي علماني مؤيّد للغرب إلى نظام ثيوقراطي مناهض للغرب.9 وقد زاد تولّي صدام حسين السلطة كرئيس للعراق في العام 1979 من حدّة هذه الديناميات.10 وفي يناير 1980، انتُخِب أبو الحسن بني صدر أوّل رئيس لإيران.11 ونشأ الخلاف الدبلوماسي في 8 مارس من العام نفسه عندما سحبت إيران سفيرها من العراق.12 وفي أبريل، أدّت محاولات اغتيال وزير الخارجية العراقي طارق عزيز ووزير الثقافة والإعلام لطيف نصيف جاسم – المنسوبة إلى عملاء إيرانيين – إلى تأجيج الوضع.13 وفي الفترة الممتدّة ما بين مايو وأغسطس، اشتدّت
الاشتباكات على طول الحدود العراقية الإيرانية، في إشارة إلى تصعيد واضح في الأعمال العدائية.14 وشكّل تاريخ 17 سبتمبر نقطة التحول الحاسمة عندما ألغى العراق اتفاقية الجزائر الموقّعة في العام 1975 بإعلان السيادة الكاملة على ممر شط العرب المائي.15 وقد أدّت هذه الخطوة فعلياً إلى تفكيك السلام الهش الذي أرسته الاتفاقية.
وأخيراً، غزت القوات العراقية إيران في 22 سبتمبر 1980، وبدأت حرباً طويلة ومدمّرة استمرّت لثماني سنوات.16 شكّلت الحرب صراعاً من أجل الهيمنة بين نظامين متنافسين مدفوعين بوجهات نظر عالمية متباينة بشكل أساسي.17 وشكّلت الحرب التي استمرّت لثماني سنوات الحدث الأهمّ في تاريخ البلدين الحديث. وأسفرت عن خسائر كبيرة في الطرفين فضلاً عن انعكاسات عميقة على المنطقة. وركّزت إيران في خلال هذه الفترة على الدفاع عن أراضيها وثورتها الإسلامية ضدّ ما اعتبرته عدواناً خارجياً. كما أسفرت الحرب عن عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة على البلدين.
ولم تبرز إيران كمنتصر واضح في الحرب مع العراق؛ بل عانت أضراراً جسيمة وتكبّدت خسائر بشرية كبيرة. ومع ذلك، اعتبرت النخب الإيرانية إطاحة القوات الأمريكية بصدام حسين في العام 2003 – و الأحزاب السياسية والميليشيات الشيعية التي ظهرت لاحقاً في العراق – كشكلٍ من أشكال التقدير للتضحيات التي قُدّمت في خلال الحرب الإيرانية العراقية من 1980 حتّى 18.1988 ووصف مسؤولون إيرانيون الحرب بأنّها “الدفاع المقدّس”.19 وينبع هذا الشعور من واقع أنّ عدداً من الشخصيات البارزة في القيادة العراقية الجديدة، بما في ذلك أعضاء المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وفيلق بدر وعناصر من حزب الدعوة، قاتلوا إلى جانب الحرس الثوري الإسلامي في الحرب ضدّ صدام حسين. ورغم أنّ إيران لم تحقّق نصراً واضحاً في الحرب التقليدية ضدّ العراق، إلّا أنّها حقّقت هدفاً من أهدافها المهمّة، وهو تمكين المجتمع الشيعي العراقي.20
أدّى غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 إلى تحوّل كبير في العلاقة بين طهران وبغداد. وقد وجدت طهران في سقوط نظام صدام حسين الذي برز في السابق كخصمٍ إقليميّ لها، سبلاً جديدة لتوسيع نفوذها في الدولة المجاورة. واستغلّت إيران فراغ السلطة، فعزّزت علاقاتها مع مختلف الكيانات السياسية العراقية، وتحديداً المجموعات السياسية والمجموعات المسلّحة الشيعية التي تتمتّع الآن بنفوذ سياسي كبير في العراق.21 ما سمح لإيران بأن تؤثّر بشكلٍ بارز في البيئة السياسية في العراق من خلال الوسائل السرية والعلنية لتعزيز أهدافها الاستراتيجية.
منذ العام 2003، شكّل العراق رادعاً إستراتيجياً لإيران ضدّ التهديدات المختلفة، لا سيما من المجموعات السنّية المتطرّفة – مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – التي تهدّد بشكل مباشر أمن إيران وحلفائها الشيعة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يردع أي عدوان عسكري محتمل أو ضغوط سياسية من القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، التي كان لها وجود عسكري كبير في العراق. كما يعمل كحاجز ضد نفوذ الدول الإقليمية ذات الأغلبية السنّية، مثل المملكة العربية السعودية، المنافس التاريخي لإيران. ومن خلال العراق، تمكّنت طهران من ممارسة نفوذها والحفاظ على ممر برّي لحلفائها في سوريا ولبنان – نظام الأسد وحزب الله، على التوالي – ما عزّز قوّتها الإقليمية وأوجد مجال نفوذ متجاور عبر الشرق الأوسط. وقد اكتسب هذا الموقع الجغرافي أهمية خاصة بعد بدء الأزمة السورية في العام 2011 وعقب ظهور داعش في العام 22.2014 ومنذ ذلك الحين، سهّل هذا الممر البرّي حركة الميليشيات المتحالفة مع إيران عبر الدول الثلاث، ما سرّع ردّها المنسّق على التهديدات الملموسة الموجهة إلى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران.23
لا تزال أهمية العراق الإستراتيجية في إستراتيجية إيران الجيوسياسية، وخاصة على خلفية صراعها الظلّي مع إسرائيل، ثابثة.24 ومع ذلك، فقد تغيّر مشهد الصراع الإقليمي، لا سيما مع الضربات الأخيرة التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد مواقع الحوثيين في اليمن.25 تمثّل هذه الأحداث تطوّراً مهمّاً في التوترات القائمة بين الجهات الفاعلة المدعومة من إيران والمصالح الغربية. وتدلّ هذه الضربات على انخراط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة بشكل أوسع يتجاوز المناطق التقليدية في العراق وسوريا ولبنان.26 وعلى الرغم من هذه التطوّرات، يؤكّد نمط الميليشيات المدعومة من إيران والتي تشنّ هجمات على أهداف أمريكية وإسرائيلية في أنحاء المنطقة كافة، على قدرة “محور المقاومة” الإيراني على التكيّف وانتشاره الواسع. وتواصل هذه الشبكة من القوات المتحالفة عملها بتوجيه إستراتيجيّ ودعم من إيران بيد أنّها تبدو وكأنّها تعمل بشكلٍ لامركزيّ. وتُظهر الضربات الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن اتّساع النطاق الجغرافي لهذا الصراع. كما تسلّط الضوء على التحدّيات المعقّدة التي يواجهها خصوم إيران في كبح طموحات الدولة في المنطقة. وتحافظ طهران، من جانبها، على دورها كمنسّق مركزي وداعم لهذه المجموعات، حيث تعمل على تكييف إستراتيجياتها للتعامل مع المشهد الجيوسياسي المتغيّر وتحقيق أهدافها الإستراتيجية الأوسع.27
علاوة على ذلك، يشكّل العراق جبهة إستراتيجيّة متقدّمة لإيران، بسبب موقعه الإستراتيجي لمواجهة القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة بالقرب من الحدود الإيرانيّة. ويتماشى هذا الموقع الإستراتيجي مع أهداف طهران الجيوسياسية الإقليمية الشاملة، من بينها تقليص النفوذ العسكري الأجنبي في المناطق المجاورة لها. وتجدر الإشارة إلى أنّ إيران قد استفادت من وجود قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لإظهار قدرتها على القيام بأعمال انتقامية، كما اتّضح في أعقاب اغتيال قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني.28
ويُعدّ العراق شريكاً قيّماً من الناحية الاقتصاديّة، فهو سوق مهمّة لصادرات السلع والكهرباء والغاز الإيرانية، والتي من المتوقّع أن تتجاوز 9 مليارات دولار في العام 2023؛ كما يُعتبر بيئة جاذبة للاستثمارات الإيرانية.29 وأصبح العراق حبل نجاة لإيران على الصعيد الاقتصاديّ بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عقوبات مالية واقتصادية شديدة على إيران.30 ومنذ ذلك الحين، قامت المجموعات السياسية والمجموعات المسلّحة المتحالفة مع إيران بتوسيع وجودها الاقتصادي في العراق كجزء من التزامها تجاه “محور المقاومة” الذي تقوده إيران.31 ويسهم هذا الاعتماد الاقتصادي المتبادل بشكل كبير في الإطار التعاوني القائم بين البلدين.
وبعيداً عن مجالات الأمن والاقتصاد، يُعدّ العراق منصّة متعدّدة الأوجه تيسّر نفوذ إيران. ويتّسم التراث الإسلامي الشيعي المشترك بينهما بأهمية كبيرة بالنسبة إلى إيران. إذ يشكّل العراق موطناً لعدد من المواقع الدينية الشيعية الموقرة في العالم، ما يستقطب الحجّاج الإيرانيين ويمكّن طهران من ممارسة النفوذ الديني في العراق والمنطقة.32 ويتجاوز هذا النفوذ المجال الديني ليمتدّ إلى المسائل السياسيّة المهمّة. وفي منطقة الشرق الأوسط الكبير، يشكّل العراق نقطة محورية لإيران لبسط نفوذها السياسي والديني، وتعزيز دورها كجهة فاعلة إقليميّة مهمّة.
فضلاً عن ذلك، يؤدّي التماشي بين توجه العراق السياسي والتوجّه الإيراني إلى تعزيز مكانة إيران الإقليمية بشكل عام. ولا تؤدّي هذه المواءمة إلى تعزيز مكانة إيران فحسب، بل تشكّل أيضاً ثقلاً موازناً لنفوذ المنافسين الإقليميين، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا. وتؤكّد هذه الأهمية الإستراتيجية على دور العراق في تطلّعات إيران الإقليمية الأوسع.
لطالما وجدت بغداد نفسها منذ العام 2003 على مفترق طرق من صراعات القوى الإقليمية حيث تمارس الجهات الفاعلة الرئيسيّة نفوذاً غير مباشر عن طريق الوسطاء. وبلغ نفوذ إيران في السياسة العراقية ذروته بعد أن أعلنت الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق في العام 33.2011 ومع ذلك، أتاح ظهور تنظيم داعش في العام 2014 سبلاً لإيران لتعزيز مكانتها، حيث قادت الميليشيات المدعومة من طهران الهجوم ضد المجموعة المتطرّفة.34
وأخذ المشهد بالتغيّر في العام 2018 مع الموقف العدائي الذي اتّخذته إدارة ترامب تجاه إيران.35 وزاد مقتل الجنرال سليماني في العام 2020 من حدّة الخلاف، مثيراً المخاوف من أن يصبح العراق ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.36 وفي عهد الرئيس جوزيف بايدن، استمرّ الخلاف في العراق، حيث ظهرت الولايات المتحدة والدول الخليجيّة وتركيا كمنافس رئيسي لإيران. وبدلاً من خروج الجيش الأمريكي بالكامل، قام بإعادة تمركز قواته.37 بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعزيز دور تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في العراق يزعزع مكانة إيران الإقليمية أكثر فأكثر.38
وعلى الرغم من تراجع هيمنة إيران في العراق، قامت طهران بتوسيع شبكات وكلائها داخل البلاد ببراعة لحماية مصالحها الإستراتيجية. وقد رسّخت إيران مكانتها كجهة فاعلة أساسيّة في الساحة السياسية في بغداد، حيث أثّرت في غالبية السياسيين السنّة وجزء كبير من القادة الأكراد، وخاصة من هم من مدينة السليمانية.39 ووجد عدد من الشخصيات السنية المناهضة لإيران سابقاً، بما في ذلك خميس الخنجر ورافع العيساوي وجمال الضاري، أنّ الانخراط في السياسة العراقية أمرٌ محفوف بالمخاطر بسبب التهديدات التي يشكّلها حلفاء إيران، والذي دفع بالكثيرين إلى المنفى.40 ولم تكن عودتهم إلى السياسة العراقية ممكنة إلّا بعد الحصول على موافقة إيران.41 وأصبحت اليوم وجهات نظرهم السياسية متوافقة إلى حدّ كبير مع إيران.
علاوة على ذلك، صبّ الخلاف الكردي الداخلي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في مصلحة إيران.42 وقد أدّى ذلك إلى تقريب الاتحاد الوطني الكردستاني من حلفاء إيران في بغداد وإضعاف الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي غالباً ما يُنظر إليه على أنّه يميل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.43 باختصار، قامت إيران بتنظيم نفوذها ببراعة في المشهد السياسي العراقي، ما يضمن الحفاظ على هيمنتها بصرف النظر عن معارضة الولايات المتحدة وقوى إقليمية.
إنّ الآفاق والتحديات التي يواجهها العراق، في ظل علاقته المتطوّرة مع إيران، متعدّدة الطبقات ومتشابكة بعمق مع ديناميات إقليمية أوسع. فبالنسبة إلى العراق، تكمن الفرصة الرئيسية في الاستفادة من موقعه الإستراتيجي والمكاسب المحتملة من علاقات وثيقة مع إيران، وخاصة في ما يتعلّق بالتعاون الاقتصادي والأمني. إلّا أنّ ذلك يترافق مع التحدي الكبير في الحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال السياسي. إنّ المشهدَ السياسي الداخلي في العراق معقّدٌ، إذ غالباً ما ُتتأثّر الفصائل المختلفة بالقوى الخارجية، بما فيها إيران. ويبقى تحقيق التوازن بين هذه العوامل، جنباً إلى جنب مع تعزيز هوية وطنية متماسكة ومعالجة القضايا الداخلية، مثل الطائفية والفساد، مهمّة شاقة أمام القيادة العراقية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تؤثّر الديناميات الإيرانية العراقية بشكل كبير في المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ويتعيّن على الجهات الفاعلة الإقليمية أن تجد توازناً جديداً حيث يحدّ التعاون والحوار من مخاطر الصراع. ويتضمّن ذلك معالجة الانقسام السنّي الشيعي وإيجاد أرضية مشتركة حول قضايا مثل التنمية الاقتصادية ومكافحة التطرّف. ومع ذلك، تقف المنافسات التاريخية والدينية والسياسية الراسخة عائقاً أمام ذلك. ولا يزال نفوذ إيران المتزايد في العراق ومشاركتها في صراعات إقليمية أخرى، كما هو الحال في سوريا واليمن، يشكّل مصدر قلق للدول العربية المجاورة وإسرائيل، ما قد يؤدّي إلى مزيد من الاستقطاب والصراع في المنطقة.
تحظى الجهات الفاعلة العالمية، وتحديداً الدول الغربية والمنظمات الدولية، بفرصة للانخراط بشكل فعّال في البلدين. ويمكن لهذه الجهات الفاعلة الخارجية أن تفسح المجال للحوار حول انتشار الأسلحة النووية والأمن الإقليمي. ومع ذلك، يواجه هذا الانخراط تحدّياً بسبب التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث لطالما كانت السياسات والتدخّلات الغربية موضع شكّ عبر التاريخ. ويتمثّل التحدّي الذي تواجهه هذه الجهات الفاعلة في تبنّي نهج دقيق يحترم السيادة الوطنية، ويفهم السياق التاريخي، ويعالج المخاوف الأمنية المشروعة لكافة أصحاب المصلحة الإقليميين.
وفي الختام، تعكس ديناميات العلاقة بين إيران والعراق وتعقيداتها التحدّيات والفرص الأوسع التي يواجهها العراق، ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع، والمجتمع العالمي. فبالنسبة إلى العراق، ينطوي المسار نحو المستقبل على التعامل مع التأثيرات الخارجية وتعزيز الوحدة الوطنية والتنمية. وعلى المستوى الإقليمي، يكمن التحدّي في تجاوز التنافس التاريخي والانقسامات العرقية والطائفية لصالح مشهد جيوسياسي أكثر تعاوناً واستقراراً. أمّا بالنسبة إلى الجهات الفاعلة العالمية، تتمثّل المهمّة في الانخراط مع فهم عميق للديناميات الإقليمية، وتحقيق التوازن بين المصالح الإستراتيجية والالتزام بالاستقرار واحترام السيادة الوطنية.