إثيوبيا تسعى لإيجاد منفذ بحري:

هل يهدّد مبتغاها الاستقرار الإقليمي؟

موجز قضية، سبتمبر 2024
زميل أول غير مقيم

النقاط الرئيسية

 

إثيوبيا تسعى لإيجاد منفذ على البحر الأحمر: لطالما سعت إثيوبيا، الشاسعة إنّما المحاطة باليابسة، للحصول على منفذ على ساحل البحر الأحمر، إذ تَعتبره حقّها التاريخي وضرورياً لازدهارها وتنميتها.  

 

الضغط لإيجاد منفذ يهدّد بإشعال صراعٍ إقليمي: قد تؤدّي حملةُ رئيس الوزراء آبي أحمد المتجدّدة للحصول على منفذ أو قاعدة بحريّة، أكانت عن طريق الدبلوماسية أم باستخدام القوّة، إلى إشعال صراع مع الدول المجاورة لإثيوبيا وإلى نسف اتّفاق السلام المهم للعام 2018. 

 

مسائل داخليّة وراء حسابات إثيوبيا: يبدو أنّ موقف آبي تُمليه الحاجة إلى تجنّب الانتقادات المتعلّقة بالصراعات الداخلية والأزمة الاقتصاديّة، بالإضافة إلى تنامي نفوذ القوى الخارجية على طول ساحل البحر الأحمر.  

 

 إمكانية التوصّل إلى تسوية: صحيحٌ أنّه ينبغي على إثيوبيا تنويع منافذها البحرية، إلّا أنّ امتلاك ميناءٍ بحري غير ضروري لتحقيق هذه الغاية. من شأن إبرام اتفاقات متفاوَض عليها مع الدول المجاورة أن يُعزّز وصولها إلى منفذٍ بحري من دون زعزعة استقرار المنطقة.  

المقدّمة 

 

أدلى رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام آبي أحمد بتصريحٍ في أكتوبر 2023 صدم الدول المجاورة. فقد أعلن أنّه يجب أن تحصل إثيوبيا على مينائها الخاص على البحر الأحمر، مستنداً إلى حقوقها التاريخية وهيبتها القوميّة والضرورة الاقتصادية. وقال في خطابٍ متلفز إنّه “إذا لم يحصل ذلك، فلا إنصاف ولا عدل، وفي غياب الإنصاف والعدل، إنّها مجرّد مسألة وقت، سنقاتل“.1  

 

إثيوبيا هي أكبر دولة حبيسة في العالم من حيث عدد السكان. ليس لديها أي منفذٍ بحري، وهي بالتالي طالبت مراراً وتكراراً بالحصول على منفذ على البحر الأحمر استناداً إلى ثلاث حجج: الحقوق التاريخية والقانونية؛ وضرورات التنمية الوطنية؛ ومكانة البلاد على الساحة الدولية. وقد أشار رئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنّ غياب مرفأ بحري “[يمنع] إثيوبيا من أن تتبوأ مكانتها في أفريقيا“.2  

 

تعتمد إثيوبيا حالياً بشكلٍ أساسي على ميناء جيبوتي في أكثر من 95 في المئة من وارداتها وصادراتها.3 ويكلّف هذا الاعتماد البلاد أكثر من مليار دولار في السنة من رسوم -وهو ثمنٌ لا تستطيع الدولة المُثقلة بالديون تحمّله.4 وقد دفع اعتمادُ أديس أبابا الكبير على ميناء واحد إلى السعي إلى بدائل أخرى. ففي يناير 2024، توصّلت إثيوبيا إلى اتفاقٍ مثير للجدل مع إقليم أرض الصومال الانفصالية (صوماليلاند) للوصول إلى ميناء بربرة لأغراض تجاريّة وبحريّة، ما أجّج التوتّرات مع حكومة الصومال الفدراليّة.5  

 

يفصل إثيوبيا، البالغ عدد سكانها 127 مليون نسمة،6 عن ميناء عصب الإريتري على البحر الأحمر حزامٌ من الأراضي على بعد حوالي 60 كلم. وقد أثار خطابُ رئيس الوزراء آبي مخاوف بشأن اشتعال اضطرابات إقليميية بعد ستة أعوام فقط على الإنهاء الرسمي لصراعٍ دام عقدين مع إريتريا والصومال من خلال اتفاق سلام تاريخي منحه جائزة نوبل للسلام.  

 

ردّت الدول الساحليّة المجاورة لإثيوبيا، أي الصومال وإريتريا وجيبوتي، على خطابه بمزيجٍ من القلق والرفض.7 وبعد أسبوعَين، خفّف آبي من حدّة لهجته معلناً أمام القوات المسلّحة أنّ “إثيوبيا لن تلجأ إلى الحرب لخدمة مصالحها، فنحن ملتزمون بـ[تعزيز] المصلحة المشتركة من خلال الحوار والتفاوض“.8 

 

بيد أنّ سعيه للحصول على منفذ أتى في أعقاب حرب مدمّرة في منطقة تيغراي وأزمةٍ اقتصادية داخليّة وفي ظلّ التوتّر القائم بين إثيوبيا والدول المجاورة التي ترزح أصلاً تحت وطأة صراعات أخرى. بالتالي، أجّج آبي التعقيدات الجيوسياسية في القرن الأفريقي. بالفعل، تُهدّد خطوته بتعميق التصدّعات على جبهات متعدّدة وبخلق المزيد منها.  

 

وتتطلّب معالجة هذه المسائل دبلوماسية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار مخاوف الأطراف كافة. يقدّم موجز القضية هذا تحليلاً للمنطق وراء سعي آبي المتجدّد لإيجاد منفذٍ بحري في ضوء الصراع على السيطرة على البحر الأحمر والعوامل الداخليّة والجيوسياسة المتغيّرة في المنطقة، وينظر في سُبُل التخفيف من حدّة هذه الأزمة أو حلّها.  

 

المطالب التاريخيّة و”السجن الجغرافي” 

 

حين أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد في أكتوبر 2023 عن سعيه لإيجاد منفذ بحري، لجأ إلى خرائط تعود إلى حقبة مملكة أكسوم في القرن الثالث لدعم مطالب إثيوبيا الإقليمية بموانئ على البحر الأحمر واقعة على الأراضي الإريترية الحالية.9 وفي حين أشاد قادة إثيوبيا بثلاثة آلاف عاماً من التاريخ المستمرّ على أراضٍ تصل إلى الساحل على حدّ قولهم،10 فإنّ الواقع أكثر تعقيداً. ما يُشكّل اليوم الخطّ الساحلي الإريتري كان يقع تحت سيطرة الإمبراطوريّة العثمانية على مدى ثلاثة قرون قبل أن يسقط بين أيدي مصر التي بسطت نفوذها على ميناء مصوع الرئيسي من العام 1865 حتى منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر.11  

 

ضَمَنت إثيوبيا “حريّة الوصول إلى ميناء مصوع” بموجب معاهدة هيويت التي وقّعتها إثيوبيا ومصر وبريطانيا في العام 12.1884 لكن في العام التالي، وقعت الميناء تحت الاحتلال الإيطالي13 الذي استمرّ حتى استيلاء البريطانيين عليه في العام 1941 وإدارته حتى العام 14.1952 ط00الب الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول الذي حكم إثيوبيا لأكثر من أربعة عقود بدءاً من العام 1931، بأرض الصومال الإيطالية سابقاً، أي إريتريا حالياً، استناداً إلى روابط تاريخية مزعزمة.15  

 

وفي ضوء بروز الولايات المتحدة كقوّةٍ عالميّة رائدة غداة الحرب العالميّة الثانية، شجّعت مكانة إثيوبيا كحليفٍ رئيسي واشنطن على دعم مطالبتها بإريتريا التي ضمّتها.xvi وقد مكّنها ذلك في نهاية المطاف من امتلاك ميناء بحري.17 لكن بينما اعتبرت إثيوبيا أنّ إريتريا هي أرض كانت مفقودة وتنضم من جديد إلى وطنها الأم،18 اعتبره الإريتريون انتهاكاً لحقوقهم في التحرّر من الاستعمار وفي تقرير المصير.19 وبحلول العام 1991، كانت حرب استقلال إريتريا قد تركت إثيوبيا من دون أيّ منفذٍ بحري مباشر.20 

 

وبعد مرور عقدَين وفي ظلّ تنامي عدد السكان والأزمة الاقتصادية، تَعتبر الحكومة الإثيوبية الوضع الراهن غير مقبول. وكما أعلن آبي في خطابه: “بحلول العام 2030، سيصل [عدد سكان إثيوبيا] إلى 150 مليون نسمة لا يمكن لسكان يبلغ عددُهم 150 مليون نسمة أن يعيشوا في سجنٍ جغرافي“.21 

 

المنافسة على البحر الأحمر 

 

تكمن مسألةُ من يسيطر على البحر الأحمر في قلب الشؤون الجيوسياسية في المنطقة المجاورة. لقد دفعت المنافسةُ على أحد الممرّات المائية الأكثر حساسيّة في حقبة الحرب الباردة بعددٍ من القوى إلى بناء قواعد بحريّة في البحر الأحمر. وقد أنشأت الولايات المتّحدة هذه المواقع في ميناء بربرة في حين أقام الاتحاد السوفياتي قواعد منافسة في موانئ وجزر تابعة لإريتريا.22 

 

بعدما وضعت الحرب الباردة أوزارها، شهدت المنطقةُ صعود عددٍ من الجهات الفاعلة الجديدة، بما فيها الدول الخليجية. وقد ساهم تباين المصالح بين الدول الخليجية في تعقيد العلاقات بين دول المنطقة، لا سيّما في ما يتعلّق بالموانئ البحريّة.23  

 

بالفعل، تُحرّك سياسةَ إثيوبيا الخارجية جزئياً مخاوف متعلّقةٌ بالسيطرة على البحر الأحمر وبنفوذ بعض الدول العربيّة هناك. وقد ارتكز تحالفها مع إسرائيل24 جزئياً على سعيها إلى ردع الدول العربيّة التوّاقة إلى بسط نفوذها على البحر الأحمر. في هذا السياق، غدت إريتريا ونضالها من أجل الاستقلال بيادق في الصراع على السلطة في البحر الأحمر. وبينما انحازت إثيوبيا إلى المصالح الأمريكيّة والإسرائيليّة، دعمت دول عربية متعدّدة المُناضلين من أجل استقلال إريتريا.25 

 

لقد ساهمت عضويّةُ السودان وجيبوتي والصومال في جامعة الدول العربيّة في ترسيخ تصوّر إثيوبيا لتهديدٍ متأتٍ من هذه الدول.26 وأدّى تأسيس مجلس الدول العربيّة والأفريقيّة المُطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن، بقيادة المملكة العربية السعوديّة في ينيار 2020، والذي استثنى إثيوبيا، إلى تعزيز هذا التصوّر.27 وقد شكّل هذا على ما يبدو أحد العوامل وراء تجدّد سعي إثيوبيا للحصول على ميناء وإرساء وجودها العسكري على الساحل من أجل تعزيز مكانتها في المنافسة للسيطرة على البحر الأحمر.  

 

وتُعتَبر الإمارات العربيّة المتّحدة، من خلال شركتي “دي بي ورلد” (DP World) وموانئبي & أو” (P&O Ports) ومقرّهما دُبي، أحد المستثمرين الأكثر نشاطاً في الموانئ البحريّة في القرن الأفريقي.28 وقد أثّر وجود قواعد عسكرية أجنبية مختلفة، لا سيّما في جيبوتي والصومال، تأثيراً واضحاً في حسابات إثيوبيا الإستراتيجيّة. لقد سأل آبي مراراً وتكراراً لماذا لا يمكن لإثيوبيا أن تبني قاعدةً بحريّة في القرن الأفريقي في حين تمكّنت قوى في دول بعيدة من القيام بذلك.  

 

تسعى إثيوبيا اليوم إلى إنشاء قاعدة بحريّة في إقليم أرض الصومال الانفصالية على ساحل خليج عدن. وقد وقّع الطرفان على مذكّرة تفاهم في يناير توافق بموجبها صوماليالند على تأجير جزءٍ من ساحلها لإثيوبيا لأغراض تجاريّة وبحريّة.29 في المقابل، وَعَدت أديس أبابا بإجراء “تقييم معمّق” بشأن الاعتراف بأرض الصومال دولة مستقلة.30 إن قامت بذلك، فستشكِّل سابقة كأولّ دولة تعترف بها.  

 

أثار الإعلان عن المذكّرة إدانةً لاذعة من حكومة الصومال الفدراليّة التي تعتبر إقليم أرض الصومال الانفصالية جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها. في الواقع، لا يحمل الاتفاق في طيّاته خطر إشعال صراع بين أديس أبابا ومقديشو فحسب، بل يمكّن مجاهدي حركة الشباب.31  

 

على الرغم من أنّ الموقع المحدّد للقاعدة المزمع إنشاؤها لم يتّضح بعد، من شأن هذه الخطوة أن تمنح إثيوبيا نفوذاً على البحر الأحمر وإحدى نقاط الاختناق الأكثر حيويةً بالنسبة إلى حركة التجارة العالميّة، وتعطيها ثقلاً جيوسياسياً كبيراً وتُعزّز تطلّعاتها إلى ممارسة تأثير عالمي.32 وقد تأتي هذه الخطوة على حساب دول أخرى مطلّة على البحر الأحمر، على غرار مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال والمملكة العربيّة السعودية واليمن.  

 

مخاوف إثيوبيا الداخليّة 

 

على خلفيّة المنافسة الجيوسياسيّة الإقليميّة، يبدو أنّ العوامل الداخليّة، بما فيها الحروب والاقتصاد الإثيوبي المضطرب، تُشكّل الدوافع المباشرة وراء سعي آبي المتجدّد للحصول على منفذٍ بحري. حين وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي على اتّفاق السلام في العام 2018 الذي حلّ الصراع الحدودي مع إريتريا،33 ظنّ إثيوبيّون كثيرون أنه يُبشّر بحقبةٍ جديدة من السلام والاستقرار. لكن شعبيّة القائد الإثيوبي تراجعت منذ ذلك الحين بسبب تكاثر الصراعات والمشاكل الاقتصادية التي تعانيها البلاد. لذا اعتبر المراقبون أنّ سعيه للحصول على منفذ بحري يندرج في إطار إستراتيجية لاستعادة شعبيّته.34  

 

لعلّ أسوأ الصراعات التي أشرف آبي عليها كان الحرب ضد “جبهة تحرير شعب تيغراي” التي اندلعت في نوفمبر 2020 وشملت منافسة بين بعض أكبر المجموعات الإثنيّة في إثيوبيا بالإضافة إلى توتّرات دبلوماسيّة بين الصين والولايات المتّحدة.35 وقد أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أنّ الصراع خلّف مئات الآلاف من القتلى وشهد ارتكاب القوات الفدرالية وجبهة تحرير شعب تيغراي فظائع واسعة النطاق،36 وترك زهاء نصف سكان منطقة تيغراي بحاجةٍ “شديدة” إلى مساعدات غذائية.37 

 

على الرغم من نضال إريتريا على مدى عقود من أجل نيل استقلالها عن إثيوبيا، فقد تحالفت مع عدوّها السابق ضد متمرّدي تيغراي. من هذا المنطلق، يبدو سعي آبي للحصول على منفذ بحري بعد أقلّ من سنتين على وقف إطلاق النار بمثابة خيانة بنظر أسمرة.  

 

لا يزال السلام في تيغراي هشّاً للغاية.38 غير أنّ أديس أبابا انخرطت في صراع آخر منذ ذلك الحين، في إقليم أمهرة هذه المرة حيث تقاتل ميليشيا فانو الإثنيّة القوميّة الأمهريّة القوات الفدراليّة التي حاولت نزع سلاحها.39 اعتبرت فانو، التي كانت قد تحالفت مع الحكومة الفدرالية ضد جبهة تحرير شعب تيغراي،40 قرارَ نزع سلاحها دليلاً على ازدواجيّة معايير الحكومة، التي كانت قد سمحت لجبهة تحرير شعب تيغراي بالاحتفاظ بسلاحها -في انتهاكٍ لاتفاقية بريتوريا للسلام- بينما فرضت على المقاتلين الأمهريين تسليم السلاح 

 

علاوةً على ذلك، فشل آبي في إيجاد حلول سلميّة للصراعات المستعرة في منطقة أوروميا. وتبرز مخاوف من أن تتّحد جبهة تحرير أوروميا، التي تقاتل الجيش الفدرالي، مع متمرّدي أمهرة. في هذا السيناريو، قد تتعرّض مكانة آبي للمزيد من الخطر. في الواقع، سبق وأن فقدت الحكومة الفدرالية سيطرتها على أجزاءٍ متعدّدة من البلاد في الوقت الذي يواجه فيه الإثيوبيون صعوبات جمّة في التنقّل بين أديس أبابا ومناطق أخرى.41  

 

وما زاد الطين بلّة هو أنّ الحرب في تيغراي تركت إثيوبيا على شفير الإفلاس.42 في ظلّ تضخّم حاد، دفع هذا الصراع بالولايات المتحدة إلى طرد إثيوبيا من قانون النمو والفرص في أفريقيا، ما سدّد ضربةً قاسية للصادرات.43 وقد أفلست مئات الشركات الإثيوبية منذ ذلك الحين.44 

 

في ظلّ هذه الأزمات، يوحي توقيتُ تصريح آبي بأنّ هذه الخطوة تُشكّل مناورةً لكسب ما كان قد خسره من دعمٍ سياسي في الداخل.45 بيد أنّها أثارت قلق الدول المجاورة لإثيوبيا، بالإضافة إلى أنّها تُهدّد بتفاقم المشاكل في المنطقة الأوسع.  

 

في البحث عن تسوية 

تتمحور مطالب آبي بمنفذٍ بحري حول المزاعم بأنّ امتلاك ميناء يُشكّل ضرورة وجوديّة وحيويّة بالنسبة إلى اقتصاد البلاد. صحيحٌ أنّ هذه الرسالة قد تَلقى صدى إيجابياً لدى جزءٍ من جمهوري آبي المحلّي، لكنّ الدول المجاورة ترفضها رفضاً قاطعاً. لقد أثبت التاريخ الحديث أنّ إثيوبيا قادرة على تحقيق ازدهار اقتصادي من دون أن يكون لها منفذ بحري مباشر. فهي شهدت نمواً اقتصاديّاً سريعاً بين العامين 2004 و2017 على الرغم من افتقارها إلى مينائها الخاص.46  

 

علاوةً على ذلك، خلطت القيادة الإثيوبية، عن قصد أو عن غير قصد، بين الوصول إلى الطرق البحريّة وامتلاك ميناء بحري. لكن على الأرض، تعترف كل الدول المجاورة لإثيوبيا بحاجتها العمليّة إلى منفذٍ بحري وقد أعربت هذه الدول عن استعدادها لتلبية احتياجات أديس أبابا، شرط أن تمتثل للقانون الدولي وألّا تنتهك سيادة أراضي جيرانها.  

 

فقد صرّح وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي علي عمر على سبيل المثال أنّه في حين أنّ مقديشو “لن تقبل أبداً” بحصول إثيوبيا على قاعدةٍ بحريّة في إقليم أرض الصومال الانفصالية، قد تنظر في “منح إثيوبيا منفذ تجاري” إلى الساحل، بموجب القانون الدولي ومفاوضات ثنائية.47 

 

في الواقع، أمام إثيوبيا مجموعةٌ واسعة من الخيارات للوصول إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر موانئ على سواحل كينيا والصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان. ممرّ ميناء لامو- جنوب السودان-إثيوبيا للنقل (LAPSSET) هو بديلٌ مهم وأقل إثارة للجدل ويربطها بساحل كينيا.48 وقد بدأت إثيوبيا بالفعل تحويل بعض شحنات الأسمدة والمواشي إلى لامو.49 

 

بموجب اتفاقٍ أُبرم مع إقليم أرض الصومال الانفصالية حول بربرة في العام 2017، كانت أديس أبابا ستحصل على حصّة قدرها 19 في المئة من ميناء بربرة، لكنّ هذا الاتفاق لم يُترجَم على أرض الواقع -بسبب ما قيل عن مشاكل تتعلّق بالدفع من جانب إثيوبيا،50 ما أثار شكوكاً حول قدرتها على دفع ثمن قاعدتها البحريّة المقترحة. في أعقاب التقارب بين إثيوبيا وإريتريا في العام 51،2018 كان من المفترض إعادة تأهيل الطريق الذي يربط أديس أبابا بميناء عصب الإريتري بهدف تلبية احتياجات إثيوبيا.52 وأخيراً أمام إثيوبيا خيار ميناء جيبوتي الذي يُشكّل حالياً منفذاً بحريّاً لأكثر من 95 في المئة من التجارة البحريّة الإثيوبيّة.53  

 

في ضوء هذه الخيارات، تخشى الدول المجاورة لإثيوبيا أن تكون دوافع أديس أبابا الحقيقيّة تتجاوز الحصول على منفذٍ بحري للتجارة لتشمل ملكيّة وبناء قاعدة بحريّة تسمح لها ببسط نفوذها على البحر الأحمر والمحيط الهندي 

 

الخاتمة 

ولّد الاتفاق الثلاثي الذي وقّعته إثيوبيا وإريتريا والصومال في 5 سبتمبر 2018 آمالاً كبيرة بمستقبلٍ أكثر سلاماً في المنطقة.54 وبعث الاتّفاق القائم على مبادئ سلامة الأراضي والسيادة وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة، على التفاؤل بشأن المزيد من الاندماج الإقليمي والازدهار الاقتصادي. 

 

لكن يبدو أنّ هذه الآمال قد تبدّدت في أعقاب تصريح آبي أحمد أنّه ينبغي على إثيوبيا الحصول على منفذ بحري. على الرغم من أنّ إثيوبيا تملك حقّاً لا جدال فيه في الوصول إلى منفذٍ بحري للتجارة، تُجادل الدول المجاورة لها بأنّ هذا لا يمكن أن يتحقّق إلّا من خلال اتفاقات متفاوَض عليها تحترم القوانين والأعراف الدوليّة بالإضافة إلى سلامة أراضي محاوريها وسيادتهم.  

 

أمام إثيوبيا خيارات متعدّدة للوصول إلى البحر بطرق تُعزّز الثقة والسلام والتعاون الأمني والتنمية في منطقة البحر الأحمر. وقد أعربت الدول المجاورة لها عن استعدادها لتلبية احتياجات إثيوبيا المشروعة وقدرتها على ذلك. في الوقت نفسه، قد تؤدّي التهديدات المبطّنة بضم أراضٍ إلى إعادة إشعال الصراعات وزعزعة الاستقرار. لذا ينبغي على إثيوبيا أن تنخرط في حوارٍ ذي منفعة متبادلة مع الدول المجاورة كافة، التي بدورها لا بدّ من أن تدرك أنّ تلبية احتياجات إثيوبيا المشروعة تصبّ في مصلحة الجميع.  

 


 

الهوامش

1 Anthony Squazzin, “Why Is Abiy Threatening Ethiopia’s Neighbors?: Next Africa,” Bloomberg, October 20, 2023, https://www.bloomberg.com/news/newsletters/2023-10-20/why-is-ethiopia-s-abiy-ahmed-demanding-access-to-the-sea.
2 “Feature: ‘A Population of 150 Million Can’t Live in a Geographic Prison’ – PM Abiy Ahmed,” Addis Standard, October 14, 2023, https://addisstandard.com/feature-a-population-of-150-million-cant-live-in-a-geographic-prison-pm-abiy-ahmed/.
3 Hailu Gelana Ero, “Analysing Opportunities and Obstacles in Ethio-Djibouti Relations: Post-Cold War Era Historical Analysis,” Current Research Journal of Social Sciences and Humanities 6, no. 2 (2023): 223, https://journalofsocialsciences.org/pdf/vol6no2/CRJSSH_Vol06_No2_p_219-229.pdf.
4 Guled Ahmed, Djibouti Needs a Plan B for the Post-Guelleh Era, (Washington, DC: Middle East Institute, July 20, 2021), https://mei.edu/publications/djibouti-needs-plan-b-post-guelleh-era.
5 “The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal,” International Crisis Group, March 6, 2024, https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopia-somaliland/stakes-ethiopia-somaliland-deal; Abdi Sheikh and Abdiqani Hassan, “Somalia Rejects Port Deal between Ethiopia and Somaliland,” Reuters, January 2, 2024, https://www.reuters.com/world/africa/somalias-cabinet-calls-emergency-meet-ethiopia-somaliland-port-deal-2024-01-02/.
6 World Bank Statistical Database, “Population, Total – Ethiopia,” accessed August 29, 2024, https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL?locations=ET.
7 Squazzin, “Why is Abiy Threatening Ethiopia’s Neighbors?”
8 Faisal A. Roble, “The Historical Search for a Sea Outlet and Leadership Legacy,” Wardheer News, December 1, 2023, https://wardheernews.com/the-historical-search-for-a-sea-outlet-and-leadership-legacy.
9 Zecharia Zelalem, “Is Landlocked Ethiopia Starting Another War over Ports in the Horn of Africa?” Al Jazeera, November 7, 2023, https://www.aljazeera.com/features/2023/11/7/is-landlocked-ethiopia-starting-another-war-over-ports-in-horn-of-africa.
10 Donald Levine, Greater Ethiopia: The Evolution of a Multiethnic Society, (Chicago, IL: University of Chicago Press, 2000), 1-256, https://press.uchicago.edu/ucp/books/book/chicago/G/bo3621292.html; Harold Marcus, A History of Ethiopia, Updated Edition (Berkeley, CA: University of California Press, 2002), 1-336, https://www.ucpress.edu/books/a-history-of-ethiopia/paper.
11 Geoffrey Charles Last and John Markakis, “Eritrea: Contesting the Coastlands and Beyond,” Encyclopedia Britannica, August 25, 2024, https://www.britannica.com/place/Eritrea/Contesting-for-the-coastlands-and-beyond.
12 “Hewett Treaty,” Sewasew, accessed February 16, 2024, https://en.sewasew.com/p/hewett-treaty.
13 “Eritrea: Massawa,” Encyclopedia Britannica, accessed August 29, 2024, https://www.britannica.com/place/Massawa.
14 Ibid.
15 Roble, “The Historical Search.”
16 Amanuel Biedemariam, The History of the USA in Eritrea: From Franklin D. Roosevelt To Barack Obama and How Donald Trump Changed The Course Of History (USA: CPISA, 2020), 1-200.
17 Bereket Habte Selassie, Eritrea and the United Nations and Other Essays (New Brunswick, NJ: Red Sea Press, 1989), 1-174; Biedemariam, 2020, 1-200.
18 Tekeste Negash, Eritrea and Ethiopia: The Federal Experience (Uppsala: The Nordic Africa Institute, 1997), 78, https://www.diva-portal.org/smash/get/diva2:272775/FULLTEXT01.pdf.
19 Redie Bereketeab, “Eritrea, a Colonial Creation: A Case of Aborted Decolonisation,” in Self-determination and Secession in Africa: The Post-colonial State (London and New York: Routledge, 2015), 235-252.
20 Mohamed Kheir Omer, “Are Ethiopia and Eritrea on the Path to War?,” Foreign Policy, November 17, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/11/07/ethiopia-eritrea-war-tplf/.
21 Tafi Mhaka, “Abiy Ahmed’s imperial ambitions are bad news for Africa, and the world,” Al Jazeera, November 14, 2023, https://www.aljazeera.com/opinions/2023/11/14/abiy-ahmeds-imperial-ambitions-are-bad-news-for-africa-and-the-world.
22 Radoslav Yordanov, The Soviet Union and the Horn of Africa During the Cold War: Between Ideology and Pragmatism (Lanham, MA: Lexington Books, 2016), 1-291.
23 Long Ding, “The Evolving Roles of the Gulf States in the Horn of Africa,” Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies 18, no. 1 (May 4, 2024): 1-14, https://doi.org/10.1080/25765949.2024.2340332.
24 Bekele Jemallu Jember, “Evolving Ethio-Gulf Economic and Political Relations: The Challenges and Opportunities,” Open Journal of Social Sciences 9, no.10 (October 2021): 267-287, https://doi.org/10.4236/jss.2021.910019.
25 Roy Pateman, “Eritrea, Ethiopia, and the Middle Eastern Powers: Image and Reality,” Northeast African Studies 8, no. 2/3 (1986): 23-39, https://www.jstor.org/stable/43660368.
26 Mohammed Seid Mohammed, “The Red Sea Regional Security Complex: The Implications of the Red Sea Forum for Ethiopia National Security,” Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies 18, no. 1 (April 20, 2024): 15-31, https://doi.org/10.1080/25765949.2024.2343232.
27 Abdeta Dribssa Beyena, “The Horn of Africa and the Gulf: Shifting Power Plays in the Red Sea,” The Africa Report, November 16, 2020, https://www.theafricareport.com/50499/the-horn-of-africa-and-the-gulf-shifting-power-plays-in-the-red-sea/.
28 Taimur Khan, Gulf Strategic Interests Reshaping the Horn of Africa (Washington, DC: The Arab Gulf States Institute in Washington, November 27, 2018), 4, https://agsiw.org/wp-content/uploads/2018/11/Khan_GCC-Horn-of-Africa_ONLINE.pdf.
29 Sheikh and Hassan, “Somalia Rejects Port Deal.”
30 International Crisis Group, “The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal.”
31 Markus Virgil Hoehne, “Trade, Conflict and Fragmentation: The Horn’s Crisis of Sovereignty,” African Arguments, January 5, 2024, https://africanarguments.org/2024/01/trade-conflict-and-fragmentation-the-horns-crisis-of-sovereignty/.
32 “‘Securing Red Sea Access Vital for Ethiopia’s Survival,’ Abiy Ahmed,” Ethiopia Observer, October 15, 2023, https://www.ethiopiaobserver.com/2023/10/15/securing-red-sea-access-vital-for-ethiopias-survival-abiy-ahmed/.
33 “Ethiopia, Eritrea Sign Peace Deal at Saudi Arabia Summit,” Al Jazeera, September 17, 2018, https://www.aljazeera.com/news/2018/9/17/ethiopia-eritrea-sign-peace-deal-at-saudi-arabia-summit.
34 Tigray Media Network, “What Do Ethiopians Know about Eritrea,” YouTube, June 28, 2024, 10:37pm, https://www.youtube.com/watch?v=Nn1E—6-uo.
35 Federico Donelli, “Eritrea and Sudan in Ethiopia’s Tigray Conflict and Implications for the Horn of Africa,” Trends Research & Advisory, October 30, 2022, https://trendsresearch.org/insight/eritrea-and-sudan-in-ethiopias-tigray-conflict-and-implications-for-the-horn-of-africa/.
36 Stephanie Nebehay & Dawit Endeshaw, “Joint UN, Ethiopia Rights Team: All Sides Committed Abuses in Tigray,” Reuters, November 3, 2021, https://www.reuters.com/business/cop/un-ethiopia-rights-commission-release-report-abuses-tigray-2021-11-03/.
37 Giulia Paravicini, “Nearly Half the People in Ethiopia’s Tigray in ‘Severe’ Need of Food Aid, World Food Programme Says,” Reuters, August 20, 2022, https://www.reuters.com/world/africa/nearly-half-people-ethiopias-tigray-need-food-aid-wfp-2022-08-19/.
38 Center for Preventative Action, “Global Conflict Tracker: Conflict in Ethiopia,” Council on Foreign Relations, December 19, 2023, https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/conflict-ethiopia.
39 Alex de Waal, “Ahmed Eyes Red Sea Port, Inflaming Tensions,” BBC, November 8, 2023, https://www.bbc.co.uk/news/world-africa-67332811.
40 Center for Preventative Action, “Global Conflict Tracker.”
41 Tigray Media Network, “What Do Ethiopians Know about Eritrea.”
42 Hoehne, “Trade, Conflict and Fragmentation.”
43 “US Removes Ethiopia, Mali and Guinea from AGOA Trade Programme,” Al Jazeera, January 2, 2022, https://www.aljazeera.com/news/2022/1/2/us-removes-ethiopia-mali-and-guinea-from-agoa-trade-programme.
44 “Africa’s Tiger Economy Is Shot,” The Economist, February 29, 2024, https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2024/02/29/africas-tiger-economy-is-shot.
45 de Waal, “Ahmed Eyes Red Sea Port.”
46 The Economist, “Africa’s Tiger Economy Is Shot.”
47 Giulia Paravicini, “Somalia Refuses to Accept Ethiopian Naval Base in Breakaway Region,” Reuters, April 12, 2024, https://www.reuters.com/world/africa/somalia-says-it-will-never-accept-ethiopian-naval-base-somaliland-2024-04-12/.
48 Namhla Matshanda, “Landlocked Ethiopia Wants Better Sea Access: A Port Deal with Neighbours Could Benefit the Region,” The Conversation, August 29, 2023, https://theconversation.com/landlocked-ethiopia-wants-better-sea-access-a-port-deal-with-neighbours-could-benefit-the-region-211759.
49 Gerald Andae, “Djibouti Hit as Ethiopia Shifts Transit Cargo to Port of Lamu,” Business Day Africa, May 14, 2024, https://businessdayafrica.org/2129-2/.
50 International Crisis Group, “The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal.”
51 Carol Pineau, Eritrea-Ethiopia Peace: Seismic Shifts Throughout a Strategic Zone, (Washington, DC: Center for Strategic and International Studies, July 25, 2018), https://www.csis.org/analysis/eritrea-ethiopia-peace-seismic-shifts-throughout-strategic-zone.
52 Aaron Maasho, “Ship Docks, Road Upgrade Planned as Eritrea, Ethiopia Ties Strengthen,” Reuters, September 5, 2018, https://www.reuters.com/article/world/ship-docks-road-upgrade-planned-as-eritrea-ethiopia-ties-strengthen-idUSKCN1LL2GR/.
53 Ero, “Analysing Opportunities and Obstacles,” 223.
54 “Joint Declaration of Peace and Friendship between Eritrea and Ethiopia,” International Legal Materials 58, no. 1 (February 2019), 237-239, https://doi.org/10.1017/ilm.2019.4.