أسواق الكربون تكتسب زخماً غير مسبوق في الدول الخليجية الستة كافة: أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي بمعظمها تقريباً مبادرات مرتبطة بسوق الكربون تتراوح ما بين المنصات لتداول أرصدة الكربون الطوعية والتحالفات الوطنية للكربون والتي تشجّع على تداول الانبعاثات. وسيكون موضوع أسواق الكربون كذلك على رأس جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي القادم (COP29)، لحلّ القضايا التقنية والمنهجية.
أسواق الكربون توفّر مزايا جديدة للدول الخليجية: لا تعمل أسواق الكربون على إنشاء الحوافز الاقتصادية لخفض الانبعاثات وإزالتها فحسب، بل أيضاً على توفير المزايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للدول الخليجية.
أسواق الكربون لا تزال ناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي: تواجه أسواق الكربون في المنطقة تحديات هيكلية، بما في ذلك توافر البيانات حول الانبعاثات والإفصاح عنها. ولا بدّ من تحسين بناء القدرات المؤسّسية. وستستفيد الدول الخليجية من مواءمة أسواق الكربون المحلّية مع خطط التنويع الاقتصادي وتعزيز التعاون الإقليمي.
التداول في أرصدة الكربون لا تحلّ محلّ الابتكار واستعادة التنوّع البيولوجي: على الرغم من دور أسواق الكربون الأساسي في الاقتصاد البيئي، إلّا أنّها لا تستطيع أن تؤدّي دور الابتكارات المهمّ في الحدّ من انبعاثات الكربون. ولا بدّ من أن تتضافر الجهود الرامية إلى استعادة البيئات الملوّثة لتزداد فعّاليتها.
تسعى الدول الخليجية جاهدةً إلى الموازنة بين توسّعها الاقتصادي الذي يعتمد إلى حدّ كبير على صناعات الوقود الأحفوري، وممارسات اقتصادية مستدامة ذات انبعاثات منخفضة الكربون. وقد تعهّدت الدول الخليجية بمعظمها بالالتزام بأهداف خفض الانبعاثات في اتفاق باريس والتزمت بإدارة الكربون. قبل خمسة عشر عاماً، كانت الجهود الرامية إلى الحدّ من آثار تغيّر المناخ في منطقة الخليج إمّا ضئيلة أو منعدمة. ويشكّل التحوّل الحالي نحو التصدّي لتغيّر المناخ خطوة غير مسبوقة. وبالتزام الدول الخليجيّة بصافي الانبعاثات الصفريّة، تستكشف مجموعة متنوّعة من الحلول الممكنة على رأسها الاستثمار في الحلول الهندسية المنخفضة الكربون (مثل مصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والهيدروجين، واحتجاز الكربون وتخزينه) فضلاً عن تداول أرصدة الكربون (أو أسواق الكربون)، والتي بدأت تكتسب زخماً. قبل بضع سنوات فقط، كان الخيار الأخير غير وارد في الخليج، ومع ذلك تم إنشاء منصات لتداول أرصدة الكربون الطوعية في أنحاء المنطقة كافة في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، تستضيف قطر منذ العام 2016 فعاليات المجلس العالمي للبصمة الكربونية ومقرّه الرئيسي الدوحة. وفي العام 2021، تعاونت سوق أبو ظبي العالمية (ADGM) مع “إيركاربون” للتداول (AirCarbon Exchange ACX) وأنشأت البورصة وغرفة المقاصة لتداول أرصدة الكربون، بينما أنشأ بيت التمويل الكويتي “بيتك” انشاء أول منصة “كاربون أوفسيت” (Carbon Offset) في الكويت للحد من الانبعاثات الكربونية ضمن إطار الاستدامة. وفي العام 2022، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة السعودي و مجموعة تداول السعودية القابضة شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية. وفي العام 2023، أنشأت شركة ممتلكات القابضة، والتي تعتبر بمثابة صندوق الثروة السيادي البحريني، ، منصة صفاء الطوعية لتعويض انبعاثات الكربون. وفي العام نفسه، أنشأت سلطنة عُمان التحالف الأخضر الوطني وإطاراً عاماً لسياسات أسواق الكربون لتعزيز التشجير وتوفير الفرص الاقتصادية لأرصدة الكربون. وتختلف هذه الأسواق الطوعية عن أسواق الامتثال، حيث تقوم الهيئات المنظّمة بتداول التعويضات للالتزام بالتفويضات الحكومية المتعلّقة بتقليل الانبعاثات.
ولكن ما هي أسواق الكربون؟ وما هي فوائد تطبيق أسواق الكربون في منطقة الخليج؟ وما هو وضع أسواق الكربون الحاليّ في المنطقة؟ وما مدى أهميتها بالنسبة إلى الدول الخليجية التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الهيدروكربونات؟ وما هي التحديات التي تواجه تنظيم أسواق الكربون فيها؟
توفّر أسواق الكربون نظاماً لتداول الانبعاثات التي يتمّ تداولها من خلال تصاريح أو شهادات تسمّى “أرصدة الكربون”. ويعادل رصيد الكربون الواحد القابل للتداول طنّاً واحداً من ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادله من مكافئ ثاني أكسيد الكربون ( (e2COمن غازات الدفيئة المختلفة التي تمّ تقليلها أو إزالتها أو تجنبها. ويمكن الحصول على مكافئ ثاني أكسيد الكربون من مشاريع مؤهّلة، مثل التقاط غاز الميثان من مكبّات النفايات، أو إنتاج الطاقة باستخدام مصادر متجدّدة، أو زراعة الغابات لامتصاص ثاني أكسيد الكربون أو تنفيذ أنظمة إزالة تعتمد على التكنولوجيا لحجز الانبعاثات وتخزينها. تعمل أسواق الكربون وفق مبدأ العرض والطلب، شأنها شأن الأسواق الأخرى. ويأتي الطلب على أرصدة الكربون من الشركات أو الأفراد الذين يسعون إلى التعويض طوعاً عن انبعاثات غازات الدفيئة من خلال شراء أرصدة الكربون، ما يسمح لهم باحتساب انبعاثاتهم بشكل موثوق وشفّاف. ويكون مطوّر المشروع أو البائع أو مورّد أرصدة الكربون الجهة المسؤولة عن إزالة انبعاثات غازات الدفيئة أو تقليلها. وتقوم جهات حكومية أو مستقلّة بإصدار أرصدة الكربون والتحقّق منها، مثل “فيرا” (Verra) أو “غولد ستاندرد” (Gold Standard) أو “كلايمت أكشن ريزيرف” (Climate Action Reserve) أو سجل الكربون الأمريكي (ACR).1 وتخضع مشاريع أرصدة الكربون لعمليّة معقّدة تتضمّن التحقق والتسجيل والإصدار والتقاعد الرسميّ.
تؤدّي أسواق الكربون دوراً محورياً في معالجة انبعاثات الكربون وتعزيز جهود الاستدامة في أنحاء العالم كافة.2 وتتقسّم هذه الأسواق عموماً إلى أسواق الكربون القائمة على الامتثال وأسواق الكربون الطوعية، حيث يخدم كلّ منها أغراضاً مختلفة ويلبّي احتياجات الأعمال المتنوّعة. تنشئ الحكومات أسواق الامتثال وتنظّمها لتحقيق أهداف خفض الكربون التي تحدّدها السلطات بشكل أساسيّ. من ناحية أخرى، تعمل أسواق الكربون الطوعية بشكل مستقلّ عن التنظيم الحكومي، وتكون المشاركة فيها اختيارية بالكامل.
وتوصّلت الدول أخيراً، في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (مؤتمر الأطراف COP26)، في نوفمبر 2021، إلى اتفاق بشأن تفعيل المادة 6، التي توفّر إرشادات أساسية لنقل تخفيضات الانبعاثات بين الدول وتشجّع القطاع الخاص على الاستثمار في حلول صديقة للمناخ.3 وتقدّم المادة 6 من اتفاق باريس كذلك إطاراً جديداً للتعاون عبر الحدود قائماً على السوق يتضمّن آلية ائتمان مركزية جديدة مماثلة لآلية التنمية النظيفة (CDM).4 تنصّ المادة 6 على آليات سوقية وغير سوقية تشجّع الدول على التعاون لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات المنصوص عليها في مساهماتها المحدّدة وطنياً. على سبيل المثال، توفّر آليات السوق بموجب المادة 6.2 إطاراً للدول للدخول في اتفاقيات ثنائية ومتعدّدة الأطراف لنقل أرصدة الكربون بين البلدان، بينما تسمح المادة 6.4 للدول بتداول تخفيضات الانبعاثات أو نتائج التخفيف لتلبية أهداف خفض الانبعاثات الخاصة بها على أساس طوعي. كما وتنصّ المادة 6 على إنشاء آلية مركزية لتداول أرصدة الكربون بإشراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCC).5 وتهدف الدورة التاسعة والعشرين من مؤتمر الأطراف (COP 29)، التي تستضيفها العاصمة الأذربيجانية باكو بين 11 و22 نوفمبر2024، إلى حلّ عدد من القضايا العالقة المرتبطة بتفعيل المادة 6، بما في ذلك منهجيات التبادل والتفويض والترخيص والإبلاغ وغيرها.
لقد تعهّدت الدول الخليجية العربية بمعظمها بتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول العام 2050 تقريباً.6 وبما أنّ تكنولوجيات إزالة الانبعاثات لم تتطوّر بالكامل بعد، فإنّ الاعتماد على التقنيات الهندسيّة لإزالة الانبعاثات أو تجنّبها، مثل الطاقة المتجدّدة واحتجاز الكربون وتخزينه وتحسين كفاءة الطاقة، لن يكفي للوفاء بالتزامات إدارة الكربون في منطقة الخليج. وتوفّر أسواق الكربون حوافز اقتصادية للبائعين والمشترين لأرصدة الكربون، ما يساعد على تقليل الانبعاثات وتحقيق مكاسب اقتصادية وبيئية واجتماعية، بما في ذلك حماية التنوّع البيولوجي، بالإضافة إلى توفير فرص العمل وتحسين سبل العيش.
ونظراً لهيمنة الصناعات الكثيفة الكربون ووفرة الموارد الطبيعية، يمكن للدول الخليجية، إلى حدّ كبير، أن تبيع أرصدة الكربون وتشتريها. ويمكن للصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة مثل شركات النفط الوطنية، والبتروكيماويات، وشركات الطاقة وتحلية المياه أن تشتري أرصدة الكربون في سعيها إلى التعويض عن انبعاثاتها من الكربون. كما وأنّ الموارد الطبيعية مثل غابات المانغروف والمحيطات والجبال الغنية بالبريدوتيت والغابات، فضلاً عن توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تقدّم فرصاً محتملة لتوليد أرصدة الكربون. وتعمل دولٌ خليجية على تطوير أطر وطنية أو إقليمية لأرصدة الكربون قد تتضمّن أحكاماً لمشاريع احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.
لا يزال العرض والطلب على أرصدة الكربون في منطقة الخليج في مراحلهما الأولى، إلّا أنّ المناقشات حول أسواق الكربون تكتسب زخماً متزايداً. فقد أطلقت الدول الخليجية بمعظمها منصات لتداول أرصدة الكربون أو أبدت اهتمامها بالتعامل مع أسواق الكربون.
وقد اتّخذت البحرين خطوات ملحوظة لتحقيق هذه الغاية، حيث أبدت مساهماتها المحدّدة وطنياً اهتمامها بالتعامل مع آليات السوق والآليات غير السوقية للمشاركة في تعويض الانبعاثات. وتهدف البحرين تحديداً إلى تحقيق ذلك من خلال إنشاء مخزون الكربون الأزرق في خليج توبلي، وتعزيز دور زراعة أشجار المانغروف، وتحويل البحرين إلى مركز خدمات لتبادل الكربون.7 علاوة على ذلك، أطلق صندوق الثروة السيادية البحريني، في نوفمبر 2023، شركة ممتلكات البحرين القابضة (ممتلكات)، منصة “صفاء”8 الطوعية لتعويض انبعاثات الكربون. وتهدف المنصة إلى توفير وظيفة تعويض سهلة الاستخدام للانبعاثات التي يصعب الحدّ منها مثل تلك الناتجة عن الطيران والشحن والخدمات اللوجستية. وتسهّل المنصة الوصول إلى أرصدة الكربون العالية الجودة والمعتمدة عالمياً للأفراد والشركات.
من ناحية أخرى، لا تمتلك الكويت نظاماً لتداول الانبعاثات حتى الآن، إلّا أنّها أعربت عن اهتمامها بالالتزام بالمادة 6 من اتفاق باريس في مساهمتها المحدّدة وطنياً. وتعهّدت أيضاً باستخدام آليات التعاون الطوعي لتحقيق هدفها في خفض الانبعاثات بنسبة 7,4 في المئة المرتبطة بالعمليات اليومية بحلول العام 2035. وفي العام 2021، دعم بيت التمويل الكويتي إنشاء أول منصة لتعويض الكربون في الكويت بهدف الحدّ من انبعاثات الكربون من خلال زيادة زراعة الأشجار وإطلاق مشاريع بيئية جديدة. وعند إطلاق إطار عمل سوق الكربون في رواندا، على هامش مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28)، انضمّت الكويت إلى رواندا وسنغافورة في توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال أرصدة الكربون بما يتماشى مع المادة 6.2 من اتفاق باريس من خلال الاعتراف بنتائج التخفيف المنقولة دولياً (ITMOS).9
في إطار إظهار التزامها بالمادة 6 من اتفاق باريس، قامت سلطنة عُمان بتحديث مساهماتها المحدّدة وطنياً واستكملت المسودة النهائية لإطار السياسة العامة لأسواق الكربون.10 وتتضمّن هذه السياسة تفاصيلاً حول عمليات تسجيل شهادات خفض الكربون وإصدارها، وهياكل الرسوم، والمبادئ التوجيهيّة للشفافية والإبلاغ، والسجلات ذات الصلة، وغيرها من الأمور. وتسعى عُمان إلى ترسيخ مكانتها كمركز رائد لتداول الكربون في الشرق الأوسط. كما تدرك من خلال مساهماتها المحدّدة وطنياً أهمية حماية موارد الكربون الأزرق مثل أشجار المانغروف والأعشاب البحرية وغيرها من الموائل الساحلية الأخرى، سواء كمصارف كربونية قيّمة أو مصادر لأرصدة الكربون. صحيح أنّ عُمان لا تملك نظاماً طوعياً لتداول الانبعاثات، إلّا أنّها أنشأت تحالفاً وطنياً أخضر لتعزيز التشجير وتوفير الفرص الاقتصادية لأرصدة الكربون، معوّلة على إمكاناتها الكبيرة للمشاركة في الأسواق العالمية كبائع لأرصدة الكربون.11 وتشير التقديرات إلى أنّه يمكن لزراعة أشجار المانغروف في البلاد أن يولّد 150 مليون دولاراً من أرصدة الكربون.12 علاوة على ذلك، تستكشف شركة 44.01 القائمة في سلطنة عُمان دور الجبال الغنية بالبريدوتيت كشكل من أشكال التمعدن الطبيعي لانبعاثات الكربون وحلّ طبيعي لتخزين الكربون فضلاً عن إمكانات هائلة لتوليد أرصدة الكربون والمكاسب المالية في التعامل مع أسواق الكربون العالمية.13
أمّا قطر، فقد اتّخذت مساراً مختلفاً وسعت إلى العمل كمنسّق بين الجهات الفاعلة في الجنوب العالمي في سوق الكربون. لقد استضافت الدوحة المجلس العالمي للبصمة الكربونية، وهو أول برنامج طوعي معتمد دولياً للتعويض عن الكربون في المنطقة، والذي يشكّل المنصة العالمية الأولى التي تقع في الجنوب العالمي منذ إنشائها في العام 14.2016 وقد وضع المجلس معايير الائتمان الخاصة به، وفي العام 2021، حصل على الموافقة الكاملة بموجب خطة “كورسيا” لتعويض الكربون وخفضه في مجال الطيران الدولي (CORSIA) التابعة لمنظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة (ICAO).15
وتشهد أسواق الكربون في المملكة العربية السعودية نمواً غير مسبوق. يمكن للرياض أن تكون البائع والشاري لأرصدة الكربون في الوقت نفسه. وفي العام 2022، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة في المملكة وشركة مجموعة تداول السعودية القابضة شركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية (RVCMC)، والتي تُعرف اليوم بسوق الكربون الطوعية (VCM)، لتكون منصّة لتمكين التبادل الطوعي لأرصدة الكربون.16 وفي المزاد الطوعي الأول الذي نظّمته شركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية في أكتوبر 2022، تمّ بيع أرصدة تعادل 1,4 مليون طن من الكربون.17 وفي مزادها الطوعي الثاني الذي نظّمته في العاصمة الكينية نيروبي في يونيو 2023، أعلنت عن نجاح مزادها لأرصدة الكربون الذي بلغ أكثر من 2,2 مليون طن متري من الكربون، حيث اشترت أرامكو والشركة السعودية للكهرباء وإينووا (شركة تابعة لمشروع نيوم العملاق المملوك لصندوق الاستثمارات العامة) الكمية الأكبر من أرصدة الكربون.18
وبلغ سعر التصفية 6,27 دولاراً للطن المتري من أرصدة الكربون، ويُقدّر بأنّ 70 في المئة من الأرصدة المباعة على الأقلّ ارتبطت بمشاريع من دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما فيها المغرب ومصر.19 كما أعلنت ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻵﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﻴﻔﺔ في المملكة العربية السعودية (CDMDNA) في أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023، الذي عقد في الرياض في أكتوبر 2023، عن تشغيل آلية السوق المحلّية لتعويض وموازنة غازات الاحتباس الحراري (GCOM)، لتسهيل المشاركة المحلّية في مخطّط التعويض والعمل كأساس لتوليد أرصدة الكربون.20
ت الحالي، إلّا أنّها أطلقت في العام 2021 مبادرتين يمكن من خلالهما إصدار أرصدة الكربون. تهدف مبادرة السعودية الخضراء إلى إعادة تأهيل أكثر من 74 مليون هكتار من الأراضي واستعادة المساحات الخضراء الطبيعية في المملكة العربية السعودية من خلال زراعة 10 مليارات شجرة في أنحاء المملكة كافة.21 أمّا مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، فتهدف إلى زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء المنطقة، ما يعادل استعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.22
وأعربت الإمارات العربية المتحدة عن اهتمامها بالمشاركة في النهج التعاونية الطوعية بموجب المادة 6 من اتفاق باريس للوفاء بالتزاماتها بشأن الانبعاثات. فأنشأت في العام 2021 سجلّاً وطنياً ونظاماً لتداول أرصدة الكربون، البورصة وغرفة المقاصة لتداول أرصدة الكربون، والتي أنشأتها شركة “إيركاربون للتداول” ضمن سوق أبو ظبي العالمية قبل أن تحوّل مركز أعمالها إلى سنغافورة في أكتوبر 23.2024 ولتعزيز سوق الكربون وتوسيع نطاقه، أطلقت مؤسسة المسرّعات المستقلّة لدولة الإمارات العربية المتحدة للتغير المناخي (UICCA) في أبريل 2023 تحالف الإمارات للكربون الذي يضمّ شركات من مختلف القطاعات العاملة في تداول أرصدة الكربون.24 وفي سبتمبر 2023، تعهّد تحالف الإمارات للكربون بشراء أرصدة كربون أفريقية بقيمة 450 مليون دولار بحلول العام 25،2030 في خطوة تهدف إلى تعزيز التواصل مع أسواق الكربون العالمية كمشترٍ للأرصدة. ويساعد هذا على إطلاق إمكانات بناء أرصدة الكربون في أفريقيا ويدعم التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتعهداتها المناخية.
إلى جانب الحوافز الاقتصادية لخفض الانبعاثات، تقدّم أسواق الكربون مزايا متعدّدة للدول الخليجية في سعيها لإدارة الكربون والتزامها تجاه أهداف صافي الانبعاثات الصفرية. وتشمل هذه المزايا تحفيز الشركات على الاستثمار في مجال البحث والابتكار لتطوير حلول أكثر فعاليّة لخفض الانبعاثات وبدلات الشراء أو الاستثمار في التعويضات، وفتح أسواق جديدة. وتُعد شركة 44.01 العُمانية، التي حازت على جائزة إيرث شوت(Earthshot prize) في العام 2022، مثالاً على الشركات المبتكرة في مجال الائتمان الكربوني. فقد طوّرت تقنيّة تعمل على تسريع امتصاص الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى صخور من خلال معدنته في البريدوتيت – وهي نوع من الصخر يمكن إيجاده في عُمان وأمريكا وأوروبا وآسيا وأسترالاسيا.
تشجّع أسواق الكربون كذلك على استعادة التنوّع البيولوجي والنظم البيئية الطبيعية من خلال توفير حوافز نقدية للاستثمار في مشاريع مثل إعادة التحريج التي تسهم في خفض الانبعاثات أو عزلها. وتخطّط الدول الخليجية بمعظمها تقريباً لتوسيع نطاق زراعة أشجار المانغروف وحماية النظم البيئية الساحلية لدعم الاقتصاد الأزرق فضلاً عن إصدار أرصدة الكربون المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأسواق الكربون أن تؤمّن مصادر دخل جديدة يُعاد استثمارها في العمل المناخي. ويمكن استخدام العائدات الناتجة عن مزاد حصص الكربون أو بيع الأرصدة لتمويل مشاريع التكيّف مع تغيّر المناخ والحدّ من آثاره. ويرتبط كل ذلك بفوائد الاستخدام المشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الزخم القائم لاعتماد أسواق الكربون في منطقة الخليج يسهم في رفع مستوى الوعي وتعزيز الخبرات تدريجياً لدى أصحاب المصلحة حول حساب الانبعاثات الكربونية، وأنظمة أرصدة الكربون وجودتها ومعاملاتها، ما يزيد من وعي المستهلكين والطلب على المنتجات والخدمات المنخفضة الكربون. وتشكّل الخبرة في تداول أرصدة الكربون نقطة انطلاق أساسية في مواجهة التحدّيات الناشئة المرتبطة بآليات تعديل حدود الكربون التي أطلقها الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك، يمهّد هذا المسار لاعتماد سياسات تسعير الكربون، والتي تمثّل أداةً مكمّلة يمكن أن تساعد في خفض الانبعاثات، وتحديداً من القطاعات ذات الانبعاثات الكثيفة، فضلاً عن توفير مصادر دخل جديدة.
ويضع تسعير الكربون تكلفة مباشرة على المحتوى الكربوني للوقود الأحفوري ويتم تنفيذه كوسيلة لخفض الانبعاثات وتوجيه الاستثمارات نحو خيارات نظيفة. واستناداً إلى تصميمه، يمكن أن يسهم في توليد إيرادات للحكومة يُعاد استخدامها لصالح المواطنين أو تُوجَّه لدعم الصناعات المتضرّرة أو تمويل مشاريع إزالة الكربون.26 يبعث تسعير الكربون إشارة اقتصادية للصناعات ذات الانبعاثات الكثيفة لتختار بين مواصلة التلوث وتحمّل التكاليف أو الاستثمار في خيارات بديلة أنظف. حتى الآن، فرضت 39 دولة ومدينة ضرائب على الكربون، تتراوح بين 0,46 دولار و67 دولار لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.27 ولم تحدّد أي من الدول الخليجية سعراً للكربون حتى الآن.
وتتمثّل إحدى المخاوف الرئيسية التي تواجها الدول الخليجية، والتي تعتمد بشكل كبير على عائدات تصدير النفط، في أن يثني تحديدُ سعر الكربون الاستثمارَ الأجنبي المباشر ويمنع التوسّع في قطاع النفط. وحتى الآن، تخطّط الدول الخليجية كافة لمواصلة إنتاج النفط والغاز، وتستخدم إستراتيجيات لتأمين أسواق طويلة الأجل لصادراتها من الهيدروكربونات. ولم تفصل هذه الدول قطاع الهيدروكربون عن الإنفاق الحكومي بعد. في الواقع، تعتمد مشاريع التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج اليوم إلى حدّ كبير على عائدات تصدير الهيدروكربونات، والتي من دونها قد تتأخّر مبادرات التنمية البديلة هذه أو تفقد فعاليتها. وبالتالي، يتعارض تطبيق تسعير الكربون في الأمد القريب مع طموحاتها الاقتصادية في توسيع قطاع الهيدروكربون وتمويل مشاريع التنويع الاقتصادي. ويبدو أنّ الجمع ما بين تسعير الكربون ودعم الوقود الأحفوري قد يؤدّي إلى نتائج عكسيّة. ولا بدّ من أن يشكّل إصلاح الدعم الخطوة الأساسية الأولى التي تسبق تطبيق تسعير الكربون. إلّا أنّ المسألة تبقى معقّدة إذ أنّ رفع تكلفة الوقود الأحفوري بشكل كبير في الدول النفطية قد يتسبّب بصدمات للسكان ويولّد عواقب سياسية سلبية.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل جودة تعويض الكربون إحدى القضايا العالمية المثيرة للقلق في أسواق الكربون. وتُعتبرَ أنظمة الرصد والإبلاغ والتحقّق الصارمة جوهريّة بالنسبة إلى أسواق الكربون، لضمان أن تكون تخفيضات الانبعاثات فعلية وقابلة للقياس. كما وتضمن تعزيز الإضافية البيئية والاستمرارية، وهما عنصران أساسيان للحفاظ على مصداقية أسواق الكربون وفعّاليتها في دفع تخفيضات الانبعاثات الفعلية والمساهمة في العمل المناخي الحقيقي. لا تزال أسواق الكربون في مراحلها الأولى، ونظراً لتعقيد حساب التعويضات وتوليد الأرصدة، تشكّل القدرات المؤسّسية والبشرية، فضلاً عن الوعي حول أسواق الكربون وفهمها من قِبَل الحكومات والقطاع الخاص، تحدّياً كبيراً لإطلاق أسواق كربون قوية في منطقة الخليج.28 ومن شأن استخدام تكنولوجيا سوق الكربون في المنصات الحديثة، مثل منصات التداول، أن يساعد على تفعيل المعالجة الآلية، بما في ذلك التسوية الفورية.
يمثّل توافر البيانات والإفصاح عنها عقبة كبيرة أخرى أمام تقدّم أسواق الكربون في المنطقة. وفي حين يفتقر عدد من الشركات إلى القدرة على مراقبة الانبعاثات والإبلاغ عنها، تتردّد شركات أخرى في الإفصاح عنها بشكل علني. وقد يعود ذلك جزئياً إلى مخاوفها من إمكانية فرض قواعد تنظيمية حكومية صارمة على الانبعاثات نتيجة الإفصاح العلني عن هذه المعلومات.29
وأخيراً، قد يحدّ تناثر السوق من قدرة الدول الخليجية على تحقيق أقصى استفادة من فوائد أسواق الكربون: يمكن للدول الخليجية أن تستفيد من دمج أسواق الكربون والتعاون في تداول أرصدة الكربون على مستوى إقليمي، وخاصة نظراً لقدراتها المتباينة في الشراء والبيع. يمكن أن تسهم سوق الكربون الموحّدة في تعزيز خبراتها التقنية من خلال تمكين التعاون وتبادل المعرفة. وقد يؤدّي ذلك بدوره إلى تقليل العقبات التقنية المرتبطة بشفافية البيانات وجودة أرصدة الكربون، ما يجعل المنطقة وجهة جذابة لتجّار الكربون في العالم.
لقد اكتسبت أسواق الكربون زخماً غير مسبوق في جميع الدول الخليجية الستة، ما يمثّل تحولاً كبيراً نحو التنمية الاقتصادية المنخفضة الكربون. وقد أطلقت هذه الدول بمعظمها مبادرات تتعلّق بسوق الكربون، بدءاً من منصات تبادل أرصدة الكربون الطوعية إلى تحالفات الكربون الوطنية. وتوفّر أسواق الكربون مزايا عديدة، إلى جانب الحوافز الاقتصادية لخفض الانبعاثات، مثل تحفيز الابتكار، واستعادة التنوّع البيولوجي، وخلق مصادر دخل جديدة، وتوفير فرص العمل. ويتعيّن على الدول الخليجية أن تدرج بشكل صريح أسواق الكربون العالمية في مبادراتها الخاصة من أجل تحقيق أهداف خفض الانبعاثات. كما عليها أن تسعى إلى الاستفادة من آليات السوق لتعزيز خفض الانبعاثات بشكل فعّال من حيث التكلفة ودعم العمل المناخي في بلدان أخرى من خلال تمويل الأنشطة المناخية. ومع ذلك، تواجه هذه الأسواق التي لا تزال في مراحلها المبكرة، تحدّيات مثل محدودية توافر بيانات الانبعاثات والإفصاح عنها، والفجوات في القدرات المؤسّسية والبشرية. ويمكن للدول الخليجية التغلّب على هذه التحديات وتحقيق أقصى قدر من الفوائد من خلال:
وفي الختام، صحيح أنّ دور أسواق الكربون أساسي في الاقتصاد البيئي، لكنّها لا تحلّ محلّ الابتكارات واستعادة التنوع البيولوجي في الحدّ من الانبعاثات الكربونية. ولا بدّ من أن تتضافر الجهود الرامية إلى استعادة البيئات الملوثة لتزداد فعّاليتها.