من المنفى إلى المجهول:

اللاجئون السوريون في لبنان والعودة إلى الوطن

مذكرة سياسات، مايو 2025
زميلة زائرة مشتركة

20 مايو، 2025

أعاد سقوط نظام الأسد بعد نحو 14 عاماً من الحرب الأمل لكثير من اللاجئين السوريين بإمكانية العودة إلى الوطن بعد طول انتظار. وشكّل هذا التحوّل كذلك خبراً ساراً لحكومات الدول المضيفة، لا سيّما لبنان، الجار الأقرب لسوريا، حيث يزعم عدد من السياسيين أنّ وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين يشكّل عبئاً كبيراًُ على موارد البلاد المحدودة.

 

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 400 ألف لاجئ من أصل نحو 6 ملايين إلى سوريا منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.1 وقد استغلّ أعضاء في الحكومة والبرلمان اللبناني هذا التطوّر لتكثيف دعواتهم إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.2

 

وشدّد الرئيس جوزاف عون، في خطابه الرئاسي الأول في يناير الماضي، على أهمّية إطلاق حوار “جاد” مع الحكومة السورية الجديدة، يتضمّن معالجة أزمة اللاجئين.3 وفي لقاء جمع بين الرئيس عون والمفوّض السامي للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين بعد أيام، طلب عون دعم المجتمع الدولي لتسهيل “عودة اللاجئين السوريين السريعة”، مشيراً إلى أنّ الظروف التي أدّت إلى تهجيرهم لم تعد قائمة.4

 

لطالما دعت الحكومة اللبنانية إلى عودة اللاجئين السوريين، في وقت حمّلهم فيه بعض السياسيين اللبنانيين مسؤولية التدهور الاقتصادي والاجتماعي، بذريعة الأعباء التي يُقال إنّ وجودهم فرضها على الاقتصاد والموارد.5 وفي مارس 2025، قدّم تكتل من النواب مشروع قانون لتنظيم عودة اللاجئين السوريين.6 وقد تصدّرت قضية اللاجئين أيضاً أجندة الاجتماعات الأخيرة بين المسؤولين اللبنانيين والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.7

 

وفوق الضغوط السياسية التي يرزح تحتها اللاجؤون السوريون في لبنان، فهم يواجهون تحدّيات أخرى، على رأسها إطار قانوني غامض ومقيّد، وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية وتراجع المساعدات الدولية. وتُشكّل هذه العوامل مجتمعة ضغطاً قد يدفع بالكثير منهم إلى العودة المبكرة إلى سوريا، حيث لا تزال من التحدّيات السياسية والاقتصادية والمؤسّسية المستمرّة تعيق عودتهم الجماعية.

 

ومع تصاعد الضغوط على اللاجئين السوريين لمغادرة لبنان، لا بدّ من بذل كلّ جهد ممكن لضمان أن تكون عودتهم آمنة وكريمة وطوعية، وبما يتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.8

 

 

مواجهة العداء في لبنان

 

لا يزال لبنان يستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين. وبينما بلغ عدد المسجّلين رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو 750 ألف لاجئ حتى 31 ديسمبر 2024،9 تُقدّر الحكومة اللبنانية أنّ العدد الفعلي يتجاوز 1,5 مليون لاجئ.10 وعلى الرغم من استمرار الأزمة لسنوات طويلة، لا يزال اللاجئون السوريون في لبنان يعيشون في حالة قانونية مبهمة نتيجة المقاربة المجزّأة التي تنتهجها الحكومة اللبنانية في إدارة هذا الملف.11 في أكتوبر 2014، ومع تزايد أعداد اللاجئين السوريين الذين يعبرون الحدود إلى لبنان، أوقفت الحكومة تسجيلهم لدى المفوضية، وأعادت النظر في فئات الدخول ومتطلّباتها، كما فرضت قواعد جديدة لتجديد الإقامات.12 ومنذ ذلك الحين، أصدرت الحكومة اللبنانية والمديرية العامة للأمن العام سلسلة من السياسات العشوائية والمتناقضة بشأن اللاجئين السوريين، ما جعل من الصعب عليهم الحفاظ على وضع قانوني سليم والعمل في القطاع النظامي. ومن بين التحدّيات الأخرى التي يواجهونها تبرز ضرورة تقديم مستندات قانونية (قد تكون مفقودة أو مكلفة لاستخراجها)، إلى جانب الرسوم المرتفعة للحصول على تصاريح الإقامة والعمل.13 ونتيجة لذلك، بحلول العام 2023، لم يكن سوى نحو 20 في المئة من السوريين المقيمين في لبنان ممّن تجاوزوا سن الخامسة عشرة يحملون تصاريح إقامة سارية ،14 في حين لم يتجاوز عدد تصاريح العمل الصادرة للسوريين في العام نفسه 2,500 تصريح.15

 

وقد أثّرت حملات التضييق على السوريين غير الحائزين على الأوراق القانونية، بما في ذلك المداهمات على المخيّمات والاعتقالات والترحيل، في حرية حركتهم وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.16 ووفقاً لتقارير المفوضية، تمّ ترحيل ما لا يقلّ عن 5,600 لاجئ سوري بين 1 يناير و21 أكتوبر 17.2024 وفي مختلف المناطق اللبنانية، اتّخذت البلديات تدابير أمنية إضافية، منها فرض حظر على تجوّل اللاجئين السوريين في أوقات محدّدة، فيما طلبت بلديات بعض البلدات الجنوبية من السوريين عدم العودة إليها عقب وقف إطلاق النار مع إسرائيل، بسبب النقص في المساكن.18

 

وفي العام 2024، أعادت الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع المديرية العامة للأمن العام، تفعيل خطة لإعادة اللاجئين19 كانت قد طُرحَت أوّل مرّة في العام 2022، ويُفتَرض أنّها تهدف إلى تسهيل “العودة الكريمة والآمنة” للاجئين السوريين.20 وفي ظل الحكومة الجديدة، جدّدت اللجنة الوزارية المكلّفة بمعالجة قضية النازحين السوريين التأكيد على “الموقف اللبناني الثابت في رفض التوطين، أيّاً كانت أشكاله”.21 وقد ساهمت هذه السياسات التقييدية وتدهور الظروف المعيشية في لبنان، في زيادة الضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلدهم.22

 

وفي السنوات الأخيرة، ساهم الخطاب العدائي لبعض السياسيين اللبنانيين، إلى جانب الحملات الإعلامية المناهضة للاجئين، في خلق بيئة عدائية متزايدة تجاه السوريين، من خلال نشر معلومات مضلّلة وتأجيج التوتّرات الاجتماعية مع المجتمعات المضيفة. وأظهر استطلاع للرأي أُجري في أكتوبر 2024 عقب تصاعد الأعمال العدائية الإسرائيلية في لبنان، حول تصوّرات اللبنانيين والسوريين للتوتّرات الاجتماعية، أنّ أكثر من 47 في المئة من المشاركين اعتبروا التنافس على الخدمات والمرافق مصدراً للتوتّر بين المجتمعين.23 كذلك، أبدى أكثر من 80 في المئة من المستطلَعين موافقتهم أو “موافقتهم الشديدة” على أنّ المواطنين اللبنانيين مهمّشون في برامج المساعدات الدولية.24

 

وقد ازدادت هشاشة أوضاع معظم اللاجئين السوريين في لبنان سوءاً منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد في العام 2019. ففي العام 2023، كان 76 في المئة منهم يعيشون تحت خطّ الحد الأدنى لسلة الإنفاق، وهو مستوى الدخل الضروري لتغطية الاحتياجات الأساسية، ما دفع بالكثيرين إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية والاقتراض غير الرسمي لتلبية احتياجاتهم.25 وفي الوقت ذاته، بدأ الاهتمام الدولي وتمويل الاستجابة لأزمة اللاجئين يتراجع، ومن المرجّح أن يؤدّي قرار إدارة ترامب بتجميد المساعدات المالية الأمريكية إلى تفاقم هذا التراجع.26 وفي أبريل 2025، أبلغت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المستفيدين بأنّها بصدد إعادة تقييم أولويات تمويلها للتركيز على التدخلات الطارئة والإنسانية المنقذة للحياة، مع تقليص بعض الخدمات، مثل برنامج المساعدات النقدية.27

 

تزايد الرغبة في العودة

 

في حين يزيد تدهور الأوضاع في لبنان الضغوط على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم، يبقى قرار العودة مرتبطاً أيضاً بالوضع في سوريا، إذ لا تزال تحدّيات عديدة تعيق العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين. ويعتمد نجاح المرحلة الانتقالية في البلاد على استقرار الوضع الأمني وتجاوز التحدّيات السياسية والاقتصادية والمؤسّسية، فضلاً عن معالجة قضايا العدالة الانتقالية والمصالحة وحقوق الإنسان.

 

وفي محاولة لمعالجة بعض هذه التحدّيات، نظّمت الحكومة الانتقالية حواراً وطنياً في دمشق في نهاية فبراير 2025. وبينما أقرّ البيان الختامي بـ “تضحيات… المهجّرين السوريين”، لم يتطرّق صراحةً إلى مسألة عودة اللاجئين.28 فضلاً عن ذلك، كان تمثيل اللاجئين السوريين في الحوار محدوداً. وتشير المناقشات الثنائية الأخيرة بين الوفدين اللبناني والسوري إلى الاستعداد لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، إلّا أنّ الحكومة الانتقالية، حتى كتابة هذه الأسطر، لم تقدّم أي خطة أو إستراتيجية ملموسة لتحقيق ذلك.29

 

ومع ذلك، يزداد عدد اللاجئين السوريين في لبنان الذين ينوون العودة. فقد أفاد نحو 24 في المئة من المشاركين في استطلاع عاجل أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن التصوّرات ونوايا العودة في يناير 2025، بأنّهم ينوون العودة إلى سوريا في الأشهر الاثني عشر المقبلة “لإعادة بناء حياتهم”، وأعربت الغالبية منهم عن رغبتهم في العودة إلى مسقط رأسهم. في المقابل، لم تتجاوز نسبة من عبّروا عن نية مماثلة في استطلاع أبريل 2024 نحو 2 في المئة، كما أشار 56 في المئة من المشاركين إلى نيّتهم العودة في السنوات الخمسة المقبلة، بينما أعرب 81 في المئة منهم عن أملهم في العودة يوماً ما.30 وحدّد المشاركون عدداً من العوامل في سوريا التي تؤثّر في قرارهم بالعودة، أبرزها توفّر السكن ووضع الملكيات (69 في المئة)، وتوفّر الخدمات (40 في المئة)، والأمن والسلامة (45 في المئة)، والتحدّيات الاقتصادية (54 في المئة).31

 

وبالفعل، يأخذ اللاجئون السوريون في الاعتبار عدداً من العوامل عند اتخاذ قرار العودة إلى سوريا وتوقيته.32 من بين هذه العوامل ما إذا كان أفراد من عائلاتهم أو من مجتمعاتهم قد عادوا بالفعل أو يخطّطون للعودة. ولحالة ممتلكاتهم وأوضاع مسقط رأسهم دور مهمّ، وكذلك توفّر السكن والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحّية والتعليم، لا سيما بالنسبة إلى الأسر التي لديها أطفال. وبالنسبة إلى هؤلاء، تشكّل التحدّيات المحتملة في الانتقال إلى التعليم النظامي في سوريا عاملاً آخر. لم تتمكّن بعض الأسر السورية من تسجيل أطفالها حديثي الولادة أو عقود زواجها في لبنان (بسبب الرسوم المرتفعة أو فقدان الوثائق القانونية)، وتخشى مواجهة صعوبات قانونية عند العودة.

 

كذلك، تشكّل الأوضاع الاقتصادية الحالية في سوريا، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الفرص الاقتصادية، عوامل مهمّة تؤثّر في قرار اللاجئين بالعودة، خصوصاً من دُمّرت منازلهم أو من لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم الأصلية، نظراً إلى أنّ تكاليف إعادة البناء أو الترميم أو استئجار المساكن تُعدّ من الاعتبارات الأساسية. ومن العوامل الأخرى التي تؤخذ في الحسبان المنطقة الجغرافية التي ينحدر منها اللاجئون داخل سوريا، إذ تعرّضت محافظات معيّنة لأضرار أكبر بكثير من غيرها. وتواجه النساء والأسر التي تعيلها نساء مخاوف خاصة تتعلّق بالحماية والسلامة. ومع ذلك، قد يختار بعض اللاجئين السوريين البقاء في لبنان لأسباب مختلفة، منها تأسيسهم أعمال تجارية أو شراؤهم منازل أو رغبتهم في تجنّب انقطاع تعليم أطفالهم.

 

وقد أشار نحو 61 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إلى اهتمامهم بإجراء زيارات “استطلاعية” إلى سوريا.33 وأعرب الراغبون في العودة عن حاجتهم إلى دعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بما في ذلك المساعدة في النقل وتقديم منح مالية لتغطية الاحتياجات الأساسية وإعادة بناء منازلهم. وفي هذا الإطار، أنشأت المفوضية في أوائل 2025 إطاراً عملياً لعودة اللاجئين السوريين والنازحين داخلياً،34 وأطلقت مؤخّراً منصّة تهدف إلى مساعدة اللاجئين السوريين على اتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن العودة. يشمل دعم المفوضية للعائدين من اللاجئين السوريين منحة لمرّة واحدة للعودة وإعادة الاندماج، وبعض الدعم للنقل، فضلاً عن مساعدات محدودة متعلّقة بالسكن، بما في ذلك الترميمات المتوسّطة. ولم تعلن الحكومة الانتقالية عن أي خطط لإنشاء مراكز إيواء جماعية.35 وبالنظر إلى حجم الدمار الواسع في سوريا، وتدهور الخدمات الأساسية في بعض المحافظات، من غير المرجّح أن يكون هذا الدعم كافياً.

 

ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيكون المجتمع الدولي مستعدّاً لدعم العملية الانتقالية في سوريا، خصوصاً في ظل استمرار تأثير العقوبات. وعلى الرغم من الأثر الإيجابي لتخفيف الاتحاد الأوروبي لبعض العقوبات في قطاعات اقتصادية رئيسة (مثل تطوير البنية التحتية)، لا تزال العقوبات المالية الأمريكية قائمة، وتمنع النظام المصرفي السوري من التعامل مع النظام المصرفي الدولي ودعم التجارة.36 على الرغم من إعلان ترامب الأخير عن رفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، من المرجّح أن تكون هذه العملية طويلة ومعقّدة.37 وحتى ذلك الحين، ستواصل العقوبات تأثيرها السلبي في قدرة الحكومة الانتقالية على إنعاش الاقتصاد وبدء جهود التعافي وإعادة الإعمار، في الوقت الذي تعيق فيه أيضاً جهود فاعلين آخرين، مثل الجهات المانحة الدولية، في تقديم المساعدات والخدمات الأساسية التي يحتاج إليها السكان بشدّة، بمن فيهم العائدون. كما بدأت آثار خفض إدارة ترامب لمخصصات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تظهر في سوريا. فقد أظهر مسح أُجري على 16 جهة مانحة أمريكية في شمال غرب سوريا أنّ هذه التخفيضات أثّرت في برامج من مختلف القطاعات، بما في ذلك المساعدات الغذائية، والحماية، والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، والرعاية الصحية.38

فضلاً عن ذلك، شهدت سوريا في مارس 2025 أعنف الاشتباكات منذ سنوات، ما أعاد التذكير بمدى هشاشة الوضع في البلاد. وأسفرت هذه الاشتباكات بين القوات الأمنية المرتبطة بالحكومة ومؤيّدي الأسد في المناطق الساحلية (اللاذقية وجبلة وبانياس) عن مقتل أكثر من ألف مدني، معظمهم من الأقليات، على يد القوات الحكومية.39 وبينما بدأ بعض اللاجئين السوريين بالعودة من لبنان إلى سوريا (سواء طواعية أو قسراً)، فرّ نحو 30 ألف سوري إلى لبنان منذ اندلاع هذه الاشتباكات.40 وقد سلّط استمرار خطاب الكراهية والاشتباكات داخل سوريا، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الدرزية جنوب دمشق،41 الضوء على حالة التفكك التي تعيشها البلاد، وعلى محدودية سيطرة الحكومة على بعض المناطق.

 

 

الخلاصة وتوصيات السياسات

 

على الرغم من سقوط نظام الأسد، ستكون عودة اللاجئين السوريين عملية طويلة ترتبط بعوامل متعدّدة في كل من لبنان وسوريا. ويجب أن تكون الجهود الرامية إلى تمكين هذه العودة جزءاً أساسياً من المرحلة الانتقالية في سوريا. وقبل كل شيء، وبما يتماشى مع المبادئ الإنسانية الدولية، ينبغي أن تظلّ عودة اللاجئين آمنة وكريمة وطوعية، مع ضرورة التزام الدول المضيفة، بما في ذلك لبنان، بمبدأ عدم الإعادة القسرية.

 

ولتمكين اللاجئين السوريين من اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة، ينبغي السماح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم لتقييم الأوضاع هناك، مع ضمان حقّهم في العودة مجدّداً إلى لبنان. وقد سمحت تركيا بالفعل بمثل هذه الزيارات الاستطلاعية،42 وفي لبنان، تجري المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مناقشات مع الحكومة اللبنانية بشأن ترتيبات مماثلة. وكخطوة أولى وجزء من جهود أوسع، تُعد هذه الزيارات مهمّة ليس لتمكين اللاجئين السوريين من تقييم الوضع في بلدهم فحسب، بل أيضاً لإتاحة الفرصة أمامهم لبدء الترتيبات اللازمة لعودتهم الطويلة الأمد عندما تسمح الظروف بذلك.

 

من شأن تسهيل هذه الزيارات أن يبدد مخاوف اللاجئين السوريين من احتمال منعهم من العودة إلى لبنان، وخصوصاً أولئك الذين لا يحملون إقامات قانونية، في حال تبيّن لهم أنّ الأوضاع في سوريا لا تزال غير ملائمة للعودة، أو في حال تدهورت الأوضاع مجدّداً. ويُعدّ ضمان حق العودة إلى لبنان شرطاً أساسياً لضمان التزام لبنان بالاتفاقيات الدولية ومبدأ عدم الإعادة القسرية.43 وسيتطلّب تسهيل هذه الزيارات تخفيف القيود والإجراءات الحالية الخاصة بإصدار تصاريح الإقامة وتجديدها (مثل إعفاء بعض المستندات المطلوبة أو إلغاء بعض الرسوم ذات الصلة)، نظراً إلى أنّ الكثير من السوريين يتجنّبون مراجعة المديرية العامة للأمن العام خشية الترحيل أو الاحتجاز. كما يتطلّب ذلك تنسيقاً بين جهات متعدّدة، بما في ذلك الحكومة اللبنانية والمديرية العامة للأمن العام والحكومة السورية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك لتنظيم ترتيبات النقل وتسهيل عبور الحدود.

 

كذلك، يؤدّي المجتمع الدولي دوراً محورياً في هذا السياق، في إطار مبدأ تقاسم المسؤولية العالمية تجاه اللاجئين. ويتعيّن على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والجهات المانحة والاتحاد الأوروبي والجهات الإقليمية، مواصلة دعم الدول المضيفة كلبنان للاستجابة لاحتياجات اللاجئين محلّياً (على سبيل المثال من خلال استمرار تقديم الدعم المالي والتقني). وبالتوازي، يجب على الجهات الدولية والإقليمية، بما فيها الحكومة اللبنانية، دعم تعافي سوريا وتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأمان وكرامة.

 


الهوامش
1 United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR), “UNHCR: Needs Intensify as 400,000 Syrians Return,” April 11, 2025, https://www.unhcr.org/news/briefing-notes/unhcr-needs-intensify-400-000-syrians-return.
2 “Hajjar: No New Syrian Refugee Camps, Focus on Temporary Stay and Voluntary Return,” National News Agency (NNA) Lebanon, December 23, 2024, https://nna-leb.gov.lb/en/politics/747714/hajjar-no-new-syrian-refugee-camps-focus-on-tempor.
3 “Weapons, Justice, Syria: Joseph Aoun’s Inaugural Speech,” L’Orient Today, January 9, 2025, https://today.lorientlejour.com/article/1442764/weapons-justice-syria-joseph-aouns-acceptance-speech.html.
4 “Lebanon’s President Joseph Aoun urges swift return of Syrian refugees in meeting with UNHCR chief,” LBC International, January 23, 2025, https://www.lbcgroup.tv/news/lebanon-news/832992/lebanons-president-joseph-aoun-urges-swift-return-of-syrian-refugees-i/en.
5 Associated Press, “Mikati Calls for Syrian Refugees in Lebanon to Return Home Citing Strain on Resources,” EuroNews,  December 12, 2024,  https://www.euronews.com/2024/12/15/mikati-calls-for-syrian-refugees-in-lebanon-to-return-home-citing-strain-on-resources.
6 “تنظيم عودة النازحين السوريين” اقتراح جديد من “لبنان القوي”.. ماذا في مضمونه؟، Lebanon Files، 13 مارس 2025، https://www.lebanonfiles.com/articles/%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%91%d8%a9/%d8%aa%d9%86%d8%b8%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b2%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ad/
7 AFP, “Salam Met Sharaa in Damascus to ‘Open a New Page,’” L’Orient Today, April 14, 2025. https://today.lorientlejour.com/article/1455992/borders-refugees-and-security-salam-visits-damascus-with-mps.html
8 تستند مذكّرة السياسات هذه إلى مراجعة مكتبية شاملة واجتماعات تشاورية مع باحثين وخبراء وناشطين سوريين، من ضمنهم ممثّلين عن مراكز بحوث ومنظّمات غير حكومية في لبنان وسوريا والخارج.
9 UNHCR Operational Data Portal, “Syrian Regional Refugee Response – Lebanon,” (accessed May 5, 2025), https://data.unhcr.org/en/situations/syria/location/71.
10 UNHRC, “UNHCR Lebanon at a Glance,” accessed May 5, 2025, https://www.unhcr.org/lb/about-us/unhcr-lebanon-glance.
11 Maja Janmyr, “Precarity in Exile: The Legal Status of Syrian Refugees in Lebanon,” Refugee Survey Quarterly 35, no. 4 (November 2016): 58–78, https://doi.org/10.1093/rsq/hdw016.
12 Janmyr, “Precarity in Exile.”
13 Maysa Baroud and Nour Zeidan, Addressing the Challenges Faced by Syrian Refugees Working in the Informal Economy: Case Studies from Lebanon and Jordan, Policy Brief, (Beirut, Lebanon: Issam Fares Institute for Public Policy & International Affairs, January, 2021), https://www.aub.edu.lb/ifi/Documents/publications/policy_briefs/2020-20/20210101_addressing_challenges_faced_by_syrian_refugees_brief.pdf.
14 UNHCR, World Food Program (WFP), and United Nations International Children’s Emergency Fund (UNICEF), Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon 2023, (Beirut, Lebanon: UNHCR), 35, https://reliefweb.int/report/lebanon/vasyr-2023-vulnerability-assessment-syrian-refugees-lebanon.
15 وزارة العمل اللبنانية، “تقرير إجازة أول مرة الموافق عليها الممنوحة للأجانب وتوزيعها حسب الجنسية والمهنة بين 1/1/2023 و12/31/2023″، 7 فبراير 2024، https://www.labor.gov.lb/Temp/Files/831605eb-bf72-42f0-8a75-8b3dd014e785.pdf، وزارة العمل اللبنانية، “تقرير الإجازة المجدّدة الموافق عليها الممنوحة للأجانب وتوزيعها حسب الجنسية والمهتة بين 1/1/2024 و12/31/2023″، 7 فبراير 2024، https://www.labor.gov.lb/Temp/Files/e89e7337-6da4-42cb-92ef-995bfa73ae9c.pdf.
16 Maja Janmyr and Maysa Baroud, Lebanon’s Refugee Return Agenda: Negotiating Global Protection Norms and Responsibility Sharing, Analysis Paper (Beirut, Lebanon: Issam Fares Institute for Public Policy & International Affairs), May 14, 2024. https://www.aub.edu.lb/ifi/Documents/Lebanon%27s_Refugee_Return_Agenda_Negotiating_Global_Protection_Norms_and_Responsibility_Sharing.pdf.
17 United Nations Secretary-General, Implementation of Security Council Resolution 1701 (2006) During the Period from 21 June to 20 October 2024: Report of the Secretary General, (New York, USA: United Nations Security Council, November 13, 2024), 13,  https://digitallibrary.un.org/record/4067697?v=pdf#files.
18 “Habboush Municipality Calls on Syrians Not to Return until Further Notice,” L’Orient Today, December 1, 2024, https://today.lorientlejour.com/article/1437683/habboush-municipality-calls-on-syrians-not-to-return-until-further-notice.html.
19 “Lebanon resumes ‘voluntary’ repatriations of Syrians,” France 24, May 14, 2024, https://www.france24.com/en/live-news/20240514-lebanon-resumes-voluntary-repatriations-of-syrians
20 “President Aoun Briefed by Minister Charafeddine on Ongoing Contacts on Displaced Syrians’ Return Issue, Receives from EU Election Observation Mission Final Report on Lebanese Parliamentary Polls, “National News Agency (NNA) Lebanon, July 4, 2022, https://www.nna-leb.gov.lb/en/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/551702/president-aoun-briefed-by-minister-charafeddine-on.
21 “Ministerial Committee on Syrian Displaced Persons Discusses Initial Plan for their Safe and Dignified Return to their Country,” LBC International, April 16, 2025. https://www.lbcgroup.tv/news/lebanon-news/849327/ministerial-committee-on-syrian-displaced-persons-discusses-initial-pl/en.
22 Maissam Nimer and Nora Stel, “Displaced Again: Forced Mobility from Lebanon to Syria,” The Loop (blog), December 11, 2024, https://theloop.ecpr.eu/displaced-again-forced-mobility-from-lebanon-to-syria/.
23 United Nations Development Program Overview of Communal Relations in Lebanon, “Services,” accessed May 5, 2025, https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiZGZhMDExMjYtNzFmZC00YjU3LWE0Y2YtNTcyMmZhNjAyNTliIiwidCI6ImIzZTVkYjVlLTI5NDQtNDgzNy05OWY1LTc0ODhhY2U1NDMxOSIsImMiOjh9
24 United Nations Development Program Overview of Communal Relations in Lebanon, “Services,” accessed May 5, 2025, https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiZGZhMDExMjYtNzFmZC00YjU3LWE0Y2YtNTcyMmZhNjAyNTliIiwidCI6ImIzZTVkYjVlLTI5NDQtNDgzNy05OWY1LTc0ODhhY2U1NDMxOSIsImMiOjh9
25 UNHCR, WFP, and UNICEF, Vulnerability Assessment, 14.
26 United Nations Lebanon, 2024 Aid Tracking Lebanon report, (Beirut, Lebanon: United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, January 1, 2025), https://www.unocha.org/publications/report/lebanon/2024-aid-tracking-lebanon-report-1-january-16-december-2024.
27 UNHCR, “Message from UNHCR Representative in Lebanon to Refugees,” Press Release, April 9, 2025, https://help.unhcr.org/lebanon/en/2025/04/09/message-from-unhcrs-representative-in-lebanon-to-refugees-3/
28 “National Dialogue Concludes with 18-point Final Statement,” The Syrian Observer, February 26, 2025. https://syrianobserver.com/syrian-actors/national-dialogue-conference-concludes-with-18-point-final-statement.html
29 AFP, “Salam Met Sharaa.”
30 UNHCR, Flash Regional Survey on Syrian Refugees’ Perceptions and Intentions on Return to Syria, (Amman: UNHCR MENA Regional Bureau, February 2025), 6, https://data.unhcr.org/en/documents/details/114221.
31 المرجع نفسه، 9.
32 العوامل المذكورة هنا وفي الفقرة التالية مستخلصة من الاجتماعات التشاورية.
33 المرجع نفسه، 7.
34 UNHCR, Operational Framework Voluntary Return of Syrian Refugees and IDPs, (UNHCR Operational Data Portal, 2025), https://data.unhcr.org/en/documents/details/114336   
35 “Frequently Asked Questions – Assistance and Financial Support,” Syria Is Home, accessed May 5, 2025. https://syriaishome.org/en/faq/#Assistanceandfinancialsupport.
36 Jihad Yazigi, “US Sanctions Remain the Biggest Obstacle Interview by Hussam Baravi, International Politics and Society, 15, April 2025, https://www.ips-journal.eu/interviews/us-sanctions-remain-the-biggest-obstacle-8223/.
37 Erin Banco, Humeyra Pamuk, & Daphne Psaledakis, “Trump’s Syria Announcement Surprised his Own Sanctions Officials” Reuters, May 15, 2025, https://www.reuters.com/world/trumps-big-syria-announcement-surprised-his-own-sanctions-officials-2025-05-14/.
38 NGO Forum Northwest Syria, USAID Funding Freeze and its Impact on the Humanitarian Response in Syria, Policy Analysis (Gaziantep, Türkiye: Reliefweb, February 25, 2025), https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/policy-analysis-usaid-funding-freeze-and-its-impact-humanitarian-response-syria
39 Sally Abou Aljoud, “Syria Extends the Deadline for a Probe into Coastal Killings of Alawites,” Associated Press, April 11, 2025, https://apnews.com/article/syria-coastal-killings-alawites-amnesty-assad-latakia-c76c9be2eee1fa48c7d58ef7cd0a2aed.
40 UNHCR, “Regional Flash Update #21,” April 3, 2025, https://data.unhcr.org/en/documents/download/115521.
41 “Syrian Druze Leader Condemns Government over Sectarian Violence,” Al Jazeera, May 1, 2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/5/1/syrian-druze-leader-condemns-government-over-sectarian-violence
42 Ezgi Akin, “As Turkey Eases Ban, Syrian Refugees can Now Visit before Deciding to Return,” Al-Monitor, January 10, 2025, https://www.al-monitor.com/originals/2025/01/turkey-eases-ban-syrian-refugees-can-now-visit-deciding-return.
43 في بيان صدر بعد وقت قصير من سقوط الأسد، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “جميع الدول إلى السماح للمدنيين الفارين من سوريا بالدخول إلى أراضيها، وضمان حقهم في طلب اللجوء، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية في جميع الأوقات”. وأضافت المفوضية أنّها «لا تعتبر أنّ الشروط اللازمة لإنهاء صفة اللاجئ بالنسبة إلى الأشخاص المستفيدين من الحماية الدولية والذين ينحدرون من سوريا قد توفّرت”. راجع: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، “موقف المفوضية بشأن العودة إلى الجمهورية العربية السورية”، ديسمبر 2024، https://www.refworld.org/policy/countrypos/unhcr/2024/en/149254.