من المستبعد أن يكون رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هو المرشح الذي سيأخذ علاقة بلاده مع الشرق الأوسط إلى عهدٍ جديد. فعندما اُنتخِب لأول مرة، واجه أسئلة عمّا إذا كان يمكنه، وهو قومي هندوسي كان يشغل منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات عندما شهدت الولاية أسوأ أعمال شغب مناهضة للمسلمين في الهند منذ الاستقلال، تغيير سياسة البلاد تجاه الشرق الأوسط نحو الأفضل. وتزيد أهمية هذه الأسئلة، نظراً لأن التيارات الجيوسياسية المتغيرة تجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للهند من أي وقتٍ مضى. فحدوث انخفاضٍ نسبي في اهتمام الولايات المتحدة وانخراطها في شؤون المنطقة سيترك مجالاً لغيرها من القوى العظمى الناشئة للدخول. ولحسن الحظ، يمكن لمودي استخدام ورقتين رابحتين سيكون لهما تأثير أكبر من حقيبته المحلية، وهما صورة الهند والجالية الهندية في الخارج.
المكاسب المحلية والدولية
تسير الهند مدفوعة بوعيٍ ذاتي حاد لتاريخها، باعتبارها واحدة من أقدم حضارات العالم وأعظمها. ونتيجة لذلك، فإن رغبتها في أن تصبح قوة عظمى هي في طليعة سياسة نيودلهي الخارجية. وقد بدأت تطلعات الهند هذه تحت قيادة رئيس الوزراء السابق جواهر لال نهرو للعالم الثالث، ولكن في تسعينيات القرن الماضي، شعرت الهند أنّ هذا غير كافٍ وأنها تريد تحقيق المزيد. وكان ذلك واضحاً خلال زيارة مودي للولايات المتحدة، حيث تحدث عن تعلم الدروس من الولايات المتحدة للتحول إلى قوة عالمية قوية.
إن زيادة الرخاء والحد من الفقر أمران ضروريان إذا كانت الهند تتطلع لتصبح قوة عظمى. لذا، تلعب منطقة الشرق الأوسط منذ فترة طويلة دوراً رئيسياً. بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والمنطقة حوالي 187 مليار دولار في 2013-2014، مما يجعل الشرق الأوسط أكبر شريكٍ تجاري للهند. واقتصادات الهند والعديد من دول الشرق الأوسط متكاملة. فالهند عطشى تماماً للطاقة ولديها عمالة فائضة عن الحاجة. والعديد من دول الشرق الأوسط في حاجةٍ ماسة إلى العمالة، وهي سعيدة لبيع انتاجها من الطاقة لشركاء إقليميين ودوليين. واليوم، تستضيف منطقة الخليج وحدها سبعة ملايين من الهنود الذين يساهمون بما يقرب من 40 مليار دولار في التحويلات المالية المرسلة إلى البلاد.
ولمودي شعار جديد يردده وهو “ارتبط بالغرب” والذي من شأنه أن يرتقي بمكانة الشرق الأوسط إلى نفس مستوى الأولوية الممنوحة لجنوب شرق آسيا، والذي تحتفظ له الهند بشعار نهجٍ مماثل هو، “انظر نحو الشرق”. وقد قامت وزيرة الشؤون الخارجية الهندية، سوشما سواراج، بزيارة إلى البحرين وعُمان والإمارات العربية المتحدة هذا العام. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، سعت سواراج إلى جذب الاستثمار. وفي البحرين، حضرت اجتماعاً للجالية الهندية. أما في عُمان، فقد أشادت بالتعددية في البلاد. واستضافت دلهي أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي البلد الذي يزود الهند بنسبة 86 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال، واللاعب الاستراتيجي المتزايد الأهمية في المنطقة. وركزت المناقشات مع الأمير تميم آل ثاني على البنية التحتية والفرص الاستثمارية في مجال الدفاع في الهند.
كما استضافت دلهي منتدى التعاون العربي الهندي في نوفمبر 2014، والذي يعمل على تعزيز التعاقدات العربية الهندية القائمة وتبادل الزيارات الوزارية السنوية. وبالتعاون مع جامعة الدول العربية، عقدت دلهي مؤتمر الشراكة الهندي والعربي الرابع، كجزءٍ من الجهود للارتقاء في العلاقات بين الجانبين. وبعد فترةٍ وجيزة من انتخابه، قام مودي بتنظيم الجلسة الأولى لندوة وسائل الإعلام الخاصة بالهند وجامعة الدول العربية.
مثل الجار الطيب
ظلت العلاقات بين الهند والشرق الأوسط لسنواتٍ عديدة قائمة على الاقتصاد ليس إلا. ولكن الآن، ظهرت عوامل استراتيجية جديدة في الساحة. فلو أن مودي يسعى لجعل الهند قوة عظمى، فلا بد له من تحديد هذه العناصر الجديدة والتجاوب معها. إذ تقد منطقة الشرق الأوسط (وبخاصة دول الخليج) على الطرف الغربي مما تعتبره الهند منطقة نفوذها – المحيط الهندي. والأمة (الهندية) لها جذور تجارة تاريخية تمتد غرباً حتى البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الهلال الخصيب وشرقاً حتى الصين وإندونيسيا. وليس من المستغرب أن استطلاعاً للرأي أجري مؤخراً أظهر أن 94 بالمئة من الهنود يشعرون أن الهند يجب أن يكون لها أقوى أسطول بحري في المحيط الهندي. ومع انتشار الإرهاب في المنطقة، ترى الهند أن مصالحها باتت في خطر.
وعلاوة على ذلك، فإن الانخفاض النسبي في اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط، وتقلص نفوذها والدعم الشعبي لانخراطها في المنطقة، يفسح المجال لقوى عالمية أخرى. وأمام الهند فرصة نادرة لملء هذه الفجوة. فيجب على دول الخليج التي اعتمدت على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن للأمن والاستقرار عندها الآن العثور على أصدقاء ومؤيدين آخرين، بالإضافة إلى التعاون الإقليمي وتعزيز الإنفاق الدفاعي. وتقدّم الهند عرضاً ذا قيمة فريدة من نوعها لدول الخليج. فهي قوة صاعدة يُنظر إليها، بخلاف الصين وروسيا، على أنها أقل تهديداً من واشنطن. ويُنظر للهند على أنها حَكَمٌ إقليمي غير متحيز — لا يتأثر بسهولة بالرياح التجارية السياسية، ولديها جالية كبيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إن تحسين العلاقات مع الدول العربية قد يساعد الهند على إضعاف النفوذ الباكستاني العالمي، وتقويض المطالبة الباكستانية بالسيطرة على إقليم كشمير. وقد تحول مجلس التعاون الخليجي أصلاً بعيداً عن دعم المطالبات الباكستانية لأهمية ذلك في المواجهة الدائمة ضدَّ إيران للهيمنة في الشرق الأوسط، وفتح الأبواب لعلاقات محتملة أقوى مع الهند. ومن جانبها، رفضت باكستان أيضاً الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية لإرسال قوات تشارك في الحرب في اليمن. والهند هي في وضعٍ أفضل الآن من أي وقتٍ مضى لمزيدٍ من تقريب نفسها لدول الشرق الأوسط. ستستفيد معركة الهند ضد الجهاديين لديها أيضاً من الناحية التكتيكية وعلى مستوى تحسين صورتها من الدخول في تعاونٍ مع الدول العربية.
من المؤكد أن الهند تواجه منافسة شديدة في الشرق الأوسط. وحيث أن الولايات المتحدة ستكون أقل انخراطاً في المستقبل، فسيتوفر للصين أيضاً مساحة أكبر لدخول شؤون المنطقة. وتريد بكين تأمين مستقبل الطاقة الخاصة بها. وستؤدي زيادة العلاقات الاستراتيجية بين الصين والشرق الأوسط إلى قلقٍ كبير في نيو دلهي. ويمكن القول أن الهند تعتمد على دول الخليج بدرجةٍ أكبر مما تفعل الصين، نظراً لاعتمادها على الطاقة وعلى التحويلات المالية من المنطقة على حدٍ سواء.
إن علاقات الهند مع دولٍ في المنطقة مستقرة نسبياً. ونادراً ما تتفاعل دلهي مع الأحداث الكبرى في العالم من خلال التهديد العسكري أو العقوبات، وذلك تماشياً مع مبادئ التسامح وعدم التدخل التي حرصت الهند على التمسك بها منذ الاستقلال. وزيارة مودي المرتقبة لإسرائيل، وإظهار العلاقات على العلن، لم تسفر عن توبيخ له من قبل قوى المعارضة. ولربما أدرك مودي أن بعض حكومات الشرق الأوسط بدأت تعتبر إيران مصدر قلق فوري أكبر من إسرائيل.
حقيبة مودي
إن جيواستراتيجية الهند في الشرق الأوسط معقدة، نظراً لعلاقة مودي التاريخية مع السكان المسلمين في الهند. فرئيس الوزراء اكتسب خبرة سياسية مبكرة في القاعدة الشعبية لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، وهي منظمة تطوعية دينية مثيرة للجدل ولها تاريخ من العلاقات المتوترة مع المسلمين والمسيحيين. كما كان رئيس وزراء ولاية غوجارات أثناء أعمال الشغب التي قُتل فيها ما يترواح بين 1,000 و 2,000 من المواطنين، معظمهم من المسلمين. وقد اُتهِم مودي بأن له مساعدين دعوا إلى إضراب للتحريض على العنف، وأنه فشل في وقف ذلك، كما فشل في معاقبة الجناة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لمواساة المسلمين في أعقاب الحوادث. وبعد ذلك، خاض مودي حملة انتخابية ناجحة في الولاية مستفيداً من الخطاب المعادي للإسلام السائد حينذاك.
وعلى الرغم من أن هذه الفترات لا يمكن محوها تماماً، فإنها لن تسفر بالضرورة عن تخريب برنامج الهند في الشرق الأوسط. فالصراع الداخلي في الهند لا يعني كثيراً لمنطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة تهتم بالنظر إلى ما يجري في داخلها. وعلاوة على ذلك، هناك فصلٌ عام بين عالم السياسة المحلية المدفوعة بالقيم، والحسابات الباردة للعلاقات الدولية. ووجود مصالحٍ قوية متبادلة بين الهند وجيرانها في الشرق الأوسط من المحتمل أن يؤدي إلى محو نفور الدول الإسلامية من الماضي البغيض لمودي. وما هو أكثر من ذلك، أن محاولات مودي لإعادة تشكيل صورته ينبغي أن تساعده في الخارج. وعلى الرغم من أنه لا يزال في حاجة إلى قاعدته الوطنية للقيام بحملاتٍ انتخابية على مستوى القاعدة الشعبية في وقت الانتخابات، فمن غير المرجح أن يتخلى عنه الناشطين في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ بسبب سعيه لإقامة علاقاتٍ مع دول الشرق الأوسط، حيث تكمن مصلحتهم في شؤون البلاد مع باكستان.
أوراق رابحة
تتجه القوى العالمية نحو الشرق، وتستعد الهند لتوسيع علاقاتها الاستراتيجية مع منطقة الشرق الأوسط. ويمكن لمودي أن يستفيد من منصبه كرئيسٍ للوزراء من بلدٍ متنوعٍ ثقافياً، ويُعرف بالتعددية والتسامح واللاعنف. والهند شريكٌ مسالمٌ وجذابٌ ليس للدول العربية فحسب، بل أيضاً لإيران وإسرائيل. ومن خلال ثباتها وفية لقيمها وإظهار سلميتها، باستثناء الأمور العالقة مع منافستها باكستان، استثمرت الهند في رأسمالها من القوة الناعمة. وبامتناعها عن الزج بنفسها في صراعات الشرق الأوسط جعلت الهند من نفسها عنصراً فاعلاً محايداً.
كذلك، يمكن لمودي أن يعيد ما نجح فيه في الغرب وأن يستفيد من صورة الهند ومن وجود الجالية الهندية وتأثيرها في المنطقة. فالمغتربون الهنود يشكلون الأكثرية في بعض دول الخليج، وفي بعض الحالات، يفوق عددهم عدد السكان المحليين.
تغريدات ذات صلة
استناداً إلى هذه المزايا، فإن بوسع مودي زيادة التعاون فى مجال الدفاع وعقد الاتفاقات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهناك علاماتٌ صغيرة ولكنها إيجابية تدل على أنه سوف يفعل ذلك، مثل تعيين ملحق عسكري هندي في قطر. لكن دلهي يمكنها أن تفعل أكثر. فلا بد أن تحذو الهند حذو الصين في الإشارة إلى أهمية المنطقة، حيث أوضحت بكين لقطر كل الوضوح أنها ذات أهميةٍ استراتيجية بالنسبة للصين. ويجب ألا يكون مودي خجولاً عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن مدى أهمية علاقاتٍ مماثلة – انْ لم تكن أقوى – بالنسبة للهند.
ينبغي على دلهي اعتماد رؤيةٍ طويلة الأجل تستهدف البلدان والجهات الفاعلة، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الصغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، التي هي الأكثر أهمية بالنسبة لصعود الهند الاستراتيجي. ويجب أن يكون هناك تنسيق أفضل للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية. وحيثما يسفر نجاح الشركات الهندية في الأسواق الخارجية عن فوائد استراتيجية كبيرة، يجب على الدولة توفير المزيد من الدعم. والكثير من هذا النشاط يتطلب زيادة عدد أعضاء السلك الدبلوماسي، ويجب أن تكون الحكومة على استعداد لاستثمار المبالغ الصغيرة اللازمة لذلك.
وإذا ما كانت الهند عازمة جدياً على الدخول إلى مسرح الشرق الأوسط والمشاركة في اللعبة العالمية الكبرى ، يجب على مودي تبني خطة أكثر استراتيجية. وعلى الرغم من أنه ليس من المرجح أن يكون هو المرشح لإقامة علاقات مع العالم الإسلامي، فلو أن مودي يتمكن من تسخير التيارات الجيوسياسية والبناء على المزايا التي تتمتع بها الهند، سيكون بوسع الدولة أن تصبح قوة استراتيجية كبرى في الشرق الأوسط.