opinion

مهمة

عنان مستحلية

مايو 2012
سلمان شيخ
زميل سابق

المفاوضات المتعلقة بحل الصراعات، بالإضافة إلى السياسات الداخلية والجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط

8 مايو، 2012

يتعلم العالم دروسًا صعبة من سوريا. وقد اعترفت الولايات المتحدة بالفعل بأنه من المحتمل أن تبوء مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية بالفشل، وقالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي أنواشنطن تستعد لاتخاذ إجراءات أخرى ضد نظام بشار الأسد. وأشارت إلى أمر واضح للجميع: تعذر على مراقبي الأمم المتحدة العمل بفعالية ورفض الأسد الالتزام بوقف إطلاق النار.

دعنا نكن واضحين بشأن أسباب عدم نجاح مهمة عنان. إنها لم تفشل بسبب بطء انتشار مراقبي الأمم المتحدة، أو حتى لأن الأسد لم ينفذ حتى الآن نقطة واحدة من خطة عنان التي تتضمن ست نقاط. لكن السبب الرئيسي في فشل عنان يكمن وراء أمر جوهري غير ذلك: خطته خاطئة لأنها تمت صياغتها باعتقاد مخطئ بأن نظام الأسد سيتوقف دائمًا عن استخدام العنف ضد المحتجين الوطنيين ويتفاوض معهم بحسن نية.

إنها اللحظة الأخيرة للكشف نهائيًا عن جميع الأساطير الشائعة حول النظام السوري. اعتقد الناس لفترة طويلة – بدافع السذاجة أو السخرية – أن الأسد مستعد للبدء في إجراء إصلاحات سياسية وسيقوم بذلك في الوقت المناسب. إنه لم يقوم بتلك الإصلاحات ولن يقوم بها. ولن يتوقف نظامه عن العنف. فالقيام بذلك سيعجل بنهايته، لأن السوريين انطلقوا في الشوارع بمئات الآلاف للاحتجاج بحرية وفرض السيطرة على أجزاء كبيرة من الدولة.

وبالرغم من ذلك مازال يعلق العالم أمالاً على أن خطة عنان ستضع نهاية للعنف بطريقة ما. يبدو أننا فقدنا مبادئنا الأخلاقية، ونأمل بشكل غير واقعي أن عنان سينجح، إننا نفعل ذلك غالبًا لأننا نخاف بشدة من التفكير بجدية في الخيارات الأخرى لمساعدة الشعب السوري.

وتوضح تصرفات الأسد خلال الثورة الطويلة على مدار 14 شهرًا أنه لم يفكر بجدية في “تغيير رئيسي للمسار”، كما طالب عنان. فبدلاً من ذلك تطلع الأسد إلى حل مشكلاته من خلال التهديد والاستخدام الوحشي للقوة. ويُقدر عدد الضحايا بأنه يزيد على 11,000 سوري منذ اندلاع الثورة، مما يُعد بمثابة دليل دموي على هذه الحقيقة.

تعتمد خطة عنان على أمل أن الأسد سيتفاوض بحسن نية، ربما تحت ضغط من أنصاره الروسيين. إنه لن يفعل ذلك، ولن يقبل نظامه أي معارضة صادقة لحكمه، بغض النظر عن تفضيلات موسكو. ولا تتطلب جرائم الحرب التي ارتكبها النظام – التي تتضمن القصف المدفعي بدون تمييز للمناطق المدنية والإجلاء الإجباري للمدنيين من المدن والموافقة على الحملة الشاملة لاغتصاب النساء من قبل قوات الأمن التي تتضمن فرق الشبيحة شبه العسكرية – إلى أية أدلة. ومع أن المجتمع الدولي استمر في التركيز على جهود عنان، ألا إنه من غير المحتمل ألا يتم النظر حتى الآن إلى الأسد ونظامه على أنهم أشخاص منبوذون دوليًا. لقد كذبت الحكومة السورية على المجتمع الدولي في كل المرات. متى سيدرك العالم أن أية محاولة للتفاوض مع الأسد ستكون بلا جدوى على الإطلاق؟

استخدم نظام الأسد حتى الآن إستراتيجية كسب الوقت بنجاح، بالموافقة على خطة عنان وفي نفس الوقت إجراء أي شيء يقوض الخطة. وفي الوقت ذاته، تصرف المجتمع الدولي لصالح الأسد من خلال قبول المنطق الوهمي الذي يذهب إلى أن إرسال مراقبي الأمم المتحدة غير المسلحين سيرسخ الهدوء داخل سوريا ويؤدي إلى اعتدال تصرفات النظام. وفي الحقيقة أعلن وزير الخارجية الفرنسي ألين جوبيه منذ أسابيع قليلة أن مهمة عنان كانت “الفرصة الأخيرة لتجنب حرب أهلية.” وفي لحظة نادرة من الوضوح، اعترف الجنرال روبرت مود، رئيس بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا، بأنه لم يتمكن 1,000 مراقب من إنهاء إراقة الدماء.

والشيء المدهش فقط في هذا الأمر هو الأمانة العامة  للأمم المتحدة، التي أرادت تجنب المخاطرة بشدة بعد قصف القاعدة لمقرها في بغداد في أغسطس 2003 مما أدى إلى مقتل 22 من زملائي السابقين بالأمم المتحدة، انطلقت الآن في واحدة من أصعب المهام منذ ذلك الوقت. فقد اندفع مراقبو الأمم المتحدة البواسل الذين يرتدون القبعات الزرقاء في موقف يتعرضون فيه معًا لخطر جسيم ولا يتمتعون بالقدرة على تنفيذ الأوامر. توضح البعثة الأخيرة أن الأمم المتحدة لم تعِ دروس فشلها في البوسنة في تسعينات القرن العشرين، عندما لم تتمتع مهمة حفظ السلام الأولى بإمكانات تكفي لإيقاف مذبحة سريبرينتسا.

وحتى لم يتمكن أنصار النظام السوري الدوليين من إقناعه بالالتزام ببنود خطة عنان. لكن ضغطت روسيا بالفعل، وكذلك الصين بدرجة أقل، على الأسد بشدة فيما يتعلق بهذا الصدد، وتوجد إشارات من كبار الدبلوماسيين والقريبين من مجتمعات السياسة الأجنبية في كلتا الدولتين بأن موسكو وبكين قد ضاقتا ذرعًا بالأسد، بل وتعتقدان أن النهاية المحتملة للأسد أصبحت حتمية. لكن كانت خيبة الأمل هذه بلا طائل. فلم تتمكن أيًا من الدولتين من إقناع الأسد بتنفيذ خطة عنان، ولم تمارسا مزيدًا من الضغط عليه لإزالة المدرعات والأسلحة الثقيلة من المدن الرئيسية السورية. وبدلاً من ذلك لجأ الجيش السوري إلى وضع ملاءات على بعض من دباباته في حيلة واضحة تهدف إلى خداع العالم بأنه ملتزم ببنود وقف إطلاق النار.

وربما تعلم روسيا والصين، مثل النظام السوري ذاته, أن الأسد ربما يفقد أجزاءً كبيرة من دولته بسرعة إذا فعل ذلك. وعلى النقيض، أدت مخاوف موسكو – من فقدان حليفها الاستراتيجي المقرب في المنطقة ومن العواقب التالية ومن استبعادها من سوريا الجديدة، كما هو الحال في العراق وليبيا مؤخرًا – إلى إبعادها عن أهدافها الإستراتيجية. حيث تؤدي لعبة الأسد التي تهدف إلى كسب الوقت إلى خسارة أصدقاء موسكو الحميمين في المنطقة. ويظل العمل تجاه سوريا ما بعد الأسد هو السبيل الوحيد لتعزيز هذه العلاقات الهشة.

وفي الوقت الذي ارتفع فيه عدد الضحايا بسوريا وأصبحت خطة عنان قضية خاسرة بالفعل، كان اتخاذ إجراء دولي حاسم أمرًا صعبًا. وبالنسبة للخطاب المضاد للأسد الصادر من أنقرة، امتنعت تركيا عن التحرك بدون تأييد الولايات المتحدة والناتو لإنشاء “المناطق الآمنة” التي ازدادت الدعاية لها داخل سوريا. فأنقرة لديها مشاكلها الخاصة التي تواجهها: ويشير بيرول باسكان الأستاذ بجامعة جورجتاون بأن الامتناع التركي يرجع بصورة كبيرة إلى العلاقات المشحونة بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والمؤسسة العسكرية العلمانية بدولته، بالإضافة إلى نقاط الضعف الوطنية الأخرى. وبالرغم من كثرة الحديث عن تسليح الجيش السوري الحر، ترددت دول الخليج، خصوصًا المملكة العربية لسعودية وقطر، أيضًا فيما يتعلق بهذا الأمر.

كما تقل رغبة الولايات المتحدة في أن تلعب دورًا عدوانيًا في سوريا. فمن الواضح ترشح الرئيس باراك أوباما للانتخابات مرة أخرى والإشارة إلى أن حروب أمريكا بالشرق الأوسط الكبير على وشك الانتهاء. أعلن الرئيس أوباما في خطاب الأسبوع الماضي بأفغانستان “نظرًا لأننا نتخلص من عقد من الصراع الخارجي والأزمة الاقتصادية الداخلية، فقد حان وقت تغيير أمريكا.” لذلك كانت واشنطون كانت تتوانى عمدًا عن الاستفادة من الفرصة الإستراتيجية التي يتيحها تغيير النظام في سوريا. فيدلاً من التأكيد على مصلحتها ومن ثم تعزل مؤيدي النظام – وبشكل خاص إيران – فضلت الولايات المتحدة الإجراء الذي يبدو أكثر أمانًا الذي يتمثل في زيادة الضغط الاقتصادي على نظام الأسد.

وخلال غياب زعامة الولايات المتحدة الواضحة والمحددة، فإن محاولة تفعيل خطة عنان التي باءت بالفشل ستجعل المجتمع الدولي ينتظر خلال الصيف والانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما يجعل اتخاذ أي إجراءً حاسمًا أمرًا غير محتمل قبل منتصف العام القادم. سيكون ذلك أمرًا مهلكًا فيما يتعلق بمستقبل سوريًا، حيث سيؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء والمزيد من التطرف في الجانبين وإلى خطورة الصراع العرقي والطائفي المتصاعدة.

ستكون العواقب وخيمة على الأمن الدولي. فانحدار سوريا نحو الفوضى سيؤدي إلى تزايد انقسام الدولة وربما يهدد مستقبلها باعتبارها دولة وأمة موحدة. أثبتت الحكومة الكردية الإقليمية العراقية، التي تستعرض قوتها السياسية والاقتصادية بصورة متزايدة، أنه لا يمكن أن تُعد الحدود أمرًا واضحًا وبديهيًا في هذه المنطقة المتقلبة للغاية. وربما تفعل أزمة سوريا في الشرق ما فعلته حرب العراق في بلاد ما بين النهرين، بتوضيح مناطق النزاع السياسي بالشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى. فمن المحتمل أن يمتد الصراع المتواصل السيئ بسوريا خارج حدودها وربما يشعل الصراعات الطائفية المكبوتة في العراق ولبنان، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

ومع تزايد الخطر، لن يتمكن المجتمع الدولي تعليق أماله على خطة عنانوينبغي عليه بدلاً من ذلك أن يعِ الدروس الصعبة على مدار 14 شهرًا ماضية ويعيد توجيه جهوده لتغيير توازن القوى على الأرض.

كما يجب أن تبذل الدول التي يهمها مستقبل سوريا قصارى جهودها لمساعدة السوريين على تنظيم حركة قومية واسعة توحد الشعب على أساس معارضة النظام والالتزام بإنشاء سوريا ديمقراطية. سيتطلب هذا تحطيم إستراتيجية “فرق تسد” القديمة التي تتبعها عائلة الأسد منذ 42 عامًا، بالإضافة إلى اتحاد جماعات المجتمع السوري الرئيسية مثل الأقليات والقبائل. هذه الجماعات تلعب حاليًا دورًا رئيسيًا في التعجيل بنهاية النظام ووضع سوريا على طريق مستقبل ديمقراطي.

وهناك مؤشرات بأنه هذه الإستراتيجية ستلقى نجاحًا. فخلال الأشهر القليلة الماضية، قمت بإجراء مناقشات مائدة مستديرة مكثفة مع كثير من الفئات السورية – مثل رموز القبائل وأفراد العائلات العريقة والقادة الدينيين وممثلي المجتمع الكردي بسوريا – الذين يسيء العالم الخارجي فهم اهتماماتهم غالبًا. وجدت من خلال هذه المحادثات أن هناك رغبة متزايدة بين جماعات قبلية – من المناطق الشرقية والشمالية المهمة استراتيجيًا بسوريا – في مقاومة الأسد، بما في ذلك استخدام الوسائل العسكرية وفي الاتحاد مع الجماعات الأخرى، وخصوصًا الأكراد. وفي المقابل أشارت بعض القيادات الكردية، خلال محادثات خاصة مستمرة مع القبائل، إلى استعدادها بأن تتعاون مع هذه الجماعات. وبالرغم من انقسام الأكراد في موقفهم من الثورة، ألا إن الجميع يريد الاعتراف بثقافته وحقوقه في سوريا ما بعد الأسد. بينما آثرت الطوائف الأخرى، مثل المسيحيين والدروز، الصمت وعدم المشاركة في ظل غياب مشروعوطنى  سوري يثقون فيه.

ولقد نال المجلس الوطني السوري، وهو هيئة معارضة للأسد تعمل خارج الدولة بصورة كبيرة، اهتمامًا دوليًا باعتباره “الممثل الشرعي للشعب السوري” على حد قول مجموعة “أصدقاء الشعب السوري.” لكن محادثاتي مع رموز القبائل والأقلية أظهرت بوضوح قلة الثقة في المجلس الوطني السوري. كثير منهم أشار إلى حقيقة أنه لا وجود له على الأرض، ومعظمهم يرتابه شك بشأن نفوذ الإخوان المسلمين والإدارة الملحوظة لنصيره، تركيا، داخل المؤسسة.

تعبر هذه الجماعات عن دعمها الكبير للجيش السوري الحر غير المترابط، وإن كان ناضل لإنشاء هيكل قيادة وتحكم واضح داخل سوريا من قاعدته التركية. أكدت رموز القبائل أنهم يرغبون في دعم المجتمع الدولي للجيش السوري الحر من خلال تقديم مساعدة أهل الخبرة ومساعدته بوسائل الاتصالات والأسلحة الخاصة. إنهم قلقون من أن يؤدي تواجد أسلحة باستمرار وبدون تنسيق عبر مصادر خاصة وجهود المجاهدين المحددة لدخول سوريا عبر العراق إلى مزيد من الفوضى. كما أشاروا أيضًا إلى أن كثيرًا من القادة والجنود العاديين بالجيش السوري الحر هم “أبناء القبائل”، ومن الممكن أن يلتحق بصفوفه المزيد إذا حصل الجيش السوري الحر على مزيد من الدعم الخارجي. كما تجدر ملاحظة الحديث المتزايد حول التحالف العسكري بين الجيش السوري الحر – بالتعاون مع المجلس الوطني السوري – والقبائل والأكراد.

ينبغي على العالم أن يتخلى عن الوهم بأنه يمكن إقناع نظام الأسد بالتوصل إلى تسوية سياسية مع خصومه. بل حان الوقت للجهود المجددة لأن تشكل جبهة متحدة حقيقية، تتضمن جميع جماعات النسيج الاجتماعي السوري، وتكرس نفسها لسقوط الأسد وإنشاء دولة ديمقراطية تعددية في النهاية. إن هذه الجهود بحاجة اليوم إلى تأييد دولي قوي – فقادة المعارضة داخل الدولة وخارجها لا تتوفر لديهم الموارد اللازمة لتوحيد صفوفهم بأنفسهم. في حالة نجاح إنشاء ائتلاف معارضة حقيقي وكبير، فسيواجه نظام الأسد مزيدّا من التحدي السياسي والعسكري عن ذي قبل، يصل بقواته إلى درجة الانهيار. وبعد أن باءت خطة عنان بالفشل, ينبغي أن يتبنى المجتمع الدولي هذا الهدف.