opinion

ما لا يدركه أوباما والليبراليون

الأمريكيون عن الربيع العربي

أكتوبر 2011
1 أكتوبر، 2011

طوال فترة الربيع العربي، ناقش المحللون وصناع القرار الدور المناسب الذي ينبغي أن تلعبه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وقد جادل عدد صغير منهم حول ضرورة تبني الولايات المتحدة لسياسة أكثر تدخلاً من أجل معالجة المظالم العربية، فيما جادل آخرون بأن المظالم العربية هي نفسها نتيجة سياستنا العدوانية والتدخلية، والأكثر من ذلك هو أن التدخل لم يصب في مصلحتنا الوطنية الذاتية. ومن جانبها، فقد حاولت إدارة أوباما تقسيم الفرق مع التحرك ببطء، وخاصة في البداية، من أجل استهجان الشخصيات الدكتاتورية مثل حسني مبارك في مصر وبشار الأسد في سوريا، في حين أنها تدعم العمل العسكري العدواني ضد معمر القذافي في ليبيا في نهاية الأمر.

وترجع سلبية إدارة أوباما أثناء الربيع العربي إلى العديد من الأسباب، ولكن ربما لا يكون هناك شيء أكثر فائدة في شرح ذلك أكثر من مفهوم “التراجع”. ويبدو أن الجميع يعتقدون أن أمريكا أقل قوة في تشكيل الأحداث مما كانت عليه، باستثناء المحافظين الجدد ومجموعة صغيرة نسبيًا من الصائدين الليبراليين. وقد تناول هذا الموضوع تيار لا نهائي من الكتب والمقالات. ومن بين الكتب الأكثر شهرة في هذه الفئة كتاب عالم ما بعد أمريكا لفريد زكريا وكتاب العالم الثاني لباراغ خانا، ومن منظور أكثر أكاديمية، يظهر كتاب نهاية الحقبة الأمريكية لتشارلز كوبتشان. وقد استولت إدارة أوباما على بعض المجادلات الأساسية بشأن هذا الأدب. وقد وصف أحد مستشاري أوباما الاستراتيجية الأمريكية في ليبيا بأنها “رائدة من الخلف” وهو ما أوضحه ريان ليزا الصحفي بجريدة نيويوركر أنه مشتق من الاعتقاد بأن “القوة النسبية للولايات المتحدة في طريقها للانخفاض… وأن الولايات المتحدة ملعونة في العديد من أجزاء العالم”.

ولكن من مفارقات القدر، فعلى الرغم من أنه يبدو أن الأمريكان لا يثقون بشكل كبير في قدرتهم على إحداث تغيير في جميع أنحاء العالم، فقد أوقف الكثير من العرب المشاركين في الانتفاضات الأخيرة – على الرغم من خوفهم وبغضهم الواضح لقوة الولايات المتحدة – قدرًا غير متكافئ من اعتقاداتهم وآمالهم علينا. ولم يدرك الأمريكيون – وبخاصة الليبراليين الأمريكيين – هذه المفارقة الأساسية. وفي وقت الحاجة، فإن مواجهة السجن والتعذيب وحتى الموت والمتظاهرين والمتمردين والأشخاص الذين من الممكن أن يكونوا ثوار لا يزالوا ينظرون إلى الولايات المتحدة وليس أي مكان آخر، حتى لو وجدوا ما يبحثون عنه في مسألة أخرى.

خلال فترة إدارة بوش، عندما انتشرت المشاعر المعادية للأمريكيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط في أعقاب غزو العراق، ابتعد واضعي السياسات في كافة أنحاء الطيف السياسي، على وجه الخصوص الليبراليين، عن دعم التدخل بشكل عام وتعزيز الديمقراطية على وجه التحديد. وقد أصبح افتراض “قبلة الموت” – حيث يعتبر الدعم الأمريكي العلني لحركات الديمقراطية العربية سامًا بالنسبة للقضية – أمرًا شائعًا.

لكن تجدر الإشارة إلى أن التبني الذي لم يدم طويلاً للإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط – على الرغم من عدم شعبيته العميقة في جميع أنحاء المنطقة – لا يبدو أنه يضر حركة الإصلاح العربي ولكنه فعل العكس، بالنسبة لأي شيء آخر. وهذا أمر يشير إلى أن الإصلاحيين أنفسهم اعترفوا على مضض. وفي عام 2005، في أوج الفترة الأولى من الربيع العربي، قال الناشر والناشط الليبرالي المصري هشام قاسم إن “يرجع ثمانون في المئة من الحرية السياسية التي تنتشر في هذا البلد إلى الضغوط الأمريكية”، ولم يكن الليبراليون وحدهم هم من شعروا بذلك. وبالإشارة إلى جهود إدارة بوش، قال لي الرمز البارز لجماعة الإخوان المسلون منعم أبو الفتوح في أغسطس عام 2006 إن “الجميع يعرف ذلك… ولقد استفدنا كما استفاد الجميع وكما استفاد الشعب المصري”.

لقد قال الليبراليون للعالم – وربما الأهم من ذلك لأنفسهم – أن السياسات المدمرة لإدارة بوش كانت عبارة عن مفارقة تاريخية. فعندما يتم انتخاب شخصًا ديمقراطيًا، فإن أمريكا تتراجع عن إحداث الضرر. وبالنسبة للكثير من الليبراليين بما في ذلك أنا، فهذا ما كان يمكن لأوباما أن يقدمه والذي لا يمكن لأي شخص آخر تقديمه – حيث أنه رئيسًا يحمل اسم إسلامي ونشأ في بلد مسلم والذي يبدو أنه لديه فهم بديهي لمصدر المظالم في الحياة العربية العامة. ولكن بعد انقضاء فترة العسل الوجيزة للرئيس أوباما، فقد عاد الشعور المألوف بخيبة الأمل. وفقًا لاستطلاع رأي مركز زغبي العالمي/ولاية ميريلاند، فقد ازداد عدد العرب الذين قالوا أنهم “أحبطوا” بسبب سياسات إدارة أوباما في الشرق الأوسط من 15 في المائة ليصلوا إلى 63 في المائة، في غضون عام واحد فقط. وفي الوقت الذي بدأت فيه الاحتجاجات في ديسمبر 2010، فقد انخفضت المواقف تجاه الولايات المتحدة بشكل ملحوظ. ففي العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر، كانت تأييدات الولايات المتحدة في وقت ولاية أوباما أقل مما كانت عليه وقت ولاية بوش. وفي الواقع، فإن التيار الفردي من “الحنين للبوش” كان واضحًا للغاية في أوساط المعارضة العربية. وفي مايو 2010، قدم عضوًا بارزًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لي شكوى تنص على الآتي: “بالنسبة لأوباما، فإن مسألة الديمقراطية هي الأولوية رقم خمسة عشر في قائمة الأولويات الخاصة به… فليس هناك لحظة تغير تشبه لحظة التغيير التي شهدناها وقت ولاية بوش”.

وفي الواقع، إنه على الرغم من أن الربيع العربي كان ومازل يخص العرب، فإنه أيضًا يخصنا بطريقة أو أخرى. وإذا كان يُنظر إلى الولايات المتحدة لعقود باعتبارها مركزًا لدعم الأنظمة العربية الاستبدادية، فمن المفترض أن يكون لها دورًا حاسمًا في تسهيل إزالتها. فقبل اندلاع الثورة المصرية، قال قائد حركة 6 أبريل الليبرالية أحمد ماهر لجريدة أتلانتك إن: “المشكلة لا تكمن في السياسات التي ينتهجها مبارك، لكن المشكلة تكمن في السياسة الأمريكية وما تريد الحكومة الأمريكية من مبارك أن يفعل، فوجوده يعتمد عليهم بشكل كامل”. وفي الوقت نفسه، فإن الإسلاميين لهم مصطلح محدد – “الفيتو الأمريكي” — وهو مصطلح مكرس لوصف الاعتقاد بقدرة أمريكا الهائلة على تحديد النتائج العربية. ومن ثم فإنه يمكن للولايات المتحدة منع النتائج الديمقراطية التي لا تروق لها.

وعندما اندلعت الاضطرابات في مصر، علق الناشطون على كل بيان أمريكي رئيسي باذلين قصارى جهدهم من أجل تفسير لغة إدارة أوباما التي لا يمكن اختراقها في بعض الأحيان. وقد سأل المصريون على قناة الجزيرة عن عدم ممارسة كل من الولايات المتحدة وأوروبا المزيد من الضغط على نظام مبارك. وقد كتب اثنان من “الإصلاحيين” البارزين في جماعة الإخوان المسلمين، عصام العريان وأبو الفتوح، مقالات للتعبير عن رأيهم في جريدتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست. ويُعد مقال التعبير عن الرأي الخاص بفتوح – الذي يبالغ في التعبير عن نفوذ أمريكا والتنديد بها والاعتقاد بأنها يمكن استغلالها إلى حد ما للأفضل – تمثيلاً لهذا النوع: “نحن نريد أن نحقق رقمًا قياسيًا مباشرًا، بحيث تستند أي قرارات يتم اتخاذها في واشنطن بشأن سياسة الشرق الأوسط على حقائق ….ومع وجود القليل من الإيثار، ينبغي على الولايات المتحدة ألا تتردد في إعادة تقييم مصالحها في المنطقة، وبخاصة إذا كانت تناصر الديمقراطية بشكل حقيقي”.

وكلما أصبح النظام المصري أكثر قمعًا، كلما ازدادت النداءات حماسًا. وأتذكر أنني كنت أتلقى مكالمات عاجلة وفي بعض الأحيان تكون هذه المكالمات مفجعة من أصدقاء وزملاء مصريين، فقد أجهش أحدهما في البكاء وقال لي أن الولايات المتحدة لم تفعل أي شيء تقريبًا، فالنظام على وشك ارتكاب مذبحة تحت ستار الظلام. وقد بدا عدم إطلاق الجيش للرصاص وكأنه نوعًا من التأكيد على أن النفوذ الأمريكي لا يزال ملحوظًا.

فقد التقيت بالعديد من الناشطين الشباب من جماعة الإخوان المسلمين قبل يومين من تتنحي مبارك، حيث قال لي المدون الشهير عبد الرحمن عياش – الذي كان يبلغ من العمر 20 عامًا فقط في هذا الوقت — أنه وغيره من الأعضاء انفجروا في التصفيق في ميدان التحرير عندما دعا أوباما إلى الانتقال “الفوري” للديمقراطية في مصر. وقد برزت ملاحظة عياش لأنها عبرت عن شيء كنت أسمعه من الناشطين عبر الطيف السياسي على مدى أكثر من خمسة أعوام: فعلى الرغم من معاداتهم الصاخبة للولايات المتحدة في بعض الأحيان، فغالبًا ما يبدو عليهم أنهم يريدون من الولايات المتحدة أن تفعل المزيد في المنطقة بدلاً من أن تفعل أقل من ذلك. وفي الواقع، فإنه في حين كان الناشطين المصريين سعداء لمشاهدة فعل أوباما، فقد قال لي أغلبهم تقريبًا أنالإدارة دعمت مبارك على مدى فترة طويلة وأنها لم تقف بجانب المحتجين سوى في اللحظة الأخيرة.

كان الناشطون في جميع أنحاء المنطقة أقل تسامحاً في إدانتهم للسياسة الأمريكية على الرغم من مناشدتهم لأوباما لأن يبذل المزيد من أجل الضغط على الأنظمة العربية لتتحول إلى أنظمة ديمقراطية. في مارس قام ألف بحريني تقريباً بالتظاهر أمام السفارة الأمريكية في المنامة العاصمة، وأوضح أحد المشاركين، محمد حسن، سبب وجوده حيث قال: “على الولايات المتحدة أن تثبت أنها مع حقوق الإنسان ومع حق جميع الأشخاص في تقرير مصائرهم”. وقبل وقت طويل من أعمال القمع الأخيرة، حاول المعارض عبدالجليل السنكيس إعطاء بوش عريضة وقع عليها 80,000 بحريني – وهم سبع إجمالي السكان تقريباً – تدعو لدستور ديمقراطي جديد. وفي عام 2009 كتب السنكيس في صحيفة نيويورك تايمز “سيكون من الجيد لو تعهد السيد أوباما بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن لا يجب أن يتحدث عن هذه المثل العليا إلا إذا كان على استعداد لمساعدتنا في تحقيقها”. إن السنكيس لم يكن ليبرالياً على الإطلاق بل كان قائد حركة الحق وهي جماعة إسلامية شيعية متشددة تتعاطف مع إيران، ومع ذلك لم يكن يطالب إيران بل يطالب عدوة إيران وهي الولايات المتحدة بالمساعدة في نضال بلاده من أجل الديمقراطية.

ينطبق هذا المنطق نفسه في أماكن مثل ليبيا وسوريا والتي تشن الأنظمة فيها بفعالية الحرب على شعوبها وتدفع بذلك مسألة الضغوط الخارجية إلى الواجهة مرة أخرى، فعندما تتعرض للقتل لا تهتم بمن ينقذك. ففي الأيام التي سبقت قرار الأمم المتحدة الناجح الذي يجيز استخدام القوة العسكرية كان ثوار ليبيا يستجدون التدخل الغربي، وحمل أحد الأطفال في بنغازي لافتة لا تُنسى تقول “ماما كلينتون، من فضلكِ أوقفي النزيف”. دعت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إقامة منطقة حظر جوي قبل أن تقوم الولايات المتحدة بذلك على الرغم من أنه لا يوجد من بين هذه المؤسسات ما تعرف بأنها منارة للديمقراطية. تقول إيمان بوجاجيس المتحدثة بإسم الثوار في ذلك الوقت “أن [الغرب] قد فقد مصداقيته”، ففي مثل هذه الحالات يبدو حب الولايات المتحدة وكراهيتها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإعتقاد أن في إمكاننا وينبغي علينا القيام بالعمل الصائب.

إن الأمثلة على هذا النوع من الدعوات كثيرة للغاية بحيث لا يمكن الإشارة إليها كما أنها شكلت سمة منتظمة في التعليقات العربية، فحقيقة أن العديد من النشطاء علمانيين وإسلاميين على حد سواء يؤمنون أو يرغبون في الإيمان بأفضل ملائكة أمريكا تقوض الإدعاء المتكرر بأن الدعم العدواني للديمقراطية سوف يسيء لسمعة الإصلاحيين الأصليين، لكن هذا الرأي الأخير هو الرأي الذي يبدو أن إدارة أوباما حافظت عليه أولاً خلال الثورة الخضراء في إيران وتحافظ عليه الآن في الثورات العربية. في الواقع يحوز هذا الجدل “قبلة الموت” على إعجاب العديد من الليبراليين بشكل خاص لأنه يستوعب النقاشات التي تدعو لعدم التحرك بذريعة مساعدة الإصلاحيين على أرض الواقع، فهو يجادل في الحقيقة من أجل عدم القيام بأي شيء في هذه اللحظة الدقيقة والتي سيكون القيام فيها بشيء ما أكثر فعالية.

وبعبارة أخرى يود بعض الليبراليين أن تقوم الولايات المتحدة بمعالجة تراجعها المفترض وتتكيف مع عالم متغير لا يمكن لأمريكا التصرف فيه بمفردها ولن تتصرف أمريكا فيه بمفردها، ومع ذلك فقد أوضحت الثورات العربية أنه لا يوجد بديل للقيادة الأمريكية حتى من منظور هؤلاء الذين يُعتبرون من أكبر المتاهضين لأمريكا. يضع هذا أمريكا في وضع قوي إلا أنه قد يكون وضعاً خطيراً أيضاً، فبينما يستمر العالم في النظر إلى الولايات المتحدة من أجل القيادة الأخلاقية إلا أنه كثيراً ما يبتعد وهو مصاب بخيبة أمل كبيرة.

ومن المحتمل أن نتذكر هذه الحقبة بعد ذلك على أنها حقبة الفرص الضائعة المكلفة للولايات المتحدة، فقد وجدت إدارة أوباما والليبراليون بشكل عام أنفسهم غير مستعدين للاسئلة الصعبة التي يفرضها عليهم الربيع العربي. وبعيداً عن وضع استراتيجية أمنية وطنية مميزة، فقد استمتع الديمقراطيون بالتشديد على حل المشاكل ورسم الإلهام من الواقعية الجديدة لإدارة بوش الأب، لكن تختلف أي سياسة خارجية عقلانية عن أي سياسة كبيرة. يتمركز المذهب العملي على الوسيلة وليس على الغاية كما أنه لم يكن واضحاً تماماً نوع الشرق الأوسط الذي تتخيله إدارة أوباما. وقبيل خطاب أوباما الذي ألقاه في التاسع عشر من مايو 2011 عن الثورات العربية، تعهد البيت الأبيض بإتباع منهج شامل و”كاسح” ثم جاء الخطاب ليعد بالمزيد من السياسات المماثلة المخصصة بشكل كبير لهذا الغرض والتي تستجيب للأحداث بدلاً من أن تشكلها.

وبالطبع في حالة ليبيا، كما تحركت قوات القذافي في إتجاه بنغازي فقد اتخذت الولايات المتحدة قراراً أيضاً حتى ولو كان بعد إحدى عشر ساعة. فقد رفع الليبيون الأعلام الأمريكية في معاقل الثوار وقدموا شكرهم للرئيس أوباما وهو شيء يصعب تصور حدوثه في أي مكان آخر في المنطقة. تعزز هذه الحادثة من فكرة أن القوات المؤيدة للديمقراطية في لحظة احتياجها لا تنظر إلى الصين أو روسيا أو أي قوى أخرى صاعدة، إنهم ينظرون إلى الغرب وإلى الولايات المتحدة بصفة خاصة. هذا ما يبدو أن أدب الرافضين وإدارة أوباما يرغبان في تجاهله، فالقوة الاقتصادية مهما كانت أهميتها ليست بديلاً عن الشرعية الأخلاقية والسياسية التي تأتي مع الديمقراطية. يتلقى الرافضون دعماً غير متناسب من الإحصائيات التي ترسم صورة قاتمة للجيش الأمريكي والقدرة على المنافسة الاقتصادية، فمقالة السياسية الخارجية لجدعون راتشمان في عدد يناير/فبراير حول التراجع الأمريكي (بعنوان “إنها حقيقة هذه المرة”) تعتمد بشكل كلي تقريباً على المناقشات الاقتصادية إلا أن المكونات الأخلاقية للقوة لا يمكن قياسها بسهولة.

لكن بعد أكثر من تسعة أشهر على الربيع العربي تنغلق الآن نافذة أمريكا للفرص، ويمكن للعرب انتظار حدوث تغيير جوهري لكن لن يمكنهم الإنتظار للأبد. تقول الحكمة التقليدية في واشنطن أن إدارة أوباما قامت بعمل مقبول في استجابتها للثورات العربية إلا أن العمل المقبول ليس جيداً بما فيه الكفاية. تتطلب خطورة الوضع قيادة جريئة وحكيمة، استراتيجية كبرى تستغل الفرصة التاريخية للولايات المتحدة لكي تعيد توجيه سياساتها بشكل جذري في المنطقة ومقاطعة عقود من دعم الأنظمة القمعية “المستقرة”.

التقيت في التاسع من فبراير 2011 مع عبد المنعم أبو الفتوح والذي ترك الإخوان وهو الآن مرشح بارز للرئاسة المصرية. كان عبد المنعم هادئاً وواثقاُ لكن مع رفض مبارك التنحي بعناد كان هناك شعور بالخوف والشك في صوته، وفي منتصف حديثنا كان يتحدث بالفعل بصيغة الماضي: “أمريكا تملك القوة لفعل شيء ما ولكنها لم تقم بشيء، لديهم في أمريكا القيم الديمقراطية لكنهم يدعمون نقيضها في العالم العربي”، وعندما سألته عما كان يريده من إدارة أوباما أجاب: “نريد من الولايات المتحدة أن تتوقف عن دعم الفساد والديكتاتورية في العالم العربي، أما كيف يقومون بذلك؟ هذا هو ما عليهم الإجابة عنه لأنهم هم من بحاجة للقيام بذلك”.