opinion

لماذا يجب على الولايات المتحدة

دعم الجهود الرامية لإقامة دولة فلسطينية

أغسطس 2011
9 أغسطس، 2011

في عام 1998، أثناء حضوري مؤتمرًا حول عملية السلام في ألمانيا، شهدت مناقشات مكثفة حول ما إذا كان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ينبغي له أن يعلن من جانب واحد قيام دولة فلسطينية. (حينها كانت المرحلة الانتقالية في اتفاق أوسلو والتي مدتها خمس سنوات ستنتهي بعد شهر واحد من تاريخ المؤتمر).

لقد لاقى الإعلان معارضة قوية من دبلوماسيين أوروبيين، إذ أصروا على أنه ينبغي إعطاء مزيد من الوقت للمفاوضات. وفي النهاية، أسهم الضغط، لا سيما من قبل أوروبا والولايات المتحدة، في تغيير مسار العمل بالنسبة للسيد عرفات، ولم يتم الإعلان عن أي دولة.

أما اليوم، فقد عدنا إلى حد كبير إلى السيناريو نفسه، والفرق الوحيد هو أن هناك الآن أكثر من أي وقت مضى أسباب لدى الولايات المتحدة لدعم اقتراح الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية في سبتمبر، والاعتراف بأن أشياء كثيرة تغيرت بين عام 1998 و2011.

من الناحية التاريخية، دائمًا كان لأوروبا تأثير كبير على الموقف الأميركي تجاه الشرق الأوسط. ففي الواقع، كانت قضية تنسيق المواقف بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط واحدة من القضايا الرئيسية على جدول أعمال زيارة الرئيس أوباما إلى بريطانيا، وأيرلندا وفرنسا وبولندا في مايو. وفي حين أنه ليس من الواضح بعد إلى أي مدى قد تمكن السيد أوباما من إقناع الزعماء الأوروبيين باتخاذ موقف الولايات المتحدة في المنطقة، ثمة المزيد من الأصوات الأوروبية – مثل فرنسا – تبدي الآن ​​إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية في (سبتمبر) أيلول.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أدلى عدد من الزعماء الأوروبيين السابقين بتصريحات تحث الاتحاد الأوروبي على دعم اقتراح الفلسطينيين لإقامة دولتهم. وبغض النظر عن عدد الأطراف الأوروبية المستعدين للعمل مع أوباما، هناك شيء واحدا نعرفه على وجه اليقين وهو أن الرفض الأوروبي القوي لنية عرفات في إعلان دولة فلسطينية في عام 1998 لم يعد موجودًا في عام 2011.

لقد تغير كل شيء خلال الربيع العربي

في عام 1998، برغم عدم إعلانه لدولة فلسطينية، احتفظ عرفات بدوره كرئيس للسلطة الفلسطينية. ومع أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يزال يتمتع بدعم الأغلبية بين الفلسطينيين إلا أنه ليس الشخصية الكاريزمية التي كان يمثلها عرفات. أن يخضع السيد عباس لضغط الولايات المتحدة وأن يعود إلى المفاوضات التي تبدو عديمة الجدوى في ظاهرها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو حتماً سينهي بذلك عمله السياسي ويثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل السلطة الفلسطينية.

الأهم من ذلك، لم يكن هناك في عام 1998 ثورة عربية تجعل من السياق المحلي والإقليمي للمفاوضات سياقاً مختلفاً كل الاختلاف، وبرغم وجود العديد من الذين كانوا يشككون في جدوى المفاوضات، أرادت أغلبية كبيرة أن تحاول استخدامها للتوصل إلى السلام. بعبارة أخرى، وضعت معظم الجماهير،  ثقتها في قادتها وكان لديها الاستعداد لاتباعهم. لقد تغيرت هذه العلاقة في عصر الثورة العربية، حيث يلعب الشعب الآن دور القادة والذي من شأنه أن يدفع عباس لتنفيذ رغبة الشعب عوضاً عن الاستمرار في قطع الوعود خلف الأبواب المغلقة.

تُعد دعوة وزيرة الخارجية للولايات المتحدة، هيلاري رودام كلينتون، للمفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين للحضور إلى واشنطن من أجل إجراء المحادثات لحل أزمة المفاوضات نهجاً خاطئاً بالتأكيد. يبدو أنه لم يتم تعلم الدروس المستفادة من الثورة العربية بعد: من يُستبدل هم القادة وليس الشعب. ينبغي على السيدة كلينتون الانتباه إلى ما يريده الشعب الفلسطيني (إعلان الدولة الفلسطينية) بدلاً من الالتفات فقط لما يقوله المفاوضين. ويوضح  أحدث استطلاع للرأي أن 65 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون محاولة إقامة دولة فلسطينية.

لا تترك إسرائيل مجالاً للاختيار

لا يقتصر التغيير على القيادة الفلسطينية وعلاقتها بالشعب بين عام 1998 وعام2011 فحسب بل يشمل أيضاً القيادة الإسرائيلية والمناخ السياسي. في عام 1998، كان إيهود باراك في السلطة بدعم الأغلبية في إسرائيل، وكان لديه الفرصة لمتابعة اتفاقاً للسلام، وفعل ذلك حقاً. اليوم، كونه وزيراً للدفاع، قد أفقده ذلك مصداقيته حتى بين أعضاء حزبه السابق وهو حزب العمل وأصبح جزءً من ما يصل إلى حكومة يمنية ذات جدول أعمال متطرف.  يبدو أن هذه الحكومة ترفض حتى أساسيات التفاوض، كما أوضح السيد نتنياهو خلال خطابه الذي أدلى به أمام  كونجرس الولايات المتحدة في شهر مايو: لا تسويات على القدس، ولا اتفاق بشأن اللاجئين، ولا لحدود 1967.

علاوة على ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية لديها تاريخاً في عرقلة مفاوضات السلام، فكانت أكثر عرقلة عام 1997، بعد وصول نتنياهو للحكم بفترة وجيزة عام 1996، عندما قام بإنشاء مستوطنة هارحوما على أرض مجاورة بالقدس تم الاستيلاء عليها. كما تم قبول قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي كان يدين النشاط الإسرائيلي في هارحوما بنسبة 130 إلى 2 حيث قامت فقط إسرائيل والولايات المتحدة بالتصويت ضده.

من المنصف القول بأنه تبرهن مواقف هذه الحكومة الإسرائيلية الحالية إضافة إلى تاريخها على عدم استعدادها للالتزام بمفاوضات ذات مغزى. فبدون إمكانية واقعية لإجراء مفاوضات عادلة أو ناجحة، لم يبق أمام القادة الفلسطينيين أي خيار سوى السعي لإقامة دولة فلسطينية من خلال اعتراف الأمم المتحدة.

وينبغي على الولايات المتحدة أن ترى ذلك بصفته خياراً يستحق الدعم أيضاً، كما أنه ليس واضحاً لماذا ترى إدارة أوباما المفاوضات الجارية وإعلان دولة فلسطينية في سبتمبر كأمرين متنافيين. إذا كانت الإدارة تؤمن بشدة بقدرة المفاوضات على سد الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فينبغي ألا تشك في السعي ورائها. مع ذلك، لا يمكن لمنع الإعلان الذي طال انتظاره بإقامة دولة فلسطينية فقط بغرض الوصول بالمفاوضات إلى الطاولة أن يكون أمراً عملياً أو مثمراً.

يبدوا أن المفاوضات أصبحت في حد ذاتها الهدف عوضاً عن كونها فقط الوسيلة للوصول إلى حل. في الواقع، يستلزم النهج المثمر للمفاوضات الإعلان الفوري للدولة مما يجعل الفلسطينيين يشعرون بتمكينهم نسبياً من الدخول في المفاوضات التي لا تزال تعاني من  اختلال حاد في القوى.

لن يحل قيام دولة فلسطينية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ فهناك قضايا واضحة تحتاج إلى العمل عليها بما في ذلك الأمن والقدس والمستوطنات واللاجئين، ولكن يحتاج القادة الفلسطينيون أن يكونوا على قدم المساواة مع القادة الإسرائيليين – ناهيك عن التأييد الشعبي- حتى يتسنى لأية عملية سلام النجاح. فيمهد قيام الدولة الفلسطينية الطريق ليس لمفاوضات مثمرة فحسب بل أيضاً لسلام دائم.

يجب على الولايات المتحدة إبداء التزامها بالحاجات والحقوق الإنسانية العالمية

إن الاعتراف بهوية الجماعة هو حاجة إنسانية أساسية وعالمية، والفلسطينيون ليسوا استثناءً. لقد حان الوقت للولايات المتحدة للاعتراف بهذه الحاجة بشكل لا لبس فيه، فمثل هذا الاعتراف سيضع الأساس لعلاقات مستقبلية مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل.

لقد ناضلت السياسة الأمريكية الخارجية، على مدى عقود، حتى تحقق التوازن بين المصالح الإستراتيجية والقيم. فإن النهج الحالي الذي يتخذه بعض قادة الكونجرس ويتمثل في التهديد بوقف المساعدة عن الأراضي الفلسطينية في حال مضي السلطة الفلسطينية قدماً فيما يتعلق بمحاولة إقامة دولة فلسطينية يضر كلا الطرفين.

لا يتسبب استخدام المساعدة المالية كأداة مساومة فوق حاجة إنسانية أساسية في تعقيد علاقات الولايات المتحدة مع المنطقة فحسب، خاصةً في أعقاب الثورة العربية، بل يثير أيضاً مخاوف أخلاقية خطيرة. أكدت الثورة العربية على قيم الحرية والعدالة والكرامة، وينبغي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة التناغم مع دعم هذه المثل العليا بغض النظر عن الثمن السياسي المرتبط بمثل هذا العمل. فلا ينبغي معاقبة الفلسطينيين كنتيجة لمطالبتهم بالحرية والاعتراف بدولتهم.

ينبغي أن ترى الولايات المتحدة عرض قيام دولة فلسطينية في الأمم المتحدة في سبتمبر، كفرصة لإبداء التزامها بالقيم الإنسانية العالمية ممثلة في العدالة والحرية بدلاً من الإذعان للضغط  السياسي وكذلك جماعات الضغط. أيضاً، ينبغي عليها أن تعترف بقيام الدولة الفلسطينية باعتبارها عنصراً أساسياً ليس في المفاوضات الجارية فحسب، بل أيضاً في إقامة سلام حقيقي في المنطقة.  لذلك السبب، لن يكون تصويت الولايات المتحدة على استقلال فلسطين في الأمم المتحدة أمراً حاسماً للفلسطينيين فحسب، بل أيضاً لروح الثورة العربية.