وسط كل ذلك الاهتمام المنصب على سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية، يظهر تيار قوي جديد في منطقة الشرق الأوسط.
إن حكومات الشرق الأوسط تحاول أن تمسك بزمام المبادرة لحل مشكلات المنطقة. فبعد سبعة أعوام من التخبط الذي اتسمت به سياسات ادارة بوش في العراق ولبنان والخلافات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، يشعر قادة الشرق الأوسط بأنه لم يعد بوسعهم انتظار رؤى أمريكية أكثر وضوحا على أمل أن تقدم حلولا عملية للمشكلات القائمة. وحفاظا على أمنهم، يشعر قادة الشرق الأوسط بأنهم مضطرون لحل مشكلاتهم لادراكهم بأن المجتمع الدولي لن يحلها بصورة صحيحة.
ومن السخرية أن الوجود العسكري الكبير للقوات الأمريكية في العراق قد خلق نوعا من الغياب للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. فإدارة بوش قد استنفذت كافة قدرات أمريكا في التأثير والاقناع ولا يبدو أن هنالك شيء آخر يمكن القيام به. ولكن القضية لا تنحصر في ذلك فحسب، فمحطات التلفزة الفضائية وشبكة الأنترنت وكذلك العولمة قد مكنت شباب الشرق الأوسط من الاطلاع على النجاحات التي حققتها المجتمعات المزدهرة في آسيا والغرب ، وأصبحوا يتطلعون الى تحقيق ذلك في بلدانهم أيضاً. فهنالك اجماع يمتد من القصور الملكية والرئاسية وصولا الى الأحياء الفقيرة البائسة على أن ما تحتاجه المنطقة هو الحرية لتحقيق الازدهار الاقتصادي وربط التكنولوجيا بالتعليم وفقا لقيم ومبادئ كل شعب وبما يحقق له الكرامة والاعتزاز الوطني.
لذلك، يشعر القادة بالضغوط وبضرورة التحرك لحل المشكلات من أجل خلق المناخ المناسب لتحقيق النجاحات الاقتصادية. وبأخذهم زمام المبادرة بدلا من انتظار أمريكا وإيجادهم للحلول يعززون مكانتهم كما ويعززون المشاعر الوطنية.
لقد صاحبت حقيقة أخرى هذه المواقف وهي أنه بسبب تخبط سياسات بوش وخطابه المشوش فأن عددا قليلا من قادة الشرق الأوسط يرغب أن يقترن أسمه مع أمريكا أو على الأقل مع الادارة الأمريكية الحالية.فبوش ليس فقط الرئيس الأمريكي الأقل شعبية داخل أمريكا في تاريخ أمريكا المعاصر بل هو كذلك خارج أمريكا أيضا وخاصة في الشرق الأوسط.
ونتيجة لذلك فأن أية اتفاقية تتم مباركتها في واشنطن لم تعد مرحبا بها، فلدى شعوب الشرق الأوسط صورة سلبية تماما عن بوش بشكل عام وتعتبر مواقفه معادية للعرب والمسلمين مما يجعل أية اتفاقية عن طريق الادارة الأمريكية مثار شكوك.
كما يتجنب قادة المنطقة – وبضمنهم حتى الاسرائيليين الذين قصدوا تركيا للقيام بدور الوساطة- أمريكا لأن هذه الأخيرة فقدت مصداقيتها.
لقد بدأت هذه النزعة الجديدة بالظهور في شهر فبراير 2007 عندما حاولت الحكومة السعودية القيام بوساطة لحل الخلافات بين الجماعتين الفلسطينيتين الرئيسيتين:حركة فتح (بعد عهد عرفات) ذات النزعة العلمانية وحركة حماس الدينية المحافظة. ورغم أن تلك المفاوضات لم تنجح لكنه يعتقد بأنها جرت دون تدخل أمريكي كبير أو تفصيلي.
وفي وقت متأخر من عام 2007 وجه مجلس التعاون الخليجي دعوة الى الرئيس الايراني أحمدي نجاد لحضور قمة المجلس وهي أول مرة يحضر فيها رئيس ايراني قمة خليجية.
وفي الشهر الماضي شهدنا نجاح الحوار الوطني اللبناني في الدوحة بقطر حيث دعت كل من دولة قطر والجامعة العربية الفرقاء اللبنانيين لاجتماع في الدوحة من أجل التوصل الى اتفاق. وفي نفس الفترة شهد العالم عودة الإتصالات السورية- الأسرائيلية برعاية تركيا.
وكان الهدف من جميع هذه الاتصالات أساسا هو نزع فتيل التوتر بين الولايات المتحدة وايران من خلال الجهود والامكانات المحلية في محاولة للحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط وتطوره الأقتصادي.
وعلى الرغم من أن نزعة قادة الشرق الأوسط لأخذ زمام المبادرة وتحمل مسؤولية ايجاد حلول لمشكلاتهم ستبقى – وعلى العالم تشجيع ذلك – فإن الأمل يبقى معقودا على رئيس أمريكي جديد في واشنطن ليعمل على استعادة مصداقية أمريكا.
وستكون مهمة الرئيس الأمريكي الجديد الانسحاب من العراق بطريقة لائقة، وتشجيع تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ،وقيادة أمريكا بطريقة تستعيد بها صورتها الأخلاقية، لتصبح واشنطن من جديد محط آمال واحترام وتطلعات شعوب الأرض قاطبة.