يبدأ تكسّر السدّ بشقّ صغير، إلى أن تمرّ عبره المياه الهادرة وتنهار المنشأة بأكملها.
ويجري حالياً جرف منظومة دعم الطاقة في الشرق الأوسط أيضاً. فبعد تغيير دولة الإمارات العربية المتحدة لأسعار الوقود وفقاً للأسعار العالمية، رفعت إمارة أبوظبي من أسعار الماء والكهرباء، وخفضت السعودية في ميزانيتها الأخيرة الدعم، وأعلنت سلطنة عمان عن إلغاء الدعم فيها. أما البحرين، فسترفع أسعار الديزل والكيروسين تدريجياً، في حين تقترح وزارة المالية الكويتية تقليم أكثر من ثلث المنح التي تقدّمها.
ثمة ثلاث عوامل قوية تدفع نحو هذا التغيير:
العامل الأول هو الحاجة الملحة إلى دعم الميزانيات تحت ضغط تراجع أسعار النفط. فمن المتوقع أن يبلغ عجز الميزانية السعودية 87 مليار دولار أمريكي هذا العام، على افتراض أنّ سعر النفط يبلغ حوالى 40 دولاراً للبرميل. وعلى هذا المعدل، ستنضب احتياطياتها المالية في غضون سبع سنوات.
قرّرت الرياض الآن رفع أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، والغاز بنسبة الثلثين، والإيثان (مادة بتروكيماوية خام) بنسبة 133 بالمئة، وأسعار الكهرباء لمستخدميها بنسب مرتفعة. بلغ الدعم السعودي 107 مليارات دولار أمريكي في العام 2014، وتوقعت جدوى للاستثمار أن ينخفض هذا الدعم إلى 61 مليار دولار أمريكي في هذا العام. ولذلك، وبعبارات بسيطة، سيقضي التخلص من الدعم على معظم العجز في المملكة.
يتمثل العامل الثاني بمستوى انخفاض أسعار الطاقة العالمية. بلغت أسعار البنزين قبل الضرائب في الولايات المتحدة نسبة عالية بلغت 94 سنتاً لكل لتر في العام 2008، وقد انخفضت هذه النسبة الآن إلى حوالى 38 سنتاً. وتبلغ أسعار البنزين عالي الدرجة في السعودية الآن 24 سنتاً لكل لتر بعد رفعها بنسبة 60 بالمئة – وهذا السعر لا يزال أقل من مستويات السوق العالمية، ولكنه لم يكن تغييراً وارداً في العام 2008. وفي الوقت عينه، انخفضت أسعار البنزين والديزل في الإمارات بالفعل منذ إصلاح الدعم، وباتت تتبع أسواق النفط العالمية. أما العامل الثالث، فهو قوة القيادة بالمثل. ربما لم تجتذب الإصلاحات التي حدثت في إيران في العام 2010 الاهتمام الذي استحقته في الشرق الأوسط العربي. ولكنّ كل من الأردن، والمغرب، ومصر كانت تخفّض من الإعانات في السنوات الأخيرة. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، اتخذت دولة الإمارات زمام المبادرة. وبطبيعة الحال، يجعل مستوى الدخل العالي، وبدائل النقل العام، وكثرة الوافدين من الإصلاحات أقل إشكالية من الناحية السياسية، ولكنّ نجاحها قد طمأن حكومات في دول الأخرى.
وتسلط موجة إصلاحات الدعم المفاجئة الضوء على انسداد السياسيات في السنوات السابقة. فعلى الرغم من التحذيرات العديدة، سمحت معظم الحكومات الإقليمية للدعم بالارتفاع إلى مستويات غير معقولة. فقبل الإصلاحات، كانت مصر تنفق على دعم الوقود أكثر من الصحة، والتعليم، والبنية التحتية مجتمعة. وبالكاد تحتاج الكويت إلى تقديم الغذاء المدعوم لأنها تعاني من أعلى نسبة سمنة مفرطة في العالم.
كانت خزائن الدول المصدرة للنفط مليئة بعائدات النفط، ولكن بدلاً من خسارة الأموال بسبب أسعار الوقود كان يمكن استعمال هذه الأموال في الاستثمارات المعززة للنمو أو المدخرات التي كانت لتكون الآن موضع ترحيب كبير. فحتى رفع الأسعار تماشياً مع التضخم كان ليضيّق الفجوة التي ينبغي سدّها الآن.
وبدورها، أتت الطاقة الرخيصة بشكل مصطنع بآلات، ومركبات، وعادات، وتصاميم بناء، ومخططات حضرية غير فعالة ومدمرة. لا يمكن معالجة ذلك على عجلة. قد يخفّض ارتفاع الأسعار استهلاك السعودية من البنزين البالغ نصف مليون برميل يومياً بنسبة 30 ألف برميل يومياً على المدى القصير، ولكنّ هذه ليست سوى قطرة من دلو مليء بالماء. تواجه السعودية على وجه الخصوص سقفاً يمنعها من زيادة أسعار الغاز أكثر، فصناعة البتروكيماويات فيها مبنية على الإيثان المنخفض السعر، وتمتلك الحكومة والمستثمرون من القطاع الخاص السعودي شركات مثل سابك وكيان السعودية. ولكنّ سعر الإيثان الآن أقلّ بقليل من سعره في الولايات المتحدة، ولن يساعد رفع أسعار الغاز لمحطات توليد الكهرباء كثيراً لأنه ثمة ديون كبيرة للشركة السعودية للكهرباء وهي تكافح مع مشكلة عدم دفع الفواتير.
يتدفق المدّ في الاتجاه الصحيح. ولكنّ التدابير المتعلقة بالميزانيات هي الجزء السهل. والآن يبدأ العمل الشاق – ألا وهو بناء الصناعات، والاقتصادات، والسكان الذين يستطيعون العيش والازدهار بدون خداع الطاقة المنخفضة الثمن.