سوف لن تتوفر شخصيات الطير الكبير أو إلمو أو بيرت أو أورني للأطفال الفلسطينيين طالما أن قادتهم مستمرين في سعيهم للاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة. هذه هي الرسالة الأخيرة التي تلقاها الفلسطينيين من الكونغرس.
في ديسمبر، قامت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بتصعيد الضغوط ضد النداء الموجه للأمم المتحدة لإقامة الدولة الفلسطينية من خلال تجميد 192 مليون دولار أمريكي من أموال تمويل برامج الوكالة الأمريكية للتنمية. هذه الأموال تذهب في المقام الأول إلى المستشفيات والتعليم والمؤسسات الحكومية في الضفة الغربية وغزة. ولعل أحد أكبر البرامج التي تأثرت بقطع هذه المساعدات هو عرض الأطفال الأيقوني، النسخة الفلسطينية من برنامج “سيسامي ستريت” المتعارف عليه باللغة العربية باسم “شارع سمسم.”
هذه الحركة لم تعرض برنامج “صحراء السمسم” للخطر فحسب، بل أيضًا تعرض جهود إدارة أوباما المعنية بتحسين العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط.
بدأ هذا العرض لأول مرة في عام 1996 حيث كان يعمل على تعزيز رسائل السلام والتسامح والتنوع. فوفقًا لما قاله المنتج التنفيذي للعرض داوود كتّاب، لقد قامت الوكالة الأمريكية للتنمية بتمويل البرنامج بميزانية قدرها 2,5 مليون دولار أمريكي بين عامي 2008 و2011. وكان من المقرر تخصيص مبلغ إضافي قدره 2,5 مليون دولار أمريكي لتغطية تكاليف البرنامج حتى عام 2014.
ويقول السيد كتّاب “إذا كان لدينا تمويل، كنا سنقوم بكتابة نصوص ومراجعة نصوص، كما كان من الممكن أن نتعاقد مع صانعي الأفلام لإنتاج أفلام الفيديو”. فعلى الرغم من عمل البرنامج على تعزيز السلام والتسامح، فقد يواجه موظفيه الذين يبلغون 80 شخصًا الحقيقة القاسية للبطالة.
فإيقاف تمويل البرامج مثل برنامج ” شارع سمسم ” يعتبر أمرًا ضارًا للغاية بالنسبة لكلٍ من صناع السياسة الأمريكيين والأشخاص الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط على حدٍ سواء. أولاً، فإنه يعمق عدم الثقة ويوسع الهوة بين السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأشخاص الذين يعيشون في المنطقة. ويحدث هذا الأمر في وقت حرج، خلال الربيع العربي.
كما يؤدي تجميد مثل هذه البرامج إلى الإضرار بالتأثير الاميركي في الخارج، حيث إن برنامج ” شارع سمسم ” هو عبارة عن عرض أمريكي مميز ويُعد معلم من المعالم الأمريكية.
فإيقاف التمويل يعزز الشكوك التي انتشرت بالفعل على نطاق واسع بشأن “الدوافع الحقيقية” للمساعدات الأمريكية المقدمة للمنطقة، مما تسبب في رؤية الناس لها باعتبارها مجرد أداة للمساومة من أجل دعم الأجندة السياسية وليس لتعزيز السلام وتحسين الأوضاع الإنسانية.
وقد كانت الممثلة إيلينا روس ليتينن، صانعة القانون المؤيدة للنظام الجمهوري في فلوريدا ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، هي من سعى وراء إتمام هذا التجميد. ويبدو أن المقصود من عملها هذا هو الإثبات لناخبيها وللوبي الإسرائيلي أنها تتخذ إجراءات صارمة ضد الفلسطينيين. ويتوفر هذا النوع من الإغراء لاستخدامه فقط في دعم الحملات الانتخابية الفردية.
فبصرف النظر عن ماهية الفلسفة الحقيقية للمعونة الأمريكية المقدمة للمنطقة، فإن هذا التصور الذي يشير إلى أن المكاسب السياسية تفوق بناء السلام أصبح منتشرًا بشكل متزايد وعلى نطاق واسع بين الملاحظين العالميين، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه قد يضر صورة الولايات المتحدة في المنطقة بشكل لا يمكن إصلاحه فيما بعد.
وتستمر الولايات المتحدة في دعم قوات الأمن الفلسطينية، في الوقت الذي قامت فيه بتجميد المساعدات الإنسانية، من خلال تمويل التدريب والمعدات. وهذا يعزز فكرة اهتمام واشنطن وحدها بالحفاظ على الأمن الإسرائيلي.
ونظرًا لتجميد المساعدات، فقد رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس علنًا 150 مليون دولار أمريكي مخصصة لخدمة الأمن. فإنه إن لم ينجح في تفير التعليم الصحة في الوقت الذي يوفر فيه الأمن لإسرائيل، فإن السيد عباس سوف يرتكب جريمة الانتحار السياسي. فإن هذا القرار سوف يجعل السلطة الفلسطينية حريصة على حماية مصالح إسرائيل في الوقت الذي تساوم فيه على الحقوق الأساسية الفلسطينية في التعليم والصحة.
وكما أوضح كتّاب لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، “سوف ينظر الفلسطينيون إلى المساعدات باعتبارها نظيرًا لقطع الفضة الـ30 التي قبلها يهوذا الاسخريوطي عندما سلم يسوع – وهو الموقف الذي لا يريد عباس أن يقع فيه”.
فإن إلغاء برنامج ” شارع سمسم ” يثير التساؤل حول ما إذا كان انحياز الولايات المتحدة إلى إسرائيل لا ينعكس على الساحة السياسية فحسب، بل وعلى المجال الإنساني أيضًا. فقد قام الكونغرس بتجميد التمويلات المقدمة إلى الفلسطينيين، لكن وزارة الخارجية تستثمر 750000 دولار أمريكي في النسخة الإسرائيلية من برنامج “شارع السمسم”. وقد أعرب داني لابين، المسؤول التنفيذي في محطة التليفزيون الإسرائيلية التي شاركت في إنتاج برنامج “شارع السمسم”، عن مخاوفه واصفًا هذا العمل بأنه “مؤسف للغاية”.
كما ينبغي أن يقدم قطع التمويل درسًا مهمًا للفلسطينيين أيضًا، فينبغي أن يتعلموا أن تنويع مصادر تمويلهم أمر حيوي ليس للحفاظ على البرامج الجديرة بالاهتمام مثل “صحراء السمسم” فحسب، بل أيضًا لتحقيق الاستقلال الوطني. ينبغي على الفلسطينيين ألا يقبلوا شراكة تجبرهم على الاختيار بين عرض تعليمي للأطفال وسعيهم للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.