تؤكد زيارة وزير الخارجية السوري إلى الهند هذا الأسبوع على تعددية الأقطاب المتنامية في الشرق الأوسط. ويدرك لاعبون إقليميون مختلفون أهمية القوى الآسيوية في مستقبل الشرق الأوسط الاستراتيجي. وتأتي هذه الزيارة على خلفية زيارات قامت بها شخصيات رفيعة المستوى من المعارضة السورية ونظام الأسد للصين الشهر الماضي. وخلال زيارته للصين، أكّد وزير الخارجية السوري على أنّ الحكومة ستكون على استعداد للمشاركة في عملية السلام.
سعى النظام السوري منذ فترة طويلة إلى الحصول على دعم الهند وتدخلها الدبلوماسي في الصراع، وقد دعمت دمشق حضور الهند مؤتمر جنيف 2. وقد عارضت الهند بثبات التدخل الأجنبي لإسقاط النظام في سوريا (كما بدا في تصريحات الهند وتصويتها في الأمم المتحدة). تعتبر حكومة الأسد الهند صديقاً مؤثراً محتملاً، ولكن هادئاً. ويشير الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الخارجية الهندية أنه خلال الاضطرابات الحالية، “لقد أعربت سوريا عن تقديرها العميق لدعم… الهند وأعضاء آخرين من دول البريكس في مجلس الأمن الدولي”.
تشكّل الزيارة إلى الهند جزءاً من استراتيجية نظام الأسد الأوسع تجاه آسيا. وستعتبر الحكومة السورية أنها حققت نصراً بفعل أنّ العالم سيرى أنّها قد استضيفت في دلهي، بما في ذلك تقارير اجتماع وزير الخارجية وليد المعلم مع رئيس الوزراء مودي. وأكثر من ذلك، لن تسعى سوريا إلى الحفاظ على الدعم الدبلوماسي الصامت من الهند والصين في الأمم المتحدة فحسب، بل ستحاول أيضاً إقناع هاتين الدولتين بأنّ الواقع الاستراتيجي الجديد للتدخل الروسي يجب أن يغيّر حساباتهما.
من المرجح أن تطلب دمشق من دلهي أن تعبّر عن مواقفها بشكل أكثر صراحة. وقد تحاول الحكومة السورية إقناع الهند بأنّ التدخل الروسي قد جعل موقف الأخيرة الحالي يبدو أكثر وسطياً، مما يوفّر غطاءً لنهج نشط أكثر. قد تقول الحكومة السورية أيضاً إنّه في ظلّ التحدي الكبير الذي تواجهه واشنطن والمتمثّل بعمل موسكو العسكري، ستكون في موقف أضعف لجعل دلهي تذعن. وقد تسعى دمشق إلى إقناع الهند بأنّ الحكومة السورية في مرحلة ما بعد الصراع ستضمّ على الأرجح بقايا النظام الذين لن ينسوا من هم أصدقاءهم. سوف تسلط الضوء على تراجع الولايات المتحدة عن شرطها المسبق الذي يقضي بمغادرة الأسد، وتشدّد على دفع الرئيس الروسي بوتين نحو ضمان السماح للأسد بالترشح لانتخابات العام 2017.
قد يسحب وزير الخارجية السوري أيضاً “بطاقة الصين” خلال زيارته إلى الهند. تعتبر دلهي الشرق الاوسط منطقة منافسة استراتيجية مستقبلية محتملة مع بكين. وتستطيع سوريا ضمّ الهند إلى صفها من خلال تحديد أي دعم وعدتها به الصين، فتحتكم بذلك إلى هدف دلهي القاضي بمنع بكين من التفوق عليها في غرب آسيا.
بعد الزيارة، من غير المرجّح أن تحصل تغييرات كبيرة في سلوك الهند. ستبقى إجراءات دلهي متمحورة حول التصويت والبيانات في الأمم المتحدة والمنصات الأخرى، ولكنها قد تصبح أكثر صخباً بقليل. في ظلّ سعي الهند إلى الحفاظ على صورتها كـ”صديق للجميع”، سيكون هدف تحقيق التوازن بين العلاقات مع الولايات المتحدة وإيران ودول الخليج وإسرائيل المحرّك للدبلوماسية الهندية. ولكنّ دلهي تدرك أنّ نفوذها يفوق نفوذ الصين في كلّ من علاقاتها مع بلدان منطقة الشرق الأوسط.
ماذا تجني الهند من ذلك؟
للهند عدد من المصالح والقيم التي يقوم عليها موقفها بشأن سوريا. فمعارضة التدخل الأجنبي ودعم سيادة الدولة (بغض النظر عن نوع النظام) مبدآن تعتمدهما البلاد منذ وقت طويل، مما يجعل موقفها تلقائياً مواتياً لحكومة الأسد. ويستند هذان المبدآن على نهج مكافحة الاستعمار، وتضامن دول العالم الثالث، والمصلحة في منع التدخل الأجنبي في كشمير، والقيم الثقافية مثل التعددية، ونبذ العنف (على مستوى الدول)، والتسامح. ويمكن أن تبرر الهند عدم انتقادها التدخل الروسي لأنّه جاء بناءً على دعوة من نظام الأسد.
لدلهي أيضاً مصالح كبرى في استقرار منطقة الشرق الأوسط نظراً لزيادة اعتمادها على واردات النفط والغاز. من شأن انتصار نظيف للثوار في سوريا أن يعطي دفعة معنوية لبعض المتمردين الإقليميين الآخرين، مما يمكن أن يتسبّب بالمزيد من عدم الاستقرار. وسوف تذكر دلهي أنها اضطرت هي وشركائها في الاتحاد (consortium) إلى التخلي عن الاستثمارات النفطية بسبب المخاوف الأمنية في العام 2013. ويهدّد عدم الاستقرار أيضاً 7 ملايين عامل هندي مغترب.
من الناحية الجغرافية السياسية، ستعتبر الهند سوريا فرصةً لتعزيز مكانتها كشريك أمني محتمل لدول الشرق الأوسط (فيما تتنافس مع كل من الصين وباكستان). ويشتمل ذلك أيضاً على الدول التي تشعر بأنها مهددة أو معزولة من الغرب، مثل إيران وسوريا، فضلاً عن الدول التي تشعر أنّ الدعم الغربي الذي تلقته لم يكن كافياً، مثل دول الخليج.
ستعتبر الهند أنّ موقفها قويّ أصلاً بالنظر إلى أنه بات ثمة قطبان دوليان متعارضان بوضوح الآن بشأن الصراع، وهي لا تقف إلى جانب أيّ من الطرفين. ومن خلال المحافظة على موقف مستقل ووسطي بشأن الأسد، تستطيع دلهي الحفاظ على نفوذ أكبر على جميع الأطراف التي ستسعى إلى اجتذابها لتقف في صفها. كذلك، ستراقب الهند عن كثب مقاربة الصين للصراع، بما في ذلك علاقات بكين مع الفريقين اللذين تقود إيران أحدهما والسعودية الثاني.
إنّ الحدّ من انتشار الإرهاب هو محرّكٌ لموقف الهند بشأن سوريا. فدلهي على الأرجح تشكّك أكثر من الغرب في ما يتعلّق بعدد من المجموعات المتمردة السورية. كما وشهد الصراع مشاركة متزايدة من الجهاديين الهنديين. وتخشى الهند أيضاً تأثير المتطرفين في أفغانستان وباكستان وكشمير.
تأثير محتمل على جهود السلام
قد تتمكن الهند من التأثير على جهود السلام، وإن كان هذا التأثير محدوداً. وفي مبادرات الوساطة المحتملة، تستطيع دلهي توظيف القوة الناعمة إلى حدّ كبير بفضل سمعتها الإيجابية والموثوقة والحميدة منذ وقت طويل بالمقارنة مع كلّ اللاعبين الدوليين في الصراع تقريباً. وقد أشار السفير السوري في الهند إلى أنّ ذلك يضع دلهي في “موقف نادر”. تتمتع الهند بالنفوذ مع نظام الأسد نظراً لعزل هذا الأخير وقدرة دلهي على المساعدة في التأثير على الرأي العام العالمي، وبخاصة في جميع أنحاء العالم النامي. وتستطيع الهند استحضار ذكريات إيجابية إلى أذهان الشعب السوري، نظراً لتاريخ الصداقة بين الدولتين. وتشير وزارة الشؤون الخارجية الهندية إلى أنّ البلديْن يتشاركان بعلاقات تاريخية وثقافية طويلة الأمد؛ وتجربة استعمارية؛ وتوجّه علماني، وقومي، وتنموي؛ وتصورات متشابهة بشأن قضايا دولية وإقليمية عدة؛ بالإضافة إلى عضويتهما في حركة عدم الانحياز. وستتمتع الهند أيضاً بنفوذ اقتصادي مع دول الخليج التي تدعم المعارضة، نظراً لحجم التجارة الكبير والمتزايد في مجال الطاقة والعمالة المهاجرة بين الطرفين.