اكتسبت مسألة ما يريده الإسلاميون إلحاحًا جديدًا، بفضل الانتخابات الجارية في مصر– التي تبدو مستعدة لتسليم حزب الإخوان المسلمين السياسي، حزب الحرية العدالة، أكثر من 40% من المقاعد البرلمانية. لكن على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الإخوان المسلمين متشددين ومتعصبين، فإن الحقيقة هي أن الإسلاميين أنفسهم ليسوا على يقين تمامًا بما يريدون.
قد وضع المراقبون الغربيون تركيزًا مفرطًا على أيديولوجية الإخوان المسلمين. مع ذلك، فإنه بالنسبة لمعظم الأحزاب السياسية المصرية، بما في ذلك حزب الحرية والعدالة، نادرًا ما تتوقع المعتقدات السلوك بدقة. وكما جادلت في هذه القضية في مايو/يونيو 2011 حول مسألة الشؤون الخارجية (“صعود الإسلاميين”)، فإن جماعة الإخوان المسلمين – بعيدًا عن كونها لا تتمتع بالمرونة أيديولوجيًا — فإنها جهة سياسية فاعلة كبيرة، الأمر الذي يصل إلى حل وسط بشكل روتيني بشأن المثل العليا لتحقيق المصالح التنظيمية. وهذا الأمر يجعله أكثر مرونة واستعدادًا للتغيير مما يفترضه الكثيرين الآن.
وفي الواقع، فإنه يصعب اكتشاف إسلامية جماعة الإخوان المسلمين من سياستها المعلنة، حيث إن معظمهم في الواقع لا علاقة لهم بالشريعة الإسلامية. فقد ولت منذ زمن طويل أيام الثمانينات التي اتخذت فيها الجماعة من الشريعة دعوتها لحمل السلاح. فيمكن فهم الإسلامية بشكل أفضل بأنها الدافع لأفعال جماعة الإخوان المسلمين بدلاً من فهمها بأنها نتاجهم. ولأن جماعة الإخوان المسلمين هي عبارة عن حركة دينية تشتمل على مناهج تعليمية شاملة وبنية عضوية معقدة متعددة المستويات، فإن كل إخواني، بحكم التعريف، هو عبارة عن شخص محافظ دينيًا. ويشعر أعضاء جماعة الإخوان بالقليل من الحاجة إلى إثبات حسن نواياهم من الناحية الدينية.
وبالطبع، فإن هناك فصيلة أكثر تعنتًا تكتسب زخمًا في القاهرة. فقد بدا واضحًا من التصويت أن الإخوان المسلمين لم يعدوا يمارسوا احتكارًا على أصوات المصريين المحافظين – حيث إن السلفيين المتشددين، الذين يدافعون عن الالتزام الحرفي بالشريعة الإسلامية، سوف يشكلون ثاني أكبر كتلة في البرلمان، بنحو 20% من المقاعد. ونظرًا لتجنب هذه الجماعة للسياسة طويلاً لأسباب دينية وعملية، فإنهم يعدوا مبتدئين سياسيًا. وهنا تكمن جاذبيتهم الشعبية؛ فحتى هذه اللحظة، يبدو أنهم غافلين عن الحلول الوسط المتأصلة في الحياة السياسية.
ففي حين أن السلفيين يبدوا متحمسين بشكل زائد عن الحد، مع ذلك، فإن جماعة الإخوان المسلمين تتبنى سياسة النفس الطويل، حيث يميل أعضائها إلى إطلاق جو حماسي، وهو الأمر الذي كان يُعد في كثير من الأحيان خطأ خلال سنوات القمع في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك من أجل تحقيق الرضوخ أو الإذعان. فعندما تعتقد أن التاريخ أصبح في جانبك، فكل ما تحتاج إليه هو انتظار اللحظة المناسبة. ومن المفترض الآن أن تكون قد حانت اللحظة للإخوان المسلمين، لكن السؤال هو ماذا يمكنهم أن يفعلوا بها.
في السنوات الماضية، نأت جماعة الإخوان المسلمين بنفسها عن جماعة الإخوان الإسلاميين التركية برئاسة رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان، الذي اعتبروه غير مخلص للبرنامج الإسلامي، حيث كان يتحول بشكلٍ طفيف عن النمط الأوروبي للمحافظين الديمقراطيين. ولكن بعد أن تمكنت هذه الجماعة من التخلص من قمع مبارك مع وجود فرصة حقيقية للوصول إلى مقاليد الحكم، فإن جماعة الإخوان المسلمين تتطلع بشكلٍ متزايد إلى النموذج التركي. وقد كان من بين ما استوعبه الإخوان المسلمين من حزب العدالة والتنمية لأردوغان هو أن التنمية الاقتصادية القوية تجعل أي شيء آخر أسهل. فإذا تمكنت من رفع مستوى معيشة الشعب، فإنه سوف يكون أكثر احتمالية للإصغاء لك في المسائل غير الاقتصادية. وربما الأهم من ذلك، تعتقد جماعة الإخوان المسلمين أن المصريين سوف يربطون بين مثل هذا النجاح الاقتصادي و”المشروع الإسلامي”.
ولكي يحدث ذلك، يجب أن تصل جماعة الإخوان المسلمين إلى منصب يُمكنها من السيطرة على الشؤون الاقتصادية في مصر. لذا، فإنه ليس من قبيل الصدفة أن تكون الأولوية العليا للجماعة هي إعادة النظر في الهياكل السياسية المتحللة للبلد. ففي ظل الأطر القانونية والدستورية القائمة، تظل مصر صاحبة نظام رئاسي عالي وراسخ وفي الوقت نفسه صاحبة نظام تشريعي ضعيف. وتأمل جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها تمثل الكتلة الأكبر، أن تشق طريقها في تأسيس نظام برلماني نقي في ظل وجود رئيس شعبي شرفي. وبالتأكيد، فإن بعض هذه الأشياء تعبر عن مصلحة ذاتية بحتة. فقد تم تصمصم الديمقراطية البرلمانية – وهي عبارة عن نظام يكافئ على الانضباط الحزبي والتفاوض المستتر والمرونة في تكوين التحالفات – تقريبًا من أجل هذه الجماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتي تبدو أنها تستمتع بالتلاعب السياسي المكشوف. فوجود برلمان أقوى سوف يعطي جماعة الإخوان المسلمين منبرًا قويًا لتحدي المجلس العسكري الحاكم، الذي يبدو غير راغب على الإطلاق في التخلي عن السلطة. ومع ذلك، تتجاوز بعض هذه الأشياء الأهداف قصيرة المدى. فنظرًا لعقود القمع الطويلة التي تم التعرض لها على مدى ثلاثة رؤساء متعاقبين، يخشى الإخوان المسلمين من ظهور الحاكم المستبد مرة آخرى.
وبالطبع، فإن جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها منظمة مؤسسية وهرمية عليا، تمنح دائمًا الأولوية للهياكل على الأفراد. ويعني هذا، في العقود الحديثة، أن جماعة الإخوان المسلمين قد فشلت في إنتاج أي قادة ذوي جاذبية على الصعيد الوطني. لذا، فعندما يتعلق الأمر بالسياسة المصرية، يكون الإخوانيون مؤسساتيون أيضًا.
لكن وجود السلفيين يهدد بتعقيد الأمور. فإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تشعر بأنها ينبغي عليها أن تنتقل إلى المركز – لطمأنة المشككين الليبراليين والمجتمع الدولي – فإنها سوف تتمكن من القيام بذلك. وإذا كانت تشعر أنها بحاجة إلى التحرك جهة اليمين – للتنافس مع السلفيين- فإنها ستفعل ذلك كبديل. لكنها أيضًا يمكنها أن تقوم بكلا الأمرين على حدٍ سواء، أن تتنازل عن بعض الأشياء لليبراليين وفي الوقت نفسه تؤكد على المؤهلات الدينية لحشد قاعدتها من المحافظين. وبالفعل، فإن هذا هو النهج – سواء كان ذلك بقصد أو بشكل افتراضي – الذي تبدو من أجله جماعة الإخوان المسلمين اختيارية. ففي القرى الريفية المحافظة في البلد، التي تواجه فيها الجماعة الإسلامية السلفيين، تُذكر الجماعة ناخبيها بتاريخها الحافل بالاضطهاد وتلجأ إلى الخطاب الديني الحماسي. وفي القاهرة، تعرض جماعة الإخوان المسلمين وجهها الأكثر معقولية في وسائل الإعلام وفي الاجتماعات التي تعقدها مع الوفود الزائرة من صناع القرار والمستثمرين. يُطلق بعض المنتقدين لجماعة الإخوان المسلمين على هذا الأمر “الخطاب المزدوج”، فيما يعتبرها البعض الآخر “سياسة”.