لم تقرؤوا هذا في الأخبار من قبل: قبل ثلاثة أشهر تم اختطاف مواطن أميركي في شمال غرب باكستان، ليتم قتله بعد ذلك. وقد عثرت أسرته الثكلى على جثته مؤخرا.
قبل ثلاثة أشهر، كتبت زميلتي العزيزة عائشة رسالة لي لتخبرني بأن أخاها عمران قد جرى خطفه في شمال غرب باكستان. كنا أنا وعائشة قد التقينا لأول مرة عام 1999 كزملاء عمل في واشنطن العاصمة بعد تخرجها من جامعة جورج تاون، حيث عملنا معا في مشاريع تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي الجهة الحكومية التي تقدم المعونات الخارجية. ومنذ 11 سبتمبر أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 10 مليارات دولار كمساعدات لباكستان – ثلثاها مساعدات عسكرية، والثلث المتبقي للتنمية الاقتصادية- محققة نتائج متوسطة المستوى.
جمعتنا أنا وعائشة صداقة قوية، لأنه في ذلك الوقت كان عدد المسلمين الأميركيين الذين يعملون في مجتمع السياسات في واشنطن قليلا جدا، وكلانا كان مهتماً بتحسين حياة الناس وتطوير علاقة الولايات المتحدة بهم في مناطق واسعة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا التي هاجرت منها عائلاتنا، فأسرتها جاءت من باكستان فيما جاءت أسرتي من لبنان.
وانشغلت أنا في حملة آل غور للانتخابات الرئاسية عام 2000، بينما ذهبت عائشة الى جامعة هارفارد للحصول على درجة الماجستير في تخصص التعليم، ثم عادت بعدها الى باكستان لتحقيق حلمها في تحسين وضع تعليم الأطفال في باكستان. وكان من بين دوافعها التي حدثتني بها للعودة الى باكستان هو أن تكون قريبة من أخيها عمران وولديه إبراهيم وموسى.
ان تواجد عائشة هناك كمسلمة أميركية باهرة النجاح، تحمل شهادة عالية في تخصص التعليم من جامعة هارفارد، لتعمل في منطقة محافظة جدا من باكستان كان سيفيد النظام التعليمي في باكستان بالإضافة إلى دعم صورة أميركا على أنها ملعب عادل يمكن للأميركيين المسلمين أن يحققوا النجاحات على أرضه.
لكن جهد عائشة الفردي لتطوير العلاقات الباكستانية-الأميركية لم يكن كافيا.
وبينما كنا أنا وعائشة نتبادل الرسائل بشأن اختطاف أخيها، اقترحتُ عليها إشراك الحكومة الأميركية على مستوى رفيع، من خلال علاقاتي التي أنشأتها خلال سنوات عملي مع الأوساط الحكومية في واشنطن. لكن، ورغم إلحاحي، كان رأي عائشة بعد تأمل عميق في الأمر هو أنه من الأفضل عدم إشراك الحكومة الأميركية في ذلك. لماذا؟
لأن فرص اطلاق سراح أخيها حيا من جانب المجرمين والارهابيين ستكون أكبر لو لم تتدخل الحكومة الأميركية التي تحظى بالكثير من الكراهية في المنطقة، وأن من الأفضل أن تتولى جهات محلية ذلك الأمر.
وفي الوقت الذي تبقى فيه الدوافع الحقيقية لذلك الاختطاف والقتل غير واضحة، إلا أن ما هو واضح بالنسبة لي هو التالي: لقد اعتبرت عائشة وأسرتها أن السلطات الباكستانية المحلية كانت في موقع أفضل للتفاوض مع المجرمين الإرهابيين من حكومتنا.
وان كان هنالك ثمة عزاء لعائشة وأسرتها الآن، فهو على ما أعتقد أن عمران قد قتل في اليوم التالي لعملية اختطافه، ولم يعد هنالك سبب ليلوموا أنفسهم فيما يخص ردة فعلهم وكيف تصرفوا. ولكنني لا أجد عزاء من أي نوع. فحكومتنا قد تصرفت بطريقة جعلت الناس الذين كانوا في أحد الأيام معجبين بمبادئنا يكرهوننا بسبب نفاقنا، بحيث أن مواطنينا الذين تتعرض حياتهم للخطر يفضلون الاستعانة بالجهات الرسمية المحلية بدلا من الاستعانة بحكومة أميركا العظمى!
من المسؤول عن ذلك؟ أنا أضع اللوم على نفسي وأبناء وطني والبرلمانيين المنتخبين في واشنطن فيما يخص سوء تصرفاتنا -كالتصويت لصالح الحرب على العراق استنادا إلى أسس واهية، وعدم التعامل بالجدية المطلوبة مع فضيحة سجن أبو غريب، ومواصلة احتجاز سجناء من دون محاكمة في خليج غوانتانامو لسنوات عديدة – بحيث أصبحنا غير قادرين على الدفاع عن أفعالنا، وشُوهت سمعتنا، وأصبحنا عاجزين عن الدفاع عن مواطنينا.
عندما ولدت في أبريل 1967، كانت صورة أميركا مثار إعجاب الجميع في أرجاء العالم الإسلامي، ومحط أنظارهم من أجل مستقبل أفضل. أما اليوم، فنحن مكروهون من السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي وحتى السواحل الغربية للمحيط الهادي.. من البحر الى البحر. لا بد من تغيير يحدث في الوطن.. لابد من التغيير.
هادي عمرو هو المدير المؤسس لمركز بروكنجزالدوحة وباحث في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجز.