الشرق الأوسط: كيف أثر الصراع السوري على العلاقات بين دول الخليج، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي؟
غريغوري غوس: لا أعتقد أن ثمة خلافات بين دول الخليج حول أهدافها، فكل دول الخليج تريد رحيل بشار الأسد، وتسعى جميعها لتحقيق هذا الهدف بشكل أو بآخر. تكمن الخلافات حول التكتيكات التي ستعتمدها كلّ دولةٍ، وكذلك حول هوية الأطراف التي ستؤيدها داخل المعارضة السورية. . وأعتقد أن الخلاف الرئيس يكمن في ميل قطر لتأييد الإخوان المسلمين، بينما تميل السعودية وبعض الدول الأخرى، وبالأخص دولة الإمارات، لتأييد الجماعات غير المنتمية لتنظيم الإخوان المسلمين. وأرى أنه من المثير للاهتمام أن نجد السعودية واحدة من بين المؤيدين الرئيسين لأكثر العناصر العلمانية في الجيش السوري الحر، جنبا إلى جنب تأييدها لبعض العناصر غير المنتمية لجماعات تنظيم القاعدة.
وأعتقد أن السعودية تتعامل مع المعارضة السورية من أكثر من زاوية، لمحاولة تحقيق هدف التخلص من الأسد. ويبدو أن قطر تركز بشكل أكبر على دعم وتأييد الإخوان المسلمين والمنظمات الأخرى المماثلة، بالإضافة إلى تعاونها مع تركيا في ذلك الأمر، ولذا أعتقد أن الفارق بين دول الخليج لا يكمن في الهدف، إنما في الطريقة وفي هوية الطرف الذي تؤيده كلّ دولة داخل المعارضة.
الشرق الأوسط: بالنسبة لك، ما هو الدافع الرئيس لاستراتيجية قطر حيال سوريا؟ هل هذه الاستراتيجية تهدف في معظمها إلى تحقيق النفوذ والحرص على الهيمنة، أم تعتقد أن هناك أيضا عاملا أخلاقيا وراء دعمهم للمدنيين ضد الأعمال الوحشية والفظائع التي ارتكبها جيش بشار الأسد؟
غريغوري غوس: أعتقد أن هناك تعبئة ضخمة للرأي العام في العالم العربي ممن يدعمون المتمردين في سوريا، نظرا لرد الفعل الوحشي من جانب الأسد – مع اندلاع الثورة في عام 2011 – حيال الاحتجاجات التي كانت سلمية في البداية، ولذا لا أعتقد أن هذا الأمر تنفرد به قطر وحدها.
كانت السياسة الخارجية القطرية منذ التسعينات من القرن الماضي – ولا سيما عندما كان يمسك الشيخ حمد بزمام الحكم، وكان حمد بن جاسم يشغل منصب وزير الخارجية ورئيس الوزراء – تهدف إلى وضع قطر في طليعة العمل الدبلوماسي. ولا أعتقد أن هذا الأمر كانت تحركه فكرة خاصة تتعلق بالمصلحة القومية، ولكن باعتقادي أن هذا الأمر كان بدافع الطموح، فقد كانت القيادة القطرية تطمح بشدة للعب دور أكبر في المنطقة، وكان لهذا الدور عدد من العناصر التي تسهم في تحقيقه، والتي تتمثل في الآتي: عنصر العلامة التجارية العالمية، وذلك مع انعقاد الأحداث الرياضية والمؤتمرات الكبيرة في الدوحة، والتي توجت بالحصول على كأس العالم، وكذلك عنصر الوساطة، مع العرض القطري للقيام بدور الوساطة في قضايا عدة، بدءا من دارفور إلى لبنان وصولا إلى اليمن. وهناك عنصر آخر تمثل، بالطبع، في العنصر المعلوماتي من خلال قناة «الجزيرة»، ومن ثم كان العنصر الرابع في أنها أصبحت تلعب دورا سياسيا كبيرا. وأرى أنها أيّدت الإسلاميين، وبالأخص جماعات الإخوان المسلمين، لأنها ترى في نفسها القوة القادمة في المستقبل، أما العنصر الخامس، الذي يعد العنصر الأساسي الذي يتجاهله الجميع تقريبا إلى حد ما لأنه واضح للغاية، فيتمثل في العلاقة الأمنية القوية للغاية التي تربط بين قطر والولايات المتحدة، حيث إنها تستضيف القاعدة الجوية الأميركية، التي تعد بالأساس مركز القيادة المحلية للقيادة المركزية، ولذا أعتقد أن هذا العنصر الأمني الأخير هو الذي أعطى الثقة لقطر للقيام بالأمور الأخرى.
الشرق الأوسط: كثر الحديث عن التقارب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، برأيك ما احتمالات حدوث تطبيع كامل للعلاقات بين الدولتين؟
غريغوري غوس: إذا كنت تعني بالتطبيع الكامل عودة السفراء، فأعتقد أن هناك احتمالا كبيرا لتحقيق ذلك الأمر. وفي الحقيقة، هناك أكثر من عقبة تحول دون ذلك على الجانب الإيراني مقارنة بالجانب الأميركي، نظرا لأن معاداة الولايات المتحدة يعد أحد العناصر الأساسية للفكر الثوري الإيراني منذ عام 1979، ولكن إذا كنا نعني بالعلاقات الطبيعية التعاون الجيوسياسي الفعلي، فاحتمال حدوث ذلك أقل بكثير. وأرى أن احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي تعد جيدة جدا، وإن لم تكن بنسبة مائة في المائة. وحسب ما أوضحه الرئيس (الأميركي باراك) أوباما، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق أو عدم الاتفاق تعد متساوية.
ولكن في ما يتعلق بالاتفاق الجيوسياسي بين الطرفين، والذي يقضي بأن يكون هناك اتفاق كبير بين الولايات المتحدة وإيران بالأساس حول الشكل الذي يتعين أن تكون عليه المنطقة، بحيث يكون لإيران دور جيوسياسي كبير، فلا أعتقد حدوث ذلك الأمر. ويرجع السبب الرئيس لعدم حدوث ذلك هو أن سياسية الولايات المتحدة، مدة 70 عاما، في منطقة الشرق الأوسط تقوم على منع أي قوة أخرى من أن يكون لها دور مهيمن، وإذا كان باعتقادك أن الولايات المتحدة قد تتعاون بالفعل مع إيران لضمان هيمنة إيران الإقليمية، فهذا الأمر سيسفر عن مشكلتين، الأولى تتعلق بعلاقة الولايات المتحدة الوثيقة مع إسرائيل، وعدم رغبة إسرائيل في أن تكون إيران قوة إقليمية مهيمنة، بالإضافة إلى علاقة الولايات المتحدة الوثيقة بالسعودية، وكذلك عدم رغبة السعودية في تكون إيران قوة إقليمية مهيمنة، لذا أشك في إمكانية التوصل إلى هذا النوع من الاتفاق الجيوسياسي الكبير.
الشرق الأوسط: هل هذا يعني أنك لا تعتقد أن الولايات المتحدة لديها بصمة وأثر واضح في منطقة الشرق الأوسط مع كون الرئيس أوباما يولي القليل من الاهتمام للنفوذ الإيراني في المنطقة؟
غريغوري غوس: الولايات المتحدة أقل قلقا إزاء النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة مقارنة بالمملكة العربية السعودية، ولكن هذا لا يعني أن واشنطن تؤيد انتشار النفوذ الإيراني أو أنها غير معنية بما تقوم به طهران. هذا يعني فقط أن السعودية أشد قلقا إزاء هذه القضية من الولايات المتحدة. وبالتأكيد فإن سياسة الولايات المتحدة حيال سوريا ليست مثل سياسة السعودية، ولكنها لا تؤيد أيضا بشار الأسد. وأرى أن السياسة المعلنة في لبنان والعراق تتعارض أيضا مع الهيمنة الإيرانية. وبرأيي فإن الأمر يتعلق فقط بدرجة الالتزام، فالسعودية تعد أكثر التزاما حيال هذا الهدف مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية، ولكن هنا يشبه الأمر كثيرا الوضع داخل دول مجلس التعاون الخليجي التي تحدثنا عنه في السابق، فليس هناك اختلاف في الأهداف، ولكن الاختلاف يكمن في التكتيكات وترتيب الأولويات، ولكن لا يعني هذا أننا نقول إن الولايات المتحدة وافقت بالأساس على أن إيران ستكون هي القوة الإقليمية المهينة. وأعتقد أنه عندما نتحدث عن تقليل الوجود العسكري في المنطقة، علينا أن نبتعد عن المبالغات، فبالتأكيد يعد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة أقل بكثير مما كان عليه عندما كان يوجد لدينا 100 ألف جندي في العراق.
الشرق الأوسط: هل تعني أنه لم يكن لذلك تأثير سلبي بالضرورة؟
غريغوري غوس: نعم بالتأكيد، ولكن ما زال يوجد قواعد عسكرية أميركية في جميع أنحاء الخليج، وفي الكويت، والبحرين، وقطر، ويوجد تسهيلات وترتيبات مع دولة الإمارات وسلطنة عمان. وأرى أن هذه القواعد العسكرية ما زالت قائمة ولا يجري العمل على إغلاقها. وأعتقد أن ما نراه الآن يمثل عودة للوجود العسكري الأميركي الذي كان في المنطقة أثناء التسعينات بعد تحرير الكويت. نحن نرى عودة لهذا المستوى من الالتزام، وليس التراجع إلى نقطة الصفر.
الشرق الأوسط: هل تعتقد أن العلاقات السعودية – الأميركية الحالية تعد في أسوأ مراحلها منذ عام 1948؟
غريغوري غوس: لا أتفق مع ذلك على الإطلاق، فعلينا أن نعود إلى الحظر الذي كان مفروضا على النفط عام 1973 لكي نعرف متى كانت العلاقات في أسوأ مراحلها.. وتلتها مراحل أخرى شهدت توترا، فأنا لا أطلق عليها أزمة، ولكن أعدها اختلافا في الآراء. ذلك الاختلاف في الآراء هو حقيقة واقعية، ولا أريد أن التقليل من ذلك. الرياض وواشنطن لديهما وجهات نظر مختلفة في ما يتعلق بالأولوية حيال مسألة كبح جماح النفوذ الإقليمي لإيران، والتكتيك الأفضل للتعامل مع إيران، والأولوية حيال التكتيكات بشأن الأزمة السورية، وكذلك مسألة الديمقراطية في العالم العربي، وفي فترة ما بعد الربيع العربي. ويتضمن ذلك أيضا اختلاف وجهات نظرهما بشأن كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تنظيما سياسيا. كل هذا يعبر عن اختلافات حقيقية، ولكن دائما ما يكون هناك اختلافات بين السعودية والولايات المتحدة، ودائما ما يكون بينهما اختلافات بشأن المسائل المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي. وتتمثل المصالح الجوهرية التي لا تزال قائمة للتوحيد بين البلدين في النفط وتأمين التدفقات النفطية، بالإضافة إلى هدفهما المشترك في التعاون لمكافحة الإرهاب، وليس هناك أي ما يشير إلى أن التعاون العميق بين البلدين لمكافحة الإرهاب قد تغير على الإطلاق، وكل منهما يشترك في رغبته لمنع أي قوة إقليمية أخرى من الهيمنة على منطقة الخليج أو منطقة الشرق الأوسط، ومجددا الاختلاف بينهما يكمن في اختلاف التكتيك المتبع لتحقيق الهدف، ولكنهما ما زالا يتشاركان في هدفهما الاستراتيجي. وأنظر إلى هذه الفترة باعتبارها تشهد خلافات جادة حيال عدد من القضايا وليست باعتبارها تمثل أزمة في العلاقة بين البلدين.
الشرق الأوسط: لقد قمت بتأليف كتاب جيد عن العلاقات اليمنية – السعودية، وقد لعبت السعودية والدول الأخرى الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي دورا هاما في دعم اليمن خلال تلك المرحلة الانتقالية ماليا وسياسيا. ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه دول مجلس التعاون الخليجي لدعم اليمن؟ هل تعتقد أن فكرة عضوية اليمن بمجلس التعاون الخليجي لم يعد لها وجود، أم أنها لا تزال حقيقة من الممكن حدوثها في المستقبل القريب؟
غريغوري غوس: لا أعتقد أن هذا الأمر من المتوقع حدوثه في المستقبل القريب. ورأيي أن مجلس التعاون الخليجي دائما ما يمثل المنظمة التي تضم دولا ذات حكومات متشابهة، وهذا الشيء هو الذي يجعل تلك الدول تتمتع بالوحدة. ومجددا، أرى أن الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي لا يعملون سويا بشكل دائم، ولكنهم يتّحدون وقت الأزمة. وأعتقد أن سبب اتحاد تلك الدول في مواجهة الأزمة يرجع إلى حقيقة أنهم لديهم أنظمة حكم مماثلة، وبالنظر إلى اليمن نجد أن بها نظام حكم يختلف تماما عن تلك الدول. ولا أعتقد أن الدول الأخرى بمجلس التعاون الخليجي ستسمح بانضمام اليمن إلى تلك المنظمة الخاص بهم، وأرى أنه من المرجح بشكل أكثر أن ينضم الأردن إلى دول المجلس وليس اليمن. والأهم من ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار مسألة حقوق المواطنين التابعين لدول مجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بعبور الحدود، والعمل في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وأشك أن ترحب تلك الدول بفتح حدودها أمام اليمنيين، وهذا لا يعني أن اليمنيين لا يعملون في تلك الأماكن.
الشرق الأوسط: من دون حرج، ما أفضل كتاب حتى الآن عن الثورات العربية؟
غريغوري غوس: إنه سؤال شيق. الكتاب الذي أستخدمه في التدريس هو كتاب مارك لينش، ولكن هذا الكتاب يغطي فقط عام 2011، وهناك الكتب التي صدرت على عجل عام 2012، بواسطة الذين أعدوا تحليلا سريعا حول ما يشهده العالم العربي من أحداث. وما نحن بصدده الآن هو الموجه الجديدة من الكتب التي تتناول السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة بمنظور أوسع، ولذا أنا بانتظار هذه الكتب.