أنهى أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمس، أشهرا من التكهنات والتساؤلات بإعلانه، أمس، التنحي عن منصبه لنجله الشيخ تميم, وذلك بعد أن قاد بلاده لمدة 38 سنة (18 سنة أميرا و20 سنة وليا للعهد), وهو ما أثار اهتماما إعلاميا كبيرا، سواء من الداخل أو الخارج. ويعد هذا التنحي في حد ذاته شهادة على إنجازات رجل تولى قيادة دولة خليجية صغيرة وفقيرة نسبيا وحولها إلى دولة ذات ثقل كبير في السياسة الإقليمية والعالمية والدبلوماسية ووسائل الإعلام والرياضة والثقافة. «الشرق الأوسط» توجهت عبر الهاتف، أمس، إلى الدكتور سلمان شيخ مدير معهد «بروكينغز – الدوحة» لسؤاله عن التغييرات في العاصمة القطرية, فقال الدكتور سلمان شيخ: «إن حمد بن خليفة ينظر إلى الوراء عندما تولى السلطة عام 1995, ويقول بثقة إنه والذين معه قد حققوا كثيرا من التطلعات والأولويات التي وضعوها لبلدهم, وخلال مدة حكمه التي استمرت 18 عاما، أصبحت قطر واحدة من أغنى بلدان العالم، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 29 مليار دولار إلى ما يقرب من 200 مليار دولار». ويضيف: «يترك الشيخ حمد بن خليفة السلطة وهو يدرك جيدا أنه يحظى بكل احترام وتبجيل من جانب شعبه». ويقول: «سيقود البلاد الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وهو الابن الرابع للشيخ حمد. وتخرج تميم (33 عاما) في أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية العريقة، وتم إعداده على مدى العقد الماضي للقيام بهذا الدور. وكولي للعهد، شغل الشيخ تميم عددا من المناصب القيادية، بما في ذلك نائب القائد العام للقوات المسلحة القطرية ونائب رئيس مجلس العائلة الحاكمة ورئيس المجلس الأعلى للتعليم في البلاد. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، لعب الشيخ تميم دورا بارزا في صنع السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، بما في ذلك ما يتعلق بالصراعات في ليبيا وسوريا». وجاء الحوار على النحو التالي:
هل كان انتقال السلطة في الدوحة متوقعا؟
نعم، ويتم الإعداد لذلك منذ فترة. أعتقد أن القيام بذلك في هذا التوقيت الصعب في المنطقة يعكس الثقة الكبيرة التي يتحلون بها، كما أن الأمر كان يتطلب كثيرا من التحضيرات. كان هناك كثير من الإشاعات والتكهنات منذ عدة أشهر، ثم تحولت هذه الإشاعات خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى تقارير قوية وذات مصداقية. وأعتقد أيضا أن الأمر ربما لم يكن مفاجئا لبعض بلدان مجلس التعاون الخليجي والدول المجاورة، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات.
هل كانوا على علم بذلك منذ فترة؟
أعتقد ذلك، ولا أعتقد أن الأمر كان مفاجئا بالنسبة لهم، وربما كان هناك محاولة لإخبارهم بذلك، وأعتقد أن هذه الدول تشعر بالراحة تجاه تميم لأنها تعرفه جيدا على مدى السنوات القليلة الماضية.
وما رأيك في التكهنات المثارة بشأن الأسماء الجديدة في الحكومة القطرية؟
مثلما تم إعداد تميم على مدى العشر سنوات الماضية وقيامه بدور أكثر فعالية على مدى العامين أو الثلاثة أو أربعة أعوام الماضية، فأعتقد أيضا أنه يتم إعداد بعض الشباب للقيام بدور في الحكومة الجديدة، وبعضهم لديه علاقات وثيقة مع تميم ويحظون بثقة كبيرة من جانبه، وأعتقد أنه سيكون هناك تغييرات كبيرة في الحكومة قد تشمل مناصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية.
هل تتوقع أي تغيير في سياسة قطر الخارجية نتيجة لهذه التغييرات؟
في الواقع، لا أعتقد أن أساسيات وثوابت السياسة الخارجية لقطر ستتغير، على الأقل في الوقت الراهن. وستركز هذه السياسة على سوريا وأفغانستان، والاستمرار في محادثات السلام، كما ستركز على السودان، وسيكون لها موقف مماثل فيما يتعلق بدعم بعملية التحول السياسي. كل هذا في المرحلة الأولية بطبيعة الحال، ولكن على المدى الطويل لا أحد يعرف في حقيقة الأمر كيفية تعاطي الإدارة الجديدة المعنية برسم السياسة الخارجية مع التطورات التي ستحدث على الأرض. هناك بالتأكيد مزيد من النقاشات داخل قطر، في الوقت الذي يشعر فيه كثيرون بالفخر بما تم تحقيقه في مجال السياسة الخارجية. وأعتقد أن البعض قد يركز على سياسة خارجية أكثر هدوءا تتسق مع الدور المحايد الذي تلعبه قطر في عملية السلام وأشياء من هذا القبيل. ومع ذلك، لا يزال كل ذلك مجرد تكهنات، وعلينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث.
ما أولوية القيادة القطرية الجديدة خلال السنوات المقبلة؟
أعتقد أن قطر ستستمر في إعطاء أولوية لتعزيز الاستقرار في قطر، وتحقيق مزيد من الرخاء لمواطنيها. وأنا متأكد من أن قطر ستواصل السعي للقيام بدور قيادي في المنطقة، ولكن إلى أي مدى؟ هذا هو ما سنراه خلال الفترة المقبلة. وأعتقد أن القيادة الجديدة ستواصل العمل على تحسين العلاقات القطرية مع البلدان المجاورة، وأعتقد أن هذه النقطة ستكون أولوية للشيخ تميم، لا سيما مع الأصدقاء والحلفاء الرئيسين، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات والدول الخليجية، وآمل أن ينطبق الأمر نفسه على بلدان رئيسة أخرى، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
في كلمته أمام منتدى الدوحة قبل شهر، أكد الأمير حمد أنه لا يمكن لأحد أن يقف ضد التغيير الذي تشهده المنطقة، كما تحدث عن إعطاء فرصة للجيل الجديد. هل تعتقد أن هذه كانت إشارة للتغييرات التي نشهدها اليوم؟
دائما ما يتحدث الأمير حمد عن الأجيال المقبلة، وها هو يمنح الفرصة لجيل الشباب في قطر، ويؤمن بأنه يجب القيام بالشيء نفسه في المنطقة، ولذا فإن ما يحدث هنا يعد بمثابة إعادة تأكيد على رؤية الشيخ حمد.
يرى دبلوماسيون ومحللون عرب أن الأمير حمد قد اتخذ تلك الخطوة بهدف ضمان انتقال سلس للسلطة، ما مدى غرابة هذه الحدث في المنطقة؟
هذا الأمر ليس غريبا بالنسبة لقطر، لأنها لم تشهد انتقالا للسلطة بشكل تقليدي، وهو الشيء الواضح في هذا الصدد، ولكن حقيقة الانتقال السلس للسلطة والإعداد لذلك بشكل جيد داخليا وإقليميا سوف يجعل الأمر يبدو طبيعيا بصورة أكبر مما قد يكون عليه، ولكن هذه هي قطر التي تفاجئنا في كثير من الأحيان.
سيمثل الشيخ تميم بداية الصعود المفاجئ لجيل جديد على رأس واحد من أغنى بلدان المنطقة وأكثرها طموحا من الناحية السياسية. هل التقيت به شخصيا؟ وما انطباعك عنه؟
لقد رأيت الشيخ تميم، ولكني لا أعرفه في حقيقة الأمر، ولكن ما أسمعه عنه يؤكد أنه مؤهل للقيام بهذا الدور وأنه شخص مخلص لأصدقائه. أعتقد أنه شخص وطني يؤمن بقطر وبالشعب القطري. وأعتقد أنه سيلعب دورا كبيرا في لمّ الشمل، وهذه هي الصفات التي يتمتع بها بفضل تربيته على رؤية وأفكار والده ووالدته. وما رأيته يؤكد أنه شخص محبوب.
ما التحديات التي ستواجهه فور توليه المسؤولية؟
سيواجه الشيخ تميم كثيرا من التحديات، يتمثل أحدها في ملء الفراغ الكبير الذي سيخلفه رحيل والده، وكذلك العمل مع فريق شاب وجديد لديه خبرات بالطبع، ولكنه بحاجة إلى المزيد. وعلاوة على ذلك، سيواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بدءا من سوريا على وجه التحديد. سيواجه تحديات جمة ولن تكون الأمور سهلة بالنسبة له، ويتعين عليه أن يتكيف ويثبت نفسه ويعمل مع الفريق الجديد، ولكني أعتقد أنه يدرك كل ذلك جيدا، كما أن والده يدرك ذلك أيضا.
فيما يتعلق بسوريا، هل تعتقد أنه سيسير على نهج والده نفسه؟
أعتقد أن قطر مصممة على أن هناك حاجة للتغيير في سوريا وسنرى النهج نفسه في المستقبل. أما فيما يتعلق بكيفية تحقيق ذلك، فعلينا الانتظار ورؤية ما سيحدث. هل سيتم العمل من خلال تعاون إقليمي أكبر، ومشاركة أطراف أكثر.. علينا الانتظار لرؤية ذلك.
هل تعتقد أن هذا التغير سيؤدي إلى تغيير العلاقة بين قطر والغرب، أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه؟ رأينا كثيرا من الاستثمارات القطرية في الغرب خلال السنوات الماضية، لا سيما في أوروبا ولندن، هل سيستمر ذلك؟
أعتقد أنه سيكون هناك بعض الاستمرارية. ومن خلال ما رأيناه، أعتقد أن الإدارة الجديدة ستكون حريصة على تعزيز سمعتها على الساحة الدولية على نطاق واسع، ليس في مجال السياسة الخارجية فحسب، ولكن في مجالات أخرى مثل الثقافة والرياضة. وبناء على ذلك، أعتقد أن الرؤية نفسها ستستمر في هذا الصدد. وفي ضوء وجود حكومة جديدة من الجيل الجديد أعتقد أنه سيكون هناك محاولة لإضفاء الجانب الفني وبناء القدرات الداخلية للبلاد. وأعتقد أن هذا هو الشيء الذي يتعين عليهم القيام به.
الشيخ تميم يبلغ من العمر 33 عاما، هل تعتقد أن نقل السلطة إليه سوف يكون بمثابة إلهام لجيل الشباب في قطر؟
نعم، ولكن يتعين على الشباب أن يستمدوا إلهامهم من كثير من الشخصيات الأخرى أيضا، وبالتأكيد هناك كثير من الشباب المثيرين للإعجاب في قطر، والأمر نفسه ينطبق على الإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية. أعتقد أن الدول الخليجية، والعالم العربي بصفة عامة، لديها عدد هائل من المواهب التي ينبغي استغلالها. رأيت أشياء لا تُصدق في الإمارات وغيرها من الأماكن. ما تقوم به قطر يعكس ضرورة إعطاء الثقة لجيل الشباب فيما يمكن أن يقوم به.
ما الذي يعتزم الأمير القيام به بعد تقاعده؟ هل سيبتعد عن الساحة أم سيلعب دورا فعالا من وراء الكواليس؟
أعتقد أنه سيبتعد عن الساحة السياسية، وسوف يفعل ما قال. سوف يستمر من وراء الكواليس لبعض الوقت حسب الحاجة، ولكني أعتقد أنه يشعر، بعد هذا الإعلان، أنه يجب منح الفرصة للجيل الجديد لمواجهة التحديات.
تعد الشيخة موزة صورة مشرقة وفعالة لقطر، هل سيستمر ذلك؟ وما مدى تأثير هذا التغيير عليها؟
أعتقد أنها حفرت لنفسها دورا بارزا كشخصية دولية مرموقة تركز على قضايا التعليم، وأعتقد أنها ستستمر في القيام بالدور نفسه ربما لفترة طويلة، وربما يقل دورها على الساحة الداخلية، ولكن يتعين علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث. أعتقد مرة أخرى أن الشيخة موزة جزء من القيادة التي ترى أن الشباب يجب أن يقوموا بدور أكبر.
هل تود أن تضيف أي شيء؟
أنا أرى ذلك على أنه خلافة عائلية إلى جيل الشباب الذي لا يشمل الأمير الجديد فحسب، ولكنه يمتد إلى من هم حوله، وأعتقد أن هذا تطور مهم ومثير للاهتمام.