تحدث سلمان شيخ لموقع سيريا ديبلي عن حالة الصراع وإذا ما وصلنا إلى نقطة النضوج السياسي التي من شأنها أن تمهد الطريق لحل سياسي في البلد.
سيريا ديبلي: لم يتبقَ سوى القليل من السلطة المركزية في سوريا. فكل من نظام الأسد وداعش والنصرة يتنافس على الأرض والسلطة. إلى أي مدى تتوقع رؤية قوة هذه الأطراف تتعاظم أو تضمحل في العام المقبل؟
سلمان شيخ: أظن أننا سنرى وضعاً متقلباً على الأرض. سيكون نظام الأسد وداعش والنصرة اللاعبين الثلاث الأبرزميدانياً يسيطرون على بعض الأراضي. إلا أنهم جميعاً يعانون من الهشاشة، ما يشير إلى مزيد من التشرذم داخل سوريا. لقد رأينا هذا التشرذم بسبب تدخل القوى الخارجية خلال السنتين أو الثلاثة الماضية.
برأيي سنشهد توسعاً في استهداف داعش في سوريا في العام 2015 لأن الجهود الحالية (ضدها) غير كافية ولا نملك القوى القتالية على الأرض الضرورية لوضع حد لداعش. قد يخسر التنظيم من عديده لكنه لا يخسر من أراضيه. بل تفيد تقارير عدة أنه يزيد عديده بأكثر من 50 إلى 100 عنصر يومياً، أكانوا من السوريين أو الأجانب.
من جهتها، تعاني جبهة النصرة من الضعف لأنها تقع بشكل متزايد تحت هجمات قوات التحالف الدولي والنظام. أما النظام السوري، فهو ضعيف إلى حد كبير وقد يزداد وضعه سوءاً في العام 2015. فالاقتصاد منهار في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وقد أعطى الإيرانيون والروس سلفة ائتمانية ضخمة للنظام لتحفيز الاقتصاد. إلا أنّ أكثر ما يثير قلق النظام هو الجانب العسكري. فالعلويون يتركون الجيش بأعداد كبيرة، حيث يقال إن 50,000 علوي يتركون الجيش سنوياً. وتفيد بعض التقارير أيضاً عن التجنيد بالقوة. وأظن أنه لم يعد هناك من مناطق درزية تدعم النظام. وهذا الوضع يهدد استمرارية النظام.
ولعل العام 2015 سيشهد بداية انهيار النظام، على الأقل في بعض المناطق الاستراتيجية التي نجح بالحفاظ عليها حتى الآن. لكن الخبر السيء هو أن ذلك قد يأتي نتيجة ضغط داعش. فالنظام لم يحقق نتائج جيدة في الأماكن حيث تواجه مع داعش على الأرض.
من جهة أخرى، قد يكون الأكراد، بدعم قوات التحالف الدولي، الجهة التي ستنجح بجمع القدر الأكبر من الأراضي في سوريا بين الأطراف الأخرى.
سيريا ديبلي: ما هي المعارك أو المسائل التي تعتبر أن يكون دورها محورياً في العام 2015؟
سلمان شيخ: على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، تعاني البلاد من فراغ منذ بعض الوقت ومن غياب المبادرة السياسية من الأسرة الدولية. وتدخل الإيرانيون والروس في هذا الفراغ، لكن مصير الأسد سيكون المعركة السياسية الأساسية في بداية أي مسعى لعملية سياسية جدية.
وتقول المعارضة الرسمية إنها تريد الاستئناف من حيث توقفت في المحادثات من أجل سلطة حاكمة انتقالية بحسب مبادئ جنيف، لكن يبدو وكأن الروس، وبالطبع الإيرانيين، يريدون الابتعاد عن هذا الإطار. وفي الوقت نفسه، تغيب الولايات المتحدة عن النقاش. فهي لم تعبّر عن رأيها بشأن التحركات الروسية أو على نطاق أوسع كيف يجب أن تكون العملية السياسية.
أما الجانب الآخر من النقاش، فسيكون حول ما إذا كان يستوجب تيسيراً دولياً أم لا. فقد تحدث النظام السوري عن عملية سورية-سورية بتيسير روسي. ويبدو أنه يستبعد دوراً أكبر للأسرة الدولية، حتى للأمم المتحدة.
والواضح هو أن شرذمة البلاد تعني أننا لا نستطيع إضاعة المزيد من الوقت. لقد ظنّ كافة اللاعبين – أكانوا من أصدقاء سوريا أو ممن يدعمون الأسد أو حتى الأمم المتحدة مؤخراً –أنه يمكن السيطرة على هذا الصراع. لكن في الواقع لا يمكن السيطرة على هذا الصراع، فقد رأينا النتائج غير المقصودة تتبلور بشكل كارثي في العام 2014. والعام 2015 لا يعد بأن يكون أفضل، بل من المرجح في الواقع أن يكون أسوأ.
بالتالي، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: هل وصلنا إلى نقطة النضوج السياسي والدبلوماسي الذي سيتيح حصول مبادرة سياسية حقيقية؟ أظن أننا سنرى الروس يحاولون إطلاق مبادرة ما في يناير، ولكن ثمار هذه المحاولة مرتبطة باستعداد الأطراف، ومن يدعمهم بشكل خاص، بالاعتراف بواقع ما يجري والمضي قدماً.
سيريا ديبلي: هل هناك مستقبل للجيش السوري الحر؟ إلى أي مدى تم إبعاد المعارضة المعتدلة؟
سلمان شيخ: هناك ميل متزايد نحو إطار مرجعي إسلامي طاغٍ في الأشهر الستة الأخيرة. ها هم المعتدلون يضمحلون شيئاً فشيئاً على الأرض. منذ بدء عمليات قوات التحالف (ضد داعش) في العراق، وفي سوريا على نطاق أصغر، تراجع المعتدلون لأنهم لم يحظوا بأي دعم حقيقي ويرون أن التحالف يتجاهل الأسد. المأساة الحقيقية هي أننا لا نستطيع تخطي هذه النقطة أبقي الأسد أم لا. فلو كان هناك مسعى جدي لتجاوز الأسد والحفاظ على الدولة السورية ومؤسستها وإيجاد طريقة تلائم القوى الإقليمية ومصالحها، قد يكون وقتها من الممكن أن نجد حلاً.
سيريا ديبلي: هل أخفقت محاولة الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة لإضعاف داعش في سوريا؟ وكيف جنت النصرة المكاسب نتيجة ذلك؟
سلمان شيخ: نعم، وذلك لسبب بسيط ألا وهو أن السوريين نفسهم يركزون أكثر على نظام الأسد. إنّ نظام الأسد يقتل المدنيين السوريين عشرة أضعاف بالمقارنة مع داعش وهو يجوّع السوريين ويقصفهم ويعذبهم أكثر من داعش وإن كان التنظيم يقوم بأعمال رهيبة في سوريا. بين الأسد وداعش، يبقى التركيز حتى الآن على الأسد لأنه يُعتبر السبب وداعش أحد عوارض المشكلة الحالية. ثمّة اعتقاد أنه لو استطعت التخلص من الأسد والمحيطين به مباشرة، ستتمكّن عندها من قطع الشريان الحيوي الذي يغذي داعش والجماعات المتطرفة الأخرى, وفي الواقع، تُعتبر داعش وجبهة النصرة شريكين لأنهما تدّعيان التركيز أكثر على النظام. وطالما أن الأسرة الدولية تستمر بتجاهل الأسد، سيبقى الحال على ما هو عليه لسوء الحظ.
سيريا ديبلي: هل نجحت خطة وقف إطلاق النار التي وضعها المبعوث الأممي الخاص ستفان دي ميستورا؟ وهل ما زال هناك إمكانية لحل سياسي؟
سلمان شيخ: هناك إمكانية للتوصل إلى حل سياسي، لكنه يتطلب مجموعة من التنازلات التي لم نرها بعد من الأسرة الدولية وكذلك اتساق وتنظيم أكبر من السوريين المعارضين للأسد لم نرهما حتى الآن كذلك. لا شك في أنّ دي ميستورا هو دبلوماسي نافذ. لقد شارك في أكثر مهام الأمم المتحدة صعوبة في السنوات الـ15 الأخيرة في لبنان والعراق وأفغانستان. وهو صاحب مبادرة، لذا تابع المسعى ذات الطابع الإنساني أولاً في محاولة لتجميد الصراع حول حلب وإدخال المساعدات الإنسانية. وكان ذلك الجزء الأول من مسعى أكبر من شأنه أن يؤدي إلى جهود سياسية مركزة حول الحوار الوطني السوري. مشكلة دي ميستورا هي أنه يتعامل مع شعب حساس للغاية داخل سوريا. فقد كانت ردة فعل الكثيرين التشكيك بجهود يظنون أنها بقيادة النظام وروسيا بدل أن تكون جهوداً لصالح السوريين جميعهم. لقد حاول دي ميستورا التواصل مباشرة مع المعارضة ليحاول أن يقنع أطرافها بفكرة تجميد الاقتتال. علينا أن نقر أن سوريا الآن دولة ممزقة ومشرذمة ومقسمة. وسيحتاج السوريون لوقت طويل جداً ولعمل دؤوب ليتمكنوا من إنقاذ بلدهم، حتى وإن رحل الأسد.
ولا يزال السوريون ينظرون إلى أنفسهم أولاً وقبل كل شيء على أنهم سوريون يمكنهم العمل على مشاكلهم. كما أنّ العديد منهم لا يعتبرون أنهم مقسمون على أساس عشائري أو إثني أو ديني. لكن العقبة الأولى والأبرز في طريقهم هي 40 عاماً من حكم حزب البعث السوري وبشار الأسد والمجموعة المحيطة به. بالتالي، من الضروري إقامة حوار سوري بتيسير دولي. فالانقسامات عميقة جداً والألم أكبر من أن يكون من الممكن الاستغناء عن الدور الدولي الذي يمكن لعبه في الحوارات.