استضاف مركز بروكنجز الدوحة في 26 يونيو 2012 ندوة سياسية حول مستقبل مصر مع عمر عاشور الزميل الزائر في مركز بروكنجز الدوحة ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط لدى معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر البريطانية، وخالد الجندي الزميل الزائر في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط، وشادي حميد، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة. وتركز النقاش حول التحديات التي تواجه الحكومة المصرية الجديدة والمجلس العسكري الحاكم، وكذلك الدور المتطور للمجتمع الدولي في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. وقد أدار الندوة إبراهيم شرقية نائب مدير مركز بروكنجز الدوحة وحضره لفيف من الأكاديمين ورجال أعمال ودبلوماسيين و ممثلين عن وسائل الأعلام.
وصف عمر عاشور البيئة خلال الأسابيع التي سبقت انتخابات الإعادة الرئاسية في مصر، التي يتنافس فيها مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ضد رئيس وزراء حسني مبارك السابق أحمد شفيق. وقال عاشور أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF) قد هدد الإخوان، حيث إن نتيجة الانتخابات تتوقف على رغبة المنظمة في قبول الإعلان الدستوري المكمل الذي يقيد دور الرئيس ويوسع من صلاحيات المؤسسة العسكرية. ويعد فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية، من وجهة نظر عاشور، الحالة الثالثة التي ينتصر فيها الثوار على النظام، مشيرًا إلى انتفاضة يناير – فبراير 2011 هذا العام والانتخابات البرلمانية، التي شهدت القليل من الدعم للحزب الحاكم السابق.
وأوضح عاشور أن مرسي جاء إلى السلطة إلى حد كبير من خلال ائتلاف بين الإسلاميين وغير الإسلاميين الذين يأملون في تجنب العودة إلى عهد مبارك والقمع تحت حكم أحمد شفيق. وقد كان الإخوان على استعداد لتقديم عدد من التنازلات، بما في ذلك تعيين نواب للرئيس من النساء والأقباط. وقال عاشور أن جماعة الإخوان المسلمين تأمل في “استمرار تعبئة ميدان التحرير،” لكي يتحمل المجلس العسكري الحاكم مسؤولية أفعاله. وفي الوقت الحاضر، ما أطلق عليه عاشور اسم “علم نفس التسعينات” هو استيلاء على السلطة وتشجيع للهجة التصالحية التي يتحدث بها الإخوان. وأضاف أن أعضاء في تلك المنظمة وجماعات معارضة تذكروا القمع والسجن في التسعينات، وسوف يفعلون أي شيء لتفادي العودة إلى تلك البيئة.
وقال عاشور أن المؤسسة العسكرية يمكن أن تتحرك لتغيير ميزان القوى في مصر خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى ثلاث نتائج محتملة. أولاً: يمكن أن يحدث سيناريو مثل الجزائر في التسعينات، حين استخدم جنرالات العسكر وسائل قمعية لقمع الإسلاميين بعد مكاسبهم الانتخابية. ثانيًا: يمكن تكرار حالة تركيا في عام 1980، حيث عقد العسكر صفقة تسمح لهم بالحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والسيطرة على السياسات العليا. ثالثًا: النتيجة الأكثر إيجابية من وجهة نظر عاشور، حدوث سيناريو مثل سيناريو أسبانيا عندما وقع الجيش في نهاية المطاف تحت السيطرة المدنية الكاملة بعد أن حاول القيام بانقلاب في عام 1982 ضد الحكومة المنتخبة. والاختبار النهائي للتحول الديمقراطي، كما يشير عاشور، يكمن في ما إذا كان لدى المدنيين القدرة على السيطرة على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
بدأ شادي حميد تعليقاته عن طريق التكهنات حول ما إذا كان الرئيس المصري الجديد يتمتع بسلطات كبيرة، مشيرًا إلى الإعلان الدستوري المكمل الذي وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF). وأوضح حميد أن “ما يعول الإخوان المسلمين عليه هو إمكانية استخدام منصب الرئيس كمنصة لمواجهة المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF)”. وحقيقة أن مرسي ظهر في التلفزيون الحكومي لإلقاء خطاب القبول، حتى بعد مشاركة وسائل الإعلام الحكومية في حملة تشويه ضد الإخوان، تدل على الأهمية الرمزية للمنصب الرئاسي.
ذهب حميد إلى القول بأن جماعة الإخوان المسلمين قد تطورت خلال العام الماضي. بعد الحصول على 47 في المائة من مقاعد البرلمان، حيث أصبح الحزب “يشعر بالثقة المفرطة بالنفس وصار أكثر عدوانية”. وقد أدى ذلك إلى نفور الحلفاء الثوريين السابقين من الجماعات اليسارية والليبرالية. وأضاف حميد أن هذا الأمر قد أظهر جانبًا مختلفًا من جماعة الإخوان. حيث كانت المنظمة تتصف بشكل تقليدي بالحذر والتركيز الدقيق على المكاسب طويلة الأجل بدلاً من اللهث وراء السلطة. وأشار حميد إلى عدد من “الأخطاء” خلال هذه الفترة، وقال أنه يمكن تفسيرها من منظور المصلحة الذاتية والأيديولوجية. وشدد على أن الإخوان المسلمين يتمتعون بفهم مختلف للأغلبية الديمقراطية. فمنذ حصولها على شبه الأغلبية في البرلمان، شعرت أن لديها تفويضًا قويًا للحكم، وأصبحت رافضة للقوى الأخرى.
وأوضح حميد أنه في الآونة الأخيرة قد تحول الإخوان إلى نهج أكثر ميلا للمصالحة والتجميع بدافع الحاجة لبناء تحالف ضد شفيق. وخلال أسبوعين من الحملة الانتخابية، عرضت جماعة الإخوان المزيد من التنازلات للأطراف الأخرى، بما في ذلك الإعلان عن الجبهة الموحدة مع القوى الثورية والليبرالية واليسارية. وقال حميد أنه ما زال علينا أن نرى ما إذا كانت هذه التحركات البراغماتية سوف تفضي إلى إستراتيجية طويلة الأجل تؤكد على الاندماج والإجماع. ويتكهن حميد قائلاً أنه طالما ظل المجلس العسكري يمثل التهديد الرئيسي للديمقراطية المصرية، ستواصل جماعة الإخوان التواصل والعمل مع القوى الثورية. وفي بعض النواحي، يحتاج الإخوان إلى المجلس العسكري لأنه يمثل العدو الذي يجب أن تتحد قوى المعارضة ضده.
واختتم حميد تصريحاته بالحديث عن العلاقات بين الولايات المتحدة والإخوان المسلمين. ففي حين أن هناك شك حول دور الولايات المتحدة في مصر، هناك أيضًا تهويل إلى حد كبير في موقف الولايات المتحدة حال فوز مرسي، وخاصة في وسائل الإعلام والخطاب الشعبي. وعلى الرغم من مناهضة الإخوان التقليدية لأمريكا، فإن الإخوان خلال الأسابيع الماضية ذكرت مرارًا وتكرارًا أنها تسعى للشراكة الاقتصادية مع دول الولايات المتحدة وأوروبا. ويتابع حميد القول بأن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى تحقيق هدفين: مواجهة المجلس العسكري وتحسين الاقتصاد. وهناك اعتراف داخل قيادة الإخوان بأن الغرب سيكون عامل حسم في كلا المجالين، حيث إنه يوفر فرصًا لمزيد من التعاون بين الجانبين.
بدأ خالد الجندي كلمته بالقول بأن التطورات الأخيرة لا تمثل نقطة النهاية، ولكنها بداية التحول في مصر – التي لم تتقدم بعد صراع على سلطة طال أمدها بين الإسلاميين والجيش والثوار. وكرر الجندي النقاط التي أدلى بها عاشور وحميد قائلا أن جميع الفئات قد “تجاوزت الحد”. حيث ينظر الإخوان والأحزاب الإسلامية الأخرى الآن في الأخطاء التي ارتكبوها لتفسير أغلبيتهم في البرلمان “بوصفها ولاية لهم ولفلسفتهم،”. وقد اتضحت هذه التأملات، كما يقول الجندي، من قبل الخريطة السياسية لتفضيلات الناخبين التي لم تكن موجودة قبل الفترة الأخيرة من الانتخابات. وإذا كان للإخوان “أن ترتفع إلى مستوى الحدث” وتعمل على توحيد القوى السياسية، سيتطلب الأمر منها مزيدًا من التواضع، بينما سيتعين على الرئيس مرسي أن “يسمو فوق جذوره الإخوانية”. وكلاهما سؤالان هامان، نظرًا للغطرسة التي ظهرت على الجماعة في الآونة الأخيرة، وخلفية مرسي الموالية للجماعة.
ثم تطرق الجندي إلى تأثير التطورات الأخيرة على العلاقات المصرية الأمريكية، حيث قال أن البيت الأبيض قد اتخذ موقفًا حذرًا ولكنه إيجابي بشأن نجاح الإسلاميين في الانتخابات والحاجة إلى استعادة الحكم المدني. وانطلاقًا من كونه “المتعهد” بشؤون الجيش المصري، يقول الجندي أن الولايات المتحدة تواجه ضغوطا للتحرك بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة مؤخرًا. وقال أنه مع ذلك من غير المرجح أن واشنطن “ستعود إلى لهجتها” في اتباع نهج أكثر حدة مع المجلس العسكري نظرًا لمصالح الولايات المتحدة في كل من مصر والمنطقة. وأوضح الجندي أن الولايات المتحدة كانت دائما تنظر إلى الأحداث في مصر على أنها ليست ثورة، بل باعتبارها “عملية انتقالية يديرها النظام،” وكانت سعيدة بقبول الحكم العسكري.
ويرى الجندي أن خطوة المعونة المشروطة كانت “سيفًا ذا حدين” حيث يمكن أن “تشعل الكرامة الوطنية، وتعزز العار الوطني، وتجعل الجهات السياسية الفاعلة أقل قبولا [بمصالح الولايات المتحدة]. وعلى الرغم من النفوذ الأمريكي على الجيش المصري، يشير الجندي إلى أن المجلس العسكري لم يتردد في” تأجيج نيران العداء لأمريكا” في الأشهر الأخيرة. وكان تحديد أي المساعدات التي يمكن تخفيضها بمثابة السؤال الصعب، نظرًا للأهمية الإستراتيجية للمساعدات العسكرية في العلاقات مع إسرائيل، والظلم المتصور من قطع المساعدات المدنية. وافترض الجندي أن الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر سوف تظل قائمة على الأرجح، على الرغم من أن كلا الطرفين سينظران إلى بعضها البعض على أنهما “عدو في لباس صديق” في شكل يعكس علاقات الولايات المتحدة مع تركيا وباكستان.
وعقب تصريحات المتحدثين جاءت الأسئلة والأجوبة. فسأل أحد الحاضرين كيف سيكون رد فعل القوى الليبرالية على انتخاب رئيس من الإخوان المسلمين. قال عمر عاشور أن البديل كان تولي شفيق منصب الرئاسة مما وفر للجهات الفاعلة الثورية والليبرالية مساحة أقل للحركة. وبالنظر إلى أن مرسي لا يسيطر على الأجهزة الأمنية ويقع تحت مراقبة دولية شرسة، فإن “تكاليف الدخول في صراع معه سيكون أقل بكثير”. وفي الوقت نفسه عبر شادي حميد عن أسفه لما أسماه “الليبراليين غير الديمقراطيين” الذين كانوا على غير استعداد لقبول مكاسب انتخابية للإسلاميين حتى أنهم رحبوا بحل البرلمان. وقال أنه نظرًا لعدم وجود “مجموعة كبيرة قوية” بين الليبراليين تؤمن بحق بالعملية الديمقراطية فقد كان هذا بمثابة التطور المقلق.
سأل أحد الحضور عما إذا كانت الجهات السياسية الفاعلة في مصر من شأنها أن تثير توترات مع إسرائيل من أجل حشد الدعم وتأكيد السيطرة. قال حميد والجندي أن محاولات التحريض على المشاعر المناهضة للولايات المتحدة ومعاداة إسرائيل وسائل مجربة ومعرفة، وستظل ميزة حتى الآن، وخصوصًا مع ارتفاع المشاعر المعادية للأجانب عامة والشعور بالقومية. وقال عاشور أن الجيش نفسه، على الرغم من ذلك، من غير المحتمل أن يستخدم إسرائيل كسبب لحشد الدعم حوله، نظرًا لعدم الرغبة في تعريض المزايا التي يتمتعون بها حاليا للخطر. وللحفاظ على الوحدة الداخلية والدعم الخارجي، كما يقول عاشور، سوف يستمر الجيش على الأرجح في التأكيد على زعزعة استقرار التهديدات الأخرى، بما في ذلك حماس والمتمردين في سيناء وحتى الثوار أنفسهم.